للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام

قول وعمل واعتقاد

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

دين الإسلام الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه مشتمل على أقوال

وأعمال واعتقادات، بالإسلام بعث الله جميع النبيين، قال تعالى: [ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ

الإسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] . وقال: [إنَّ الدِّينَ عِندَ

اللَّهِ الإسْلامُ] . وقال نوح: [يَا قَوْمِ إن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ

فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا

إلَيَّ ولا تُنظِرُونِ (٧١) فَإن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ وأُمِرْتُ

أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ] .

وأخبر الله عن إبراهيم عليه السلام أن دينه الإسلام فقال تعالى: [ومَن

يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ولَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وإنَّهُ فِي الآخِرَةِ

لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ (١٣١) ووَصَّى

بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم

مُّسْلِمُونَ] . وقال تعالى: [ومَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ

مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً واتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً] وبمجموع هذين الوصفين: إسلام

الوجه لله والإحسان في العمل علق السعادة فقال تعالى: [بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ

وهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ] ، كما علقها

بالإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح فقال -: [إنَّ الَذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هَادُوا

والنَّصَارَى والصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ

رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ] ، وهذا يدل على أن الإسلام الذي هو

إخلاص الدين لله مع الإحسان وهو العمل الصالح الذي أمر الله به هو والإيمان

المقرون بالعمل الصالح متلازمان.

فالإسلام أن تعبد الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين، وهذا دين الله الذي

لا يقبل من أحد ديناً سواه لا من الأولين ولا من الآخرين، ولا تكون عبادته مع

إرسال الرسل إلينا، إلا بما أمرت به رسله، لا بما يضاده، فإن ضد ذلك معصيته، وقد ختم الله الرسل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون مسلماً إلا من شهد

أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وهذه الكلمة بها يدخل الإنسان في

الإسلام.

ثم لابد من التزام ما أمره به الرسول من الأعمال الظاهرة كالمباني الخمس:

الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج، ومن ترك من ذلك شيئاً نقص إسلامه

بقدر ما نقص من ذلك كما في الحديث: «من انتقص منهن شيئاً فهو سهم من

الإسلام تركه» .

والدين: مصدر دان يدين ديناً، إذا خضع وذل، ودين الإسلام الذي ارتضاه

الله وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده، وهو الخضوع له والعبودية له، قال

أهل اللغة: أسلم الرجل إذا استسلم. فمن استكبر عن عبادة الله، أو عبده وعبد معه

إلهاً آخر لم يكن مسلماً، وجميع الواجبات الظاهرة داخلة في مسمى الإسلام.

ويدخل في مسمى الدين أيضاً عند الإطلاق الاعمال الباطنة وهي أعمال

القلوب؛ كالحب والخوف والرجاء والخشية والرغبة والرهبة والإنابة والتوكل

والمعرفة واليقين والصدق، وعلم القلب وتصديقه؛ كالإيمان بالله وملائكته وكتبه

ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

كما يدخل فيه جميع الأعمال الظاهرة، كالنطق بالشهادتين والصلاة وأداء

الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام وبر الوالدين والإحسان إلى الأقارب

والجيران والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدخل فيه أيضاً: إفشاء السلام

وإطعام الطعام والجهاد في سبيل الله وطاعة أولي الأمر في طاعة الله ونصح

المسلمين وتعليمهم وإرشادهم، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في آخر حديث

جبريل الطويل: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» بعد أن شرح درجة الإسلام

ودرجة الإيمان ودرجة الإحسان، فجعل ذلك كله ديناً.

وكذلك ترك المحرمات داخل في مسمى الإسلام ومسمى الدين كالزنا والرياء

والسرقة وشرب الخمر وأكل مال اليتيم وإيذاء الجار بقول أو فعل.

فالخلاصة أنه يدخل في مسمى الدين ومسمى الإسلام عند الإطلاق: فعل

جميع الواجبات القولية والفعلية، وترك جميع المحرمات القولية والفعلية.

والأدلة على ارتباط أعمال الدين بالقلب واللسان والجوارح كثيرة منها حديث

جبريل المشهور فإنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان

والإحسان، فأما الإسلام فقد فسره النبى - صلى الله عليه وسلم - بأعمال الجوارح

الظاهرة من القول والعمل، وأول ذلك شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول

الله، وهو عمل اللسان، ثم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت

من استطاع إليه سبيلاً، وهي منقسمة إلى عمل بدني، كالصلاة والصوم، وإلى

عمل مالي وهو إيتاء الزكاة، وإلى ما هو مركب منهما كالحج، ومن الأدلة أيضاً

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول:

لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق» فدل هذا الحديث على أن

الإيمان أصل له شعب، وشعبه هي أعمال القلوب وأعمال الجوارح، قال - صلى

الله عليه وسلم -: «الحياء شعبة من الإيمان» وكذلك التوكل والخشية والإنابة

من شعبه، وكذلك الصلاة من الإيمان والزكاة والصوم والحج، حتى تنتهي هذه

الشعب إلى: إماطة الأذى عن الطريق، وبين شعبة الشهادة وشعبة الإماطة للاذى

عن الطريق شعب متفاوتة، منها ما يقرب من شعبة الشهادة، ومنها ما يقرب من

شعبة الإماطة، ومن الأدلة أيضاً قوله - عليه السلام -: «من أحب لله وأبغض لله

وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيما» ن، فأدخل أعمال القلوب - وهو:

الحب والبغض - في الإيمان، كما أدخل أعمال البدن في الإيمان - وهو: الإعطاء

والمنع - ومن الأدلة أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم

المسلمون من لسانه ويده» ، فسمى المسلم من ترك أذية الناس بلسانه ويده، ومن

ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ،

ويدل على هذا أيضاً ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث العرباض

بن سارية - رضي الله عنه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «ضرب

الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى

الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا

الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداع يدعو من جوف الصراط، فإذا أراد أحد أن يفتح

شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط:

الإسلام، والسوران: حدود الله عز وجل، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك

الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من جوف الصراط: واعظ الله

في قلب كل مسلم» ، زاد الترمذي: «والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء

إلى صراط مستقيم» ، ففي هذا المثل الذي ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم -:

أن الإسلام هو: الصراط المستقيم الذي أمر الله بالاستقامة عليه، ونهى عن

مجاوزة حدوده، وإن ارتكب شيئاً من المحرمات فقد تعدى حدوده، ومن الأدلة ما

في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبى -

صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؛ قال: «أن تطعم الطعام وتقراً السلام

على من عرفت ومن لم تعرف» ، إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة الدالة على أن

أعمال الدين مرتبطة بالقلب واللسان والجوارح، ومن نطق بالشهادتين ولم يصدق

بقلبه ولم يعمل بجوارحه فمن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشارع -

صلوات الله وسلامه عليه - لم يجعل الإيمان حاصلاً بمجرد قول اللسان؛ فإن

المنافقين يقولون: لا إله إلا الله بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين في الدرك الأسفل

من النار، وقد نفى الله الإيمان عنهم في القرآن الكريم كما قال تعالى: [وَمِنَ

النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ] ، وقال: [إذَا جَاءَكَ

المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِينَ

لَكَاذِبُونَ] ، وقال عن المنافقين: [يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ] ، وقال

عن المشركين: [يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ] ، فلا يكون

الإنسان مؤمناً مسلماً حتى يتواطأ قلبه ولسانه على النطق بالشهادتين، ويعمل

بجوارحه وقلبه بمقتضاهما من المحبة والطاعة والانقياد وخوف الله ورجائه

والصلاة والصيام وغير ذلك، فإنه من المعلوم بالضرورة أن الشارع الحكيم رتب

الفوز والفلاح على التكلم بالشهادتين مع الإخلاص والعمل بمقتضاهما، كما قال -

صلى الله عليه وسلم - في حديث عتبان: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله

إلا الله، يبتغي بذلك وجهه الله» ، ولما سأل أبو هريرة النبي - صلى الله عليه

وسلم -: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: «من قال: لا إله إلا الله

خالصاً من قلبه» ، وفي رواية: «مخلصاً من قلبه» ، وفي رواية: «صادقاً من

قلبه دخل الجنة» ، وفي حديث آخر: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من

دون الله» ، إذن فلابدّ من قول: لا إله إلا الله مع معرفتها بالقلب ومحبتها ومحبة

أهلها وبغض من خالفها ومعاداته، فإن هذه الكلمة هي كلمة التقوى وهى العروة

الوثقى وهي التي جعلها إبراهيم - عليه السلام - باقية في عقبه لعلهم يرجعون،

وهو - عليه السلام - يتبرأ من الشرك وأهله، كما قال تعالى: [وجَعَلَهَا كَلِمَةً

بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] .

ومن امتنع عن العمل بجوارحه وقال: الدين في القلب محتجاً بقوله - عليه

السلام -: «التقوى ههنا» وأشار إلى صدره، فيقال له: إن الإيمان الذي في

القلب لابد أن تصدقه الجوارح بأعمالها، فإن التصديق يكون بالأفعال كما يكون

بالأقوال، كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ...

«العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني

وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» ، وقال الحسن البصري - رحمه الله - ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما ... وقر في الصدر وصدقته الأعمال) ، وأما قوله - عليه السلام-: «التقوى ههنا - ... ويشير إلى صدره ثلاث مرات» ، ففيه إشارة إلى أن كرم الخلق عند الله بالتقوى، فرب من يحقّره الناس لضعفه وقلة حظه من الدنيا وهو أعظم قدراً عند الله ممن له ... قدر في الدنيا، كما قال بعد هذه العبارة: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه

المسلم» وقال قبلها: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا

يحقره» ، فإن الناس إنما يتعاونون بحسب التقوى، كما قال تعالى: [إنَّ ... أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] ، وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكرم الناس؟ قال: «أتقاهم لله تعالى» ، وفي حديث آخر: «الكرم التقوى» ، والتقوى أصلها في القلب، كما قال تعالى: [وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى

القُلُوبِ] ، وكما قال الله في الحديث القدسي، حديث أبي ذرّ الطويل. «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً» . وفي هذا دليل على أن الأصل في التقوى والفجور هي القلوب، فإذا برّ القلب واتقى برّت الجوارح، وإذا فجر القلب فجرت الجوارح، ولا شك أنه يلزم من عدم طاعة الجوارح عدم طاعة القلب، إذ لو أطاع القلب وانقاد لأطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعة القلب وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» ، فمن صلح قلبه صلح جسده قطعاً.

ومن امتنع عن النطق بالشهادتين مع قدرته على ذلك، فلا شك أن الإسلام

يزول بفقد الشهادتين إذ المراد بالشهادتين الإيمان بالله ورسوله، والشهادتان عَلَم

الإسلام، وبهما يصير الإنسان مسلماً إذ من أقر بالشهادتين صار مسلماً حكماً، فإذا

دخل الإسلام بذلك ألزم بالقيام ببقية خصال الإسلام، وقد ضرب العلماء مثل الإيمان

بمثل شجرة لها أصل وفروع وشعب، فاسم الشجرة يشتمل على ذلك كله، ولو زال

شيء من شعبها وفروعها لم يزل عنها اسم الشجرة، وإنما يقال هي شجرة ناقصة

وغيرها أتم منها، وقد ضرب الله مثل الإيمان بذلك في قوله تعالى: [ضَرَبَ اللَّهُ

مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ] ، والمراد بالكلمة

كلمة التوحيد، وبأصلها التوحيد الثابت في القلوب، وأُكُلها هو: الأعمال الصالحة

الناشئة فيها، وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل المؤمن والمسلم بالنخلة، ولو زال شيء من فروع النخلة ومن ثمرها لم يزل بذلك عنها اسم النخلة بالكلية.

وإن كانت ناقصة الفروع أو الثمر، فمن ترك الشهادتين خرج من الإسلام، إذ يعلم

من مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - علماً ضرورياً أن من لم يتكلم بلسانه

بالإيمان مع قدرته على ذلك ولا صلى ولا صام ولا أحب الله ولا رسوله ولا خاف

الله أن هذا ليس بمؤمن وإن ادعى أنه عارف بقلبه صدق رسول الله - صلى الله

عليه وسلم -، فإن معرفته بقلبه لا تنفعه والحالة هذه؛ إذ أن الشارع رتب الفلاح

والفوز على النطق بالشهادتين مع العمل بمقتضاهما، والأدلة على ذلك كثيرة

مشهورة عند العلماء، من ذلك: حديث جبريل المشهور الطويل في سؤاله للنبى -

صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأجابه بأن الإسلام: أن

تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة،

وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. ومن ذلك: حديث عبد الله

بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» ، رواه البخاري

ومسلم، وفي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى

الله عليه وسلم - قال لوفد عبد القيس: «آمركم بأربع: الإيمان بالله وحده، وهل

تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم

رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم» ، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله

عليه وسلم - قال: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» .

ومن أجل هذه الكلمة خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وخلق

الجنة والنار، قال تعالى: [ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ] ، وقال تعالى:

[ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ] ، وقال

تعالى: [ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ] وقال

تعالى: [واذْكُرْ أَخَا عَادٍ إذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ

خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ اللَّهَ] وهذا معنى كلمة الإخلاص الذي اجتمعت عليه الرسل.

فمن نطق بهذه الكلمة عارفاً لمعناها صادقاً من قلبه عاملاً بمقتضاها فهو المسلم، ومن امتنع عن النطق مع قدرته ولم يعمل بمقتضاها فليس بمسلم وإن ادعى

الإسلام.

وفق الله المسلمين لتحقيق إسلامهم وإيمانهم، إنه سمع مجيب.