للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[حرب الولايات المتحدة الأخيرة]

د. يوسف بن صالح الصغير

[email protected]

حقاً لقد أصبح العالم قرية واحدة تفرح لفرح المختار، وتحزن لحزنه؛ فالحق

قوله، والعدل فعله وحكمه، مطالبه مجابة، الخارج عن القانون هو من تمرد على

سلطانه، وسيئ الأدب من طالبه ببرهان على أحكامه، ومجلس القرية لا يسمع

شكاية أحد من الرعية إلا بإذنه، ولا يلام أحد من أبنائه على فعله أو فكره. كل ما

سبق هو الحال معه في وقت الرضا، أما في حال السخط والغضب فعلى الجميع

ترديد ما يقول والسير معه في طريق المجهول.

إنه وقت عصيب ومصيري هذا الذي تمر به الأمة الإسلامية؛ حيث تجري

حالياً محاولة جرها إلى صراع دامٍ غير محدود لا في الوسائل ولا في الغايات؛ فلقد

تعرضت رموز الهيمنة الأمريكية العسكرية والاقتصادية الممثلة بمقر وزارة الدفاع،

وبرجي مركز التجارة العالمي للهجوم، وعاشت أمريكا وقتاً عصيباً وحالة من

الارتباك؛ حيث تنقل الرئيس بين القواعد السرية، وتم إخفاء نائب الرئيس عن

الأنظار؛ وما زال محظوراً اجتماع الرئيس مع نائبه خوفاً من التصفية مما يدل

على شعور الإدارة بأن هناك تهديداً جدياً للحكومة الفيدرالية، ولا يمكن أن يكون

هذا إلا من الداخل؛ ومع ذلك وقبل تحديد كيفية الهجوم وأبعاده سارعت السلطات

إلى تلفيق سريع وغير متقن، وتم نشر لائحة المتهمين اعتماداً على استعراض

أسماء الركاب العرب في الطائرات، وعلى أسماء العرب الذين تدربوا على

الطيران، وحاولوا إيهام أنفسهم والعالم أن مجرد التدريب السريع على طائرة

صغيرة يؤهل لقيادة طائرات الركاب الضخمة المعقدة، وتنفيذ مناورات صعبة لا

يمكن أن يقوم بها إلا طيارون متمرسون؛ ومع انكشاف أن أحد المتهمين قد مات

قبل الحادثة وأن آخرين موجودون وأحياء في أماكن أخرى فإننا نلاحظ الإصرار

على دق طبول الحرب ضد جهات لم تتبنَّ العملية ولم يثبت عليها شيء؛ وكان رد

الحكومة الأمريكية على طلب طالبان المنطقي بإبراز الأدلة أن هذا الأمر غير قابل

للتفاوض، وحتى عندما أحرج وزير الخارجية وصرح بأنه سيتم إطلاع الحلفاء

الغربيين على أدلة فإن بوش تراجع من الغد، وليس هناك تفسير لهذا إلا أنه في

الحقيقة لا توجد أدلة تدعم مزاعم أمريكا، وأيضاً فإن من المريب أن الاستعدادات

الضخمة واستغلال الفرصة للتمركز في قواعد أجنبية حول العالم لا يتناسب مع

الهدف المعلن وهو القبض على شخص متهم لاجئ في بلد فقير مطحون! !

لقد أعلن الرئيس شعار: (حرب الإرهاب) ، وأرفق ذلك بتهديد جميع دول

العالم بأن من لم يقف مع أمريكا فهو في صف الإرهاب، وسرت الرعشة في

أوصال العالم، وأصبحت كلمة الإرهاب، تردد على كل لسان؛ ولا بأس في

استخدام الإرهاب من أجل محاربة الإرهاب، وأُجبر الفلسطيني الذي ينزف دمه

يومياً بسلاح أمريكا أن يتبرع بدمه لأمريكا ولسان حال الجميع أنه لا يمكن ضرب

بلد وقتل آلاف الناس بدون دليل ظاهر أو خفي، وأنه لا يمكن لدولة ترفع شعار

حقوق الإنسان والحرية أن تستغل هذا الحدث من أجل تحقيق مكاسب مادية

واستراتيجية، صحيح أنه لم يتم تحديد مفهوم الإرهاب، ولكن الذي نعرفه أنه في

بعض بقاع الدنيا يكون فيه الطفل الذي يرمي الحجر على جندي مسلح يحتل أرضه

إرهابياً، والمجاهد الذي يفجر نفسه بين جنود العدو إرهابياً؛ بينما يعتبر إطلاق

الجندي النار عمداً على رأس الطفل الأعزل دفاعاً عن النفس! أما استعمال

الطائرات في هدم المباني السكنية على رؤوس ساكنيها فهو حق مشروع، والسؤال

الملحُّ: هل لدى أمريكا مبدأ واحد تسير عليه؟ وهل تاريخ أمريكا وممارستها

يؤهلها لتحديد مفهوم الإرهاب قبل أن تكون جديرة بمحاربته؟ ولنستعرض بعض

الوقائع التاريخية:

أولاً: لقد قامت أمريكا أساساً على مبدأ استعماري حيث تلازم توطين

المستعمرين الأوروبيين على عمليات إبادة وطرد سكان البلاد الأصليين الذين

تناقص عددهم من ٢٠ مليون في القرن السادس عشر الميلادي إلى حوالي ٤٠٠

ألف فقط بعد خمسة قرون، بل الأنكى من ذلك أن البقية الباقية منهم معزولة

بصورة مقننة؛ فهي محرومة من أبسط الحقوق التي يتمتع بها حتى المهاجرون

الجدد.

أما الطامة الأخرى فهي استعباد ملايين الأفارقة واستمرار التمييز ضدهم حتى

وقتنا الحاضر.

ثانياً: بعد حرب الاستقلال بدأت مرحلة التوسع على حساب المكسيك، ثم

تطورت الفكرة إلى مشروع تصفية الاستعمار الأسباني والحلول محله، وبدأت منذ

عام ١٨٩٨م ما يسمى بالحرب الأسبانية الأمريكية، وكانت النتيجة هي سيطرة

أمريكا على المستعمرات الأسبانية في أمريكا الوسطى والفلبين، وما تزال أمريكا

إلى يومنا هذا تعتبر أمريكا الجنوبية مجالاً حيوياً حيث تتمتع الدول باستقلال اسمي

يسمح لأمريكا بالتدخل المباشر؛ لإسقاط الأنظمة المتمردة بل حتى اعتقال رؤساء

الدول وجلبهم للعدالة في أمريكا! مثل أحداث جرينادا ١٩٨٣ ١٩٨٤م، وبنما

١٩٨٩ ١٩٩٠م، وهاييتي ١٩٩٤ ١٩٩٦م.

ثالثاً: بعد الحرب العالمية الأولى وبروز أمريكا عالمياً دخلت حلبة التنافس

الاستعماري، وبدأت بمضايقة التوسع الياباني في منشوريا والصين في الثلاثينيات

الميلادية، وأثناء الحرب العالمية الثانية واحتلال اليابان لجنوب آسيا حتى حدود

الهند شرقاً وأندونيسيا جنوباً؛ فقد دخلت أمريكا في مواجهة مباشرة مع المستعمر

الآسيوي بهدف تحطيمه أولاً ووراءه الاستعمار القديم في المنطقة ثانياً. ويعترف

المؤرخون في أمريكا أن هناك تفرقة في التعامل الأمريكي أثناء الحرب مع كل من

الألمان واليابانيين؛ فقد كان التعامل مع الألمان يراعي إمكانية التحالف المستقبلي،

ولم يتم التعرض للأمريكان ذوي الأصول الألمانية. أما الأمريكيون ذوو الأصول

اليابانية؛ فقد تحركت آلة الكراهية ضدهم، وتم تجميعهم في معسكرات معزولة.

أما في مسارح العمليات؛ فقد كانت الحرب غير متكافئة خاصة في المراحل الأخيرة؛

ومع ذلك فقد كان هناك إصرار أمريكي على إبادة القوات اليابانية وتعداه إلى

ارتكاب إبادة جماعية للمدنيين؛ وذلك بإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما

ونجازاكي بفارق ثلاثة أيام، وكان استعمال هذا السلاح جريمة مضاعفة؛ لأنه ليس

له ضرورات عسكرية؛ حيث إن اليابان المثخنة بالجراح تقف وحيدة بعد استسلام

ألمانيا، وكان استسلامها مسألة وقت. وحتى يعرف القارئ كيف كانت الحرب

تسير قبل استعمال هذا السلاح الرهيب نضع أمامه نتائج العمليات الكبيرة السابقة

لتدمير المدينتين:

- في احتلال جزيرة أبوجيما خسر اليابانيون ٢٢. ٣٠٠ قتيل و١٠٠٠ أسير،

وخسر الأمريكيون ٦٠٠٠ قتيل.

- في احتلال جزيرة أوكيناوا خسر اليابانيون ١١٠ آلاف قتيل، ٧٨٠٠

طائرة، ١٢ ألف طيار، وخسر الأمريكيون ٧١٦٣ قتيلاً فقط.

- وكانت الطائرات الأمريكية تقصف القواعد البحرية والأهداف الصناعية

والمدن بدون مقاومة تقريباً نظراً لتدمير سلاحَي البحرية والطيران اليابانيين، وفي

٢٦ يوليو عرض الرئيس الأمريكي (ترومان) فرصة الاستسلام دون قيد أو شرط

وإلا تعرضت لدمار شامل لم يحدد نوعه.

- وفي ١٦ أغسطس تم إلقاء القنبلة الأولى على مدينة هيروشيما التي تدمرت

بنسبة ٦٠% وقتل فيها ١٥٠ ألفاً، وبعد ثلاثة أيام تم إلقاء قنبلة أخرى على

ناجازاكي.

والسؤال هنا: هل كانت هناك ضرورة لهذه المجزرة؟ لقد قدم حوالي ٦٠

عالماً عريضة للرئيس الأمريكي يطلبون عدم استخدام هذا السلاح ولكن تم رفض

حتى استعمال هذا السلاح على جزيرة مهجورة في اليابان، وكان رد فعل الرئيس

الأمريكي على أنباء نجاح التفجير فوق هيروشيما هو أنه أخذ يصيح في غبطة وهو

يقول: «أيها الأولاد! لقد رميناهم ببلاطة تساوي قوة ٢٠. ٠٠٠ طن من

الديناميت» . والحقيقة أن أمريكا استعملت القنبلة لهدفين أساسيين هما:

أولاً: إظهار القوة والانفراد بامتلاك هذا السلاح الرهيب؛ وفي هذا إشارة

للعالم، وإنها القطب الأوحد.

والثاني: هو دراسة ميدانية لآثارها على البشر والمنشآت. وللعلم فحتى الآن

لم تتفضل أمريكا بالاعتذار عن هذه الجريمة للشعب الياباني بل تتضايق من إحياء

اليابان لهذه الذكرى.

رابعاً: لقد عاشت أمريكا فترة الانفراد بالقوة النووية حتى عام ١٩٤٩م،

وبعدها بدأت تدخل في صراع جديد مع المد الشيوعي المدعوم من الاتحاد السوفييتي

والصين، ودخلت حرب كوريا التي استمرت حوالي ٣ سنوات وقتل فيها ٣ ملايين

من البشر وكادت تتطور إلى حرب شاملة، وتشير يوميات الحرب إلى أنها حرب

أمريكية تحت راية الأمم المتحدة؛ فقد كانت الدول المشاركة إلى جانب الولايات

المتحدة ١٥ دولة تقدم حوالي ٩% فقط من القوات، وكان دخول الصين الحرب

بصورة مباشرة عاملاً أساسياً في عرقلة المشروع الأمريكي الذي يتلخص في تدمير

قوات كوريا دون التورط باجتياز حدود الصين أو الاتحاد السوفييتي، وصدر قرار

قاتل في الأمم المتحدة بتحديد هدف للحرب وهو: «خلق كوريا موحدة

مستقلة ديمقراطية» أي دولة تابعة للغرب، وذلك في ١٧/١٠/١٩٥٠م واستمرت

الحرب سجالاً حتى انتهت في ٢٧/٧/١٩٥٣م؛ مما أدى إلى تدخل صيني مباشر.

خامساً: في أثناء الحرب الكورية كان هناك حرب طاحنة تدور في الهند

الصينية بين القوات الفرنسية والقوات الفيتنامية المدعومة من الشيوعيين، ووصل

عدد القوات الفرنسية إلى ٢٥٠ ألف جندي يدعمهم ١٣٠ ألف جندي فيتنامي،

وكانت الحرب خليطاً من الحرب النظامية وحرب العصابات، وفي النهاية تعرضت

فرنسا لهزيمة مشينة في معركة (ديان بيان فو) في ٧/٥/١٩٥٤م وتم عقد اتفاقية

في جنيف في يوليو ١٩٥٤م، ونصت على انسحاب قوات الطرفين إلى جانبي خط

العرض ١٧، والاعتراف بأربع دول مستقلة هي: كامبوديا، ولاووس، وفيتنام

الشمالية وفيتنام الجنوبية. ونص الإعلان على أن فيتنام ستتوحد بعد انتخابات

عامة تتم في يوليو ١٩٥٦م تحت إشراف لجنة دولية، وقد رفضت الولايات المتحدة

وفيتنام الجنوبية التوقيع على هذا الإعلان، وبدأت مرحلة التدخل الأمريكي المباشر

في المنطقة بعد خروج الفرنسيين، وكونت حلف جنوب شرق آسيا للمشاركة في

الصراع المنتظر، وكان جيش فيتنام الجنوبية يدرب على يد مستشاريين أمريكيين

على أساليب الحرب الكورية، ولكن التورط الأمريكي بدأ يتزايد نتيجة إخفاق جيش

كوريا الجنوبية في مواجهة حرب العصابات الشرسة التي كانت تشنها قوات

الفييتكونغ (الثوار الفيتناميين الجنوبيين المدعومين من الشمال) ، وارتفع عدد

القوات الأمريكية من ٣٣ ألف فقط عام ١٩٦٥م يدعمون نصف مليون جندي جنوبي

إلى نصف مليون جندي أمريكي عام ١٩٦٨م، وتوسعت الحرب إلى لاووس

وكمبوديا، وقامت القوات الجوية الأمريكية بعمليات قصف مستمرة لفيتنام الشمالية

بطائرات ب ٥٢ (القلاع الطائرة) وتم تلغيم شواطئ فيتنام، ومع ذلك استمرت

الحرب حتى اضطرت الولايات المتحدة إلى الانسحاب وترك فيتنام الجنوبية

لمصيرها؛ حيث اجتاحتها قوات فيتنام الشمالية، وما تزال آثار حرب فيتنام

محفورة في ذاكرة الأمريكيين ووجدانهم.

سادساً: لقد كان سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار الشيوعية مع الانتصار

السهل في حرب الخليج الثانية عاملاً أساسياً في عودة أحلام السيطرة على العالم إلى

أذهان المخططين الاستراتيجيين، وكانت النجاحات السريعة للتمدد الأمريكي ماثلة

للعيان في توسع حلف الأطلسي شرقاً ومحاصرة روسيا وإضعافها وخاصة مع

تورطها في حرب الشيشان الثانية التي لا يخفى فيها التشجيع الغربي والإسرائيلي،

واستمرار فرض العولمة، وتحطيم الاقتصاديات الناشئة في آسيا، واستخدام منظمة

التجارة العالمية من أجل كسر الحواجز بين الدول، وإجبار الاقتصاديات الناشئة

على خوض منافسة غير متكافئة.

ومع إملاء الغرب لمبادئه وأخلاقياته على الشعوب الأخرى واستغلال الأمم

المتحدة في تمرير هذه المخططات التي يقصد منها تحطيم المجتمعات الأخرى

وتذويبها، فإن أمريكا في هذا الخضم كانت بحاجة لعدو يبقي حالة التحفز ويحافظ

على فاعلية المجتمع الأمريكي عن طريق بث روح التحدي المستمر؛ ولم يكن هذا

العدو سوى الحضارة الإسلامية؛ فبدأ الحديث عن صراع الحضارات، وبدأت

أمريكا تتجه شيئاً فشيئاً نحو رفع راية الحضارة الغربية ذات الجذور النصرانية

واليهودية، وكان هناك شحن مستمر للفرد الغربي بأن الخطر القادم هو الإسلام

وكانوا يتحينون الفرص لشحن الأفراد عاطفياً، وكانت الاتهامات جاهزة عند تفجير

أوكلاهوما وسفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا، وإذا كان الفاعل قد كُشف في

أوكلاهوما أنه أمريكي أبيض؛ فإن منفذي الهجوم على السفارتين لم يتم التأكد منهم

حتى الآن؛ ومع ذلك فقد تم فرض حظر على السودان وأفغانستان من مجلس الأمن

الموقر؛ بل قامت أمريكا بشن هجمات استعراضية ضد أهداف منتقاة في السودان

وعشوائية في أفغانستان، ومع اعتراف أمريكا أنها قد أخطأت بضرب مصنع

الشفاء للأدوية في الخرطوم؛ فإنها لم تقم بدفع أي تعويضات للمالك أو للبلد الذي

انتهكت سيادته دون وجه حق! أما أفغانستان فقد كانت الرمز الذي يمثل العدو

الأول في مرحلة صراع الحضارات القادم ولذا فقد استمر الحصار، وحظر

الطيران، ومحاولة منع توريد أو تهريب السلاح، ومحاولة نشر مراقبين

«دوليين!» على الحدود الباكستانية الأفغانية لضبط تطبيق العقوبات «الدولية!» ،

وكانت أحداث نيويورك وواشنطن فرصة لا تعوض في تسريع المخطط؛ ولذا

نجد أن اتهام ابن لادن ومن ثم طالبان أعلن بينما كانت طائرة الرئيس تبحث عن

ملجأ؛ ولم يكن لدى المسؤولين في تلك اللحظات إحاطة حتى بمدى العملية؛ وهنا

تبرز الحقيقة الناصعة وهي أنه إذا كان الاتهام الأولي جدِّياً فهو يعني معرفة

الحكومة بالعملية قبل وقوعها؛ أما إذا كانت لا تعلم بالعملية فكيف تمت معرفة

المنفذ قبل إجراء أي تحقيق؟ ! حقاً إنه أمر مريب أن تقوم دولة تدعي أنها زعيمة

الديمقراطية بإصدار الاتهام قبل التحقيق، ثم الإصرار على هذا الاتهام وتلفيق

الأدلة والمسارعة بخطوات عملية تصب في اتجاه حرب غير محددة المعالم وغير

واضحة الأبعاد ولكنها كما يقول بوش: حرب شاملة عسكرية واقتصادية وفكرية؛

أي باختصار حرب موجهة ضد حضارة أخرى وفكر آخر؛ إنها حرب ضرورية

لإكمال وتثبيت السيطرة النهائية على العالم. وأرى أن المواجهة يجب أن تقع

بسرعة قبل تزايد المطالبة بأدلة وبراهين وإفاقة العالم من حالة الصدمة التي

يعيشها، وعندما تقوم الحرب فلن يتحدث أحد عن مصداقية الاتهام الأولي؛ لأنه

ستستجد أحداث تنسي العالم أصل المشكلة، نعم إنها حرب حتمية؛ لأنها في

الأصل تعشش في أذهانهم، ويتحرقون لحدوثها، وينتهزون أي فرصة لإشعال

الملحمة؛ إنها هدف مشترك لليهود وأصوليي النصارى؛ حيث لا بد من حدوث

الملحمة لنزول المسيح، ولا يظن ظان أن رئيس دولة كبرى في ظروف

مصيرية يزل لسانه بالحديث عن حرب صليبية، أو أن رئيس وزراء

دولة أوروبية يقرأ من ورقة مكتوبة في مؤتمر رسمي قد أساء التعبير عن

النظرة الدونية للحضارة الإسلامية. نعم! الحقيقة أنها ليست قضية ابن

لادن أو طالبان؛ إنها حرب حضارات تحت راية الصليب في جانب، أما

الجانب الآخر فهو لم يتشكل بعدُ ومن ثم لم ترفع الراية.

وأخيراً: إذا كانت الولايات المتحدة قد خرجت في حرب كوريا بدون نصر،

وخرجت من حرب فيتنام بهزيمة مدوية؛ فما هي توقعات الحرب القادمة إن وقعت؟!

إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي النظر في بعض الملاحظات حول ملامح

الحروب السابقة وتوقعات الحرب المقبلة:

١ - إن مجال الحروب في كوريا وفيتنام لم يتعد نطاق هذين البلدين، وكان

الجندي الأمريكي يقضي إجازته في بانكوك القريبة بكل اطمئنان.

٢ - على الرغم من شجاعة الكوريين والفيتناميين فإن هناك إجماعاً على

تفوق المجاهد الأفغاني عليهم، وكما قال أحد قادة الروس في أفغانستان: إن حرب

أمريكا في أفغانستان ستنسيهم حرب فيتنام التي ستكون كنزهة.

٣ - أن عجز أمريكا عن كسب حرب فيتنام المحدودة يوضح مدى إمكانية

ثبات أمريكا في حرب شاملة في المنطقة الإسلامية.

٤ - أن حديث أمريكا عن مواجهة شاملة تغطي حوالي ستين دولة يعني أنه

ستتكون جبهة مقابلة تشمل كل المتضررين من سياسات أمريكا، وإذا كان كثير من

الشعوب مبتهجة بالضربة المهينة لأمريكا فإن الصراع القادم سيكون شاملاً غير

محدود المكان ولا الزمان، ولله عاقبة الأمور من قبل ومن بعد.

٥ - إذا كان التوازن النووي مانعاً لأمريكا من استعمال سلاحها النووي في

حربي كوريا وفيتنام فإن توازن الرعب سيمنع أمريكا من استعمال هذه الأسلحة

خوفاً من استهداف المدن الأمريكية بحرب بيولوجية أو كيميائية، وهو خطر جدي

بالإضافة إلى أن نوعية الحرب القادمة ستحرم أمريكا من استعمال مؤثر لأسلحتها

المتطورة من حاملات ومدرعات.. حقاً إنها حرب من نوع جديد تحتاج إلى أسلحة

وأساليب جديدة؛ فمن سيكون المنتصر؟ !