للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[الإسلام والإنتخابات النيجيرية]

إبراهيم أدوكوراوا

[email protected]

تحتل نيجيريا المرتبة الرابعة بين الدول الإسلامية من حيث عدد سكانها

المسلمين، وفيها أكبر عدد من المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون جنباً إلى جنب.

ونجاح نيجيريا في التعايش السلمي والقضاء على التوترات الكثيرة بين

الفئتين يجعلها أنموذجاً صالحاً لغيرها من الدول، وإخفاقها في هذا المجال يؤدي إلى

عواقب وخيمة ليس للشعب النيجيري فحسب، بل للإقليم كله، وللعالم بشكل أوسع.

ظلت نيجيريا دائماً مسرحاً للصراعات بين المسلمين والمسيحيين، وآخرها ما

وقع إثر تظاهرات اندلعت بسبب نشر بعض الصحف مقالة التجديف في حق النبي

صلى الله عليه وسلم إثر مشادّات كلامية حول استضافة الدولة لمسابقة ملكة جمال

العالم.

لقد ظل دور الدين في سياسة أمور الدولة في نيجيريا أكبر مصدر للمنازعات

بين المسلمين والمسيحيين؛ فالمسيحيون ينادون بضرورة بقاء نيجيريا دولة علمانية

مع تفوق لرموز مسيحية؛ مثل عطلة يوم الأحد، وهيمنة النظام التشريعي المسيحي،

والقانون الوضعي، بينما يحاجج المسلمون على ضرورة اعتبار نيجيريا دولة

ذات ديانات متعددة، ومن ثم لا بد أن يسمح بتطبيق بعض مبادئ الشريعة الإسلامية

على أنها قانون مؤثر للدولة.

ونيجيريا شبيهة بالهند من حيث وجود عوامل فعالة لانحلال كيان كلتا

الدولتين؛ وكلاهما دولة قوية، مع اشتراكهما في توافر أشياء كثيرة لديهما. وليس

لدى نيجيريا مثل ما للهند من نظام للدولة تعود أصالته إلى ما يربو على سبعة قرون،

ولكن تشترك النخبة المسيطرة في المجتمَعَيْن النيجيري والهندي في أشياء كثيرة،

ولا سيما في مصلحة بقاء الدولة. لكن الأمر بالنسبة للهند فإن النخبة المسيطرة بها

حتى ولو كانت لها منفعة مادية في بقاء الدولة إلا أن لديها أيضاً إحساساً في التفاخر

بالحضارة الهندية والدولة ذاتها؛ بخلاف النخبة في نيجيريا؛ فإنهم لا يكترثون إلا

بالمنفعة المادية فحسب؛ فكل خديعة إعادة نظام تقسيم الموارد، وتحكم كل ولاية

على مواردها الاقتصادية، والمؤتمر الوطني المستقل في نيجيريا ما هي إلا صفقات

لكسب زيادة في النفوذ وزيادة في السيطرة على الموارد المادية لأغراض ذاتية.

ويعد تقسيم نيجيريا حسب الديانات الموجودة بها أيضاً تقسيماً إقليماً؛

فلنيجيريا ست وثلاثون ولاية، يشكِّل المسلمون الأغلبية في الشمال، وكذا في

بعض المناطق من وسط نيجيريا، وفي بعضها يشكل المسيحيون الأغلبية. وأما في

الجنوب الغربي فالمسلمون هم الأغلبية، إلا أن المسيحيين قد سيطروا عليهم

ومنعوهم حتى من تطبيق الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية؛ لأن

هذه المنطقة تُعدّ متجانسةً عنصرياً. وأما الجنوب الشرقي ومنطقة دلتا نهر نيجا

الغنية بالنفط فهي في حكم مناطق مسيحية.

لقد ظلت نيجيريا تحت حكم عسكري متسلط يسيطر عليه المسلمون من

الشمال. وأول من قام بانقلاب عسكري هم المسيحيون من قبيلة الإيبو، فقتلوا من

القادة السياسيين المسلمين الشماليين، مع مسيحي متحالف معهم وهو رئيس وزراء

الجنوب الغربي، فعندها قام ضباط عسكريون من الشمال من المسلمين والمسيحيين

بالانتقام، فقتلوا الحاكم العسكري لنيجيريا المنتمي لقبيلة الإيبو، ومن ثم اعتلى سُدّة

الحكم حاكمٌ عسكري مسيحي من الشّمال، وحكم نيجيريا لمدة تسع سنين (١٩٦٦ -

١٩٧٥م) وتبع هذا الانقلاب مذبحة في المدن الشمالية راح ضحيتها كثير من

الإيبويين.

لقد قام قادة المسيحيين من قبيلة (اليوربا) بخداع الإيبو، فأوعزوا إليهم أن

ينفصلوا بالجنوب الشرقي الغني بالنفط، وسيقوم اليوربا تبعاً لذلك بإعلان انفصال

الجنوب الغربي أيضاً. فأعلن الإيبو قيام (جمهورية بيافرا) ، لكن اليوربا الذين

يمثلون الأغلبية في الحكومة الفيدرالية تحت قيادة زعيمهم أوبا فيمي أوولوو، وهو

يورباوي مسيحي تقلد منصب نائب المجلس الفيدرالي، ووزير الاقتصاد امتنعوا من

الانفصال، وبدلاً من ذلك قاموا بوضع استراتيجية لقمع متمردي الإيبو، كما

انتهزوا فرصة ترك كثير من الإيبو لوظائفهم في الحكومة الفيدرالية فشغلوا

مناصبهم؛ فبذلك تم لهم تنظيم قطاع خاص لمفكري اليوربا.

لقد تم قمع تمرد بيافرا بعد حرب دامية استمرت ثلاث سنين خلفت وراءها

خسائر بشرية فادحة. لقد حاولت آلة الحملة البيافرية أن تستقطب تعاطف المسيحية

العالمية إليها لكن بنجاح محدود. ثم استولى الجنرال مرتضى محمد وهو مسلم من

الشمال على سدة الحكم إثر انقلاب قام به ضد الجنرال يعقوب غوان وكان مسيحياً

من الشمال أيضاً. فقام بعمل إداري جيد، لكن قتله ضباط عسكريون مسيحيون

شماليون. ثم تقلد الحكم بعده الجنرال ألو شيغون أوباسنجو وهو مسيحي من

الجنوب من قبيلة اليوربا. وقام محمد مرتضى بوضع خطة تسليم الإدارة إلى

الحكم المدني وقام أوبا سنجو بإكمالها بعد مقتل مرتضى بأربع سنوات تقريباً.

فاز شيحو علي شاغاري وهو رجل مسلم من الشمال في الانتخابات الرئاسية

على منافسيه، وهما: السياسي المسيحي من قبيلة اليوربا وهو أُوبا فيمي أوولووا،

والسياسي المسيحي من قبيلة الإيبو وهو نمندي أزيكوي. وانتهت حكومة شيحو

شاغاري بعد أربع سنين وبضعة أشهر، إثر انقلاب قام به العسكريون متهمين

الحكومة السابقة بالفساد وتزوير الانتخابات، وقاد الحكومة الجنرال محمد بخاري.

ثم قام الجنرال إبراهيم بدماصي بابنغدا بانقلاب ضد حكومة بخاري، واستمرت

حكومته ثماني سنين، حتى رأى أن يتنحى ويسلم الحكومة إلى رجل مسيحي من

قبيلة يوربا وهو أرنسيت شونيكان. لقد اضطر الجنرال إبراهيم بابنغيدا أن يتنحى

عن السلطة بسبب ضغوط متزايدة حول ما قام به من إلغاء نتائج انتخابات رئاسية

يعتقد بشكل واسع أنه فاز بها مسعود أبيولا وهو رجل مسلم من قبيلة اليوربا. ثم قام

الجنرال ثاني أباشا وهو رجل مسلم من الشمال بانقلاب ضد حكومة شونيكان

العرجاء، وقد حكم البلاد بقبضة حديدية، فسجن كثيرا من بينهم أوبا سنجو وشيحو

يَرْأَدُوَا، وأبيولا. وكان يَرْأَدوا جنرالاً ونائباً لأوبا سنجو أيام حكمه، وقد استغل

ثروته وعلاقاته في بناء كتلة سياسية، وأخيرا مات في سجنه إبان فترة حكم ثاني

أباشا، وفجأة أيضاً مات هذا الأخير في ظروف غامضة. ثم تسلم زمام الحكم

الجنرال عبد السلام أبو بكر رجل من الشمال. وتوفي أيضا أبيولا في ظروف

غامضة بعد أن تناول كأساً من الشاي أمام مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى،

وأخيراً بعد تشريح جثته ثبت أن وفاته كانت طبيعية، دون أي اشتباه.

لقد تم إخراج أوبا سنجو الذي صار من جديد مسيحياً أصولياً من سجنه ورُشِحّ

لتولِّي الرّئاسة، لكن لم يُصوت له جمهور اليوربا، وإنما صوتوا لصالح أولو

فالايي وهو يورباوي مسيحي أيضاً، وإنما استطاع أوبا سنجو أن يفوز بالحكم؛

لأن المسلمين من الشمال صوتوا له، ولم يكن ذنب أوبا سنجو لدى المسيحيين من

اليوربا سوى أنه أخفق في تسليم السلطة إلى يورباوي مسيحي آخر أيام كان حاكماً

عسكرياً متسلطاً؛ فلذلك وبمجرد وصوله إلى الحكم هذه المرة قرر أن يحسن إلى

إخوانه المسيحيين من اليوربا عن طريق إبعاد المسلمين الشماليين. لقد امتنع أن

يعطي الميزانية المخصّصة للأعمال الخدماتية في مناطق المسلمين بالشمال؛ فعلى

سبيل المثال: لقد خُصِّص لبناء مستشفى تخصصي جامعي في الشمال مبلغ قدره

خمسمائة مليون نيرة، بينما خصص لمثله في الجنوب ما مقداره مليار نيرة التي

دفعها إليهم جملة واحدة، ولم يدفع للمستشفى المقام في مناطق المسلمين إلا ستا

وعشرين مليون نيرة فقط. لقد سعى في تطبيق سياسة يمكنه من خلالها إزاحة

مسلمي الشمال من الخارطة السياسية لنيجيريا. حاول أن يربط عملية الانتخابات

بمشروع بطاقة الهوية، وأخفق في هذا، ثم حاول خياراً آخر وهو أن يستخدم

أجهزة الكمبيوتر في تسجيل بطاقات الناخبين وبصمة الإبهام، وهذا كله بناء على

الحملة التي قام بها اليورباويون المسيحيون التي مفادها أن المسلمين في الشمال

دائماً يضخمون أعدادهم في الإحصائيات السكانية وفي تسجيل أسماء الناخبين. ولم

يفلح في هذا أيضاً، فكان للمناطق ذات الأغلبية المسلمة أكبر عدد من الناخبين،

بينما كان أكثر من رفضتهم أجهزة الكمبيوتر هم المسيحيين من الجنوب.

وفي الوقت الذي كان أبا سنجو يسعى إلى تنفيذ مشروعه لإزاحة المسلمين

الشماليين من الخارطة السياسية النيجيرية أعلن حاكم زنفرا وهو رجل مسلم من

الشمال تطبيق الشريعة الإسلامية في ولايته. وقد ولَّدَ هذا الإجراء كثيراً من الجدل،

وولّد ردود أفعالٍ اتسمت بالعنف في بعض الولايات.

لقد حاولت الحكومة الفيدرالية احتواء هيجان مطالبة تطبيق الشريعة

الإسلامية، لكنها لم تنجح، بل قامت أخيراً أغلب ولايات الشمال بإعلان تطبيق

الشريعة، وعدلت قوانينها الجنائية لتطابق الأحكام الجنائية الشرعية.

ومن أشكال العداء الصارخ الذي أبدته الحكومة الفيدرالية تحت قيادة أوبا

سنجو المسيحي قيامها بإعطاء حكومة الولايات المتحدة أسماء قادة المسلمين المؤيدين

لتطبيق الشريعة الإسلامية على أنهم إرهابيون، في حين رفضت هذه الحكومة أن

تعطي أسماء قادة عصابة (مؤتمر شعب أودودوا) (OPC) حتى بادرت حكومة

الولايات المتحدة إلى إدراج اسم هذه المنظمة في قائمة المنظمات الإرهابية. وبهذا

التصرف يكون أوبا سنجو قد أظهر نفسه بأنه حاكم أبدي للمسلمين عداءً أكثر من

أي قائد نيجيري آخر باستهداف قادتهم عن طريق تقديمهم إلى الولايات المتحدة لكي

تفتك بهم.

على رغم من تصوير أوبا سنجو نفسه على أنه أكثر القادة تمتعاً بروح دينية

في نيجيريا؛ لكن ثبت بأن حكومته أكثر الحكومات فساداً في تاريخ نيجيريا إن لم

تكن أكثرها فساداً؛ ففي أثناء إدارته الحالية احتلت نيجيريا المرتبة الثانية من بين

أكثر دول العالم فساداً.

لقد أخفقت حكومته في أهم مجالات الحكم: في مجالات الأمن، والصحة،

والزراعة، والتعليم؛ فقد أوضحت مجلة (الاقتصادية) (Economist The)

اللندنية في عددها الصادر في ٢٨ يوليو - ٣ أغسطس بأن حكومة أوبا سنجو قد

أنفقت من ميزانيتها فيما يتعلق بالصحة والتعليم أقل نسبةً مما أنفقتها الحكومات

العسكرية السابقة في هذه المجالات، وأنفقت هذه الحكومة في بعض المشاريع

المبذرة أكثر مما أنفقت الحكومات السابقة؛ ومن ذلك ما أنفقته في بناء الأستاد

الوطني، وبرنامج الفضاء، ومشروع بطاقات الهوية الوطنية، وشراء طائرة

خاصة لرئيس الدولة، ومع كل صرخات الجماهير فقد حصل الحاكم على تأييد

رئيس جمعية المسيحيين في نيجيريا لشراء هذه الطائرة التي استلهمت نفقاتها أكثر

من المبلغ المخصص لبناء البنية التحتية للشرطة، وابتلعت هذه المشاريع المبذرة

أكثر من الميزانية المخصصّة للبنية التحتية للتعليم والأمن، بل أنفقت هذه الحكومة

في بناء الملعب الرياضي أكثر مما أنفقت لبناء البنية التحتية لثلاثين جامعة فيدرالية.

وأشارت مجلة Economist The اللندية وغيرها من المنظمات إلى الفساد

الساخر لهذا النظام عندما أوضحت بأنه: «تتم عملية منح المقاولات الحكومية

بشكل مريب، ونظام الخصخصة بعيد عن الشفافية كما أشارت إليه الحكومة

الفرنسية في الأسبوع الجاري» .

لقد أصبحت نيجيريا في ظل قيادة أوبا سنجو من أصعب دول يمكن أن يعيش

فيها المرء. فهذا أوبا سنجو يكسب أموالاً طائلة من مبيعات النفط، ومع ذلك فلا

وجود للوقود في محطات الوقود في البلد، بل حتى وقود الطيران قد أصبح قليل

الوجود في البلد الذي يعد واحداً من أكبر بلدان العالم إنتاجاً للنفط. ومدينة لاجوس

النيجيرية هي أكثر مدن العالم تعرضاً للسطو على البنوك؛ وذلك لانعدام الأمن فيها.

ولنيجيريا أيضاً قصص في الكبت السياسي؛ فكثير من السياسيين المعارضين قد

تمت تصفيتهم، وأكبر شخصية سياسية تمت تصفيتها هو وزير العدل النيجيري

الذي كان يطمح أن يدخل في منافسة الفوز برئاسة البلاد، وأحد المتهمين باغتياله

والموقوف للمحاكمة قد فاز في انتخابات مجلس الشيوخ التي أجريت مؤخراً تحت

راية الحزب الحاكم وهو حزب الشعب الديمقراطي (PDP) . ثم بدأت عملية قتل

السياسيين المعارضين تأخذ منعطفاً مثيراً جداً؛ بحيث أصبحت العصابة اللصوصية

المسلحة هي التي تقوم بهذا الدور الآن، لكن تبقى هناك مشكلة وهي أن هؤلاء

اللصوص ليسوا مُمَيِّزين؛ فقد أوردت وكالة الأنباء رويترز في ٢٢/٤/٢٠٠٣م بأن

قافلة ابنة الرئيس أبا سنجو قد تعرضت للهجوم من قِبَل لصوص مسلحين، مما أدى

إلى مصرع أربعة أشخاص في القافلة.

فمع هذه الخلفية لعدم صلاحية هذه الحكومة للاستمرار في إدارة البلد، فلا

يمكنها إلا أن تستغل الخلافات القائمة في الدولة للمحافظة على بقائها؛ فأكبر خلاف

حصل هو المتعلق بتطبيق الشريعة في حق المسلمين فقط في الولايات التي يشكل

فيها المسلمون الأغلبية. فالمسيحيون من خلال زعيمهم القس أمبنغ المؤيد لنهب

أموال العامة لشراء الطائرة للرئيس قد أصدر بياناً يذكر فيه أن المسيحيين

النيجيريين لن يسمحوا من جديد (في المستقبل) لأي مسلم أن يحكم نيجيريا؛

فصحيفة (Day This) في عددها الصادر في ٣١/٧/٢٠٠٣م نقلت عنه قوله:

«جميع أعضاء جمعية المسيحيين النيجيرين (CAN) لا بد أن يتأكدوا بأن جميع

أعضاء المجلس التشريعي للولايات وحكام الولايات ونوابهم كلهم مسيحيون، لن

نسمح من جديد بأن يحكم نيجيريا رجل مسلم سواء شاء المسلمون ذلك أم أبوا، وأنا

أصدر هذا البيان بصفتي رئيساً لجمعية المسيحيين النيجيريين. (CAN) اعتاد

الناس القول:» بأن السياسة لعبة قذرة «، ولكننا سوف نسعى في تطهيرها؛

فتمهيد مقدونيا يعتبر بداية. سنكسب نيجيريا ونجعلها دولة للمسيح، لقد جاء عهد

المسيحية في نيجيريا. إنها تحت الاختبار» .

وقررت الحكومة من خلال نائب الرئيس عتيق أبو بكر وهو رجل مسلم أن

تبتز بالتهديد كلّ قائد مسلم أيد تطبيق الشريعة الإسلامية؛ وذلك بوصفه رجلاً دينياً

متعصباً، ولم يُقصِّر عتيق في كشف عدائه للمسلمين والشريعة الإسلامية، لقد

كشف ازدراءه لتطبيق الشريعة عندما زعم بأنه قد اتخذ قراراً في المجلس الوطني -

وهو مجلس استشاري مكون من الرؤساء السابقين للدولة وحكام الولايات،

والرئيس الحالي ونائبه - بأن تعود الولايات التي أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية

إلى العمل بالقانون الوضعي المسيحي، وهو الزعم الذي أنكره عليه محمد بخاري

الذي هو عضو في ذلك المجلس، وأيد بخاري على تصريحه: الجنرال يعقوب

غوان وهو رجل مسيحي وعضو في نفس المؤتمر أيضاً، ومن ثَمّ قامت الوسائل

الإعلامية التي يسيطر عليها المسيحيون بحملة عنيفة ضد بخاري فوصفوه بأنه

إسلامي أصولي، وهذه الحملة متعمَّدة؛ لأنه القائد الوحيد في نيجيريا الذي سجّل

أفضل جهد في محاربة الفساد الإداري، وهو الوحيد أيضا الذي باستطاعته أن

يتحدى أفسد حكومة مدنية في تاريخ نيجيريا، وهي هذه الحكومة بناء على تقييم

الهيئة الدولية للشفافية.

فمع ظهور بخاري كمرشح معارض في انتخابات إبريل ٢٠٠٣م فإنه من

السهولة بمكان أن تستخدم الحكومة الدين في التلاعب بعقول الناس؛ ففي المناطق

الشمالية حيث الأغلبية المسلمة فإن حزب الشعب الديمقراطي الحزب الحاكم

(PDP) يقوم بحملته ضد بخاري ويصفه بأنه ليس مسلماً جيداً؛ إذ قام بخفض

عدد الحجاج إلى بيت الله الحرام لما كان حاكماً عسكرياً متسلطاً.

وفي المناطق ذات الأغلبية المسيحية ووسط نيجيريا يقوم الحزب الحاكم

بوصف بخاري بأنه رجل ديني متعصب؛ لأنه يؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية.

وهذه المناطق هي التي ابتليت بعملية تزوير ضخم، وفي بعضها لم تتم الانتخابات

أصلاً، وإنما خصصت الأصوات فقط للحزب الحاكم، وهذه المناطق قد شهدت

أعمال العنف أكثر من أي منطقة أخرى، إنها هي المناطق التي قام الحزب الحاكم

فيها بأعمال القتل. وقد قام كل المراقبين الموثوقين بانتقاد عملية الانتخابات في هذه

المناطق وبخاصة المناطق التي فاز بها أوبا سنجو حسب ما أوردته تقارير إخبارية

لإذاعة لندن (بي بي سي) في ٢٢/٤/٢٠٠٣م.

لقد استطاع بخاري أن يفوز في الشمال بشكل واسع؛ لأن هذه المناطق قد

عانت من عملية الحرمان الاقتصادي في ظل حكومة حزب الشعب الديمقراطي

(PDP) المليئة بالفساد، ويعتقدون بأن بخاري هو الشخص الوحيد الذي بإمكانه

أن يعيد للحكم فضائل الحق، ومن ثم كان لقبه عندهم (مَيْ غَسْكِيَا) (رجل الحق)

بشهادة سجله السابق.

وأما في الجنوب الغربي فالأمر بعكس ذلك تماماً؛ فإن هذه المنطقة رغم كونها

منطقة ذات أغلبية مسلمة، فإن المسيحيين هم المسيطرون دائماً، والعنصرية هي

العامل الوحيد الذي يمكن أن يضمن لهم تلك السيطرة؛ فقد أصدرت إحدى

مجموعات أعيان قبائل اليوربا بياناً ذكروا فيه أن أي يورباوي لم يصوت لصالح أبا

سنجو يعتبر منافقاً، فلم يتمكن أحد من مسلمي اليوربا أن يكسر شوكة هذا السلطان

الطاغي؛ لأن هذا الفعل قد يجره إلى عواقب وخيمة من بينها الموت. وقد تقدمت

الإشارة إلى أنهم في انتخابات ١٩٩٩م لم يصوتوا لأوبا سنجو الذي هو مرشح

حزب الشعب الديمقراطي (PDP) ، وإنما صوتوا لمرشح آخر تحت راية حزبهم

وهو حزب التحالف الديمقراطي (AD) ، ولكن في منعطف دراماتيكي في هذه

الانتخابات فقد صوت جميع اليوربا للحزب الحاكم حزب الشعب الديمقراطي

(PDP) ؛ لأن أوبا سنجو هو اليورباوي الوحيد الجاد؛ حيث رفض حزب

التحالف الديمقراطي (AD) أن يرشح أي منافس له؛ فالطريق التي صوت بها

اليوربا قد أثبتت تعصبهم العنصري والتي أكدت بأنهم «هم المجموعة العنصرية

الوحيدة في نيجيريا التي لم تصوت لأي شخص من غيرهم» كما صرح بذلك

شيكي أوفيلي سكرتير الإعلام لاتحاد الكتاب النيجيريين في مقال له نشر في صحيفة

(Trust Daily) العدد الصادر في ١٦/٤/٢٠٠٣م.

لقد أمكن التزوير في الجنوب الشرقي بشكل مكثَّف؛ لأن حزب الشعب

الديمقراطي، الحزب الحاكم قد انضم إلى جانبه النخبة القيادية لقبيلة الإيبو؛ وذلك

بإعطائهم الميثاق بأن شخصاً من قبيلة إيبو هو الذي سيخلف أوبا سنجو في الحكم

كما قرر أمبنغ رئيس جمعية المسيحيين في نيجيريا (CAN) كما سبق ذكر

تصريحه بأنه لن يحكم نيجريا شخص مسلم من جديد، وهذا القرار الكنسي هو

العامل أيضاً في وسط نيجيريا.

وفي بعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة التي حصل فيها تزوير الانتخابات

بشكل ضخم مثل ولاية كادونا لم يتم ذلك إلا بسبب انتشار القوات المسلحة من

الجيش، والشرطة فيها تجوب المدينة كي تقوم بمنع أي شكل من أشكال الاحتجاج

الذي قد يقوم به المسلمون.

وقد أكد أبو بكر عتيق الإستراتيجية الدينية للحزب الحاكم عندما صرح بأن

حزب الشعب النيجيري (ANPP) قد أبرز نفسه بأنه حزب إسلامي لذلك استطاع

أن يفوز في المناطق ذات الأغلبية المسلمة. لكن لم يصرح عتيق بأن حزبه أيضاً

قد استعمل ورقة العنصرية في الجنوب الغربي، وورقة الدين في الجنوب الشرقي،

وفي المناطق الوسطى، بل حتى في بعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة الواقعة

في الشمال الغربي قد كان أحد أنصار حزب عتيق (الحزب الحاكم) المرشح

لمنصب حاكم الولاية هو الشخص الوحيد الذي قام بطباعة الملصقات التي تحمل

صور بعض العلماء لكي يستخدمها في كسب أصوات الناخبين عن طريق استغلال

الخلافات الطائفية، وهذا أحد الأدلة الواضحة على تلاعب الحزب الحاكم بعقول

الناس عن طريق الدين.

وتصريح عتيق في بعض الصحف بأن حزب الشعب النيجيري (ANPP)

قد أبرز نفسه على أنه حزب إسلامي، على الرغم من المحاولة السافرة لحزبه هو

في استغلال الدين بشكل أوسع من أي حزب آخر، كل ذلك مؤشِّر واضح وخطير

لما يمكن توقّعه مستقبلاً من الكبت السياسي. وما حصل من الحكومة مؤخراً في

محاولة ابتزاز قادة المسلمين عن طريق إدراج أسمائهم في قائمة أعضاء تنظيم

القاعدة بالإضافة إلى اتهامات عتيق؛ كل أولئك أدلة واضحة تبين موقفهم المعادي

للإسلام. وهناك مؤشرات تدل على أن الحكومة ستحاول إرضاء الولايات المتحدة

بأي ثمن، ما دام قد فقدت ثقتها بسبب الفساد المستشري فيها، وما جرى في

الانتخابات الأخيرة من تزوير.

وأيضا فإن التناقضات الجارية في الحزب الحاكم (PDP) قد تعمل ضد

عتيق الذي يشكل بالنسبة لهم رمز العداء للإسلام. ولم يزل معروفاً لديهم برغبته

واستعداده في العمل ضد المناطق ذات الأغلبية المسلمة، وقد صرح في الآونة

الأخيرة بأنه لن يزور ولاية صكتو ما لم يُصوَّت لحزبه هناك.

وقبل هذا صرّح بأن الشمال الغربي قد بات يشكّل مشكلة لنيجيريا؛ وربما

ذلك لأن المنطقة لم تؤيد الفساد المتعمّد للحكومة الفيدرالية، كما نصّ على ذلك كل

من الهيئة الدولية للشفافية، ووكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية (USAID)

بل لاحظت هاتان الهيئتان أن الفساد من الحكومة الفيدرالية أكثر منه في أي قطاع

حكومي آخر، وبصفته نائباً للرئيس كان المتوقع من عتيق أبو بكر أن لا يظهر

احتقاراً لأي منطقة من مناطق البلاد؛ والآن وقد حصل أوبا سنجو على أغلبية

المقاعد في البرلمان بسبب انحياز عناصر من أهل منطقته اليورباوية إليه، فإنه قد

يقوم بالتنكر لعتيق الذي طالما أبدى رغباته في الوصول إلى الرئاسة، وبدلاً من

ذلك سيقوم الرئيس أوبا سنجو بتأييد خطة المسيحيين التي كشف القناع عنها القس

أمبنغ، فإذا حصل هذا، فإن عتيق سيضطر أن يتخلى عن مواقفه العدائية للإسلام،

بل قد يستغل الإسلام لكي يزيد من فرص نجاحه.

وجدير بالذكر أن لكلّ من الرئيس أوبا سنجو والولايات المتحدة مصلحة في

المحافظة على الوضع الراهن في نيجيريا أكثر من محاولة إظهار العداء للأغلبية

المسلمة في شمال البلاد. لا شك أنهم قد يكبتون إرادة الناس عن طريق الاعتقالات،

والعنف الإجرامي، والحرمان الاقتصادي، ولكن لن يسمح أوبا سنجو بتقسيم

نيجيريا؛ وذلك لأن أعيان قبيلته اليوربا هم أكثر المستفيدين؛ كان أوبا سنجو

يستخدم التزامه بعدم السماح بإقامة ما يسمى بالمؤتمر الوطني للنظر في سيادة البلد،

وبعدم السماح للولاية أن تستقل بحيازة مواردها المالية وكلا الأمرين يشكل عاملاً

مؤدياً إلى تقسيم البلد كان يستخدم هذا كورقة مساومة مع النخبة الشمالية، إلا أن

كلا الأمرين أصبحا الآن في غير صالح النخبة اليورباوية؛ لأن أغلب الولايات

التابعة لقبيلته اليوربا لن تستطيع حتى مجرد دفع رواتب الموظفين إذا تم تشكيل

صيغة تقسيم الموارد بالاعتماد على ما تنتجه كل ولاية من موارد ذاتية. وكذلك إذا

تم تقسيم نيجيريا أو أصبحت دولة كونفيدرالية، لن تكون هناك آبار النفط التي

يمكن لنخبة اليوربا نهب ثرواتها، وكذلك الشأن بالنسبة للمسيحيين الإيبو من

الجنوب الشرقي لا يمكنهم التآلف والتعايش السلمي مع المسيحيين اليوربا من

الجنوب الغربي كدولة منفصلة عن بقية أجزاء نيجيريا؛ لأن أعيانهم أيضاً في

مسابقة النهب من الموارد نفسها.

وبالنسبة للولايات المتحدة فإن أهم مصالحها في نيجيريا هو النفط، وهي

ستظل حامية لإمداداتها النفطية من نيجيريا مع بقاء الوضع الحالي أو تغييره؛ لأنه

حتى في حالة تقسيم نيجيريا فإن النفط باق في المناطق التي يدين أهلها بالخضوع

للغرب وللولايات المتحدة، وسيؤدي هذا إلى قيام دولة في الشمال على أساس جذور

ثقافية وتاريخية تكون معادية للولايات المتحدة؛ حيث إن المسلمين ليس لديهم أي

إحساس بالدونية للغربيين، بل يرون أنفسهم متفوقين، وقد تؤدي الفوضى إلى قيام

جماعات تنتهج العنف تقوم بتجنيد الأعضاء لصالح الجماعات المعادية للولايات

المتحدة، وهذه قضايا أساسية بالنسبة إلى استراتيجية الولايات المتحدة. ومن

الواضح أن الوضع الراهن في نيجيريا يخدم مصلحتهم وبخاصة في هذه الفترة التي

يتزايد فيها إصرار المسلمين على حقوقهم. والوضع الراهن أيضاً سيضمن ترويض

الشريعة الإسلامية والمشاريع الإسلامية وتأليفها لكي لا تشكل خطراً لمصالحها،

ويحقق ما استنتجه الكاتب أوليفار روي (Roy Oliver) من أن أي انتصار

للإسلاميين إنما ينتهي إلى إيجاد تغييرات سطحية وإثبات للقانون فحسب.