للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدكتور الفيضي للبيان]

مقاومة المحتلين حق مشروع وحتى تنجح لا بد من الاتفاق

حاوره: عبد الله بن علوان البدري

المقاومة للمحتلين لبلاد المسلمين حق مشروع يقره الشرع المطهر، وتقره أيضاً الأنظمة الوضعية. والمحتلون أنفسهم قالوا: إن من حق الشعب المحتل أن يقاوم محتليه. ومن هنا جاءت مقاومة الشعب العراقي المسلم دفاعاً عن الدين أولاً ثم العرض والأرض، وهذا ما تقوم به الفئات المقاومة بكل بطولة. وللوقوف على حال المقاومة في العراق كان لنا هذا الحوار لمعرفة واقعها ومعاناتها مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد بشار الفيضي، لمعرفة المزيد من هذه المواقف التي يقوم بها أبطال المقاومة في بلاد الرافدين.

واللهَ نسأل أن يوفقهم وأن يسددهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

البيان: طرأت تطورات هامة على ساحة المقاومة العراقية، وهناك حالة من التوتر تسود العمل الجهادي في العراق، بينما هناك مشاريع التحام بين فصائل عراقية كبيرة؛ فما تقييمكم لواقع المقاومة في هذه المرحلة؟

٣ المرحلة التي تمر بها المقاومة الآن من الخطورة بمكان؛ فالأمريكيون على وشك الخروج، ومثلما امتُحِنَت الإدارة الأمريكية في رسم سياسة ناجحة للبلاد، بعد احتلالها له، وفشلت في ذلك فشلاً ذريعاً؛ فإن المقاومة ستتعرض للامتحان ذاته، وعليها أن تكون بمستوى المسؤولية، وترسم للبلاد سياسة مستقبلية ناجحة؛ وبين المقاومة وبين الوصول إلى ذلك الهدف عقبات.

فالمقاومة بحاجة أولاً إلى أن تتفق على برنامج سياسي موحد، ترسم من خلاله معالم مستقبل العراق، والمتابع لبياناتها يجد أن ثمّة خلافاً في الرؤية؛ فثمّة جهات تريد دولة الخلافة وتتبنى مشروع الجهاد العالمي، الذي يكون العراق بدايته وليس آخره، وثمّة أصحاب المشروع الإسلامي الوطني الذين يريدون للعراق حكماً إسلامياً على منهاج شرعي، لكن طموحهم يقتصر على فعل ذلك داخل حدود بلدهم، وثمّة من يعتمد الخيار الوطني الذي يسعى إلى تاسيس دولة مدنية حديثة، يتساوى فيها أبناء البلد في الحقوق والواجبات، ويكون الإسلام فيها الدين الرسمي، والمصدر الأساس للتشريع.

هذا الخلاف يجب أن يسوَّى من الآن وقبل أن يخرج المحتل؛ لأن عدم تسويته سيجر أصحابه إلى الاختلاف ومن ثَمّ الاقتتال، وقد نشهد ـ لا سمح الله ـ مشهداً مماثلاً للاقتتال الأفغاني إبّان خروج الروس من أفغانستان.

ونحن في هيئة علماء المسلمين وجهّنا نداءً عاجلاً إلى أبناء المقاومة أن يفكروا بهذا الأمر ملياً، وأن يستعدوا للحظة يكونون فيها على خط المواجهة في المسؤولية، كما طلبنا منهم الحوار المبكر فيما بينهم وإبداء المرونة؛ لأن الاتفاق بين جماعاتٍ تمتلك رؤى متباينة يتطلب إبداء تنازلات من جميع الأطراف.

ومن أجل خطوة في هذا الاتجاه دعونا إلى توحيد الفصائل على مستوى التنسيق في أقل تقدير، ونجد الآن ـ بحمد الله ـ مبادرات في هذا الصدد، ونحن نؤيدها وندعمها.

أما بالنسبة للتوتر الملحوظ هذه الأيام في العمل الجهادي فهو متوقع؛ لأن المحتل، وقد قرر الخروج من العراق، لا يريد أن يخلفه مشروع جهادي ناجح، بل يسعى بما يملك من مكر ودهاء إلى دس بذور الفتنة بين الفصائل، وما حدث حتى اللحظة شيء قليل، وربما يحدث ما هو أكبر وأخطر، وهنا تتوقف النتائج على مدى ما يتمتع به المقاومون من نضج وحكمة؛ فهل سيسترسلون مع المخطط المعد لهم بدهاء؛ أم سيكونون على جانب كبير من الوعي، ويجنبون أنفسهم الوقوع في صراعاتٍ من شأنها أن تذهب ببريق جهادهم، وتحولهم في نظر الناس بعد كل ما قدموه من تضحيات إلى مجرد قتلة وأصحاب أهواء، همهم الدنيا واكتساب المصالح، ونوال المناصب؟

البيان: شهد العراق، وبغداد خاصة، انهياراً كبيراً ومفاجئاً للخطة الأمنية للحكومة الحالية؛ فكيف تفسرون هذا الانهيار وأسبابه؟

٣ منذ البداية قلنا: إن الخطة الأمنية ستفشل، على الرغم من أن ساسة كثيرين قدموا لها الدعم وتوقعوا منها خيراً؛ وفي مقدمتهم قادة جبهة التوافق. وللفشل أسباب كثيرة، منها: أن القائمين عليها ادعوا أن الغرض منها ردع الميليشيات الطائفية، ولم يكونوا صادقين؛ بل كانت الغاية كما توقعناها ضرب المقاومة العراقية. ويخفى على هؤلاء أن مقاومة المحتل أمر فطري وشرعي لا يمكن وضع حد له، بل إنه يشبه إلى حدٍّ كبير نبات الأثل كلما قصصت أوراقه نَبَتَ من جديد وازداد قوة وانتشاراً، كما أن هذه الخطة قامت على الظلم وإلحاق الأذى والعدوان بطائفة معينة. والظلمُ فعلٌ؛ ولكل فعلٍ ردُّ فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، بالإضافة إلى أن هناك دولاً إقليمية لا يطيب لها حدوث أي استقرار في ظل الاحتلال الأمريكي الذي يشكل وجوده في العراق خطراً عليها، لذا فهي تبذل كل ما في وسعها لإثارة الاضطراب، وإحراج الأمريكيين بعدم الاستقرار؛ وما المفخخات التي تحصد العشرات من أبنائنا كل يوم إلا وسيلة قذرة من الوسائل التي تعتمدها هذه الدول لزعزعة الاستقرار في البلاد.

البيان: هناك تصعيد من الطرف الشيعي ضد أهل السنة المشتركين في العملية السياسية؛ فكيف ترون مستقبل العملية السياسية في العراق، وكيف تقيِّمون موقف السنّة المشاركين فيها؟

٣ الساسة الذين جاؤوا مع المحتل نموذج للأَثَرة والأنانية، يسعون إلى الاستيلاء على كل شيء، ولذا تعاملوا مع الساسة السنة بعدة أساليب، تضمن لهم ـ في المجمل ـ التفرد بالسلطة؛ فبعضهم جنّدوه لخدمة أجندتهم، فكان أقسى على السنة منهم، كما كان وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي؛ الذي أقسم يوماً أن يهدم بيوت من سماهم (الإرهابيين) على نسائهم وأطفالهم. ومنهم من اشتروا ذمته، أو ملؤوا قلبه رعباً منهم؛ فصمت عن باطلهم صمت الأحجار، ويمكن اعتماد السيد عبداً مطلقاً نموذجاً. ومن استعصى على الاستمالة أقصوه عن طريقهم: إما بالاغتيال، أو بتوجيه تهمة له يتم من خلالها رفع الحصانة عنه، أو عن طريق ملاحقته بحيث يغدو خارج العملية السياسية، كما فعلوا مع السيد ناصر الجنابي والسيد ظافر العاني، وكلاهما عضو في البرلمان.

أما مشاركة السنة في العملية السياسية فهي الأسوأ في تقييم العقلاء؛ فهم منحوا الإقصائيين الغطاء القانوني ليمارسوا الإقصاء بحقهم وبحق الآخرين من أبناء الوطن المخلصين، وأعطوهم الفرصة ليرتكبوا مجازر بحق أبناء العراق بِاسم ضبط الأمن، وملاحقة الخارجين على القانون، ولذلك حين قيل للمالكي: إنك تستهدف السنة في الخطة الأمنية؟ قال: لا، السنة إخواننا وهم معنا في العملية السياسية، نحن نستهدف الإرهابيين. وهكذا بفضل ذكاء الساسة السنة المشاركين في العملية السياسية (!) أصبح كل من لم يشارك في هذه العملية البائسة إرهابياً في نظر المالكي لا بد من ملاحقته وتصفيته جسدياً.

وهذا يفسر لنا سر توجه القوات الأمريكية، ومعها العراقية، عبر الخطة الأمنية لمناطق، مثل: الغزالية، والأعظمية، والعامرية، والفضل، وشارع حيفا والصليخ.. وغيرها، وكأنه لا يوجد في بغداد مناطق غيرها!

البيان: هل تنوي هيئة علماء المسلمين الاشتراك في العملية السياسية في المستقبل القريب؛ كأن تتحالف مع إياد علاوي لإسقاط حكومة المالكي، أو توجه العراقيين للاشتراك فيها؟ ومتى يمكن للهيئة أن تدعم العملية السياسية في العراق؟

٣ الهيئة لها ثوابت معلنة، ومنها أنها لن تشارك في أية عملية سياسية تُجرى في ظل الاحتلال لثقتها المطلقة، التي أكدت التجارب صدقها، أنّ عمليةً من هذا النوع لن يراعى فيها مصالح البلاد والعباد.

ومن علاوي حتى تتحالف معه الهيئة؟!

قد يكون هذا الشخص أقل طائفية من غيره..، لكنه بالمحصلة أداة بيد المحتل؛ هو مسؤول عن ضرب النجف والفلوجة، والظلم الذي لحق بالمدينتين وصُنِّف عالمياً على أنه كارثي.

أما متى تدعم الهيئة العملية السياسية؛ فذلك حين يخرج المحتل، ويتوفر في أي عملية سياسية قادمة الحد الأدنى من المعايير الدولية لسلامة مثل هذه العملية وضمان تحقيق الأهداف النبيلة من ورائها.

البيان: ما موقف الهيئة من مشاريع الإنقاذ التي تدخل فيها العشائر العراقية، وفتح باب تطوع أهل السنة للشرطة والجيش، وخاصة أن الكثير من المواطنين السنة مسرورون بدخول الشرطة المحلية مناطقهم واستتباب الأمن فيها؟

٣ نحن منذ الأيام الأولى كنّا نقول لمن يستشيرنا في هذا الموضوع: إذا كنتَ متأكداً أنك لن تُجنَّد لقتل أخيك، ولن تعمل لحماية وجود الاحتلال، وكنت ضامناً أن لا تُستهدَف في حياتك من قبل القائمين عليك ـ فتوكل على الله..، وإلا فإياك أن تتورط!

وهذا ما نقوله الآن.

إننا نلاحظ على سبيل المثال أن بعض أجهزة الشرطة والجيش في محافظة الأنبار، بعد ردة الفعل التي انتابت عشائرها ضد تنظيمات معروفة بسبب أدائها السيء، بدأت تُستَغل لضرب المقاومة وتصفية عناصرها..؛ فمن يتحمل المسؤولية؛ والاحتلال بعدُ لم يغادر البلاد، ونحن أحوج ما نكون إلى كل فرد مقاوم؟

البيان: ما موقف الهيئة من مؤتمر علماء العراق؟ وكيف تقرأ الدوافع التي دفعت المجتمعين إليه؟

٣ الهيئة منذ تأسيسها نبَّهت على أن العراق ليس حكراً على أحد، ومن حق كل أبنائه أن يشكلوا تجمعات، دينية كانت أم مدنية، بيد أن المهم أن يكون ذلك التجمع نزيهاً، بمعنى أن يعمل منتسبوه لصالح القضية العراقية، وأن لا تقف وراءه جهات مشبوهة، ونحن ننظر لمؤتمر علماء العراق وغيره بهذا المنظار.

قد يكون مجيء هذا المؤتمر في هذا الوقت الحرج، واضطراب الرواة في تشخيص الجهة التي تقف وراءه، إعداداً وتمويلاً يثير علامات استفهام، لكننا لن نتعجل في الحكم عليه، وسنرقب أداءه، ولدينا يقين أنَّ ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.

البيان: هل هناك مراجعة لأجندة الهيئة وطريقة أدائها؟ وهل الهيئة مقتنعة بتمثيلها لأهل السنة؟

٣ هناك مراجعة دائمة لأداء الهيئة ولخططها في التعامل مع الأحداث في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ بلدنا، ونحن ما زلنا نعتقد بصواب خطواتنا، ودقة تشخيصنا للواقع، وسلامة رؤيتنا للمستقبل، وكل الذين راهنوا على أن الهيئة أخطأت في تقدير المواقف يؤكدون اليوم أن الواقع دلَّ على خلاف ما راهنوا عليه؛ فالعمليات السياسية ـ على سبيل المثال ـ التي جنَّبت الهيئةُ نفسَها من التورط فيها قادت البلاد والعباد إلى الحضيض، وعرّضت الذين عقدوا الآمال عليها إلى الإحساس بخيبة الأمل، وبدا أبطال هذه العمليات ـ الذين كانوا يروِّجون لأنفسهم وأحزابهم على أنهم منقذون ـ مجردَ أدوات نفَّذ بها المحتلُ خططَه المشبوهة؛ ومن ثَمَّ فقدوا ما لديهم من رصيد.

أما بالنسبة لتمثيل الهيئة لأهل السنة، فَمع أننا سنة، ويهمنا أن يكون أهل السنة في أحسن حال، غير أننا لم نطرح أنفسنا ممثلين لأهل السنة فقط؛ إنما نحن نسعى لأنْ نكون لأبناء وطننا كلهم؛ نعمل على تحريرهم من الاحتلال والعملاء، وتأمين مستقبل زاهرٍ لهم جميعاً.