للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

افتتاحية العدد

الجهاد الأفغاني إلى أين؟ !

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى

بهداه، أما بعد.

فلا شك أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وما ذل المسلمون في عصورهم

الأخيرة إلا حين تساهلوا في أداء واجب هذه الفريضة.. التي عمل أعداء الإسلام

كل ما يستطيعونه لإطفاء جذوتها ومحاولة إضعاف تأثيرها في النفوس.. فتداعت

الأمم على جل ديار الإسلام، وكان من آخرها: الاحتلال الشيوعي البائد لدولة

أفغانستان بمؤامرة دنيئة، كان وراءها الفئات الماركسية الأفغانية، فعز ذلك على

أبناء أفغانستان المسلمة وتداعى رجالها وعلماؤها وطلاب العلم فيها من كل حدب

وصوب للوقوف في وجه الحكم الشيوعي، وبدأ الجهاد عام ١٩٧٥م، وتواصل المد

الجهادي وتدافع المسلمون من شتى أقطار الدنيا لنجدة إخوانهم بالنفس والنفيس،

انطلاقاً من قول الله (تعالى) : [وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ] ... [الأنفال: ٧٢] ، واحتفاء المسلمين بذلك الجهاد الذي هدى الله بسببه أنفساً ضالة، ورفع به رؤوساً خانعة جعله مدرسة كبرى للتربية أقضت مضاجع أعداء ... الإسلام باستمراره حتى قال جنرال غربي: «إن استمرار الجهاد خطر على مصالح الغرب في العالم الإسلامي» وعلى ضوء ذلك قيل: إن الإسلام هو العدو البديل للشيوعية، فبدؤوا بالتخطيط لإسقاط هذا الجهاد، والعمل المتواصل للإساءة إليه، ووصمه بكل نقيصة، فوُسِمَ بالإرهاب، وصار اسم المجاهدين يعني في هذه الحرب الخسيسة تهمة يُرمى بها كل من شارك في ذلك الشرف.. صحيح أن هناك من وقع في أخطاء صريحة وممارسات منحرفة، غير أن ذلك لا يعني تعميم تلك الأخطاء على الجميع، والإساءة إلى تلك الفريضة والمشاركين فيها بدون وجه حق.

كانت آمال المسلمين كبيرة في استمرار الجهاد ليؤدي دوره في التربية والبناء، لكن الذي حصل أن النزعة الحزبية سيطرت على الأوضاع هناك، والتوجهات

الشخصية تحكمت في أزمة الأمور، فضلاً عما كان من القادة أنفسهم من ذوي

المنطلقات الصوفية والقومية الجاهلية، بل وذوي الولاءات والنعرات الطائفية

المقيتة، ومن هنالك انقسموا على أنفسهم، وتحاربوا فيما بينهم، وعلى الرغم من

إسقاطهم للحكم الشيوعي ودخولهم كابل العاصمة، إلا أنهم فشلوا في إقامة الدولة

الإسلامية التي سعوا إلى إقامتها وكانت هدفهم ومبتغى آمالهم، ولا شك أن لذلك

أسباباً، من أهمها:

-أن المجاهدين لم يوحدوا منهجهم في التلقي المفترض قيامه على الكتاب

والسنة وفهم سلف الأمة والبعد عن المنطلقات المشبوهة أيّاً كان نوعها.

-النزعة الحزبية القائمة على بناء الأمجاد الشخصية وتلبية الحاجات الذاتية

التي لم يصهرها الجهاد في قالب واحد، بعيداً عن كل الشبهات.

-ظهور التوجهات القومية والنزعات العنصرية.. حتى كنا نسمع بأن فلانا

من القومية (الفلانية) ومن الجنس (العلاني) ، وكأن الإسلام لم يوحد الجميع في

بوتقة إيمانية وعقيدة ربانية.

-العجز في تمثل كثير من قادة الجهاد حقيقة أخلاق الإسلام القائمة على

التعاون والتواد والرحمة ونكران الذات والإيثار، ورفضهم للاتحاد الفعلي الذي

يجمعهم كالجسد الواحد.

-التحالف مع الفئات المنحرفة عقيدة ومنهجاً، بل وصل الأمر أن يُتَحَالَفَ

مع شيوعي عريق مثل «دوستم» يدخل معهم كابل، وأن يرشح طُرُقِيّ ليكون في

قمة السلطة، وهذا ما جعل الجهاد يدخل في دوامة ما زال يعاني منها حتى الآن.

-عجزهم عن فهم الدروس التي مرت على الحركات الإسلامية المعاصرة

وسر فشل كثير منها.

ولذلك: حرص المسلمون جميعاً أفراداً وجماعات على مطالبة المجاهدين

بأهمية التعاون فيما بينهم، وضرورة أن يكونوا يداً واحدة على من سواهم، بل

جُمع قادة الجهاد أكثر من مرة في أكثر من مناسبة ودُعوا لتناسي الإشكالات فيما

بينهم للمصلحة العليا ومصلحة بلادهم، غير أنهم ما أن يتفقوا حتى يختلفوا، حتى

إن الشعب الأفغاني وجد أن جهاد هذه الجماعات لم يوصله إلا إلى مزيد من الشقاق

والعيش الكفاف والإعاقات لكثير من أفراده، بعدما قدم هذا الشعب المجاهد الصابر

من الشهداء فيما نحسبهم وا لله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً أكثر من مليون

ونصف المليون.

وأضحى الشعب كالغريق الذي يتمسك حتى بقشة رغبة في الوصول إلى بر

الأمان.

وجاءت «حركة طالبان» الجديدة التي برزت بشكل مفاجئ للكثيرين،

وأخذت تكتسح المدن والقرى، وتدعو جميع الفصائل الأخرى للتسليم لها.

ولعل معاناة هذا الشعب المسكين وخلو الساحة من بديل راشد قد دفعه إلى

انتظار أي بديل، حتى ولو كان مجهول التوجه والمستقبل، أملاً في رفع المعاناة

التي عاشها طوال عقود سني الحرب العجاف.

وبغض النظر عن التقويم الشرعي والواقعي لهذه الحركة، وما هي حقيقتها؟

، وهل هي مدعومة من جهات مشبوهة؟ ، وما مستقبل أفغانستان تحت سلطتها؟ ،

وهل تستمر تلك الحركة أم تتلاشى؟ .. فهذا كله ليس مجاله هنا ولعله يكون في

مقال قادم إن شاء الله (تعالى) .

لكننا من واقع الأخوة الإسلامية وما تقتضيه من محض النصيحة لإخواننا في

الله، ومن دافع الشفقة على هذا الشعب المسلم المغلوب على أمره، ورغبة أن

يضطلع المسؤولون في الجهاد الأفغاني ومنهم (حركة طالبان) نذكرهم وكل من يهمه

الأمر والذكرى تنفع المؤمنين بما يلي:

* ضرورة أن يكون منطلقهم: فهم الإسلام (عقيدة ومنهج حياة) ، بعيداً عن

النزاعات الطائفية والقومية والحزبية، والتي يسعى أعداء الإسلام لزرعها بينهم،

وأن يكون رائدهم الحق ولا شيء غيره.

* الحذر كل الحذر من التحالفات مع الفئات المنحرفة عقديّاً وفكريّاً،

والحرص على جمع الكلمة مع أخوة الدرب والمصير، لا سيما من لهم سابقة في

الجهاد والدعوة، وأهمية الاستفادة من العلماء في جمع الكلمة وتوحيد الصفوف.

* أخذ الدروس والعبر من عدم الوقوع في المنزلقات التي وقع فيها مَن قبلهم

من الأخطاء الجسيمة التي أودت ببلادهم للدمار والخراب.

* الحذر مما يخطط له الأعداء من تصفية الحركة الإسلامية جميعها بضرب

بعضها ببعض، ومن ثم: الإجهاز عليهم جميعاً، تمهيداً لإعادة الحكم السابق من

جديد، والذي سيرضى بكل الحلول المطروحة، ومنها علمنة البلاد، وسيكون

الجهاد والمجاهدون وقوداً لهذا الاتجاه المطلوب دوليّاً.

* ليس من الحكمة مناصبة الآخرين العداء، والتسرع في الحكم، والسرعة

في إصدار القرارات بدون روية، مما سيثير الفتن التي ستقيم الدنيا ولا تقعدها.

* تأمين الناس وإظهار ديننا الحنيف على حقيقته: دين نهضة وبناء؛ مما

يحبب المجاهدين إلى الناس، فيتداعون لنصرتهم.

* الحرص على وحدة أفغانستان وعدم تحول الصراع فيها إلى صراع عرقي

تتفتت معه البلاد إلى دويلات بدعم من الدول المجاورة.

هذا تحللينا لواقع الجهاد الأفغاني، والمنزلقات التي سقط فيها، والأسباب

المساعدة للخروج منها.

أيها الإخوة في الجهاد ندعوكم لتصحيح المنطلقات وجمع الكلمة وتوحيد

الصف والحذر من الشباك التي تنصب للإيقاع بكم وبالمسلمين، وعليكم بالبناء لا

الهدم، والتعاون فيما بينكم لا الشقاق والخلاف.

[وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ

مَعَ الصَّابِرِينَ] [الأنفال: ٤٦] .