تحت المجهر
[مسلمو تايلاند.. تعاطف معنا وتجاهل منا]
أمير سعيد
[email protected]
تتعدد الأعراض.. تتنوع أو تتشابه، لكن يظل المرض واحداً؛ فالقصة
قديمة حديثة.. أمة تائهة عدمت قيادة عالمية تلم شعثها وتدافع عن حقوق أبنائها
وأقلياتها مذ بدأ مرضها الأخير يفت في عضد الدولة العثمانية؛ فذابت عشرات
الممالك الإسلامية الصغيرة من وقتئذ في دول تسلطية قمعية تحمل لحضارة الإسلام
كل الكراهية، وأضحت أطلال العز البائدة إلى اليوم تستدعي أخبار العالم «الهامة»
و «العاجلة» .. تستنطقها لتروي مأساة في إثر مأساة، وتنكأ جرحاً من بعد
جراح.
وفي فطاني (الجنوب التايلاندي) كان الموعد مع إحدى هذه الأتراح حين
قامت مجموعات مسلحة في الولايات الجنوبية الأربع المسلمة أواخر إبريل الماضي
بمهاجمة مراكز للشرطة (البوذية) وردَّت قوات الشرطة باستهداف أحد المساجد؛
وهو ما أسفر عن مقتل العشرات من الجانبين.
لماذا الهجوم؟ لماذا العنف في قضية تبدو بطريقها للحل في الجنوب
التايلاندي؟! لعل من نافلة القول أن الحالة السلمية كانت طارئة بينما العنف هو
الأصل دوماً في الصراع الإسلامي البوذي في مملكة فطاني السابقة التي اختفت
معالمها السياسية قبل ١٧٢ عاماً، ويقطنها نحو ١٢ مليون مسلم يمثلون ٢٠% من
سكان تايلاند.
وقد لا نجد تفسيراً مريحاً لتجدد العنف في الجنوب التايلاندي بعد أن تمكن
المسلمون بنضال سلمي أردف نضالاً عسكرياً خلال عقدين من الزمان من انتزاع
مناصب رئيس البرلمان ووزير الخارجية وقائد قوات الجيش في ولايات المسلمين
فضلاً عن نحو ٤٥ برلمانياً، غير أن يكون خيبة الأمل التي أخذت تتسلل إلى
نفوس المسلمين هناك من إصلاح أحوالهم، والحدود المفتوحة (نسبياً) بين ماليزيا
وتايلاند والتي حدت بحكومتي البلدين إلى توقيع بروتوكول تعاون أمني في مجال
مكافحة الإرهاب في يناير الماضي بعد أن اتهمت الأخيرة جارتها بالتهاون بشأن
الحدود المشتركة بين البلدين مما مكن جماعات ماليزية وتايلاندية من اتخاذ ماليزيا
قاعدة هجومية على القوات التايلاندية.
فطاني وأخواتها شهدت إذن نضالاً عسكرياً من يوم أن فرض البوذيون
الوصاية عليها عام (١٨٣٢م) وأتبعوا ذلك بفرض احتلالهم الكامل على أراضيها
عام (١٩٠٢م) ، لكن هذا النضال تحول إلى النضال السلمي حين بدأت الدولة
تتجه على مهل إلى النظام الليبرالي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بيد
أن قسماً من ناشطي فطاني بدأ ينخرط تحت إمرة جماعات عسكرية مسلحة تسعى
للانفصال كلية عن الشمال التايلاندي، وأضحت تغذيها متغيرات تتجاوز الحدود
التايلاندية إلى أقصى الأرض؛ هناك عند «قرن الشيطان» في واشنطن الذي
يحتفظ بأحد أذنابه في العاصمة التايلاندية (بانكوك) ، متربعاً على «عرش»
سفارة هي الثانية في العالم من حيث القوة والحجم بعد سفارة القاهرة، وحيث
تتفاعل «الصداقة» الأمريكية التايلاندية من حين تمرغت نيويورك في ثرى
أطلال مبنى مركز التجارة العالمي، ومن حين بدأت بلدان المنطقة بتشجيع من
واشنطن في ملاحقة الجماعة الإسلامية المتهمة بتفجيرات بالي بإندونيسيا.
ورغم قسوة المواجهة وتشعبها لا تبدو عمليات الاستقلال المسلحة بطريق
الانحسار إذا ما أخذنا بالاعتبار الشعور العام بين المسلمين بالإحباط، وأضحى
يشجع أي نزعات عنيفة هنا أو هناك لا سيما إذا ما غذت تلك النزعة طبيعة شعب
فطاني الصلبة التي تستر عنفها خلف وجه وديع؛ وخصوصاً إذا ما أصم تجاهلنا
لقضايا شعب فطاني في المحافل الإسلامية صوت الحكمة في وقت يبدي هذا الشعب
الكريم تعاطفاً لافتاً مع قضايا المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان، ولمَّا يجد
إلى اليوم من هو حريص على رد الجميل له!!