للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[كشمير وإرهاصات الحل النهائي]

د. يوسف بن صالح الصغير

يمثل عام ١٩٤٧م بداية الصراع الدموي في كل من فلسطين وكشمير؛ مع

تماثل في الدور الإنجليزي الذي يتلخص في تسليم بلاد المسلمين إلى أعدائهم من

اليهود والهندوس. وقد صدر قرار الأمم المتحدة الذي ينص على حق الشعب

الكشميري في تقرير المصير وذلك عام ١٩٤٩م، وما يزال هذا القرار حبراً على

ورق، بل ويتجاهله اللاعبون الكبار؛ لأن الهدف منه ليس إعادة الحقوق إلى

الشعب المسلم في كشمير بل امتصاص غضب الناس وإعطاءهم أملاً كاذباً

بالحصول على الحقوق. وقد قامت الهند بعد احتلالها ثلث كشمير بمحاولة تخدير

الشعب الكشميري وكسر حدة مقاومته عن طريق إعطاء إقليم كشمير الحكم الذاتي،

وأطلقت عليه اسم: (جامو وكشمير) ، ويطلق على رئيس حكومة الإقليم لقب

رئيس الوزراء أسوةً برئيس الحكومة الهندية، وكان لها عَلَمُها الخاص وبرلمانها

الخاص، واستمر هذا الوضع من ١٩٤٩م إلى ١٩٥٣م؛ حيث بدأت الحكومات

الهندية المتعاقبة في تقليص ميزات الحكم الذاتي حتى تم إلغاء لقب رئيس الوزراء،

وأصبح يطلق على رئيس حكومة الإقليم لقب كبير الوزراء أسوةً بالولايات الهندية

الأخرى.

وبقدر ما كانت هزائم باكستان المتوالية في الحروب مع الهند عاملاً أساسياً

في تثبيت الهند أقدامها في كشمير، وفي تسرب اليأس إلى نفوس الشعب الكشميري،

فإن الحرب في أفغانستان وخروج الروس منها قد بعث الأمل في إخراج الهنود

من كشمير. وكان اشتراك عدد كبير من المجاهدين الكشميريين في حرب أفغانستان

وتوجههم إلى كشمير بعد توقف الجهاد في أفغانستان بداية مرحلة جديدة في كشمير

من العمل المسلح مع بروز العامل الإسلامي وتكوُّن حركات جهادية كثيرة. ومنذ

قيام ثورة ١٩٨٩م التي ما زالت مستمرة حتى الآن فقد تحولت كشمير إلى جرح

مؤلم للهند يبتلع ٢٠% من الميزانية العسكرية وبلغ عدد القوات الهندية حوالي

٠٠٠، ٦٠٠ جندي، أي حوالي عسكري هندي لكل سبعة كشميريين، وبلغت

الخسائر البشرية ما بين ٢٥ إلى ٧٠ ألف قتيل، وكان هذا الصراع مؤلماً؛ حتى

إن وزير الدفاع الهندي سارع فور التفجيرات النووية الهندية إلى الكشف عن نية

الهند اجتياح بقية كشمير وتحدي باكستان أن تختار مكان المعركة وزمانها، وبدا

للهند أنها قاب قوسين أو أدنى من إنهاء القضية بابتلاعها كلها وتحطيم باكستان

الداعم الرئيس - أو لنَقُلْ الوحيد - للمقاومة في كشمير؛ ولكن التفجيرات النووية

الباكستانية أعادت التوازن للمنطقة، واستمر النزيف مع إصرار الهند على عدم

بحث قضية كشمير في أي لقاء دولي أو حتى اشتراك دولة ثالثة في المفاوضات،

وكان التجاهل التام هو نصيب مطالب الكشميريين بالحرية والاستقلال أو الانضمام

لباكستان حتى قامت عملية كارجيل التي يبدو أنها أُعِدت بدقة على أعلى مستوى من

قِبَل الجيش الباكستاني والمجاهدين.

عملية كارجيل وبداية التدخل الأمريكي:

بينما كان العالم الغربي النصراني مستنفراً قواه في سبيل فصل تيمور الشرقية

عن إندونيسيا بدعوى تحقيق مطالب الشعب التيموري، وكالمعتاد كان علم الأمم

المتحدة يرفرف فوق القوات الأسترالية التي نابت عن العالم الغربي في تنفيذ مهمة

نصرة الشعب النصراني المظلوم وفي تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بإعطاء شعب

تيمور الشرقية حق تقرير المصير بدأت عملية كارجيل لتذكير العالم أن هناك قراراً

للأمم المتحدة عمره خمسون عاماً بإعطاء شعب كشمير حق تقرير المصير، ومع

ذلك فلم يلتفت أحد لهذا القرار، بل قامت الهند بحشد قواتها وسط تأييد غربي لعملية

إبادة قوات المتطرفين التي وقعت في الفخ وتصفيتها، وتم حصار المنطقة الجبلية

المنيعة؛ ولكن القوات الهندية أخفقت في إعادة احتلال المواقع التي استولى عليها

المجاهدون، وتكبدت آلاف القتلى من قوات النخبة، وهنا تدخلت أمريكا وقدمت

عربون التحالف الاستراتيجي مع الهند، وتم استدعاء رئيس وزراء باكستان آنذاك

نواز شريف إلى واشنطن، وأُجبر ليس فقط على الاعتراف بالدور الباكستاني في

العملية بل وتعداه إلى إصدار أمر بانسحاب المجاهدين في حرج شديد؛ ولكن

المقاومة الشرسة التي أبداها المجاهدون اضطرت الهند إلى فتح ممر آمن لهم

والسماح بانسحابهم إلى كشمير الحرة.

إن زيارة الرئيس الأمريكي كلينتون للهند، ومن ثم مروره على باكستان تدل

على الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة؛ فقد أحيطت الزيارة للهند بكثير

من الاهتمام وكانت عبارة: (أكبر ديمقراطيتين في العالم) تتكرر كثيراً أثناء

الزيارة مما يدل على الاحترام المتبادل، بل وتكرمت أمريكا بالاعتراف أن الهند

دولة قوية لها مصالحها الخاصة التي لها الحق في حمايتها؛ وذلك خلاف الدول

الصغرى التي تتعامل معها أمريكا وفق مصالحها الخاصة فقط. لقد ألقى الرئيس

كلينتون خطاباً مهماً في مجلس النواب الهندي صرح فيه أن سياسات الحكومة

الهندية ستكون لها عواقب تتجاوز حدود الهند، ولكنه عاد واعترف بأن الهند عليها

أن تتصرف حسب مصالحها؛ ومن ناحية أخرى حث الهند على إجراء حوار لحل

الأزمة في كشمير التي اعتبرها عامل عدم استقرار في المنطقة. إن الفارق بين

الزيارتين أن زيارة الهند فيها كثير من الغزل الدبلوماسي، وتشمل المباحثات

التصدي للصين ومجالات التعاون التقني والاقتصادي وسبل دعمها. أما الزيارة

لباكستان فتتركز على شكل الحكومة وتخفيف الدعم للأحزاب الكشميرية، بل إن

طلب التحقيق مع الشيخ مسعود أظهر الذي أطلقته الهند بعد عملية خطف الطائرة

الهندية، وأخيراً المساعدة في القبض على بن لادن والمشاركة في مطاردة الأفغان

العرب والضغط على طالبان و ... وفي المقابل، فإن المصلحة الباكستانية المتوخاة

هي فقط عدم تصعيد عملية خنق باكستان ومقاطعتها.

إن إشارة الرئيس كلينتون إلى وجوب الحوار لحل الأزمة في كشمير مع

اقتناع الهند بصعوبة الحل العسكري أو استحالته قد أدى إلى تداعيات كثيرة حولها

كثير من علامات الاستفهام.

يوجد في كشمير عدد كبير من الأحزاب والجبهات ومنها حزب المؤتمر

القومي الذي يسيطر على حكومة الإقليم برئاسة فاروق عبد الله، وهو حزب موالٍ

للهند نوعاً ما، وهناك تحالف جميع الأحزاب الكشميرية للتحرير ويضم ٢٠ حزباً

وجماعة وكان يرأسه الشيخ سيد علي شاه ورئيسه الحالي البروفيسور عبد الغني بت،

وأخيراً مجلس الجهاد الموحد بقيادة سيد صلاح الدين رئيس حزب المجاهدين

وهذا المجلس يضم أكثر التجمعات الجهادية وأكثرها عداءً للوجود الهندي.

الهند وسياسة فرق تسد:

إن كثرة الأحزاب الكشميرية وتفاوت طروحاتها وأهدافها له دور مؤثر في

إضعاف الجانب الكشميري وفي إيجاد مجال للمناورة في الجانب الهندي الذي يبدو

أن تحركاتهم محسوبة بدقة؛ فقد بدأت عملية جس النبض والحوار مع الوسط؛

وذلك من أجل جذب الأطراف؛ فقد قامت السلطات الهندية بإطلاق عدد من قادة

تحالف جميع الأحزاب الكشميرية للتحرير، وفتحت الحكومة الهندية قنوات اتصال

مع قيادة التحالف بقيادة الشيخ سيد علي الجيلاني. وتصر الهند على إجراء

المحادثات في إطار الدستور الهندي أي بقاء كشمير جزءاً من الهند، وهذا ما

يرفضه حالياً جميع قادة التحالف والذين يصرون من جانبهم على وجوب مشاركة

باكستان في المباحثات؛ لأنها حليف أساس للمقاومة الكشميرية من جهة، ومن جهة

أخرى فإن استقلال كشمير الذي يطالب به بعض الأحزاب يقتضي موافقة كل من

الهند وباكستان عليه.

إن رد فعل الحكومة المحلية في كشمير على المباحثات هو طرح قانون الحكم

الذاتي، وصوَّت البرلمان في جامو وكشمير لصالح العودة إلى وضع ما قبل ١٩٥٣

م. وبعد حوالي شهر رفضت الحكومة الهندية بإجماع وزرائها هذا القرار. وهذا

الرفض يعني عدم مناقشة القضية في البرلمان الهندي، وهذا الرفض يوحي بأن

الحكومة الهندية تريد إرسال إشارة إلى الأحزاب الكشميرية أن الحكم الذاتي هو

أقصى ما يمكن قبوله، وأن دور حزب المؤتمر القومي في إدارة كشمير قد شارف

على الانتهاء.

وأخيراً كانت ردة الفعل الثانية أو الخطوة الثالثة ألا وهي إعلان حزب

المجاهدين - وهو أكبر الأحزاب في كشمير - على لسان قائده الميداني في

سرينجر وتبعه إعلان القيادة في باكستان هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر، وكان هذا

الأمر مفاجأة للأحزاب الأخرى خاصةً أعضاء مجلس الجهاد الموحد الذين أعلنوا

رفضهم هذه الهدنة، وأصدروا بياناً فيما يلي نصه:

«يعلن مجلس الجهاد الموحد بعد البيان الذي أعلنه حزب المجاهدين بكشمير

المحتلة (عبد المجيد دار) وباكستان (سعيد صلاح الدين) أن إعلان الهدنة ووقف

القتال ضد قوات الاحتلال الهندية أو إجراء مفاوضات معها في هذا الوقت هي

قرارات مرفوضة وغير مقبولة، وأن الجهاد سيتواصل حتى تحرير كشمير؛ لأن

الهند أكدت في كل مناسبة رفضها وقف مظالمها واعتداءاتها على السكان المحليين،

كما أن الهند لا تسعى سوى إلى بث الفرقة بين القادة العسكريين والسياسيين داخل

كشمير، ولا يهمها سوى مصالحها. ولقد حاولت عبر فاروق عبد الله أن تقنع

الكشميريين بحيلة الحكم الذاتي وستحاول حيلاً مماثلةً مع أشخاص آخرين» .

إن الانفراد بالهدنة والتفاوض سقطة وقع فيها حزب المجاهدين، وكما هو

متوقع فقد أيدت أمريكا وفرنسا الهدنة، وأرسلت الهند مفاوضين إلى سرينجر،

وبينما تبرأت باكستان من الإعلان وأنها لا تعترف سوى بتجمع أحزاب الحرية

ممثلاً وحيداً للشعب الكشميري فإن إعلان الحزب للهدنة قبل مفاوضات مسبقة مع

الهند وقبل استشارة باكستان أمر مستبعد.

إن أخشى ما نخشاه هو خضوع باكستان للضغوط الأمريكية وقيامها بالضغط

على حزب المجاهدين لإعلان الهدنة وإيقاف العمل الجهادي. لقد كان رد الأحزاب

الأخرى عنيفاً؛ حيث كانت تجري مفاوضات الحزب مع الهنود تحت ضغط

عمليات عنيفة متوالية مع هجوم إعلامي كثيف ضد الهدنة مما دفع الحزب وخوفاً

من فقدان قواعده إلى إعلان إيقاف الهدنة واستئناف العمليات بدعوى رفض الهند

مشاركة باكستان في المفاوضات ومن أجل تسويغ الهدنة وأن الحل لا يمكن إلا

بتدخل باكستاني مباشر وهو ما يصعب تصوره عملياً؛ فقد صرح رئيس الحزب

سيد صلاح الدين لهيئة الإذاعة البريطانية أن الوقت قد حان لِتُقْدِمَ باكستان على

المخاطرة. وأكد صلاح أن جماعته تحث القيادة العسكرية على الإقدام على تدخل

عسكري مباشر لتقديم الدعم لها حتى تتم تسوية النزاع بشكل نهائي. إن تنازل الهند

وإقدامها على التفاوض يجب أن يستثمر بموقف موحد من قِبَل الأحزاب الكشميرية،

وألا يكون وسيلةً رخيصةً للتفريق بينهم، ومن ثم التخلص منهم جميعاً! إن

مسارعة المجموعات المختلفة إلى قبول الحوار بدون تنسيق يدل على قصر نظر

سياسي أو على أقل تقدير يوحي بضغوط غير مرئية تمارس على الأحزاب المختلفة.

إن قدرة المجاهدين على دخول المدن والقيام بعمليات كثيرة ومهاجمة مقرات

القيادة الهندية يدل على قدرات عسكرية متميزة يجب استثمارها في خنق القوات

الهندية وقطع خطوط تموينها وجعل حركتها مكلفةً جداً، وعدم الدخول في مواجهات

مكلفة. إن الجهاد في كشمير وعمليات نصب الكمائن وتدمير القوافل المتحركة

سيجعل بقاء القوات الهندية وتمويل ٠٠٠، ٦٠٠ جندي أمراً غير محتمل.

لماذا نوقف الجهاد عندما بدأ يؤتي ثماره التي يجب أن تتجاوز مصالح حزب

معين أو قيادة معينة؟ إن ثمن وقف الجهاد يجب أن تدفعه الهند بالخروج من كشمير

لا أن يدفعه المجاهدون خلافاً فوق خلاف وفرقة فوق الفرقة. إن كثرة أسماء

الأحزاب وتشابهها ليس ظاهرةً صحيةً، وإن بداية الحل تكمن في دمج الأحزاب

المستقيمة على المنهج في اسم واحد ليس تحته أسماء.

وليكن شعارنا قوله - تعالى -: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا]

(آل عمران: ١٠٣) .