خواطر في الدعوة
أزمتنا الأخلاقية
(٢)
محمد العبدة
كم هو مؤلم للنفس أن يشكو إليك أخ مسلم حال بعض المنتسبين للدعوة فيذكر
من جفائهم وبعدهم عن تطبيق ما يأمر به الإسلام من الرفق واللين والكلمة الطيبة،
والسؤال عن الحوائج وتفقد الأحوال، والزيارة الأخوية، ويتابع هذا الشاكي فيقول: (دخلت المستشفى فلم يزرني الإخوة الذين أعرفهم، وزارني زملاء العمل الذين
هم أقرب لأن يكونوا من عوام المسلمين، وبعضهم يعرض علي المساعدة المالية،
أو أي خدمة يمكن أن يؤديها) .
ونحن نسمع ونرى كيف يخدم أهل الباطل بعضهم، أو من يريدون وقوعه في
شباكهم، مع أن المسلمين هم أولى الناس بكل مكارم الأخلاق ومحاسن العادات،
ولا يجوز أن يسبقهم سابق في هذا المضمار، وإننا نذكر المسلم بحديث: (اشفعوا
فلتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما أحب) وحديث العاهر التي سقت كلباً في
يوم قائظ فغفر الله لها، وحديث المرأة التي عذبت في هرة لها حبستها، وحديث
الذي كان يقام عليه حد الخمر فلعنه أحدهم، فقال له الرسول - صلى الله عليه
وسلم -: (لا تلعنه إنه يحب الله ورسوله) كما نذكرهم بقصة الإمام أبي حنيفة مع جاره السكِّير الذي كان سجن فشفع له أبو حنيفة حتى تاب وأناب.
إن من أسباب هذا الجفاء والجفاف عند بعض المنتسبين إلى الدعوة هو ضيق
عطنهم، وجهلهم بحال المدعو وبطريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحاله
في تأليف الناس وطريقة العلماء الربانيين من هذه الأمة. ولذلك تجدهم إذا رأوا من
هو مقصر في بعض السنن عاملوه بازدراء واستخفاف، وقد لا يسلمون عليه إلا
بصوت منخفض، ولا يهتمون به ولا يحاولون استمالته بالكلمة الطيبة أو بصنع
المعروف حتى يميل قلبه إلى محبه السنة وأهلها.
وهذا الذي ينظر إلى المقصرين بعين الازدراء وقع في داء أشد وهو العجب
بالنفس والاستطالة على الخلق. وهؤلاء غالباً ما يقعون في الغيبة باسم النقد
والتقويم. وهذا المرض أصبح فاشياً، فتُذكر معايب المسلم وقد لا تكون فيه،
وأكثرها من الأوهام والظنون، ولا تسأل كذلك عن المكر الذي يستعمله بعضهم مع
إخوانه ويعد هذا من الذكاء والكياسة، وينظر للمسلم الذي لا يستعمل هذا المكر على
أنه مغفل مسكين.
وبعد هذا كله، ألا يحق لنا أن تصف بعض جوانب أزمتنا بأنها أخلاقية،
وهي فرع ولا شك من تخالفنا العام الذي طال مكثه فينا، ونحن نحاول من هنا
وهناك الخروج من هذا المأزق؟ !