خواطر في الدعوة
صحوة أم تجديد
محمد العبدة
شاعت في هذه الأيام على ألسنة الدعاة والكتاب كلمة (الصحوة) يعبرون بها
عن الاتجاه القوي نحو الدين على مستوى الأفراد والشعوب، ولا شك في أنها
ظاهرة واضحة وقوية لا تحتاج إلى أدلة أو برهان، فالعودة إلى الدين والالتزام به
سلوكاً وفهماً نراه في كل مكان، والمؤتمرات التي تبحث هذه الظاهرة تعقد على
أعلى المستويات. ولكن هل ما نحن فيه، وما يجب أن نكون عليه يكفي في التعبير
عنه كلمة (صحوة) ؟ أليس مما تعنيه أنها إفاقة بعد نوم، قمنا بعدها نتملى ونفرك
أعيننا لنرى ما حولنا؟ وهل هذه الإفاقة هي من تاريخ استعمال هذا المصطلح -
وهو حديث العهد - أم أنها أقدم بكثير؟ أولا تعني - مما تعنيه - أنها مؤقتة، فقد
يصحو الإنسان ثم يغفو، وربما تكون الصحافة الغربية قد أطلقتها على أحداث
السنوات الأخيرة في العالم الإسلامي لتعبر فيها عن قلقها من ظاهرة التدين؛ فتلقفتها
الصحف عندنا، ثم سرت إلينا.
قد يقول قائل: لا مشاحة في الاصطلاح، سمها ما شئت، فالمقصود هو
الرجوع إلى الدين، وهذا صحيح، ولكن أخشى أن تسري سطحية هذا المصطلح
إلى الفكر الإسلامي، فنحن بحاجة، إلى التجديد بكل ما في مصطلح التجديد من
عمق، وكل ما فيه من تعب وكد في العلم والتدبر والتأمل. نحن بحاجة إلى التجديد
لإزاحة كثير من الغبش عن بعض المفاهيم الإسلامية، والتصورات التي كبلت
الشخصية المسلمة عن الانطلاق، ونحن بحاجة للتجديد في وسائل العمل، وفهم
الواقع، وفقه بناء الأمم، وكيفية إقامة (البنيان المرصوص) . ونحن بحاجة إلى
التجديد أمام التحديات الحضارية التي ما زالت رياحها تهب من الغرب.
وإذا كانت الدعوة في بداية مراحلها، تحتاج إلى رعاية فائقة، وشحنة
عاطفية - كالطفل في أعوامه الأولى - فإنها الآن أمام تحديات كبيرة، فلا بد من
العقول المفكرة والعلماء المجتهدين والتخطيط، والنظر في وقائع الاجتماع البشري
والسنن الربانية، والتدرب على تحليل الحاضر واستشراف المستقبل، وهذا كله
يندرج تحت حديث التجديد (يجدد لها أمر دينها) وأمر دينها يندرج تحته أمر
دنياها أيضاً، لأ نه وسيلة إلى الأمن والاطمئنان والقيام بأمر العبودية على أتم
ما تكون.