للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

الوعد القادم.. إننا قادمون

طارق مجاهد

(ويل لكم) .. نعم هذه الكلمة هي التي سمعتها من أحدهم عندما أخذ يعدُّ أفراد

أسرتي وسأل عن أسمائهم فوجد عددهم كثيراً - في نظره - وذكَّرتْه أسماؤهم

بأسماء بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - رضوان الله عليهم - فلطم

وجهه بيديه حنقاً، وغيظاً والتفت إلى جندية بجواره قائلاً لها: يا ويلي علينا.. يا

ويلي علينا.. يا ويلي علينا!

نعم هكذا وبكل وضوح ... أمر غريب جداً! لقد دهشت؛ ولكن كان عليّ أن

أكمل الطريق لاستكمال إجراءات التفتيش على نقطة العبور.

موقف عجيب يحتاج إلى وقفة للتأمل؛ لأن هذا اليهودي يتنبأ بهلاكه وهلاك

قومه على أيدي المسلمين بمجرد رؤية أطفالهم، وبمجرد تذكر أسماء الصحابة

الكرام؛ فلعله تذكر خيبر أو بني قريظة أو غيرهم من أجداده.

لقد ذعر وارتعد بمجرد السماع والتذكر ولطم خده غيظاً. إنه ينتظر الوعد

بهلاكه وهلاك قومه على أيدي المسلمين؛ والعجيب في الأمر أن كثيراً من أبناء

المسلمين لا ينتظر هذا الوعد؛ بل لربما نسيه أو تناساه؛ بل إن بعضهم لا يعرف

عنه شيئاً وكأن المعركة انتهت والصراع توقف عند هذه النقطة السوداء: القدس

بأيديهم، وبأيدينا الفتات والسراب، لقد تخدرت مشاعر بعض المخدوعين بالوعود

المعسولة والآمال المنشودة والكلمات الرنانة عن التعايش السلمي والحب والوئام

وانتهاء الحروب، إلا أننا:

قد مللنا الوعود من كل ... وغد وعميل وخائن ومرابي

رفعوا راية الجهاد وأغفى ... جمعهم بين قينة وشرابِ

والملايين ترقب النصر حتى ... غدوا بين مهمه وسرابِ

واليهود هم اليهود قتلة الأنبياء والأبرياء؛ فهم يثبتون للجميع يوماً بعد يوم

أنهم شعب حقير يوقد نار الحرب ويسعى لذلك كلما سنحت له الفرصة وكلما لاحت

في الأفق بوادر الخلاف؛ فهم كما أنبأنا الله بخبرهم: [كلما أوقدوا نارا للحرب

أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين] {المائدة: ٦٤} فهم

المفسدون الذين يسعون سعياً حثيثاً للإفساد فيها بكل الصور والوسائل.

لقد أصبحت القدس الأسيرة من أبعد الآمال عند كثير من ضعفاء النفوس، إن

لم تكن أصبحت خيالاً مضى كان يداعب فكرهم في زمن مضى أيضاً.

ولكن الأمل يحدونا ونحن على علم أن الليل يعقبه النهار، وأنه عند اشتداد

الظلمة يقترب الفجر، وأن أشد الساعات حلكة هي التي يعقبها الضياء والعاقبة

للمتقين. والأمة إن ضُيِّق عليها في دينها وأهينت مقدساتها؛ فهي تغلي وتقذف

بغضبها وتصبه على أعدائها انتقاماً للدين الذي ارتضاه لها ربها.

وإن فرط من فرط وتخاذل من تخاذل وضعف من ضعف وتولى من تولى

فهناك من لا يفرط ولا يتنازل ولا يتخاذل ولا يضعف ولا يتولى، بل يقدم ويتمسك

ويقوى كلما ازداد العدو كيداً وحرباً، والنصوص الصحيحة الصادقة تعدنا بذلك،

والتاريخ يشهد، والأيام دول، قال - تعالى -: [وتلك الأيام نداولها بين الناس] {آل عمران: ١٤٠} ولنا ألف عودة وعودة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) [١] .

إن الأعداء يذكون ناراً تستعر وستحرقهم عما قريب.. يوقدونها بالدماء

وانتهاك الحرمات والمقدسات والتشريد والهدم والمصادرة والاستهتار بالقيم

والمشاعر والمراوغة والحصار، كل هذا لن يمر سديً ولن يُتركوا عبثاً؛ فلهم

موعد ويوم أسود بسواد قلوبهم وأيديهم وصفحاتهم عبر التاريخ.

إن البشائر بالانتصار عليهم كثيرة جداً؛ بل هي مستقرة في نفوس بعضهم

أكثر من نفوس بعض أبناء المسلمين مع الأسف؛ فمتى يستيقظ أبناء الأمة؟


(١) مسلم , ح / ٣٥٤٧.