سقوط خوست
هل سيدفع للحل العسكري أم الحل السياسي؟
أحمد موفق زيدان
بعد الجمود العسكري الطويل الذي أصاب الجهاد الأفغاني تمكن المجاهدون
الأفغان مؤخراً من تحرير حامية خوست العسكرية والواقعة على بعد ٧٠ كلم عن
الحدود الباكستانية وجاء هذا التحرير بعد اتفان من كافة مجموعات المجاهدين في
المنطقة تحت قيادة الشيخ جلال الدين حقاني والتابع للشيخ يونس خالص، وكوّنت
فصائل المجاهدين في المدينة مجلس الشورى من ٢١ عضوا واتفقوا على شن
عمليات عسكرية منسقة وموحدة على المدينة.
أهمية خوست العسكرية: وفقا لما قاله الشيخ حقاني لـ (البيان) من مقر
إقامته في خوست فإن سقوط خوست كان ضربة معنوية للنظام في كابل، إضافة
إلى أنها قطعت طرق الإمداد عن منطقة باكتيا التي تنتمي خوست لها من الحدود
الباكستانية فقد كانت القبائل الشيعية الباكستانية في منطقة (خرم) و (وزيراستان)
الباكستانية تقوم بدعم وتزويد وتموين المحاصرين في خوست، ويضيف الشيخ
حقاني فيقول: (لقد قبضنا على ٤٠٠ عنصر شيعي في داخل مدينة خوست وهم
باكستانيون ويقاتلون إلى جانب الحكومة العميلة) . وبخصوص ما حدث في مديرية
(جاجي ميدان) يقول الشيخ حقاني: (لقد استسلمت المدينة للمجاهدين أما المتشددون
والمتطرفون من الشيوعيين الأفغان فقد استسلموا لقبائل الشيعة الباكستانية) .
وكان شيعة باكستان قد لعبوا دوراً مهما لصالح (نجيب الله) في هذا الجهاد
خاصة القبائل الشيعية المحاذية للحدود الأفغانية، وقد تكشف أثناء معارك خوست
مؤامرة شيعية باكستانية لاغتيال الزعيم (حقاني) لكن الأمر انكشف قبل حدوثه.
ويأتي هذا التقارب الشيعي مع (نجيب الله) بعد التغير الصريح والواضح
للقيادة الإيرانية حيال دعم ومساندة نجيب ضد المجاهدين، حيث تم استقباله في
مشهد، وتقديم الدعم الإغاثي والمادي لنظام نجيب، وكان آخر ذلك ما قاله السفير
الإيراني في إسلام اباد (جاويد منصوري) بأن التدخل الخارجي سيعقد المشكلة
الأفغانية مثيرا بذلك للاتهامات التي وجهها نظام كابل ضد باكستان في تدخلها
بمعارك خوست الأخيرة، وقد أرسل نجيب رسائل إلى الرئيس الإيراني للتدخل
لدى باكستان في تورطها المزعوم بشأن خوست.
أما حكمتيار فقد قال لـ (البيان) (إن انتصار خوست قد أفشل الدعايات
الشيعية ضد المجاهدين بأنهم عاجزون عن النصر) ، وقد أصيب النظام بإحباط وفقد
توازنه بعد السقوط خاصة وأن نجيب خطب قبل الفتح وقال: (إذا استطاع حكمتيار
من تحرير خوست فأنا مستعد للتخلي عن كابل) .
اهتزاز أسطورة ميليشيا " جلم جمع ":
أفرزت معارك خوست أمراً كان في غاية الأهمية لدى المجاهدين من رفع
معنوياتهم عندما استسلم حوالي ٧٠٠ عنصر ميليشيا يتبعون للجنرال (عبد الرشيد
دوسة) ويلقب لدى الأفغان بـ (جلم جمع) أي الذي يجمع السجاد ويسرقه من أي
مكان حتى ولو من المساجد وقد نسجت حول هذه الميليشيا الأساطير، حتى أن
نجيب يعتبرها فوق الجيش والاستخبارات ورواتبهم عالية جداً، وتقول الأنباء بأن
عددهم في خوست كان أكثر من ٣٠٠ عنصر ولم يعلم أين هربوا، وتنتمي هذه
الميلشيات للعرق الفارسي والطاجيكي وترسل إلى مناطق البشتون لقتال غير أهل
عرقهم حتى لا يكون في قلبهم رحمة أو رأفة وزيادة في الصراع والخلاف العرقي
الطاجكي والبشتوني وهي نفس خطة فرنسا عندما كانت تأخذ المغاربة وغيرهم
للقتال إلى جانبها في بلاد الشام، وبهذا يتعمق الخلاف بين الشعوب ويقول
المجاهدون الذين شاركوا في الهجوم على خوست بأن الميليشيات لعبت دوراً
محورياُ في تأخير النصر عن المجاهدين حيث استماتت في الدفاع عن المدينة،
والعجيب أن عناصر هذه الميليشيات تتراوح أعمارهم بين ١٥- ٣٠سنة فقط وكثير
منهم صغار في السن تركوا دراستهم للقتال والدمار.
غنائم المجاهدين:
غنم المجاهدون غنائم ضخمة جداً في هذه المعارك خاصة وأن الحامية
استسلمت بعد حصار وقتال طويلين فقد غنموا طائرتي هيليكوبتر سليمتين
وطائرتين مقاتلتين وحوالي عشرين دبابة و١٥٠ عربة عسكرية و٦٠٠ قطعة
كلاشنكوف و٦٠٠ مدفع مضاد للطيران و٢٠٠ جهاز لاسلكي وكثيراً من المواد
الغذائية ومعدات السيارات.
أما الطائرات فقد أحصيت بنفسي دمار ٢٤ طائرة عسكرية نقل في مطار
خوست القديم وعدداً من الدبابات والشاحنات والعربات العسكرية.
الخطة القادمة:
تتباين وجهات نظر المجاهدين حيال المعركة القادمة فقد طالب المهندس
حكمتيار بالتركيز على كابل وعدم تشتيت الجهود ويتردد بأنه طلب من أتباعه في
لوجر القريبة من كابل أن يستعدوا لهجوم شامل وحاسم على المدينة، وعين
حكمتيار جيشاً منظماً في لوجر باسم (لايشكا ايثار) أي (جند الإيثار) ويتدربون على
مستوى جيد، ويقوم حكمتيار بنفسه بتدريبهم معنوياً عبر إلقاء المحاضرات
والدروس عليهم ويبلغ تعدادهم ٦٠٠٠ جندي، وتردد بعد تحرير خوست من
حصول انقلاب عسكري في العاصمة بقيادة الجنرال (محمد نبي عظيمي) مع ٤٠
ضابطاً آخرين ولكن تمكن النظام من القبض عليهم، أما القائد جلال الدين حقاني
فيركز على تحرير (كارديز) عاصمة (باكتيا) حتى يصبح ظهر المجاهدين محمياً
عند التوجه نحو كابل ولكن يقول الشيخ حقاني بأنه لابد من التشاور وتبادل وجهات
النظر.
الشيخ يونس خالص الذي قضى أيامه الأخيرة في (جلال أباد) يقول المقربون
منه بأنه يعد لهجوم على المدينة حيث يتمتع بقوة في جلال أباد.
وعلى الجانب الآخر يعتبر البعض أن انتصار خوست سيكون دافعاً للحل
السياسي، فلدى سؤال الشيخ حقاني هل سيكون انتصار خوست دافعاً للحل السياسي
أم العسكري أجاب: (كليهما) ، أما الشيخ حكمتيار فلم يجب على السؤال بصراحة.
(بير جيلاني) من المؤيدين لظاهر شاه طالب بالحل السياسي بعد انتصار
خوست.
ويرى البعض أن الأوراق الأفغانية قد اختلطت خاصة بعد اختلاف برز
مؤخراً بين القادة السياسيين السبعة والقادة الميدانيين الذين شكلوا مجلساً باسم
(مجلس شورى القادة الميدانيين) ويضم أغلب القيادات الميدانية في داخل أفغانستان
ويعدون لإدخال العلماء ورؤساء القبائل في هذا المجلس الذي يتوقع أن يكون بديلاً
عن القيادة السباعية أو قيادة موازية له، ويتولى هذه الفكرة حسب قول حكمتيار
الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لتقسيم أفغانستان، وبهذا تستطيع اللعب بأوراق
متعددة، ويبدو أن باكستان قد رضخت للفكرة أخيراً، أما في السابق فلم تكن
تتحمس لها، خاصة أثناء حكم الجنرال ضياء الحق، وتولي أخطر عبد الرحمن
الملف الأفغاني، ورئاسة الاستخبارات العسكرية الباكستانية المعنية بأفغانستان.