الأمم المتحدة:
صقر الصومال وحمامة البوسنة
- التحرير-
توالت الأحداث متسارعة في الصومال حيث تحولت مهمة جنود القوات ...
الدولية من (إغاثة الجائعين) وتأمين (المساعدات الإنسانية) و (إحلال السلام) ، ... كما ورد في قرار الأمم المتحدة، إلى كتيبة تزرع القتل والدمار والدماء في جميع ... أنحاء العاصمة مقديشو وذلك بحجة تأديب (أمراء الحرب) أو (لوردات الحرب) كما يُطلق عليهم و (المسؤولون عن تفلت الأمن في البلاد) .
الأجواء السياسية والعسكرية كانت تنذر وتنبئ بما حصل. فقد فشلت [*] (الأمم المتحدة، ومن قبل أبناء البلاد وقادته في إيجاد صيغة حل سياسي يزيل عن
الصومال غبار الحرسب ويمسح دموع الثكالى والأيتام والأرامل الذين أنهكهم القتل
وأضناهم الجوع.
أشعلت الشرارة عندما قامت قوات مؤلفة من أميركيين وباكستانيين بقيادة
جنرال أميركي بهجوم مفاجئ فجر يوم السبت ٥/٦/١٩٩٣ على مبنى الإذاعة التابع
للجنرال محمد فارح عيديد مما أسفر عن مقتل أفراد الحراسة وبعض المدنيين إلى
جانب احتلال الإذاعة والسيطرة عليها. وقد قام عيديد أثناء الغارة باستدعاء قواته
واستنجد بأعوانه الذين تدفقوا بالآلاف مدججين بسلاحهم. عندها انسحبت قوات
الأمم المتحدة من موقع العملية واستعادت قواته السيطرة على الإذاعة مصحوباً
بجماهير مسلحة غاضبة صبت جام غضبها على كتيبة باكستانية كانت توزع
المساعدات في إحدى المدارس حاصدة ٢٣ جندياً. تلت ذلك عملية انتقام للقوات
الباكستانية حيث أطلقت النار على المتظاهرين فقُتِلَ عشرات الصوماليين.
الجدير بالذكر أن القوات الأميريكية تستخدم غيرها من قوات الدول الأخرى
كحرس لها، فبينما تدير شئون المطار واستقبال الرحلات وإدارة شؤون المرفأ،
فإن الحراسة تقوم بها قوات أخرى. حتى السفارة الأميركية يقوم على حراستها
جنود غير أميركيين مما يضع هذه القوات في الصف الأمامي وفي حالة صدام
مباشر مع الصوماليين وهذا ما يفسر وقوع ضحايا من غير القوات الأميركية
كالباكستانيين مثلاً.
وتفيد المصادر أن الأميركيين والذين يسيطرون على القرار السياسي
الصومالي لا يسمحون لغيرهم من القوات بالمشاركة في اتخاذ القرارات، حتى
للقوات الأوربية الموجودة هناك. وقد بدأت تظهر علامات التذمر حيث كتبت
الصحافة الألمانية عن تحجيم دور وصلاحيات القوات الألمانية وانتقدت الهيمنة
الأميركية في الصومال وجمدت الحكومة الألمانية إرسال الإمدادات العسكرية
والإنسانية التي كانت مقررة من قبل. وتهدف الإدارة الاميركية من وراء ذلك
تكوين حكومة صومالية أحضرت لها شخصياتها من الصوماليين الذين يعيشون في
أميركا منذ عشرات السنين. وهذا ما يفسر بعض التصادم في المصالح بين عيديد
وصاحبة (الأيدي البيضاء) أميركا.
الأخبار التي احتلت عناوين الصحف والمجلات والإذاعات - والتي تعتبر
الأسوأ من نوعها بالنسبة لجنود الأمم المتحدة منذ مقتل المئات منهم في كمبوديا في
أوائل السبعينيات - أخذت بُعداً جديداً عندما استنكر مجلس الأمن (الجريمة) ووعد ...
بملاحقة المسؤولين وبالفعل صدر قرار الأمم المتحدة رقم ٨٣٧ القاضي بملاحقة
ومعاقبة قادة التحالف الوطني الصومالي. وقد تعهد الأميركيون بالقيام بالمهمة
مذكرين العالم باجتياح (بنما) واعتقال رئيسها (نورييغا) .
الأيام التي تلت ضجت بأخبار الصدامات بين المتظاهرين و (جنود السلام) ...
حيث حصد رصاصهم عشرات القتلى من نساء وأطفال وعُزَّل خرجوا إلى الشوارع
متظاهرين، ثم استكملت القوات الدولية مهمتها عندما بدأت حرب شاملة في نقاط
متعددة من العاصمة ومناطق أخرى استخدمت فيها الطائرات والدبابات والصواريخ
في عملية هدف إلى (إسقاط عيديد) عسكرياً واعتقاله ومحاكمته كمجرم حرب،
النتيجة طبعاً دماء المسلمين العزل وجنود عيديد الذين امتلأت شوارع العاصمة بهم
حيث تحدثت الأرقام عن مئات القتلى والجرحى ونزوح الأهالي بعد أن دمرت
بيوتهم وأحرقت محلاتهم في عملية (شرعية دولية) لإعادة السلام إلى البلاد.
الغياب الإعلامي العربي والإسلامي من الساحة الصومالية أعطى للإعلام
الغربي ومن ورائه الإعلام الأميركي بشكل خاص فرصة ترجمة الأحداث وتشكيلها
ورسمها في عقول الناس كما شاءت وبما يتناسب والمصلحة الغربية.
عيديد الذي تواجهه الأمم المتحدة مسؤول كغيره من (قادة) الصومال عن ...
تدمير البلاد وإغراقها في حرب طائفية طاحنة أعطت الضوء الأخضر للأمم المتحدة
لدخول الصومال. وعيديد نفسه خرج مصفقاً مهللاً لوصولها شاكراً المجتمع الدولي
على تعاونه ومساعدته لإيقاف المعارك وإعادة السلام إلى البلاد.
وعيديد نفسه الذي يحذر الصومال اليوم من (هجمة الصليبية الدولية) على ...
المسلمين ويهدد (بإعلان الجهاد) لم يكن غيوراً على مستقبل الإسلام في الصومال ...
بالأمس عندما رأى في الصليبيين أيدي خير وبركة سوف تدر بخيراتها على
الصومال وأهله.. ويبقى الخاسر الوحيد هم المسلمون الذين أوكلوا قيادتهم
وسياساتهم إلى رجالات عقائدهم كالحرباء التي تغير لونها حسب (الظروف)
والمكان الذي تقف عليه. ولكنها (موضة) حكام اليوم وزعماء العالم الإسلامي
يتحدثون عن الإسلام عندما يحتاج الأمر ليتحولوا لألد الأعداء عندما يمر الزلزال
وتنتهي العاصفة وتثبت الكراسي.
الأصوات بدأت تتصاعد في أنحاء متعددة من الصومال للتحذير من مخططات
مشبوهة تهدف إلى استغلال المجاعة والحرب في هذا البلد لأغراض تنصيرية حيث
أن مئات الجمعيات النصرانية تعمل بلا كلل في مخيمات اللاجئين وإقامة العيادات
ومآوىٍ للعجزة والأطفال، ومؤسسات الأيتام حيث تسهل لديهم إعطاء أبناء
الصومال جرعة التنصير مع رغيف الخبز وحبة الدواء. وقد حذرت مصادر إغاثة
إسلامية من احتمال قيام الأمم المتحدة بتنفيذ مخطط تنصيري تحت غطاء
المساعدات الإنسانية في الأراضي الصومالية. وقالت أن الأمم المتحدة نجحت حتى
الآن من خلال وسائل الإعلام الغربية في إقناع العالم أن ما يحدث في الصومال هو
حرب قبلية بين الجنرال محمد فارح عيديد والرئيس المؤقت علي مهدي تمهيداً
للمطالبة بوضع هذا البلد تحت حماية الأمم المتحدة وتنفيذ برنامج (تبشيري) هناك.
الأحداث الأخيرة وغزارة الدماء - وهي دماء المسلمين من الطرفين - التي
سالت فيها وضعت الأمم المتحدة موضع النقد، وقراراتها موضع تساؤل.
لماذا هذا (الإصرار والعزيمة) و (الدقة) في تطبيق قرارات الأمم المتحدة ...
والضرب بيد من حديد (لإحقاق الحق) في الصومال بينما هي مجرد اقتراحات
و (تمنيات) و (قرارات لا تطبق) في البوسنة وفلسطين وكشمير؟ ...
لماذا تصبح الأمم المتحدة (شحاذاً) يستعطي عندما تكون بصدد مناقشة ...
مشروع قد يكون فيه بعض الخير للمسلمين ولكنها (تستغني وتكتفي) ولا تحتاج
للاستشارة والمشاركة عندما يكون في الأمر ضرب للمسلمين أياً كانوا؟
ألا يرى المسلمون في العالم أن للأمم المتحدة وقواتها أنياباً تُلبسها إياه القوى
العظمى - بالأحرى القوة الوحيدة العظمى اليوم - عندما تريدها أن تنهش لحوم (الخصوم) وتقتلعها متى شاءت؟ !
(*) ولعلنا نقول نجحت.