الورقة الأخيرة
[تعالوا بنا نحدد الهدف]
د.محمد بن ظافر الشهري
فيما ينتشر طبق الاستقبال (الدش) في بلاد المسلمين انتشار النار في الهشيم،
تحدث في أوربا - وفي ألمانيا بالتحديد- قصة لأحد المبتعثين العرب، وهذه القصة
جديرة بالوقوف عندها ملياً للتفكر والاعتبار.
لقد اشترى هذا العربي طبق استقبال (دش) بمائتين وخمسين ماركاً تقريباً،
مُعَللاً إقدامه على هذا الفعل بأنه (يحتاج) إلى التقاط محطات تتحدث الإنجليزية
لأن المحطات السِّت في ألمانيا تتحدث جميعاً الألمانية (الفصحى) ، وعندما أراد
صاحبنا من الشركة أن تركب الجهاز على المنزل الذي يسكن فيه (أمرته) الشركة
أن يحضر موافقة خطية من صاحب المنزل، فرضخ لأمرهم ولسان حاله يقول ...
(ودارهم ما دمت في دارهم) ، وظنّ الرجل أن موافقة صاحب المنزل (مضمونة)
وحمد الله الذي سلمنا - نحن المسلمين - من هذه الأمور (الشكلية) فنحن نبيع
ونشتري ونركب هذه الأطباق بمنتهى الحرية.
ونعود إلى صاحب المنزل الذي كان امتعاضه شديداً لدى علمه بهذا الأمر،
لأن (الألماني) يرى أنه (يجب) أن يستأذن قبل شراء الجهاز ولهذا فقد شدد على
وجوب الانتظار ثلاثة أشهر حتى يعرض الأمر على مجلس الحي (ليتشاوروا)
ويخرجوا في هذه (النازلة) بقول فصل، كما حذر من مغبة استخدام الجهاز ولو
في داخل غرف المنزل! .
وبعد ثلاثة أشهر قرر مجلس الحي أنه لا يمكن السماح بمثل هذا الفعل بأي
حال من الأحوال، وأكد المجلس أن هذا ليس تدخلاً في الحريات الشخصية ولا هو
من قبيل التراجع عن المبادئ (الديمقراطية) ولكنه حق من حقوق (ألمانيا) التي
جاءت بهذا العربي ليرجع بالفكر الألماني ولا شيء غير الفكر الألماني. وهناك
تبرير آخر أورده (المجلس) وهو أن السماح لهذا الغريب باستخدام طبق الاستقبال
ربما أدى إلى انتشار هذه العادة السيئة في أوساط الألمانيين في البلد وهذا أمر خطير
للغاية! !
لقد أصابتني الدهشة عندما علمت بأحداث هذه القصة فمن المؤكد أن الألمان لا
يرفضون انتشار الأطباق خوفاً من الإباحية فهم أربابها والسابقون إليها، كما أن
الرفض لم يكن لأسباب دينية أو اقتصادية (مباشرة،، ولكن السبب الحقيقي - بعد
التأمل - هو أن الألمان يحملون في صدورهم عقيدة) (ألمانيا قبل كل شيء) ، وقد
جعلوا من هذه العقيدة هدفاً يعملون من أجله ويتحمسون له بل ويقاتلون في سبيله.
إذا كان هؤلاء القوم حملوا هذا المبدأ الهزيل المتهافت، الذي هو عبادة
للتراب، ولكنهم اتفقوا على العمل من أجله فتحقق لهم من القوة المادية ما لا يخفى
على أحد اليوم، فكيف بمن يصدق في حمل عقيدة [قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي
ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ]
[الأنعام: ١٦٢، ١٦٣] إن الأمة التي تحمل هذه العقيدة وتخلص في العمل من
أجلها وتجعلها همها الأول والأخير وتغرسها في قلب كل رجل وامرأة بل وفي قلب
كل طفل، لا يمكن إلا أن يمكن لها في الأرض وتتحقق لها القوة الروحية والمادية
وتقوم بالخلافة في الأرض على الوجه الأكمل الذي يرضاه الله تعالى معه
[وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ]
[الحج: ٤٠، ٤١] .