(٢) وحي القلم (١/ ١٦) ، وكمثال على ما قلته انظر: وحي القلم (٣ / ١٤٨) ، حيث ذكر المنفلوطي قصة قصيرة بعنوان (القلب المسكين) تتمة، قال على لسان محامية تدفع عن راقصة جرمها: «المحامية: آه،،، دائماً الراقصة، من هي هذه المسكينة الأسيرة في أيدي الجوع، والحاجة، والاضطرار؟ أليست مجموعة فضائل مقهورة؟ أليست هي الجائعة التي لا تجد من الفاجرين إلا لحم الميتة؟ نعم إنها زلّت، إنها سقطت، ولكن بماذا؟ بالفقر لا غير، فقر الضمير والذمة في رجل فاسد خدعها وتركها، وفقر العدل والرحمة في مجتمع فاسد خذلها وأهملها،،،، تقولون: يجب، ولا يجب، ثم تدعون الحياة الظالمة تعكس ما شاءت؛ فتجعل ما لا ينبغي هو الذي ينبغي،،،، فإذا ضاع من يَضِيع في هذا الاختلاط قلتم له: شأنُك بنفسك، ونفضتم أيديَكم منه فأضعتموه مرة أخرى،،، وَيْحَكُم يا قوم! غيِّروا اتجاه الأسباب في هذا الاجتماع الفاسد لتخرج لكم مسببات أخرى غير فاسدة،،،» أهـ، والرافعي هنا يقرر أهمية قاعدة سد الذرائع وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية، وعلى هذا المنوال يسير، في روائع لا تكاد تجد من يحسن مثلها من كتابنا، غير أنه لا بد من محاولة لعلها تبلغ شيئاً مما بلغه في موضوع كموضوعنا هنا (الربا) ، لمناسبة لا تخفى، وهي تجدد الحديث على نطاق واسع عن الاستثمار لدى البنوك الربوية، خلال مجموعة من الفضائيات. (٣) وعلى كل ليس البحث العلمي بمعناه الدقيق من غرضي هنا؛ لأن له قوالبه التي لا بد أن يراعيها الباحث لدى الكتابة؛ بيد أن غايتي الآن أن يصل المرء بعد قراءته لهذه الدراسة إلى التيقن بأن ما أقرره هو مما على المسلم امتثاله والأخذ به، بل والحذر والتحذير، ليس غير. (٤) خلفية عن المجلس لا بد منها: أولاً: هو مجلس تم تأسيسه من قِبَل سكان مدينة تصورها الكاتب في خياله وسمّاها: (ندى) ، واقترح أن يكون عدد سكانها: (٣١٣٠٠٠) نسمة، ثانياً: عدد الأعضاء: ٣١٣ عضواً، منهم ٦٣ امرأة؛ أي أن مستشاراً واحداً يمثل (١٠٠٠٠) شخص، ثالثاً: مؤهلاتهم: - الاستقامة؛ بحيث لا يوجد غبار يكتنف سيرة أي شخص منهم، ولم تلوث يده بأخذ شيء لا يحل له، ومن المشهود لهم بالانضباط الإداري، ومحاربته لجميع ألوان الفساد والبيروقراطية،، - ومشهود لكثير منهم بطول النفس والمثابرة في البحث والدراسة، كل في تخصصه،، - أكثرهم أصحاب تخصصات شتى، وبأعلى الدرجات العلمية، مع إلمام مناسب بباقي الجوانب المفيدة لرجل في مثل ذلك الموقع،، - بعضهم ليس متخصصاً في أي من العلوم لكنه ذو كفاءة عالية؛ من حيث الفهم، وحسن التقدير، ومقدرة فائقة في التعامل مع الجمهور، وصاحب غيرة على مصالح العامة،، رابعاً: تكوين المجلس: تم تكوينه من مجموعة اختارها الناس بالانتخاب المباشر، بعد تجاوز العضو لشروط الترشيح،، خامساً: من حق كل عضو تقديم أي مشروع لدراسته، واتخاذ القرار المناسب بشأنه، باعتبار كل رجل منهم مؤهلاً للحديث عن مصالح وطنه. (٥) إلا عندما يكون الفرق قد جاء لا من قبيل الحتم والإلزام أي غير مشروط، فعندها يقبله الشرع ويقره، ويعده من مكارم الأخلاق. (٦) إلا عندما يكون من جنسين مختلفين، لاختلاف أثر كل منهما، فيصير ما يُطلب من مميزات في العِوضين لدى المتقابضين مسوِّغاً لوجود ذلك الفرق، وهو معقول لظهوره. (٧) وهنا عدم الجواز حتى عندما يكون النقد من جنسين مختلفين؛ لأنه ليس من المؤكد حصول تلك المميزات في العِوضين؛ لأنها قد تختلف مع مرور الزمن، ولو يسيراً، وهذا لم يكن مفهوماً على نحو دقيق من قبل؛ لوجود قدر من الثبات في النقود القديمة، ولكنه ظهر جلياً اليوم، فلقد رأينا أن اختلاف سعر العملة الورقية خلال دقائق، بل ثوان حاصل، كما هو واقع الأرجنتين بل وغيرها من الدول؛ حيث يدخل المرء إلى (السوبر ماركت) وهو يسأل عن ثمن السلعة، فيدور ليأخذ شيئاً آخر فلا يعود إلا وقد تغير ثمن السلعة الأولى، ففهمنا حكمة الشرع في قوله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ؛ مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (٣ / ١٢١١) . (٨) في كثير من الحالات نجد الدول في ذلك الموقع البائس، فمثلاً قبلت تركيا الاقتراض من البنوك المحلية لديها، بل والخارجية، بنسبة مضمونة قدرها ٧٠%! ! ، والسؤال هنا: من سيتولى الدفع؟ ومن المستفيد من هذا الدين أصلاً؟ ثم لو لم تقدر الدولة على دفع خدمات الدين؛ فما مصير حقوق الدائن الأول، ومن سيعطيه حقه أي رأس المال ولو بدون تلك النسبة؟ وما أثر ذلك على رؤوس الأموال بصفة عامة؟ وما هي الضغوط التي ستمارس على الدولة كي تلتزم على الأقل بدفع خدمات الدين؟ ومن الذي سيدفع فاتورة تلك الضغوط؟ إن التبعة بكل ثقلها سيتحملها صغار أصحاب رأس المال، وسائر ذوي الدخول المحدودة، بل وذوي من لا دخل لهم أصلاً، على صورة ضرائب لا نهاية لها، وبصور شتى تكاد ألا تصدق؛ مما ينشر الرشوة للتهرب من الضرائب، ولإسقاط كل ما يمكن التحايل لإسقاطه من تلك الإتاوات، وسيزداد الفقير فقراً، وسيعم البلاء، ويقع الناس في يأس شديد، وستضعف العملة وتقل قوتها الشرائية، وستزداد الأثمان زيادة لا يتحملها الناس، والنتيجة ثورة على كل شيء، وهنا تتدخل الدول الكبرى والبنك الدولي للمزيد من القروض، وللمزيد من البلاء، وهو حل ليس أكثر من مسكِّن، ولا صلة له بعلاج الداء، لا يلبث الألم بعد قليل أن يعود، وستتدخل تلك الجهات، ليس لأنهم يقدرون الموقف ويرحمون الفقراء، لا هذا ليس مهماً، بل تدخلهم من أجل عدم انهيار النظام؛ كي يستمر التدفق للسداد ولو بأقل مما كان متوقعاً؛ لأن الاستمرار خير من الانقطاع، وسيعمدون إلى حيلة أخرى يسمونها (إعادة جدولة الديون) ، وهذا ما يفسر تدخل البنك الدولي قبل انهيار كثير من النظم، إلا عندما يضمن قيام نظم أخرى أكثر تقبلاً لشروط البنك الدولي، ولسنا بعيدين عن أزمة الحكومة الإندونيسية التي أطاحت بسوهارتو، ثم جاءت بحكومة تقبلت وصفة البنك الدولي؛ مما لم يجعل الأمور تقل سوءاً بل تزداد، ولسنا نبعد عن الأزمة التي وقعت فيها الحكومة الأرجنتينية سوى أقل من شهرين لهذا العام ٢٠٠٢م، ولقد رفض البنك الدولي تقديم القروض؛ لأن الحكومة قررت عدم الاستمرار في دفع خدمات الدين وهو قرار صائب ١٠٠% وفضلت الحكومة الاحتفاظ بما لديها من عملة قوية لضمان حد أدنى من الكرامة للمجتمع؛ لأن كثيرين قد فهموا ما يرمي إليه ذلك البنك، بل وغيره من الجهات المقرضة، قال «مهاتير محمد» في كتابه (خطة جديدة لآسيا) ص ٤٠: «لم يعد سراً اليوم إذا عرفنا أن صافي الأموال التي تتدفق من الدول المانحة إلى الدول النامية هي في المحصلة النهائية لا شيء،،، لأن الثروة التي تخرج من الدول النامية أكثر بكثير من تلك التي تدخل إليها، وأكثر من ذلك؛ فإن الدول المانحة تتوقع من الدول المستفيدة أن تدين لها بالولاء والطاعة؛ إذ إن المستفيد من الدعم غير مسموح له بالكلام، أو توجيه النقد،،، ومع كثرة القروض التي حصلت عليها (الدول في إفريقيا) من الغرب؛ فإن الفوائد على هذه القروض تأخذ الجزء الأكبر من ميزانيات تلك الدول، ورغم أن الهدف المعلن هو جعل هذه الدول تنعم بالثراء؛ فإن غالبيتها أصبحت أكثر فقراً» أهـ، وأقول هنا: لتطمئن الدول المدينة؛ لأنها مهما بلغت من الفساد، ومن الفوضى؛ لن يتمكن المجتمع من تغييرها بالقوة؛ لأن رأس المال وراء استمرارهم في الحكم كي يستمر التدفق في السداد باعتبار الدول أفضل مستدين؛ لأن الفاتورة تسجل على الجميع، وليس الجميع مسؤولاً عن توقيعها، إن المسؤول عن توقيعها هم أولئك القلة التي تعبث بالوطن وأهله، وفي النهاية ليسوا من سيدفع، حتى إن تم تغييرهم بطرق ثورية، أو حتى ديمقراطية!! . (٩) هذا أضربه مثالاً، وإلا فأغلب المستثمرين يلجؤون إلى تجارة العملة، قال «مهاتير محمد» في كتابه الرائع (خطة جديدة لآسيا) ص١٨٣: «فتجارة العملة كما يقال: هي أكبر عشرين مرة من ناحية النقود من تجارة السلع، والخدمات، ولكن ما هي المزايا والفوائد التي نحصل عليها منها؟ بخلاف عدد قليل من الأشخاص الذين يكسبون مبالغ مالية ضخمة؛ فإنها لم تحدث أية زيادة في معدلات التوظيف، أو نمو في النشاط التجاري، أو في ثروات الأمم والشعوب» أهـ. (١٠) وفي الواقع ليس الأمر على هذا النحو تماماً إلا أنه تقريب لا بأس به، يسهل فهم تلك التعاملات. (١١) تجدر الإشارة هنا إلى أن الشركات تقوم بعمل حساباتها لتسديد خدمات الدين فقط، وليس من برنامجها سداده قط هذا غالباً، ولذلك عندما توجد أزمات يحتاج فيها الناس لاسترداد نقودهم فهم لن يجدوها. (١٢) انظر بحثاً قيماً لهذه المسألة في رسالة الدكتوراه المقدمة من الدكتور «أحمد حوَّا» بعنوان: (صور التحايل على الربا، وحكمها في الشريعة الإسلامية) ، قال ص ٥٧: «إن الفائدة سبب رئيس في ارتفاع الأسعار؛ حيث تدخل في عمق كل شيء يشترى، وذلك أن هذه الفائدة كلما ارتفعت أدى ذلك إلى زيادة تكلفة الاقتراض، وبالتالي تكلفة الإنتاج،،، يقول العبَّار: من أهم عيوب النظام النقدي المعاصر في الاقتصاديات الربوية،،، وجود خلل بين كمية النقود وكمية السلع والخدمات، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، والذي يقود إلى ارتفاع سعر الفائدة، كمحاولة من الحكومة لامتصاص النقود من السوق، ولكن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى ارتفاع آخر في الأسعار، وهكذا تدور الدورة وتسبب مضاعفاتها» أهـ. (١٣) قال الدكتور «محسن س خان» في بحث رائع نشر في مجلة الاقتصاد الإسلامي، المجلد التاسع، وعنوانه: (النظام المصرفي الإسلامي الخالي من الفائدة: تحليل نظري) : «ويبين البحث أن النظام المصرفي الإسلامي قد يكون أكثر ملاءمة من حيث قدرته على التكيف مع الصدمات التي تنجم عن الأزمات المصرفية، واختلال عمل جهاز المدفوعات بالدولة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن النظام الذي يقوم على الاشتراك في الملكية، والذي يستبعد أسعار الفائدة المحددة مسبقاً، ولا يضمن القيمة الاسمية للودائع، هذا النظام حين يواجه ظاهرة حدوث صدمات لأوضاع الأصول؛ يسمح بامتصاص هذه الصدمات فوراً عن طريق التغيرات في قيم الأسهم (الودائع) في حوزة الجمهور لدى البنك، ولهذا فإن القيم الحقيقية لأصول وخصوم البنوك في مثل هذا النظام ستكون متساوية عند كل النقاط الزمنية، أما في النظام المصرفي الأقرب إلى الطابع التقليدي؛ فإننا نجد أن القيمة الاسمية للودائع ثابتة؛ لذا فإن مثل هذه الصدمات يمكن أن تؤدي إلى تباعد بين الأصول الحقيقية من جهة والخصوم الحقيقية من الجهة الأخرى، وليس من الواضح، مسبقاً، كيف سيجري تصحيح مثل هذا الاختلال؟ وكم من الوقت ستستغرقه عملية التصحيح؟ وبعبارة أخرى؛ فإن هناك جموداً في النظام المصرفي التقليدي يمنع التكيف الفوري، وهذا الجمود يمكن أن يؤدي إلى احتمالات عدم الاستقرار» أهـ، ولقد بين خلال تلك الدراسة التي نشرها تفسيراً كافياً لكلامه الذي نقلته هنا، إلا أنني أوضحه بأسلوب آخر من خلال المثال الآتي: قام رجل بوضع مبلغ وصلت قيمته الاسمية إلى ١٠٠.٠٠٠ ريال، ونسبة الفائدة عليه ٥%، ثم مرت الدولة أو البنك بأزمة لطارئ من الطوارئ حرب، أو أعاصير، أو نحو ذلك مما سبب الانهيار لكثير من المصانع المنتجة، وغيرها؛ مما أدى إلى عدم قدرة المستثمرين على الوفاء لتلك البنوك بسداد خدمات الدين فضلاً عن الدين نفسه، السؤال هنا: كم سيكون نصيب ذلك الرجل لدى ذلك البنك بعد مرور عام؟ سيكون ١٠٥٠٠٠ ريال، هذا حسب النظام التقليدي الربوي، في حين خسر البنك شيئاً كثيراً من أصوله، وسيكون مطالباً بسداد تلك المبالغ لمن وضعوا أموالهم لديه، وهو لا يستطيع ذلك؛ مما يؤدي إلى تدخل الدولة باعتبارها الضامن لتلك البنوك، أو تتدخل شركات التأمين المتخصصة في تأمين القروض البنكية، ولكن نظراً لكبر الأزمة وشدتها، عجزت الدولة عن الوفاء بتلك الأموال، وهو ما واجه شركات التأمين أيضاً، في حين بقيت القيمة الاسمية للدين ١٠٥٠٠٠ ريال، وهو مبلغ يطالب به ذلك الرجل تحسباً للظروف، وهو عازم على استرجاعه من البنك، ولكن البنك لا يستطيع؛ لأنه كما هو الواقع يوجد ألوف من المودعين ينتظرون استرجاع أموالهم، لوجود موجة من الهلع، وإقبال على سحب الأموال من البنوك، والبنوك لا تفعل شيئاً حيال ذلك، وهناك مودعون كبار من بنوك أجنبية، ورجال أعمال فوق العادة يطالبون بحقوقهم، والبنوك مكانك راوح، وما الحل عندها؟! قد يلجأ المسؤولون إلى تخفيض قيمة العملة إن لم يكن انهيارها هناك فلسفة ليس هذا محل شرحها تبين سبب اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة في هذه الحالة، والمفيد هنا أنه حل تتحايل من خلاله الجهات المسؤولة عن الاقتصاد في البلد لتقليل القيمة الاسمية للمبالغ المطلوبة مقابل الاحتياطي من العملة الأجنبية وقد يلجأ المسؤولون إلى فرض الضرائب الباهظة، ويقللون النفقات والمعونات، وهو ما يؤدي إلى غلاء شديد؛ مما يزيد الأمر سوءاً، وهذا كله سنكون في غنى عنه في ظل الاقتصاد الإسلامي، كيف؟ لقد كتب الدكتور «محسن خان» بحثه السابق ليثبت ذلك بطريقة رياضية؛ مستخدماً في ذلك الطريقة الحديثة، وهو متخصص في هذا الشأن، ويعمل مستشاراً في قسم البحوث لدى صندوق النقد الدولي، وملخص قوله: إنه في الاقتصاد الإسلامي لا يسمح بما يسمى سعر الفائدة؛ ولذا سيكون مَنْ وضع ماله لدى البنك أحد رجلين؛ إما شريك في البنك، شأنه شأن باقي المساهمين في البنك، وبالتالي له ربح حين يحقق البنك ربحاً، وبالتالي لديه مبالغ تعادل قيمتها الاسمية الأصول لدى البنك، وينقص نصيبه في تلك القيمة الاسمية على قدر النقص الذي عرض للبنك جراء تلك الطوارئ؛ لأنه شريك في الربح والخسارة، وعندها لن يطالب البنك بشيء يفوق ما يملكه البنك من أصول؛ لأن الأصول والخصوم هنا تقفان عند نقطة التعادل، وهي حين يكون الفرق بينهما (صفراً) ، والرجل الآخر هو رجل لا يريد الدخول كشريك مع البنك، ولكنه يريد أن يعمل البنك كأمين يحفظ أمواله، وعندها يحق للبنك أخذ نسبة كأجرة حفظ، وهو ما يتفق مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي؛ شرط أن تبقى نسبة الاحتياطي النقدي في هذه المعاملة وقد سماها د «محسن» في بحثه نافذة بنسبة ١٠٠%، وهو أمر قد أخذ به وأقره بعض كبار الاقتصاديين النقديين في أمريكا مثل: فيشر (Fisher-١٩٤٥) ، وسايمونز (Simons-١٩٤٨) ، وفريدمان (Friedman-١٩٦٩) ، وقريباً منهم كندلبرجر (Kindleberger-١٩٨٥) ، وكاريكن (Kareken-١٩٨٥) ، وجولمبي ومنجو (Golembe & Mingo (١٩٨٥)) ، على تفاوت بينهم في تفسيرهم لتلك المقترحات، إلا أنهم يضعونها، وهي تكاد تتفق مع نظرة الاقتصاد الإسلامي في هذا الصدد، ويحدوهم الأمل أن تحقق تلك المقترحات فرصة حقيقية لمواجهة أزمات اقتصادية عصفت بأواسط القرن الماضي وأواخره، حيث وجدوا في إلغاء سعر الفائدة، وفتح نافذتين للودائع البنكية؛ إحداهما للحفظ يكون الاحتياطي فيها بنسبة ١٠٠% مقابل أجرة حفظ، والأخرى مساهمة مع البنك بنظام المشاركة في حصص الملكية، الملاذ المناسب لمواجهة تلك الأزمات، قال الدكتور «محسن» في صدد هذه الجزئية نقلاً عن بعض من سبقت الإشارة إليهم، قال: «أثارت الأبحاث التي قدمها كندلبرجر Kindleberger - ١٩٨٥، وكاريكن Kareken - ١٩٨٥، وجولمبي ومنجو Golembe & Mingo - ١٩٨٥ في مؤتمر نظمه بنك الاحتياطي الفيدرالي لسان فرانسيسكو، مرة أخرى، قضية احتمالات عدم الاستقرار في النظام المالي نتيجة لوجود جهاز مصرفي يعتمد على احتياطي جزئي، مع وجود تأمين رسمي على الودائع، وأشار كاريكن (١٩٨٥م) وجولمبي ومنجو (١٩٨٥م) إلى أن السبب وراء إسباغ أهمية خاصة على ظاهرة إخفاق البنوك (إذ تختلف عموماً عن حالة إفلاس شركة من الشركات) هو أثر ذلك على جهاز المدفوعات في الاقتصاد ككل، وبالتالي فإن ما ينبغي حمايته هو كفاءة عمل جهاز المدفوعات، ولا يشمل ذلك بالضرورة جميع عمليات الإقراض والاقتراض التي تقوم بها البنوك، ولذا يرى هؤلاء الكتَّاب أن تقوم الحكومة بفصل عملية تقديم خدمات المدفوعات عن خدمات الإقراض، وهو ما يعني في جوهره إنشاء النمطين المستقلين من البنوك اللذين تحدث عنهما سايمونز (١٩٤٨م) ، وسيكون جانب المدفوعات لدى البنوك أي أرصدة المعاملات مدعوماً بنسبة ١٠٠% بواسطة نوع ما من الأوراق المالية المأمونة؛ مثل أذونات الخزانة الأمريكية، بينما تترك الأنشطة الخاصة بالمحفظة الاستثمارية للبنك دون قيود، ولا تختلف أي من هذه المقترحات، كما لا يختلف ما اقترحه سايمونز، بشكل جوهري عن الأنظمة الإسلامية التي تُنفَّذ الآن في عدد من البلدان، على الأقل في جانب الإيداع، غير أنه ينبغي التأكيد في الوقت نفسه على أن الجهاز المصرفي الإسلامي يتطلب أكثر من ذلك، فهو يشترط أن تكون القروض والسُّلَف التي تقدمها البنوك أيضاً على أساس المشاركة في حصص الملكية» أهـ. (١٤) ليست المعاملة هنا قرضاً على الرغم من أن أغلب من يتحدث عنها يعدها كذلك، غير أني أصنف المعاملة على نحو مختلف سيطلع عليه القارئ بعد قليل، وهنا إنما استخدم ذلك التعبير من قبيل المجاراة حتى يأتي التحقيق في هذا لاحقاً. (١٥) قال «مهاتير محمد» في كتابه (خطة جديدة لآسيا) ص ٨٧: «لقد وجهت انتقادات للمليونير والمستثمر الأمريكي» جورج سورس «في مناسبات عديدة؛ لدوره في انخفاض قيمة العملات الآسيوية، ولم يكن ذلك يقصد به قط الهجوم على» سورس «كشخص، ولكن» سورس «كان واحداً من تجار العملة المعروفين بالصراحة، وربما أكثرهم نفوذاً على نطاق العالم، والتجار مثله لديهم مسؤولية عظيمة؛ حيث إن الكلمة تخرج منهم يمكن أن يطال أثرها ملايين الناس، وللأسف؛ فإن هذه المسؤولية لم يتم الاعتراف بها فحسب، بل إن الأشخاص الذين يتجرؤون على الكلام ويتساءلون عن نفوذ تجار العملة يُدمغون بالهرطقة والخروج عن المسار المألوف» أهـ. (١٦) وهو ما صرح به «مهاتير محمد» في الكتاب آنف الذكر، قال ص ٨٩: «ومع استمرار الانهيار في أسعار البورصة، والعملات؛ فإن المستثمرين الأجانب أخذوا يتحركون ويدخلون المنطقة لجني الأرباح، ويجري شراء الشركات التي هي في حاجة ماسة إلى السيولة في كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، والعديد من دول شرق آسيا؛ بأبخس الأسعار» أهـ. (١٧) المزيد من الطلاق؛ لأن الحالة الاجتماعية تتأثر بالحالة الاقتصادية، فكم من بيت انهار بسبب عدم وجود عمل لمعيله، وكم من فتاة زلت لعدم وجود عمل؟ وكم من شاب واقع الزنا لأنه لا يجد عملاً، أو يجد ما لا يمكنه من فتح بيت، فتصير الفاحشة ملاذاً له؟ وكم،،، وكم،،،؟ ومن هنا نجد معنى آخر للحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده (٥/٢٢٥) من رواية عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلاَئِكَةِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دِرْهَمُ رِباً يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً» ، وهو حديث قابل للتحسين. (١٨) وهو أقل ما تم تسجيله منذ ٤١ عاماً، انظر: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_٢٤١٤٠٠٠/٢٤١٤٠٠٧.stm (١٩) حيث وصلت إلى ٧,٥، وهي مرشحة لتصل إلى ٤,٦، انظر: موقع جريدة الوطن: http://www.alwatan.com/graphics/٢٠٠٢/١٠oct/١٨.١٠/heads/et٦.htm لمقال كتبه «جاي هانكوك» ، كاتب عمود في الشؤون المالية في صحيفة الصن خدمة (لوس أنجلوس تايمز - واشنطن بوست) ، لكنني لست متأكداً من صحة هذا التقدير الذي قدمه الكاتب، كما أنه أقر بوجود خلل في الإحصاءات المعلنة من قبل الحكومة الأمريكية، ويزداد الشك لدى قراءة تقرير عن عدد من يعيشون تحد خط الفقر في أمريكا؛ حيث قدر بـ ٣٣ مليون شخص، انظر: http://arabic.peopledaily.com.cn/٢٠٠٢٠٩/٢٦/ara٢٠٠٢٠٩٢٦_٥٧٨٨٧.html وهو يعادل ١٣% من عدد السكان، فهل يصح تصور أن ٧,٥% هي النسبة الفعلية للبطالة مع وجود هذه النسبة العالية من الفقر؟! . (٢٠) يقولون: إن وجود سعر الفائدة يساعد على وجود آلية تتحكم في التضخم، وآلية يستفاد منها في تنشيط الاستثمار أو الحد منه؛ من خلال تحديد مستوى قوة العملة، كما يساعد على وجود معدلات مناسبة من البطالة لمواجهة الإضرابات العمالية، كما له فوائد أخرى، إلا أننا في الواقع نجادل في صحة كل ما يقال عن فوائد وجود سعر الفائدة، ونجزم بوجود آليات أخرى أكثر ملاءمة تحقق الانضباط المطلوب في جميع تلك الحالات، خصوصاً مع ما شهده مفهوم الدولة من تبدل؛ حيث صارت الدولة يعبر عنها بـ (دولة الرعاية) ، وليس مجرد (دولة الحماية) كما كان وضعها من قبل، ولذلك ليس كافياً الحديث عن إلغاء سعر الفائدة دون الاهتمام البالغ بمفهوم شامل لتصور الشرع الحنيف للاقتصاد الإسلامي، فهو منظومة متكاملة من خلالها يتحقق الإصلاح الاقتصادي، قال «محسن خان» في بحثه الذي سبقت الإشارة إليه: «وبشكل عام؛ فإن اصطلاح (الاقتصاد الإسلامي) يعني نظاماً كاملاً يحدد أنماطاً محددة من السلوك الاجتماعي والاقتصادي لكل الأفراد، فهو يتناول مجموعة واسعة النطاق من القضايا، مثل: حقوق الملكية، ونظام الحوافز، وتخصيص الموارد، وأنماط الحرية الاقتصادية، ونظام اتخاذ القرار الاقتصادي، والدور الملائم للحكومة، والهدف الأعلى للنظام هو العدالة الاجتماعية، وتحقيق أنماط محددة لتوزيع الدخل والثروة، وبالتالي فإن السياسات الاقتصادية ينبغي أن توضع لتحقيق هذه الغايات، وبالإضافة إلى قضية سعر الفائدة؛ فإن الاقتصاد الإسلامي يوفر أيضاً مبادئ توجيهية دقيقة حول بعض القضايا الأخرى، مثل: السياسة الضريبية، وتوجه النفقات الحكومية، ويتوقع من المصارف الإسلامية أن تشارك بشكل إيجابي في تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي، وبالتالي ينبغي أن يكون عمل البنوك الإسلامية متسقاً مع المعتقدات والقيم الإسلامية» أهـ. (٢١) وهو ما ستفعله البنوك حالتئذ، وهو ما يشير إليه الدكتور «محسن خان» في دراسته التي سبقت الإشارة إليها، ستصبح البنوك شريكاً مضارباً له حق الإشراف المباشر على مشاريع المستثمرين، وستقوم بدورها الكبير في تشجيع الاستثمار؛ لأنها كما أريد لها أن تكون مستودع الثروة، بل سوف تمارس الاستثمار بنفسها، وستجتهد في توسيع دائرة الاستثمار قدر طاقتها. (٢٢) لأنك عندما لا تستفيد منه لدى بقائه في البنك فستنزل به إلى السوق؛ مما يوفر النقد بأيدي الناس، والعرض إذا لم يقابله طلب مناسب أنقص من قيمة المعروض. (٢٣) والخدعة التي يسمونها باقتصاد السوق؛ ليست سوى بضاعة نفقت عندنا، وهم يواجهون غلواءها بكل حيلة يستطيعونها، فانظر إلى أحزاب اليسار ويسار الوسط عندهم وهي تلك الأحزاب التي تقف في مواجهة رأس المال، وتبحث عن أفضل السبل لحماية الطبقات العمالية ونحوها نعم، ترى تلك الأحزاب تؤثر في قرارات الحكومات المحافظة وهي في الغالب يمينية رأسمالية؛ مما يعني حماية المستهلك، وسائر الطبقات في المجتمع، بل نجد تلك الأحزاب اليسارية تسيطر على دفة الحكم في كثير من تلك البلاد، حتى صارت أحزاب اليمين تنزع إلى اليسار، والعكس في أحزاب اليسار حيث صارت تنزع إلى اليمين، وهي محاولات منهم لاستقطاب الأصوات لصالحهم؛ حتى لقد يصح تصنيف بعض أحزاب اليسار من يمين الوسط، وكذلك بعض أحزاب اليمين من يسار الوسط، ضمن سياق أسميه الأحزاب الاشتراسمالية، مثل حزب العمال البريطاني، فهو حزب يساري تخلى عن كثير من يساريته لصالح رأس المال، ولكن ليس في غياب لحقوق الطبقات الأخرى، قال د / «منير الحمش» في قراءة مميزة (للجوانب الاجتماعية للإصلاح الاقتصادي) ، وهي محاضرة ألقاها ضمن فعاليات جمعية العلوم الاقتصادية السورية، قال: «وربما يكون من المفيد أن نمر على عجل، بمنطلقات ما دُعي» الطريق الثالث «الذي وصفه» توني بلير « (رئيس الوزراء البريطاني) بأنه» ديمقراطية اجتماعية حديثة «؛ مشيراً إلى أنه ليس حلاً وسطاً بين اليسار واليمين، فهو يسعى إلى تبني» قيم أساسية للوسط، والوسط اليساري «، ويعتقد» أنطوني جيدنز «، وهو المنظر البريطاني للطريق الثالث، ويعتبر بمثابة المرشد الروحي لـ» توني بلير «أن» الديمقراطية الاجتماعية تستطيع، ليس فقط أن تعيش، ولكن أيضاً أن تزدهر على المستوى الإيديولوجي، وكذلك على المستوى العملي «، وهو إذ يرى» موت الاشتراكية «، وبأنه لم يعد هناك بدائل للرأسمالية؛ فإنه يرى بأن» ينبغي أن نسيطر على الرأسمالية وننظمها «، ويرى هنا أنه يقع على عاتق الديمقراطيين الاجتماعيين اتخاذ رؤية جديدة في صلب المجال السياسي، ويدعو إلى أخذ فكرة» الوسط النشط «أو» الوسط التقدمي «على نحو جدي، وتجديد الديمقراطية الاجتماعية، والتي تظل العدالة الاجتماعية وسياسة الانعتاق في صلبها؛ لذا فهو يركز على المشاركة في الجماعة الاجتماعية الأوسع» أهـ. (٢٤) وهذا صحيح؛ لأنهم سيأخذون المبلغ على أساس سعر للفائدة متفق عليه، وسيجمد الاحتياطي النظامي للمبلغ، وهو على الأقل ما يعادل ٢٠% من المبلغ، وسيقومون بدفع المتبقي كقرض لطرف ثالث يعطيهم هامش ربح مناسب كما سبقت الإشارة، ولكنه سيحتفظ بمبلغ ٢٠% كاحتياط، وهو ما يعني ٣٨% تقريباً من أصل المبلغ، وهو ما كان مدخراً كاحتياطي نظامي للمعاملتين، وتصور لو ذهب إلى طرف رابع، فهذا يعني مزيداً من الاحتياط، فلعلنا نصل في النهاية إلى مجرد ١٠٠.٠٠٠.٠٠٠ ريال مستثمرة فعلاً، ونراها قد نزلت إلى السوق، وهو ما يعبر عن ١٠% من أصل المبلغ (مليار) ؛ ما السبب؟ إنه سعر الفائدة، ورغبة كل مقترض أن يحصل على الفائدة بالقدر نفسه من الضمان، والله المستعان، لقد حرم الناس من المنافع الكثيرة التي كان من الممكن الحصول عليها من هذا المال بسبب سعر الفائدة،، ملاحظة: إنما أردت هنا تحديد المبلغ الفعلي والسيولة الحقيقية التي يتسنى الانتفاع بها من النقد في السوق لدى وجود أي طارئ، وإلا فحين ننظر إلى ما يطلق عليه الاقتصاديون (الودائع المشتقة) فالأمر مختلف؛ إذ وجود ١٠٠٠ ريال مثلاً يعني نزول ٤١٦١ ريالاً إلى السوق خلال ثماني عمليات من الإقراض، ولكنها ليست أكثر من قيود دفترية لا تصمد أمام مطالبة ذلك العدد من المقترضين؛ مما يسرع في سريان الانهيار للاقتصاد كله لأقل هزة؛ لأن الاحتياطي القانوني لن يتمكن من مواجهة هذا الطلب الوهمي؛ لأنه لن يحقق تغطية مناسبة لتشمل (الودائع المشتقة) ولو بضمان أعلى نسبة لعلها تصل إلى ٢٠%، كما هو الافتراض هنا، والله المستعان، وحديثي كان منصباً على تحديد المبلغ الفعلي الذي سيتمكن الناس من تسييله ضمن السياق الذي سبق شرحه في عملية استثمارية حقيقية.