للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجذور التاريخية للتغلغل الشيعي في كردستان]

د. فرست مرعي الدهوكي

٣ تمهيد:

مما لا شك فيه أن أول اتصال جرى بين المسلمين الفاتحين والكرد كان في سنة ١٦هـ/٦٣٧م في عهد الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وما بعدها؛ عندما استطاعت الجيوش الإسلامية الانتصار على الجيوش الفارسية الساسانية في معارك القادسية وجلولاء ونهاوند (فتح الفتوح) ؛ حيث كان من نتائجها وصول المسلمين الفاتحين إلى المنطقة الكردية، وحصل آنذاك أول احتكاك معهم؛ حيث كانوا يعتنقون آنذاك عدة ديانات ومذاهب: (المجوسية والمذاهب الملحقة بها ـ الزرادشتية والمانوية والميثرائية والمزدكية ـ، والنصرانية، واليهودية) ، ومن ذلك الوقت ولعدة سنوات بدأ الكرد يدخلون في دين الإسلام أفواجاً. وفي غضون عقود قليلة بدأت عملية أسلمة المجتمع الكردي تمشي على قدم وساق؛ لملائمة الإسلام فطرة الكرد، ولسهولته وسماحته عكس التعقيدات، وصعوبة الطقوس التعبّدية في دياناتهم القديمة التي أثقلت كاهل الكرد. ولم تمضِ سنوات حتى كان غالبية المجتمع الكردي قد أسلم. وأما الروايات والتقاليد الشفهية التي تؤكد وجود تجمّعات زرادشتية داخل المناطق الكردية بعد الفتح الإسلامي بعدّة قرون، وتحديداً في منطقة (هورامان) الواقعة حالياً على الحدود العراقية الإيرانية جنوب شرق مدينة السليمانية؛ فيبدو أن تلك التجمّعات كانت من القلّة بحيث لا تؤثر على مجمل التحولات الدينية والسياسية والاجتماعية التي سادت هذا الجزء القصيّ والوعر من بلاد الكرد.

٣ انتشار التشيّع بين كرد (لورستان) :

يبدو أن اعتناق الكرد مذهب التشيّع قد حدث في القرون المتأخرة؛ حيث إن التشيّع لم يتحول إلى فرقة أو طائفة إلا بعد القرن الثالث الهجري، وأخذ شكله وطبيعته البنيوية الخاصة به في العصر البويهي وما تلاه؛ حيث كُتبت في هذه الفترة المصنفات الحديثية الأربعة لدهاقنة التشيّع، فضلاً أنّ الكُليني، صاحب كتاب (الكافي) ، رتّب مع آخرين ممن يُدعون (سفراء المهدي المنتظر) كالخلاني وغيره؛ الغيبَتين الصغرى والكبرى، التي كانت في سنة ٣٢٩ هـ بعد وفاة الكليني بسنة واحدة؛ مما أدّى إلى بروز هذا الجانب الاعتقادي. وأخذت الإضافات تأتي عليه تترى من قِبَل ما يُسمَّون بعلماء القوم إلى أن اكتملت صورته في العصر الصفوي في القرن التاسع الهجري (السادس عشر الميلادي) ، وظهر إلى الوجود لأول مرة كيان شيعي في ظل دولة تطبِّقه تحت شعار (وكالة الإمام المهدي) . وفُرض اعتناق هذا المذهب على سكان الهضبة الإيرانية بالقوة والقسوة الشديدة باعتراف المؤرخين الإيرانيين، وتمَّ إضافة طقوس عديدة عليه؛ كالسجود على التربة الحسينية، وتعظيم الشاهات (الملوك الصفويين) بالسجود، فضلاً عن إضافة الشهادة الثالثة (أشهد أن علياً وليّ الله) ، إلى أن وصل الأمر وبعد تراكمات عديدة أن أصبح ديناً بالمفهوم التقليدي، وعلى خلاف تام في العديد من الاعتقادات والشعائر عن المذهب السّنّي السائد آنذاك في الدولة العثمانية والدولة المغولية في الجانبين الشرقي والغربي من الهضبة الإيرانية.

ومما تجدر الإشارة إليه أن أحد الباحثين الكرد يعتقد أن تشيّع الكرد يرجع إلى أيام الإمارة الحسنوية التي كانت تحكم الأجزاء الجنوبية الشرقية من كردستان في الجانبين الإيراني والعراقي في العصر البويهي؛ وتحديداً ما بعد سنة ٣٥٠ هـ. ويستنتج الباحث المذكور تشيّع الأمير بدر بن حسنويه البرزيكاني وقبيلته البرزيكان الكردية من أمرين اثنين: الأول: دفنه في ظاهر الكوفة (النجف حالياً) من قِبَل الزعيم الكردي المناوئ له الحسين بن مسعود الكردي (١) ، بعد أن قتله أتباعه الكرد من أبناء قبيلة الكوران (٢) ؛ حيث يبدو واضحاً أن الأشخاص الذين يُدفنون في النجف بالقرب من المشهد المنسوب إلى الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب (٣) ـ رضي الله عنه ـ يعتبرون من الشيعة؛ ولكن مع هذا توجد حالات تنسب إلى أشخاص دفنوا في النجف وهم ينتسبون إلى أهل السُّنّة (٤) . علماً أن الأمير بدراً لم يدفن بناءً على طلبه أو طلب أسرته؛ بل دفن حسب أوامر خصمه حسين بن مسعود الكردي (٥) !!

والأمر الثاني الذي استند إليه الباحث المذكور في تشيّع بدر بن حسنويه وعشيرته البرزيكان هو قوله: «إن قبيلة البرزيكان كانت تعتنق المذهب الشيعي، وخاصة أن سكان هذه القبيلة في إقليم لورستان الذي يعتنق معظم القاطنين فيه هذا المذهب (١) ، ثم إن البرزيكان كانوا يعيشون متجاورين ومتداخلين مع طوائف شيعية أخرى كاللورستان والكوران» (٢) .

ويبدو أن الباحث لم يستند إلى مصادر بعينها، سواء أكانت عربية أو فارسية، في إثبات شيعيّة منطقة تمركز عشيرة البرزيكان والأنحاء المجاورة لها في إقليم الجبال ـ كردستان ولورستان حالياً ـ؛ وإنما اعتمد على الحدس والتخمين القائمَيْن على العاطفة، علماً أنه كان هناك بؤر شيعية متعددة في إقليم الجبال؛ ولكن لم يكن انتشارها واسعاً بحيث تغطي المنطقة؛ فقد ذكر ياقوت الحموي (٣) في هذا الصدد أن التشيّع قد انتشر في مدينة (قم) في وقت مبكر (سنة ٨٣ هـ/٧٠٢م) . ويقول الأصطخري (٤) : إن أهل (قم) كلهم شيعة. بينما يقول القزويني (٥) : إن أهل بلدة (آبه) الواقعة على طريق بغداد ـ همدان ـ شيعة غلاة جداً، إلى جانب تمركزهم في الكوفة والجزء الغربي من بغداد (الكرخ) وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي (٦) .

ومما يدل على أن الأمير الكردي بدراً ابن حسنويه لم يكن شيعياً أن المصادر السُّنّية المعروفة؛ كالمنتظم لابن الجوزي والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي، كانت تكيل المديح له، ولو كان شيعياً لكان الأمر عكس ذلك؛ ولعل ذلك نكاية بخصمه!

٣ نشاط الدعاة العبيديين (المتقدمين) :

النشاط الذي بدأه دعاة المذهب الإسماعيلي اعتباراً من سنة ٢٦٠هـ/ ٨٧٣ م حسب رواية المسعودي (٧) ، والجهود الحثيثة التي قام بها أئمة الشيعة الزيدية المعروفين بالدعاة لتأسيس كيان سياسي لهم في إقليم طبرستان جنوب بحر الخزر (قزوين) ابتداءً من سنة ٢٥٠هـ/ ٨٦٤ م وانتهاءً بسنة ٣١٦هـ/ ٩٢٨م (٨) ؛ كل ما سبق أدّى دون شك إلى حدوث خلل بنيوي في مرتكزات أهل السُّنّة والجماعة تمخّض عن إدخال مناطق عديدة ضمن النطاق الشيعي بعد أن كانت حكراً على المذاهب السنّية. وقد حرص القادة العبيديون (الفاطميون) في مصر على استثمار كل الجهود من أجل نشر أفكارهم عن طريق إرسال الدعاة؛ فها هو المعز العبيدي (ت: ٣٦٥هـ/٩٧٥م) (٩) يقول في خطاب له إلى الحسن القرمطي: «ومع هذا فما من جزيرة في الأرض ولا إقليم إلا ولنا فيه حجج ودعاة إلينا يدلّون علينا بتصاريف الألسن، وفي كل جزيرة وإقليم رجالٌ؛ منهم يفقهون وعنهم يأخذون ... » (١٠) .

وقد أشار الوزير السلجوقي نظام الملك (١١) إلى نشاط الباطنية وكيفية ظهورهم، بأن عبد الله بن ميمون كان يدعو الناس إلى هذا المذهب في قوهستان العراق (إقليم الجبال ـ كردستان ولورستان الحالية) ، وأنه استخلف رجلاً يدعى خلفاً (١) ، قال له: «امضِ إلى جانب الري ـ بالقرب من طهران الحالية ـ، وادعُ إلى الشيعة؛ فالناس في الري وقم وكاشان رافضة كلهم، وسيستجيبون لدعوتك بسرعة؛ فيعظم أمرك هناك ويعلو شأنك» (٢) .

ومن جانب آخر فإن النفوذ العبيدي (الفاطمي) قد زاد في أقاليم الدولة العباسية؛ نتيجة تشجيع البويهيين المذهب الشيعي الذي يدينون به، وهذا ما سهل إلى حدٍّ كبير مهمة الداعية العبيدي (موسى بن عمران الشيرازي) والد المؤيد الذي كان حُجةَ فارس ـ سفيرٌ إسماعيليٌ سرّيٌّ ـ أيام الوزير أبي غالب الواسطي وزير بهاء الدولة وسلطان الدولة، وقد تمتّع هذا الداعية العبيدي بمكانة سامية، حتى إن الوزير (فخر الملك) زاره أكثر من مرة في منزله، وفيما بعد خلفه في منصبه حجة فارس ابنه (هبة الله الشيرازي) الذي اتخذ لقب المؤيد لدين الله (٣) .

وقد تمكّن (هبة الله الشيرازي) من إدخال الأمير البويهي أبي كاليجار (٤١٥ ـ ٤٤٠هـ/١٠٢٤ ـ ١٠٤٨م) في الدعوة الإسماعيلية (٤) بعد أن لقّنه أصولها؛ نظراً للتقارب الأيديولوجي بين الجانبين؛ حيث يقول في هذا الصدد: «كنت كل ليلة جمعة أمكث عنده إلى أن يمضي هزيع الليل، وهو يسألني عما يهجس في نفسه، وكنت أجيب عنه جواباً يظهر أثر تباشير الفرح في وجهه، وأسأله: كيف وقع هذا الجواب منك؟ فربما حرك رأسه يعني أنه جيد، فلا أرضى دون أن أقرره بلسانه أنه ما دخل في مسامعه مثله» (٥) .

والدليل على دخول أبي كاليجار في الإسماعيلية ما ذكره في رسالته الجوابية إلى هبة الله: «إني سلمت نفسي وديني إليك، إنني راضٍ بجملة ما أنت عليه» (٦) .

وكان نشاط الدعاة العبيديين في العراق وفارس ـ جنوب إيران ـ، إلى جانب رسائل إخوان الصفا (٧) في البصرة، والنشاط الصوفي المكثف الذي امتزج بالفلسفة (٨) حتى سمّاهم الغزالي (الصوفية المتفلسفة) (٩) وتقاربها مع الشيعة على أساس وجود مبادئ متشابهة؛ حيث تتقارب شخصية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ الشيعية والصوفية في موضوع التقديس الغالي للأشخاص فضلاً عن الأبوة العضوية والروحية للطرفين؛ كل ذلك قد مهّد الأرضية المناسبة لظهور حركات الغلو الباطنية الممزوجة بالتشيّع والتصوّف الفلسفي تحت مسميات متعددة، كـ: الحروفية (١) ، والبابية (٢) ، والبكتاشية (٣) ، والمشعشعية (٤) ، ولا سيما أن قضاء المغول على الخلافة العباسية سمح للصوفية بتطوير عقائدهم والسير بها خطوات أخرى؛ حيث أعرضوا عن الحل الجزئي لتحلّ محلّه فكرة الاتحاد المطلق مع الله ـ جلّ جلاله ـ الذي يُعنى به (وحدة الوجود) .

أما الجانب الشيعي فتمَّ الاعتراف بهم كمذهب رسمي للدولة في عهد سلطانهم (أولجايتو خدابنده) سنة ٧٠٩هـ/١٣٠٩م، وهذا ما أدَّى إلى أن تكتسح أفكار هؤلاء مساحات واسعة من أقاليم المشرق الإسلامي؛ كـ: خوزستان (عربستان) ، وفارس، والجبال (كردستان ولورستان الحالية) ، وأذربيجان، وطبرستان. وهذا ما سهل مهمة الدعوة الصفوية (٥) ؛ حيث ابتدع لها الأرضية المناسبة لانتشار مثل هذه الأفكار والأطروحات الغالية البعيدة عن أسس ومرتكزات الإسلام الصحيح الذي دعا إليه سيد المرسلين نبينا محمد بن عبد الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ والتي قادها الشاه إسماعيل الصفوي (٦) (٨٩٣ ـ ٩٣١ هـ/١٤٨٧ ـ ١٥٢٤م) الذي فرض التشيّع بالقوة والقسوة الشديدة (٧) ، حتى أصبحت غالبية أقاليم إيران شيعية ابتداءً من سنة ٩٠٨هـ/١٥٠٢م، وهذا ما انعكس على الأقاليم التي يسكنها الكرد؛ حيث دخل بعضهم في التشيّع (٨) . وهم قلّة لا يتجاوزون خُمسَ عدد الكرد في الوقت الحاضر.

٣ الدوافع غير المباشرة لتشيّع بعض الكرد:

مهما يكن من أمر؛ فإن هناك عدة دوافع أخرى حَدَتْ ببعض القبائل والتجمعات الكردية في الجزء الجنوبي الشرقي من كردستان إلى اعتناق التشيّع وجعله مذهباً لهم، وتوزعهم على عدة فرق تبعاً لانقسام التشيّع إلى مجموعات، كـ: التشيّع الإثني عشري (الجعفري) ـ في كردستان العراق وإيران ـ، والنصيري (العلوي) ـ في كردستان تركيا ـ، والعلي إلهية ـ في كردستان إيران ـ، وأهل الحق والكاكائية والصارلية ـ في كردستان العراق ـ، وغيرهم. ومن هذه الدوافع:

١ ـ الحملات العسكرية الغاشمة التي بدأها الشاه إسماعيل الصفوي (١٥٠٢ ـ ١٥٢٤م) عندما جعل نصب عينيه تشيّع سكان الهضبة الإيرانية بالقوة، وكان من نتائجها أن دخلت بعض هذه التجمّعات الكردية في التشيّع.

٢ ـ وجود العديد من المعابد الزرادشتية والمذاهب المجوسية الأخرى في المنطقة وانعكاسها على العادات والتقاليد الكردية؛ مما أدَّى إلى ضعف الوازع الإسلامي عند هؤلاء الكرد الساكنين في هذه المناطق؛ فمجرد وصول فكرةٍ ما، لا سيما إذا كانت مشفوعة بقوة السلاح، فلا غرو أن يعتنق هؤلاء الفكرة الجديدة.

٣ ـ وجود تركّز يهودي قديم في هذه المنطقة (محافظتي كرمنشاه وعيلام حالياً) وسط غرب إيران، يرجع إلى أيام السبي البابلي الذي قام به الملك الكلداني (نبوخذ نصّر) سنة ٥٨٦ ق. م، وانتقال العديد من اليهود إلى هذه المنطقة بقصد التجارة وغيرها من أساليب العيش؛ مما ترك أثراً واضحاً في البنية الذهنية والاجتماعية لهذه التجمعات الكردية؛ حيث أشار إلى ذلك الرحالة المسلم (المقدسي) عندما ذكر وجود عدد كبير من اليهود في إقليم الجبال، وذكره أيضاً الرحالة والضابط البريطاني (راولنسون) في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي عندما تطرق إلى العديد من الأسماء اليهودية لكُرد هذه المنطقة، مثل: داود، وسليمان، وإسحاق، وبنيامين.

٤ ـ وجود الإمارة المشعشعية في منطقة الأهوار (محافظتي العمارة والكوت في العراق حالياً) و (شمال الأهواز في إيران) المحاذية لإقليم لورستان الكردي، وقيام العديد من الدعاة العرب التابعين لهذه الإمارة بالدعاية للمذهب الشيعي بين أفراد القبائل الكردية، واستغلال مأساة أهل البيت للدعوة إلى التشيّع، وكيف أن هذه التراجيديا المصطنعة قد أثّرت في وجدان الكردي الذي عانى الظلم لقرون عديدة فوجد فيها عزاءً له من الجانب النفسي والديني، لا سيما أن المنطقة الكردية كانت قريبة من المراقد الشيعية، فضلاًً عن ذلك أن كتاب (بحار الأنوار) للعالم الشيعي (المجلسي الصفوي) كان له تأثير واضح في بناء ذهنية جديدة عند الفرس والكرد والعرب الذين تشيّعوا؛ حيث يحوي العديد من الأحاديث الموضوعة التي تؤكد على أن الحج إلى ما يسمى بِـ (العتبات المقدسة الشيعية) في النجف، وكربلاء، والوران أفضل بعشرات المرات من الحج إلى الديار المقدسة في الحجاز! كما أن زيارة قبر الحسين ابن علي ـ رضي الله عنهما ـ يعادل سبعين إلى مئة مرة من الحج إلى مكة المكرمة! فلا عجب أن كان لكل تلك الأمور تأثير كبير في دخول الكرد البسطاء ـ آنذاك ـ في التشيّع، فضلاًً عن سماعهم بالجانب البطولي في سيرة أئمة أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ وتحديداً الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وسيفه البتّار (ذو الفقار) .

ونستطيع أن نلخِّص الموضوع برمّته في أن دعاة الشيعة كانوا من الذكاء بحيث استطاعوا تحويل مأساة أهل البيت إلى تراجيديا قفزت فوق التاريخ الحقيقي والواقعي إلى ما يسمى بالميثولوجيا ـ ما فوق الطبيعة البشرية ـ التي استنبطوها إلى حدٍّ كبير من مأساة عيسى المسيح ـ عليه السلام ـ، وكيف أن المدعوَّ بولس الرسول (شاؤول) ؛ مبتكر فكرة ألوهية المسيح، حوَّل المسيح التاريخي إلى أسطوري! فكان الأمر بالنسبة لدهاقنة الشيعة على الشاكلة نفسها؛ حيث تحول الحسين (التاريخي) إلى الحسين (الميثولوجي) ! صاحب المعجزات والكرامات الخارقة، والعصمة من الخطأ؛ بل الخطيئة! والتي تُعدّ في نظر العديد من الباحثين، ومنهم الفيلسوف الفرنسي (كوربان) ، استمراراً للنبوة الروحية، والتي تخالف في الكثير من مضامينها فكرة ختم النبوة والتوحيد الخالص؛ التي ترفض التقديس غير الموضوعي للرسل والأنبياء، فضلاً عن شخصية الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ سيد شباب أهل الجنة.


(*) مدير مركز الدراسات الكردية، جامعة دهوك.
(١) لم أعثر على ترجمة له في كتب التراجم والطبقات المتوفرة لديّ.
(٢) الكوران: أحد الأقسام الأربعة التي يتكون منها الشعب الكردي حسب رواية الشرفنامة، انظر: (البدليسي: الشرفنامة، ٢٠) . بينما خرج أحد الباحثين الكرد من كلمة كوران بمعنيين، الأول: بمعنى الفلاح أو المزارع، والثاني: اسم لعشيرة تعيش في القسم الشرقي من زهاو على الجانب الإيراني المحاذي للحدود العراقية الشرقية.
(٣) يذكر المقدسي أن الناس اختلفوا في مكان دفن الخليفة علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ على عدة أقوال. انظر: (المقدسي: المطهر بن طاهر: كتاب البدء والتاريخ، بيروت، دار صادر، عن نسخة مصورة صادرة عن باريس سنة ١٨٩٩م، ج٥، ص ٢٣٣) .
(٤) الفاروقي، أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق: تاريخ الفاروقي، تحقيق: بدوي عبد اللطيف، بيروت، ١٩٧٤م، ص ١٣٩ ـ ١٤٠.
(٥) خواندمير، غياث الدين بن هام الدين الحسني: تاريخ حبيب السير في أخبار أفراد بشر (باللغة الفارسية) ، تهران جابخانة، حيدري ١٣٣٣ شمسي ١٩٥٥م، ٢/٤٣٩. مجمل التواريخ والقصص، ٤٠١.
(١) هذا الادّعاء صحيح في الوقت الحاضر، فَجُلُّ سكان هذا الإقليم الإيراني من الشيعة الإثني عشرية والغلاة، ومنهم العلي إلهية الذين يعدون علياً ابن أبي طالب إلهاً لهم، مثلهم في ذلك مثل النصيرية (العلوية) والإسماعيلية والبهرة والآغاخانية، أما في القرنين الرابع والخامس الهجريين فكانوا من أهل السُّنّة بمذاهبهم المختلفة.
(٢) النقشبندي: الكرد في الدينور، ١٦٨، هامش (١) .
(٣) معجم البلدان: ٤/٣٩٧، ٣٩٨.
(٤) مسالك الممالك: ١١٩، ابن حوقل: كتاب صورة الأرض.
(٥) آثار البلاد، ٢٨٣. وآبه: بلدة تقع قرب ساوة شرق مدينة همدان.
(٦) النجاشي، أحمد بن علي بن أحمد: كتاب الرجال، ٢/٤٢٣. ومما يجدر ذكره أن أهل قاشان (كاشان) شيعة إمامية غلاة جداً، انظر: (القزويني: آثار البلاد، ٤٣٢) .
(٧) التنبيه والإشراف، ٣٩٥.
(٨) المقدسي: أحسن التقاسيم، ٣٦٧.
(٩) المعز العبيدي: رابع الخلفاء العبيديين، خلف أباه عام ٣٤١هـ/٩٥٣م.
(١٠) المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي: اتعاظ الحنفا بأخبار الملوك الخلفا، القاهرة ١٩٤٨م، تحقيق: الدكتور جمال الدين الشيال، ص٢٦٠.
(١١) نظام الملك: قوام الدين أبو علي الحسن بن إسحاق الطوسي، كان وزيراً للسلطان السلجوقي ألب أرسلان ثم لابنه ملك شاه، انظر: (الذهبي: سير أعلام النبلاء، ٢/٤٤٩) .
(١) هو خلف الحلاج الذي كان صاحب محلجة قطن. انظر: (جمال الدين، محمود السعيد: دولة الإسماعيلية في إيران، القاهرة، مؤسسة سجل العرب ١٩٧٥، ص ٤٤) .
(٢) نظام الملك، الطوسي: سياسة نامة (سير الملوك) ، ٢٣٣.
(٣) وُلد المؤيد في شيراز سنة ٣٩٠هـ/٩٩٩م، وأخذ عن والده موسى علوم الدعوة العبيدية (الفاطمية) ، كما شاهد في صباه أحمد حميد الدين الكرماني كبير دعاة الخليفة العبيدي (الفاطمي) . انظر: (سرور: تاريخ الدولة الفاطمية، ٣٢٤ هامش ٤) .
(٤) وفاء محمد علي: الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، ١٩٩١م، ص٧٧، نقلاً عن محمد حلمي أحمد: الخلافة والدولة في العصر العباسي، ص١٨٢.
(٥) هبة الله الشيرازي: مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية، تحقيق: عارف تامر، بيروت، ١٤٠٣هـ.
(٦) هبة الله الشيرازي: المصدر السابق، ص ٦٧.
(٧) إخوان الصفا: لقب جماعة من المفكرين ذوي النزعة الفلسفية، يعتقد أنهم من الشيعة الإسماعيلية، كان فكرهم مزيجاً من الفلسفة اليونانية وتعليمات من الديانات اليهودية والنصرانية والإسلام، تركوا عدة رسائل. للمزيد انظر: (كتاب: إخوان الصفا، غالب مصطفى، بيروت، دار مكتبة الهلال، ١٩٧٩م، ص١٥) .
(٨) إن نظرية ابن عربي في وحدة الوجود لم تعتمد على مشرب صوفي، بقدر ما كانت نظرية فلسفية في الوجود، وقد أخذ ابن عربي نظريته من رسائل إخوان الصفا، انظر: (عفيفي، أبو العلاء: مقالة: من أين استقصى ابن عربي فلسفته الصوفية؟ مجلة كلية الآداب، مايو ١٩٣٣م، ص٢٢ ـ ٢٧) .
(٩) الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد: رسالة معراج السالكين من فرائد اللآلئ، القاهرة، ١٣٤٣هـ/١٩٢٤م، ص ٧٦.
(١) الحروفية: فرقة صوفية تقوم على أن الأصل في معرفة الله ـ تعالى ـ هو اللفظ، ويعبر عن المعاني بالحروف، وتتخذ العقيدة أصولها من قيم الحروف العددية ثم التصرف بالأرقام. ومؤسس هذه الفرقة هو فضل الله الحروفي المولود في إستراباد سنة ٧٠٤هـ/١٣٠٤م. انظر: (الأمين: شريف يحيى: معجم الفرق الإسلامية، بيروت، دار الأضواء، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ/١٩٨٦م، ص٩٥) .
(٢) البابية: فرقة صوفية تنسب إلى بابا إسحاق الكفرسودي التركماني من القرن السابع الهجري، ادَّعى أتباعه أنه كان رسول الله وكانوا يسمونه بابا رسول، ويقولون: لا إله إلا الله البابا ولي الله. انظر: (الأمين: معجم الفرق الإسلامية، ٤٧) .
(٣) البكتاشية: طريقة صوفية من الغلاة تنسب إلى السيد محمد رضوي المشهور عند المؤرخين باسم: الحاج بكتاش الذي كان معاصراً للسلطان العثماني أورخان. واعتبرها بعضهم من فرق الشيعة، وأكثر أتباع طريقته ينتشرون في تركيا وألبانيا. انظر: (الأمين: معجم الفرق الإسلامية، ٥٩) .
(٤) المشعشعية: حركة تمزج بين التصوف والتشيّع تنسب إلى محمد بن فلاح المشعشعي الذي ولد في واسط في العراق، وتمكّن بواسطة ما يملكه من مخاريق وإرث شيعي أن يكسب القبائل المنقطعة في البطائح (الأهوار) ؛ حيث كان يسود الجهل آنذاك بينهم، بالإضافة إلى تضليل دعاة الشيعة بدعوى محبة آل البيت ـ رضي الله عنهم ـ ثم ادّعى المهدية والألوهية، قتل سنة ٣٨١هـ/١٤٥٧م.
(٥) الحركة الصفوية: حركة صوفية تنسب إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي سنة ٧٣٣هـ/١٣٣٤م الجد الأعلى للشاه إسماعيل الصفوي وعنه أخذت الحركة اسمها. وقد أحدثت هذه الحركة بُعْداً سياسياً أيام (جنيد) جد الشاه إسماعيل ودخل إليها التشيّع الغالي (من الغلو) ، وتمكن إسماعيل بواسطة أتباعه الصفويين في قتل الكثيرين من أهل السُّنَّة. للمزيد انظر: (تاريخ إيران بعد الإسلام، ترجمة: السباعي محمد) .
(٦) إسماعيل الصفوي: مؤسس الدولة الشيعية في إيران، ابن حيدر بن جنيد، ولد في أردبيل التابعة لإقليم أذربيجان، استعان بقبائل الأتراك واستولى على أذربيجان، وجعل تبريز عاصمة له، وفرض التشيّع على إيران، وتلقب بالشاه. اقترن حكمه بإعلان طقوس شيعية جديدة على صورة صوفية ابتغاءَ تنشيط الدعوة الشيعية في إيران، ومن ذلك: تنظيم الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين على النحو الذي يُتَّبع الآن، وأسهم بإضافة عبارة (أشهد أن علياً ولي الله) إلى نصِّ الأذان وشهادة الإسلام. انظر: (الشيبي: الصلة بين التصوف والتشيّع، ٣٧٢) .
(٧) يذكر أحد المؤرخين الإيرانيين الشيعة (عباس إقبال) في هذا الصدد ما نصّه: «يُعدّ الشاه إسماعيل، بلا شبهة، أحد أشهر وأكبر ملوك إيران، وقد أدخل التشيّع على شعب إيران ـ وكان أغلبهم حتى ذلك الوقت من السُّنّة ـ وذلك بسفك دماء كثير من الأبرياء بقسوة» انظر: (عباس إقبال: تاريخ إيران بعد الإسلام، ترجمة: السباعي محمد، القاهرة) .
(٨) فرست مرعي الدهوكي: التغلغل الإيراني في كردستان العراق، مجلة السُّنة، العدد الثاني والسبعون، كانون الثاني ١٤١٨هـ/١٩٩٨م، مركز الدراسات الإسلامية، برمنجهام، ص ٧٦ ـ ٧٨.