للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[الأحداث الأخيرة في نيجيريا]

الخلفيات والحقائق

بلال عبد الله

نيجيريا من أكثر البلدان الإفريقية عرضة للتقلبات السياسية؛ حيث وقعت بها

كثير من الأحداث والانقلابات التي شغلتها وشغلت معها القارة بأسرها.

ومن المعلوم أن الاستعمار الإنجليزي دخلها وفيها آنذاك ممالك إسلامية متعددة، وكان ذلك عن طريق المكتشفين ثم المنصِّرين، وبدأ الإنجليز يقنعون الأمراء

المسلمين (الفولانيين) في الشمال بقبول الحماية البريطانية بحجة أن الألمان في

الشرق والفرنسيين في الغرب والشمال يهددون دولتهم، ومع التعهد لهم ببقائهم

أمراء في نواحيهم، وفي عام ١٩٠٠م أعلنت بريطانيا قيام محمية نيجيريا الشمالية

وعين السير (فريدريك لوجارد) مندوباً سامياً، وأرسلت الحملات العسكرية ضد

الأمراء الفولانيين الذين رفضوا توقيع اتفاقيات معهم، وفي عام ١٩٠٣م تم احتلال

(كانو) و (سوكوتو) ولم تقع (بورنو) في حوزتهم إلا عام ١٩٠٦م، واستلم الإنجليتز

الحكم مساعدين للأمراء الفولانيين، ثم أدمجت المحمية الجنوبية بمستعمرة لاجوس، وأبقت بريطانيا الإمارات الإسلامية في الشمال مع إيقاد الخلاف بينها. وفي عام

١٩١٤م حكم (لوجارد) نيجيريا الشمالية والجنوبية وجعل منها محمية إنجليزية،

وأفقدوا الإمارات الإسلامية استقلالها وجعلوها أداة طيعة في أيديهم وقام الإنجليز

بتنصير الوثنيين وبعض المسلمين، وعلموهم ومكَّنوهم من سدة الحكم. وفطن

المسلمون للمؤامرة فعلَّموا أبناءهم وقاوموا الاستعمار الإنجليزي.

وسكان نيجيريا عموماً (حوالي ١١١ مليون نسمة) ويختلفون من حيث الدين

والجنس واللغة والعادات. ويمثل المسلمون ٧٦% من السكان والنصارى ٢٠%

والباقي نصارى ووثنيون.

والنيجيريون عدة قبائل هي:

١- اليوربا: ويعيشون في الجنوب الغربي، وكانوا وثنيين، والمسلمون فيهم

أكثر من النصف والباقي نصارى ووثنيون.

٢- الإيبو: في الشرق وهم بالنسبة لليوربا متخلفون، وبدؤوا حديثاً بتنظيم

القرى والهيئات الاجتماعية، وانتشرت فيهم النصرانية من طريق المنصِّرين،

وأسلم لله الإيبو لكن لم يجدوا من يعلمهم الدين الصحيح سوى الصوفية من القادرية

والتيجانية.

٣- الهوسا: وأكثرهم في الشمال وهم ليسوا جنساً قائماً بذاته إنما هو

اصطلاح لغوي يطلق على الشعوب التي تتكلم لغة الهوسا، كانوا وثنيين قبل أن

يتحولوا إلى الإسلام على يد الفولانيين وهم عدة أمارات يحكمها ملك أو أمير يعاونه

بعض الوزراء، وهم يعملون بالتجارة لكنهم متأخرون وتنتشر بينهم الصوفية التي

ترى إبقاء التصوف سائداً بينهم لتضمن انقيادهم لها.

٤- الكانوري: في الشمال الشرقي وهي قبائل متمسكة بدينها، ولها طلاب

يدرسون في الأزهر، وهم خليط من العرب والحاميين والزنوج، ومن أشهر قادتهم

الداعية الإسلامي المعروف: (عثمان بن فودي) .

٥- الفولاني: وهم أصلاً من صعيد مصر وفدوا لتلك المناطق وحكموا مملكة

(تكرور) ثم تغلب عليهم التوكلور. اتجهوا للشرق حيث يقيم الهوسا، وكانوا قبائل

صغيرة وحَّدها الشيخ عثمان بن فودي، وجعل منهم قوة محاربة تسيطر على منطقة

واسعة.

أخطر الأحداث ضد المسلمين:

وأشهر الأحداث الدامية ضد المسلمين في نيجيريا يوم كان المسلمون يقودون

الحكومة الاتحادية، فبدأت الإشاعات ضدهم؛ بأنهم زيفوا إحصاء ١٩٦٣م حيث

سيطر الشماليون على البرلمان الاتحادي. وفي فجر ١٥يناير ١٩٦٦م تحركت

مجموعة عسكرية نحو منزل الشيخ (أحمد بيللو) بعد عزله القائد العسكري (جوشون

ايرونسي) ووضْعِ قائد مسلم بدلاً منه، فهوجم بيت الشيخ بالقنابل وانتزعوه من

فراشه هو وزوجته وأطلقوا عليهما النار، وتركوا بيته طعمة للنيران. وفي لاجوس

العاصمة خُطِفَ (الشيخ أبو بكر تفاوا بليوا) رئيس الوزراء الاتحادية، ووزير

المالية النصراني (فستسوس أوكوني) المتهم بممالأة المسلمين وقتلوهما بعد أيام من

الانقلاب الذي قام به (ايرونسي) . وقابل النصارى الانقلاب في كل أنحاء العالم

بالابتهاج والفرح. أما المسلمون فقد سادهم الصمت عدا (مظاهرة إسلامية ضخمة

في السودان) لكن ايرونسي النصراني عوقب بانقلاب نصراني آخر قاده (يعقوب

جودن) وهو من مسلمي الهوسا المتنصرين، وتوالت الانقلابات العسكرية؛ ومع

أن بعضها قام به ضباط مسلمون إلا أنهم (علمانيون) لم يقيموا للإسلام وزناً.

لكن المسلمين بذلوا جهوداً في تنظيم صفوفهم وجمعياتهم ومدارسهم وجامعاتهم

إلا أنهم أقل مستوى من النصارى، وتسود بينهم الطرق الصوفية المشار إليها

آنفا [١] .

ماذا حدث مؤخراً في نيجيريا؟

الدعوى التي قامت بها بعض الولايات المسلمة من تبني تطبيق الشريعة

الإسلامية أثارت ردود فعل غاضبة من النصارى؛ فما أسباب هذه الأحداث؟

أولاً: هناك توجُّهٌ في الجزء الشمالي من نيجيريا نحو تطبيق أحكام الشريعة

الإسلامية في حدود ما يسمح به الدستور على مستوى الولاية؛ حيث إن نيجيريا

تعتبر دولة اتحادية؛ فهنالك قوانين اتحادية وأخرى ولائية. فحاولت بعض الولايات

في حدود سلطانها تطبيق الأحكام الشرعية. وكانت البداية ولاية زمفرا وهي ولاية

حديثة اقتطعت من ولاية سكتو حاضرة المملكة الإسلامية التي أسسها الشيخ عثمان ابن فودي. وقطعت ولاية زمفرا شوطاً في ذلك. وهذه الخطوة شجعت المواطنين

والمهتمين في ولايات كثيرة للمطالبة بالتأسي بزمفرا في تطبيق أحكام الشريعة.

واستجابة لهذه الرغبة أعلنت بعض الولايات نيتها لتطبيقها، وبعضها كَوَّن لجاناً

لدراسة الأمر ومن ضمنها ولاية كدونا. ومدينة كدونا تعتبر مدينة قديمة وعاصمة

للشمال في عهد الإنجليز وحتى بعد الاستقلال، وهي من أهم المراكز التجارية

والصناعية بعد كنو، وأكبر مركز عسكري وسياسي في الشمال، وبها المصفاة

الرئيسة في البلاد.

وهنا ثارت حفيظة النصارى وكتبوا وصرحوا أنهم سيعملون على إسقاط

مشاريع تطبيق الشريعة، وعندما شعروا أن هنالك خطوات كبيرة ربما تتخذ

خططوا للتعبير عن معارضتهم، فكانت تلك الأحداث والمظاهرات التي نتج من

جرائها تدخل الشرطة والجيش للحفاظ على الأمن الوطني العام.

ثانياً: وقائع حادثة كدونا وما تبعها من أحداث:

في يوم الأحد ١٦/١١/١٤٢٠هـ الموافق ٢٠/٢/٢٠٠٠م وكالعادة اجتمع

النصارى في كنائسهم واستمعوا إلى مواعظ رؤسائهم وخططوا للخروج يوم الاثنين

صباحاً ١٧/١١/١٤٢٠هـ الموافق ٢١/٢/٢٠٠٠م في مظاهرة سلمية كما يقولون

للاحتجاج على تطبيق الشريعة في الولاية. وبعد أن سلموا مذكراتهم لنائب حاكم

ولاية كدونا وهو نصراني؛ حيث كان الحاكم خارج البلاد للعلاج وهو مسلم،

خرجوا إلى السوق؛ وفي الطريق أخذ النصارى يضربون كل من لم يتجاوب معهم

في مطالبهم وهي كالآتي:

١- يطالب المسلم بقول: (- NO WAY TO SHARI DOWN TO

SHARI) أي لا، للشريعة - لا سبيل لتطبيق الشريعة.

٢- العبث من قبل المتظاهرين رجالاً ونساء بلحية من لقوا من المسلمين

الملتحين، ثم يطالب بما يغيظه من الكلمات.

٣- مطالبة المسلم بخلع القلنسوة التي تعتبر من علامات المسلم.

٤- التغني بأناشيد النصارى، وترديد بعض كلماتهم مثل: ALLELUYA

كلمة تقال عند تبجيل إلههم.

٥- حمل أوراق الأشجار في اليد أو تعليقها على السيارة ليكون دليلاً على

رضا من فعل ذلك بما هم يطالبون به وهو عدم تطبيق الشريعة. وإلا فإنه يتعرض

لأنواع من العذاب.

هذا وغيره من أمور لا يرضى بها المسلم لنفسه مهما كان ضعيف الإيمان،

وجزاء من يرفض شيئاً مما سبق ذكره ضربٌ حتى الموت، ومن فعله ينجو منهم

سالماً.

وبالإضافة إلى هذا فإنهم كتبوا في ألواح يحملونها في أيديهم عبارات تدعو

للفتنة مثل: RIP SHARIA IS DEAD IN KADUNA. JESUS

ONLY أي ما معناه: ماتت الشريعة في كادونا، وقد تولى المسيح.

وقد واصل النصارى عملية الضرب والاستهزاء بالدين إلى أن وصل الأمر

بهم إلى إحراق بيوت المسلمين وممتلكاتهم وكذا دكاكينهم ومتاجرهم، فكأنهم يريدون

إجلاء المسلمين من المدينة حتى تخلو لهم وتصبح مدينة للنصارى وللنصارى فقط،

حتى وصلوا إلى السوق، وبدؤوا في إحراق السوق وقتل المسلمين وإحراقهم

وإحراق مساكنهم، واستخدموا السلاح الأبيض والسلاح الناري بالإضافة إلى

العصي وحرق الناس في البيوت بالبترول. وكانت لهم الغلبة في الفترة الأولى من

الساعة العاشرة صباحاً تقريباً وحتى الظهر. ثم نظم المسلمون أنفسهم وأعادوا لهم

الكرة وكانت الضربة قاسية واستمرت طوال ليلة الثلاثاء وكل يوم الثلاثاء أي اليوم

التالي وكذلك جزءاً من ليلة الأربعاء. وفي يوم الأربعاء تم احتواء الوضع من قِبَلِ

الجيش وقوات الشرطة إلا من أحداث متفرقة.

وكانت النتيجة عدداً كبيراً من القتلى قُدرت من قِبَل الحكومة بخمسمائة

شخص. ولكن الذين شهدوا الأحداث يقولون بأن قتلى الأحداث قد يصل عددهم

إلى أكثر من ألفي شخص. وهذا غير الجرحى الذين يتلقون العلاج الآن في المستشفيات.

كذلك فرَّ عدد كبير من الناس من كدونا إلى مدنهم الأصلية أو القرى المجاورة.

وأما عن الخسائر المادية فكانت كبيرة جداً وبخاصة المنازل والأسواق والسيارات

وبعض محطات الوقود والمساجد والكنائس.

وحسب تقييم كثير ممن نثق فيهم ممن شهدوا الأحداث أن المسلمين قد كسبوا

الجولة رغم الخسائر التي تكبدوها في الممتلكات، ورغم أنهم كانوا على غير

استعداد عندما غدر بهم النصارى.

ثم تبع ذلك أحداث انتقام من المسلمين في مناطق الإيبو نتيجة ما رأوا من

جثث أقاربهم الذين تم نقلهم إليهم في الجنوب الشرقي وبالتحديد في مدينة أبا وواري؛ حيث قُتل أعداد كبيرة من المسلمين وحرقت مساجدهم وممتلكاتهم. والمسلمون في

تلك المناطق قلة. كذلك لم ينجُ النصارى ممن جذورهم من الشمال في تلك المناطق

من القتل؛ حيث يعتقد الإيبو أنهم سبب هذه الفتنة ولذلك انتقموا منهم.

ومازالت الأوضاع متوترة في بعض المدن، وهنالك تحرشات وشائعات؛

ولذلك بدأ الإيبو في الرحيل من شمال نيجيريا وكذلك بعض النصارى من المناطق

الشمالية.

وقد أسفرت الأحداث عن إحراق ممتلكات بعض الأغنياء المسلمين وذلك

لدعمهم أعمال إسلامية مثل:

- تمويل برامج إسلامية في تلفزيون المدينة.

- تمويل مؤتمرات ولقاءات لدراسة الشريعة وبيان أهميتها وتطبيقها.

- تمويل مسابقات القرآن الكريم مع تكلفة عرضها في التلفاز.

- الجهات المهتمة بنشر أشرطة إسلامية.

وقد خطط النصارى للهجوم على ممتلكات كل من يقوم بأحد تلك الأنشطة؛

وفعلاً نجحوا في إحراقها مثل:

- شركة بيع الأجهزة الإلكترونية للحاج/ سليمان، وقد قدرت خسارته بـ ٢.٢

مليون دولار أمريكي.

- دابو لبيع السيارات لصاحبها الحاج/ دابو شنشنغي، وقد قدر خسارته بـ

٢ مليون دولار أمريكي.

- شركة بكي لبيع السيارات، وقدر مديرها العام الحاج/ عبد الرحمن خسارته

بـ ٧٤٠. ٠٠٠ دولار أمريكي.

- شركة إكارا لبيع السيارات لصاحبها الحاج/ محمد أحمد، وقد قدر خسارته

بـ ٧٣٠. ٠٠٠ دولار أمريكي.

وقد أحرق دكان إحدى السيدات وهي مسلمة، وذنبها أنها في كل يوم جمعة

توفر الماء للذاهبين إلى المسجد لصلاة الجمعة أمام دكانها.

ثالثاً: نظرة عامة الناس إلى الحادثة وسببها الحقيقي:

من خلال المقابلات وما نشر في الجرائد والمجلات يمكن تحديد الأسباب التي

أدت إلى الأحداث في النقاط الآتية كما جاء في استطلاعات تلك الصحف والمجلات:

١ - أسباب دينية:

يرى النصارى أنه إذا طبقت الشريعة ونجحت في إصلاح ما عجزت القوانين

الوضعية عنه أن تكون للإسلام قوة ويؤدي ذلك إلى دخول غير المسلمين في الإسلام، ويقطع طريق تنصير المسلمين، ولذا لا بد من إيقاف تطبيقها حتى لو كان

بالعنف والقتل، وقد قاموا بمحاولات عديدة لتتدخل الحكومة الفيدرالية وتمنع

الولايات التي يطالب سكانها حكامهم بتطبيق الشريعة من تطبيق ما أجازه دستور

البلد، ولَمَّا أخفقوا في ذلك رأوا أن الطريق الوحيد لتتدخل الحكومة هي إحداث بلبلة

تؤدي إلى زعزعة الأمن وتوتره.

٢ - مصالح تجارية لمنفعة شخصية:

الذين يتاجرون بالبيوع المحرمة مثل الخمور وأصحاب بيوت الدعارة عرفوا

أنه إذا طبقت الشريعة تكون نهاية بيوعهم المحرمة، ولذا رأوا أن إيقاف تطبيق

الشريعة هو الطريق الوحيد للدفاع عن مصالحهم التجارية، وشجعوا إخوانهم

النصارى على تنظيم المظاهرة، كما دعموها بكل ما أعطوا.

٣ - أسباب سياسية:

لا تزال بعض القبائل وخاصة قبيلة إيبو تفكر في الانفصال، وهي دائماً

ترصد أحداث تتخذها حجة للقيام بتنفيذ أهدافها، وهناك أدلة واضحة ومنقولة في

الجرائد والمجلات تثبت ذلك.

٤ - وأضاف بعض الناس أن البطالة ساعدت في توسيع رقعة الفتنة حيث تنظر الفئة نفسها أنها ضائعة في المجتمع.

رابعاً: موقف المسلمين من تطبيق الشريعة بعد الحادثة:

من خلال مقابلات أجريناها مع بعض الشخصيات والرأي العام للمسلمين

اتضح أن موقف المسلمين لم يتزعزع في المطالبة بتطبيق الشريعة، بل زادتهم

الحادثة شدة في المطالبة، ووجدت الحكومة نفسها في حيرة من أمرها؛ إذ لو

حاولت منع المسلمين وخاصة في ولايات أغلبية سكانها مسلمون فسوف يتهمها

المسلمون أنها وقفت مع النصارى ضدهم، وكذا أي محاولة لإلغاء الفقرة التي

أجازت تطبيق الشريعة من الدستور يقابلها المسلمون بالرفض.

ولهذا يرى كثير من الناس أن المسلمين سيحققون بمشيئة الله نجاحاً في تطبيق

أجزاء كبيرة من القضايا الشرعية وإن لم يكن ١٠٠%.

ويرى آخرون أنه لا بد قبل التطبيق من دراسة الموضوع دراسة دقيقة

ومنظمة ثم الإكثار من توعية العوام.


(١) المصدر (مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا (نيجيريا) للأستاذ محمود شاكر الحرستاني بتصرف.