[يا درة الأمجاد]
فلاح الغريب
بَغْدادُ تنطقُ بالهوَى عيْنَاكِ
وكجَمْرِ أشواقِي بَدَتْ شَفَتاكِ
وقفتْ على الأطلالِ ساعةَ رهْبةٍ
تلك السّحائِبُ فاسْتَهلَّ نَدَاكِ
بغدادُ يحملُنِي الهَوَى ويُذيْبُنِي
شوقٌ لرؤيةِ ثغْركِ الضّحاكِ
ويزيدُني مَرُّ النَّسيمِ من الجَوَى
وتعيدُنِي الذّكرَى إلى ذكْرَاكِ
وتفيدني الأيامُ درْسَ عزيمةٍ
لمّا تسير إلى العُلا قدَمَاكِ
تتأوّه الأغصانُ من ألمِ النّوَى
ويتوهُ بالألحَانِ رَجْعُ صداكِ
أبكي ويرتعشُ اليراعُ وترتَمِي
منِّي الحروفُ على سَنَا نجْوَاكِ
بالله يا دارَ السّلامِ ترفّقِي
إنّي لأشكُو منْ لظَى شَكْوَاكِ
ورُبَى الحجازِ عليلةٌ ممّا جَرَى
والشامُ يسلبُها الهَوَى مَرْآكِ
وَرِمَالُ نجْدٍ أغرقتهَا أدمعٌ
فيَّاضَةُ الأحزانِ حينَ تَرَاكِ
وشواهقُ السَّرَواتِ تُعْلِي صرْخةً
لا تخضَعِي يا دُرَّةَ الأفْلاكِ
تتقاذفُ الأيامُ غابرَ مجدِنَا
ومراتعَ الذّكرى وبَوْحَ ثَرَاكِ
أيامَ كنتِ على الدِّيارِ أميرةً
تتضوَّعُ الأزهارُ نفحَ شذاكِ
أيّامَ يرسِلُها الرّشيدُ بعزَّةٍ
أينَ المكارم والهدى لَوْلاكِ
يا دارُ يأسرني الحنينُ لروضةٍ
تروي الظِّمآءَ وتنتمِي لرُبَاكِ
وأرى الصّبابةَ والمحبّةَ والنَّدَى
حَسْبُ العُلا والجُودِ أنْ عَرَفَاكِ
كمْ عَاشقٍ أفنى صَبَابةَ عُمْرِهِ
يرجو الوِصَالَ فأكرمتْهُ يَدَاكِ
والنورُ يحسبُ أنَّهُ من دُرّةٍ
حسناءَ يرمُقُها الهَوَى فيرَاكِ
والسيفُ يلمعُ في مقابضِ فتيةٍ
صانُوا حَرِيمَكِ واحتَمَوْا بحِمَاكِ
فاستبسلتْ تلكَ الأسُودُ ببَذْلِها
وأبَيْتِ يا بَغْدادُ أنْ ننسَاكِ
لا زالَ للمجدِ الأثيلِ بقيّةٌ
قد شادها في الخافقينِ فِدَاكِ
يا درّةَ الأمجادِ هل من سَائلٍ
عن فجْرٍ مَجْدٍ باسِمٍ يغشاكِ؟
بغدادُ ماذا قد يرومُ بِكِ العِدَا
والسيفُ والقرآنُ قد حَرَسَاكِ؟
وعنِ الكرامةِ والشهادةِ والهُدَى
والصِّيدُ قد لبَّتْ كَرِيمَ نِدَاكِ
وعنِ الجيوشِ الفاتحاتِ وأهلِها
وعنِ الفصَاحةِ تعتلي بِعُلاكِ
بغدادُ يا رمْزَ الثّباتِ تمسّكي
فالنّصر يا بغداد قد حيّاكِ
ولربَّمَا تَحيَا مَآثرُ أمَّتِي
وتعيدُها للمكْرُمَاتِ خُطَاكِ