[حماس في قلب اللعبة السياسية]
عبد الملك محمود
تحدث الكثير من المحللين والكتاب والمفكرين عن ماهية التحديات الضخمة داخلياً وخارجياً والتي ستواجه حركة حماس في المرحلة القادمة، لذا فلن نفصِّل ولن نتحدث عنها كلها، وإنما سنطرح بعض التساؤلات سعياً للتذكير والمساهمة في الحل.. وهو ما نعتقد أنه ليس واجب إخواننا في حماس فقط.
هناك وعود يحلم بها الناس، لبناء الدولة المستقلة على كامل الأرض الفلسطينية، وإقامة المؤسسات الوطنية وهي آمال كبيرة، فكيف يمكن التعامل معها؟ إن مجرد الفوز بغالبية المقاعد البرلمانية لا يعني ضماناً مؤكداً أو صكاً باليد للحفاظ على ثقة الشارع الفلسطيني.. بل يضيف عبئاً أكبر على كاهل الحركة لتلبية آمال وتطلعات الناخبين الذين ملؤوا صناديق الاقتراع ببطاقات حماس، حالمين بمستقبل أفضل، وأقل فساداً.
ربما كان من أبرز المشكلات التي ستواجه حماس:
الوضع الأمني الداخلي وأوضاع السلطة وأجهزتها الأمنية وإصلاحها وإزالة الفاسدين منها بتدرج: ويرافقه ملفا فوضى السلاح والفلتان الأمني، ثم ملف العملاء والخونة خصوصاً في صفوف الأجهزة الأمنية وبعضهم مرتبط بالموساد. لقد رأينا بروفة للتحدي الأمني من خلال اختطاف الدبلوماسي المصري يوم ١٠ فبراير مما شكل تحدياً ضخماً ومحرجاً للسلطة. كما رأينا التحدي الأمني في ردة فعل بعض (عناصر) فتح وشبانها حيث حصلت حالة من الفوضى وأعمال العنف ومسيرات تعيث فساداً؛ تدمر وتحرق كل شيء أمامها بعد ظهور نتائج الانتخابات مباشرة.
هناك إشكال المقاومة: فكتائب القسام منذ تأسيسها تعتبر الذراع القوية لحماس الذي يضرب في عمق الاحتلال، وكسبت بذلك قلوب الفلسطينيين وقلوب المسلمين في العالم وتأييدهم، فهل يتوقع من حماس وهي الآن في الواجهة الرسمية أن تستمر في الخط، نفسه أم ستنزع سلاحها استجابة للضغوط الدولية؟ هل ستلتف على المأزق بدمج التنظيمات المسلحة في جهاز واحد، وهو أمر بالغ التعقيد، أم ستتكرر مأساة كتائب شهداء الأقصى وليدة فتح، التي فقدت السيطرة على ذراعها المسلح فزرعت الفوضى وأعلنت التمرد؟! هل سيكون مطلوباً من حماس المنتصرة في حلبة السياسة أن تنزع سلاحها، وأن تنخرط في اللعبة السياسية، فلا يوجد عادةً للحكومة الوطنية ميليشيات خاصة بها بعيداً عن الجيش النظامي، وسيكون مطلوباً منها أن تكون في الصف المواجه للإرهاب، ومحو كلمة المقاومة أو حتى التلويح بها من قاموسها حتى لا تعطي ذريعة لعدوها للفتك بها، وربما طلب منها تغيير ميثاقها ليتماشى مع الواقع الجديد؟ وحتى لو كانت النية المبيتة هي استمرار المقاومة ولكنها مرحلة لالتقاط بعض الأنفاس وتحيُّن الظرف المنافس؛ فمن يضمن عدم الترهل وبرود الروح الجهادية؟ إن أي عمل عسكري من قِبَل حماس سيعتبر إرهاب دولة ممّا سيؤدي إلى استهداف مرافق السلطة وقطع العلاقات والمساعدات عنها وهو ما سيفتح الباب لاستهداف النظام والشعب؛ فهل ستستغل حماس امتلاك أغلبية سياسية كي تناور من خلال دمج جناحها المسلح في أجهزة الأمن الوطني لتجنب ضغوط نزع السلاح، وقتال الصهاينة عبره إذا خرقت أو انتهكت أي هدنة أو اتفاق أو اعتدت على الفلسطينيين.
التحدي الثالث المتعلق بمسألة التفاوض: ولو أنّ حماس حصلت على نسبة ٤٥% مثلاً أو قاربت نسبة فتح لكان بالإمكان تخفيف الحرج بدفع فتح للواجهة في أي عملية تفاوضية فيما تشرف هي على الجهة الأمنية وتتجنب المفاوضات مع المحتلين، وتشرف على الشارع الاجتماعي لتبتعد عن الضغوط. لكن الوضع الآن مختلف؛ فالأغلبية الساحقة لصالح حماس وعليها تشكيل الحكومة. وهي تستطيع تشكيل أي حكومة مع فتح أو غيرها. لكنها ستفضل إشراك الآخرين مع سيطرتها على الحكومة في الأرجح، وفي حال حصول ائتلاف حكومي، فالمرجح استمرار المساعدات والتواصل مع الغرب بشكل أسهل. لقد كان من أكثر الشعارات البراقة: لا مفاوضات مع المحتل اليهودي، ولا حوار إلا بلغة السلاح. وقد عانت حماس في سبيل ذلك الكثير؛ فهل ستبقي هذا الشعار مرفوعاً وقد يقودها إلى عزلة دولية وعربية أيضاً؟ أم هل ستبدأ بتقديم تنازلات فتفقد ثقة الشارع الفلسطيني والإسلامي؟
الحفاظ على الهوية: حركة حماس حركة إسلامية في الأساس، وأمامها مهمة إعداد برامج للقيام بمهمة الدعوة الإسلامية بصورة متدرجة، حيث تزرع في المجتمع لَبِنات المجتمع المسلم الصالح وبقاء هذه البذور حتى في حال سقوط حماس ـ لا قدر الله ـ سياسياً وعدم تمكنها من الاستمرار في المجلس التشريعي، وقريب من ذلك، دراسة مستفيضة لكيفية إزالة المنكرات التي توجد في المجتمع من آثار السلطة والجهل وغيرها.
ماذا سيكون مصير شعار فلسطين من البحر إلى النهر: التصريحات القديمة عن تحرير فلسطين وكامل تراب فلسطين ما هو مصيرها؟ نحن نعلم أن حماس ستبقى محافظة على هذا الأصل، لكن قد تضطرها المرحلية إلى استخدام خطاب جديد ربما لا يفهمه عامة الناس أو ربما يستغل في الحرب ضدها.. فهل ستحافظ على شعاراتها أم تجبر على التخلي عنها وتتحمل تبعاتها السياسية والشرعية المحظورة وتتغير لا قدر الله شعارات أرض فلسطين أرض إسلامية مباركة، اغتصبها الصهاينة عنوة، ومن واجب المسلمين الجهاد من أجل استرجاعها وطرد المحتل منها؟.. والحركة تقول إنها «ليست ضد مبدأ السلام، فهي مع السلام وتدعو له، وتسعى لتحقيقه، لكنها مع السلام العادل الذي يعيد الحقوق للشعب الفلسطيني ويمكنه من ممارسة حقه في الحرية والعودة والاستقلال وتقرير المصير» مما يفتح الباب أمام الاحتمالات التي سيقال يومها إن المصلحة اقتضتها، وأنه حتى لو كان ذلك في وقت من الأوقات من قبيل المحظور الفقهي، فإن الضرورات قد تبيح المحظورات في أحيان كثيرة، وحسناً تفعل حماس الآن في تأكيدها أنها لن تعترف بإسرائيل مطلقاً (١) .
الوضع الفلسطيني فريد من نوعه من حيث الصعوبات: فليس هناك ثمة دولة بالمعنى الحقيقي؛ فالسيادة للدولة اليهودية التي تسيطر على أكثر الأرض وتسيطر على الماء والكهرباء والاتصالات والمعابر والجمارك والأمن والجواسيس، كما أنها لا تمثل حكماَ ذاتياَ في ظل هذا الاحتلال الذي عمل على صياغة البلد معتمداً بالكامل عليه يدخل من شاء ويقتل من شاء ويعتقل من بقي، أي أنه احتلال (ديلوكس) بحسب تعبير شلومو غازيت قائد استخبارات الجيش الصهيوني سابقاً. ومن سيضمن أمن قادة حماس ومسؤولي السلطة من طائرات الأباتشي والاغتيالات؟
من المشكلات المعقدة سلوك حركة فتح: التي ربما يسعى جزء منها إلى إفشال التجربة بكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع، وسيكون عماد تحركها هو العمل على استمرار السيطرة على مفاصل السلطة، وعدم السماح لحماس بإحداث تغيير جوهري فيها، وهذا يعني أن غُنمها سيكون لفتح، بينما غُرمها أمام الناس على حماس. والأخطر من هذا كله: هل هناك من يسعى إلى التخطيط للانقلاب على الانتخابات مثلا؟
ماذا لو قامت كتائب الأقصى أو حركة الجهاد ببعض العمليات العسكرية لأي سبب من الأسباب: هل سيكون موقعها كموقع حماس من السلطة سابقاً؟ فمتطلبات أوسلو تؤكد على مطاردة الفصائل وتفكيك بنيتها التحتية.
الاتفاقيات الدولية: حركة حماس التي رفعت بنيانها على أرضية راسخة من المبادئ والقيم وتحملت في سبيل ذلك ضغوطات تنوء بثقلها الجبال، هل يمكن أن تميل عن مسارها أو تلين لبعض الضغوطات؟! كالاتفاقات والأعراف الدولية والإقليمية التي أبرمتها السلطة عبر السنين وبعضها مخالف لنهج المقاومة.
تحدي التمويل: من التحديات الضخمة قضية توفير الأموال اللازمة لدعم السلطة القادمة وبرامجها؛ فمن أين ستأتي وما هي مصادر التمويل؟ (٢) . الموارد المحلية ضعيفة جداً والميزانية تعتمد بصورة كبيرة على دعم الدول المانحة العربية والإسلامية، فضلاً عن أوروبا وأمريكا أو مواردها التي تتم عبر الدولة المحتلة، أضف إل ذلك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالمحتلين في عدة مجالات أساسية، وللأسف فقد ساهمت السلطة السابقة بربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني، فربطت بذلك مصير آلاف العائلات بمعبر إيريز والمناطق الصناعية المحيطة به، فأصبح اقتصاداً تابعاً (مع عدم توفير فرص عمل) ، فهل يمكن التعويل على الدعم العربي غير المنتظم والمحدود والحذر؟ ونحن نعلم أن كثيراً من المساعدات مشروطة.
الوضع الاقتصادي معضلة حقاً: فـ (حماس) السياسة ستأتي إلى بلد بنيته التحتية مدمرة، وهي مطالبة بتوفير حلول على الأرض للمواطن البسيط: في مأكله ومشربه، وعلاجه وتعليمه، ومشكلاته اليومية المتشابكة، في ظل وضع حرج واقتصاد منهار وبطالة عالية، وفساد إداري ومحسوبية.. وتحت حراب الاحتلال المشرعة، وخناجر المنافقين المتربصة. سيكون مطلوباً من حكومة حماس أن تكون حكومة المواطنين الفلسطينيين كلهم، وأن تترجم حربها الإعلامية إلى خطوات ملموسة على الأرض، وعندئذ هل يمكن أن نتصور أن يقف طابور الفاسدين متفرجاً على مشاهد القضاء عليه؟ هناك نحو ١٥٠ ألف موظف ينتظرون رواتبهم في نهاية الشهر؛ فماذا ستفعل؟ ربما تمضي سنتان أو ثلاث قبل أن تصل حماس بالوضع إلى مرحلة الصفر. وهناك فساد متفش جاء عبر تراكم الاحتلال الطويل ثم فساد السلطة الذي زكم الأنوف، وهذا سيستدعي جهوداَ طويلة قد لا تظهر نتائجها قريباً.
كما أشرنا قبل قليل، حماس غير مقبولة إقليمياً أيضاًً؛ فهي وسط نشاز في محيط عربي مخالف يعيش في أوضاع مختلفة منها الفلك الأمريكي.. فكيف ستكون العلاقات معها؟
صلاحيات المجلس التشريعي: فهو أحد المؤسسات التي أفرزها اتفاق أوسلو ولا يملك أي صلاحيات تفوق سلطات الاحتلال (١) . وكون العدو يعتبر اتفاقية أوسلو ميتة عملياً، فإن ذلك يعني أنه غير معني بالالتزام بها، ولا يعني ذلك أبداً أن الفلسطينيين في حِل منها، ولنا في أسلوب تطبيق اتفاقية الهدنة لعام ٢٠٠٥ خير مثال. ربما يعمد البعض إلى معادلة خطرة تتمثل في منح حماس حكومة مفرغة من مضمونها، بينما قد تؤدي محاولة حماس إحداث تغيير سريع في الوضع (وهو مستبعد) إلى ردة فعل عنيفة قد تصل حدود انقلاب على شاكلة الانقلاب الجزائري، سواء أكان مباشرة أم من خلال الاحتجاج بتضارب الصلاحيات مع الرئيس المنتخب، وهو قائد فتح عملياً، وهو الأمر الذي قد يفضي إلى حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ استناداً إلى حساسيات الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.
وهناك أيضاً كوم آخر من الملفات الصعبة والشائكة: وأكثرها من موروثات سلطة فتح: بعضها كبير وبعضها كبير جداً، كمشروع الدولة الفلسطينية، وملفات اللاجئين وحق العودة، ملف القدس، ملف الأسرى في سجون الاحتلال ذلك الملف المؤلم!! كيف ستجفف المصادر المالية للفاسدين ويطبق مبدأ: من أين لك هذا؟ وأموال الشعب التي اختفت بعد عرفات، ملف إطلاق سراح الأسرى السياسيين في أريحا وغيرها، ملف العلاقات وفتح الحدود مع مصر واتفاقية اقتصادية مع مصر، ملف الوظائف الوهمية التي تبلغ أكثر من ٢٣ ألف وظيفة تضخ أموالها في جيوب الفاسدين، ملف إعادة رسم السياسة الإعلامية الفلسطينية وإصلاح وتأهيل وسائله خصوصاً التلفزيون، رفض اتفاقية معبر رفح وإلغاء تحكم أي قرار صهيوني في المعبر، ملف المياه الفلسطينية المنصبة بأمر أحد المسؤولين المعروفين إلى مستوطنات العدو، قانون منع التحريض وأي قانون تطبيعي مع الكيان الصهيوني، ترميم العلاقات مع البلاد العربية والإسلامية، كيف سيكون التعامل مع الفصائل الفلسطينية الأخرى؟ هل ستنفذ قواها العسكرية عمليات هي الأخرى؟ هل ستتصدى للفصائل الأخرى؟ ما علاج فوضى انتشار الأسلحة واستخدامه في كل الاتجاهات؟ كيف ستتصدى للمشكلات الاجتماعية الاقتصادية والمالية في ظل الفساد المستشري؟ وكيف ستواجه المافيات المنتشرة في كل مكان؟ كيف ستتعايش مع المؤسسات المسيطر عليها من قِبَل الآخرين؟
حقاً إنها أسئلة كثيرة تمثل تحديات ضخمة أمام حركة حماس يترتب على كل إجابة وسياسة وموقف نتائج ستؤثر على كل شيء في إطار مواقف إستراتيجية وعلاقات الحركة مع دول عربية وإسلامية وحركات وقوى سياسية مختلفة كانت داعمة لها.
\ هل تدخلنا أمريكا في لعبتها الديمقراطية؟
نعود للحديث قليلاً عن خطر آخر بحاجة إلى حنكة سياسية عالية ألا وهو لعبة الانتخابات لأهمية الموضوع والتنبيه على الدور الأمريكي كنوع من التحديات الخطرة: فالولايات المتحدة تخطط منذ فترة في عالمنا لمشاركة الإسلاميين في لعبة الانتخابات حيث يمكن إشراك (أو جرّ) الإسلاميين للمشاركة في العمل السياسي والانخراط في مؤسسات المجتمع المدني، وبذا يمكن تحقيق عدة أهداف: منها تعزيز التوجه السلمي، ودعم الحركات المعتدلة في وجه الإسلام المتطرف أو المسلح، والإشغال في مجالات حياتية أفرزتها أنظمة مستبدة فاسدة حيث يستغرق السعي في محاولة إصلاحها جهوداً ضخمة لا يمكن تغييرها في سنوات قليلة (١) . ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية السابقة كان من أوائل المشرفين عليها القس جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق. لعل من المريب ما أعلنت عنه إحدى الجمعيات المقربة من الإدارة الأمريكية عن دعم إحدى حملات حركة فتح الانتخابية برشوة صغيرة قدرها ٢ مليونا دولار، ولا شك أن مجرد الإعلان هذا جلب نقمة الناس. لا نقول هذا للتخويف أو لتكريس نظرية المؤامرة، فأمريكا لا تقول للشيء كن فيكون، وقد تتمكن حماس بإذن الله من قلب السحر على الساحر والاستفادة من هذه المعادلات، ولكن المهم هو التنبه والحذر الدائم.
يحق للبعض أن يتحدث بصوت عالٍ حين يدعو إلى التفكير ملياً فيما تخطط له الإدارة الأمريكية ومشاريعها لحماية أمن العدو، كيف لا ونحن نرى أن ذلك يمثل ركيزة المشروع الأمريكي في المنطقة؟ وسيذكرنا ذلك البعض بحجم التنازلات التي قدمها ياسر عرفات مما يملك وما لا يملك، وعرفات لم يكن إسلامياً بل معروفاً بنهجه العلماني كما صرح علناً للعالم في الأمم المتحدة وغيرها، فلا يمكن اعتباره عدواَ للنهج الغربي أو الديمقراطي. كل هذا لم يشفع له، فغدا رئيساً غير مرغوب فيه أمريكياً فحرمه بوش من شرف مقابلته!! وبقي حبيس حجرة أو بعض حجرة، سجيناً فيها لفترة طويلة. كيف تسمح إذاً الولايات المتحدة ـ ومن ورائها الدولة الصهيونية ـ لمنظمة (حماس) الإرهابية بخوض الانتخابات والوصول إلى المجلس التشريعي أو الحكم؟
قد لا تكون هي الصورة المثلى التي تريدها الإدارة الأمريكية، فهي تريد ديمقراطية «عميلة مستوردة» كما في أفغانستان والعراق، ولا تحبذ مطلقاً الديمقراطية الجزائرية التي قادت حزب جبهة الإنقاذ إلى ذلك الفوز الساحق (كحال حماس الآن) . ولا مانع لدى الغرب وأمريكا من الإطاحة بالديمقراطية إذا لم تعجبهم؛ فقد أيّدت أمريكا المسعى الفرنسي لإبطال نتائج الانتخابات الجزائرية التي فاز بها الإسلاميون فوزاً ساحقاً، وصرّح وزير خارجيتهم آنذاك (جيمس بيكر) بأنّ بلاده ترفض قيام (إسلام سياسي) حتى وإن جاء بالطرق الديمقراطية الانتخابية؛ لأنّ ذلك يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية وللدول الموالية لها وللسلام العالمي. وكذالك الأمر عندما فاز حزب الرفاه في تركيا عام ١٩٩٥م فدعمت الانقلابيين ضده كي لا يصل الإسلاميون حتى بالطرق الديمقراطية، إنه المفهوم الأمريكي ذاته. كما أطاحت أمريكا بعدد من الديمقراطيات في أمريكا الوسطى والجنوبية (٢) . لا شك أن هناك معضلة؛ فكيف ستتعامل أمريكا الآن مع سلطة تدعو في دستورها إلى تدمير (ربيبتها) ؟ ولكن المعضلة الأكبر عندهم ما جرى خلال الانتفاضة من تهديد أمن الصهاينة وتنامي الروح الجهادية لدى الشعب الفلسطيني والمناطق المجاورة. فهل يمكن لمثل هذه الحملة الديمقراطية التي تسوِّقها الولايات المتحدة والغرب أن تساهم في حل المعضلة الأكبر؟
نقف لنتذكر هنا التخطيط الغربي ورسم الأهداف والاستراتيجيات، ونتذكر تعليق الصحابي الجليل عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ وهو يعلق على حديث رسول الله #: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» ، حيث يقول عمرو: «إن فيهم لخصالاً أربعاً فذكر منها: إنهم لأحلمُ الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كَرَّة بعد فرة..» (٣) ، إنها صفات تدل على قوة التخطيط وعمقه، فهم ينظرون إلى المستقبل البعيد وسياسة التدرج والخطوة خطوة.. ونحن في الغالب نفكر في اللحظة الراهنة والفعل الآني وردة الفعل والدفاع عن النفس.. فتحجبنا هذه الرؤية عن الخير المستقبل أو الشر الواقع ولا ندرك الأمور إلا بعد فوات الأوان.
عود على بدء: نقول إن أمريكا تريد الديمقراطية المفصلة لمصالحها ومصلحة أمن الصهاينة، وكما ذكر «المعهد الملكي للشؤون الدولية» في لندن في دراسة له عن نظام العلاقات الأمريكية الدولية مؤدّاها أنّه «بينما تقدم الولايات المتحدة خدمة «لسانية» للديمقراطية فإنّ التزامها الحقيقي هو لـ «مشروعات الرأسمالية الخاصة» وعندما تتعرض حقوق المستثمرين الأمريكيين للتهديد فعلى الديمقراطية أن ترحل ولا بأس أن يحل محلها حكّام التعذيب والقتل» . فهل بعد هذا سيصدّق أحد أنّ أمريكا ملتزمة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ وماذا سيكون لو أوصلت هذه الديمقراطية الإسلاميين إلى الحكم في جميع الدول (٤) ، وخاصة أنه أمر طبيعي في ظل ظروف الكراهية المتنامية ضدّ أمريكا؟
وفي موضوع ذي صلة ولمزيد من التأمل، يربط بعض المراقبين ما حدث بنشاط حركة الإخوان المسلمين مؤخراً في عدد من البلدان في مجال المشاركة السياسية والانتخابات، ويتحدث من جهة أخرى عن فتح قنوات مع أمريكا وأوروبا: ففي لبنان تحدثت تقارير صحفية عن عقد لقاءات بين حركة حماس وبعض موظفي المخابرات الأمريكية. وفي مقابلة مع قناة الجزيرة أجرتها مع المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية علي صدر الدين البيانوني لم ينف وجود اتصالات مع الأمريكان والأوروبيين، ويشير بعض المراقبين في هذا الإطار إلى مشاركة الإخوان في العراق في العملية السياسية وخوض الانتخابات مؤخراً.
\ اللعبة السياسية: مخاوف - آمال - اقتراحات:
تقف (حماس) السياسة اليوم في مواجهة هذا المنعطف التاريخي عشية فوزها، وفي ظل ظرف بالغ الصعوبة قد يكون أهونها غياب بعض أهم قادتها التاريخيين الذين رسموا ملامح مسيرتها على مدار سنوات الجهاد. ولا شك أن المطالب الآن ليس من حماس وحدها وإنما أيضاً من الشعب كله بفصائله، بل المطلوب من الأمة كلها قبل ذلك أمور كثيرة وكبيرة، ولكن الكرة الآن في ملعب حماس قبل غيرها لتحمل راية الحلول والمبادرة بمد يدها إلى الأمة؛ فهي التي اتخذت القرار. إن إنجاح الانتفاضة الفلسطينية مسؤولية الجميع، وخذلانها جريمة تاريخية لا تغتفر.
ومثل هذا المقال لا يقدم برنامجاً ولا حلولاً تفصيلية، وإنما هي خواطر نذكِّر أنفسنا وإخواننا بها، نعتقد أن الإخوة في (حماس) يعلمونها كلها ويعملون بها جيداً؛ فقد أثبتوا أداءً وكفاءة عالية بفضل الله، ولكنها تذكرة ومشاركة:
أهم الخيارات الملحة تقوية الجبهة الداخلية، ولذلك طرائق شتى منها أولاً العلاقة مع أقرب الفصائل وهي حركة الجهاد والتيارات الإسلامية الأخرى كالسلفيين، هؤلاء الإسلاميون أقرب الناس لحماس فلا يجوز أن تخسرهم أو تستعديهم، حتى لو كانوا أقل عدداً، ولتحذر من داء الحزبية فلا تهمش ولا تهمل ولتكن كالطبيب. ونحن نؤكد على قاعدة ذهبية مفادها أنه (لن يأتينا النصر والتوفيق أبداً ونحن متفرقون مختلفون مهما بلغت قوتنا) ، فالإسلاميون غير الأنظمة والتيارات الأخرى.
يتعين على «حماس» مد اليد للجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم، وأن تعلي من شأن الالتزام بالقضية وتعتبره مقدماً على الالتزام بالحركة، فهي فصيل مهم جداً لكنه ليس الممثل الوحيد. والتوافق الداخلي نهج ينبغي أن تعض عليه بالنواجذ، ولا يتحقق بفرض طرف برنامجه على الآخرين، وإنما باستعداد كل الأطراف للقاء، وإذا كانت قضية المقاومة والتحرير والملف السياسي على رأس أولويات العمل، فذلك يعني تراجع أي شأن آخر لإتاحة الفرصة للتركيز على ذلك الملف. والتوافق يفترض ألا يمثل فقط التقاء على المشاركة في السلطة، بل الأهم أن يعبر عن اتفاق حول ترتيب الأولويات، وتحديد القضايا الأساسية التي ينبغي التركيز عليها في المرحلة الراهنة واللاحقة.
سيكون من أهم القرارات الأولية ضبط الانفلات الأمني الذي شهده الشارع الفلسطيني أكثر من مرة وآخرها ما قام به بعض مؤيدي فتح بصورة مشبوهة، فلا برامج ولا عيش يهنأ بدون أمن. وهناك أطراف كثيرة تملك أسلحة مما لا ينبغي حيازتها إلا للتنظيمات المسلحة. وينبغي أن يكون هناك حذر شديد في البداية لقطع الطريق على الموتورين الذين سيسعى بعضهم إلى ارتكاب بعض إشكالات لإحراج حكومة حماس، وربما يسهم البعض في اتفاقات مع العدو لهذا الغرض، ووراء الأكمة ما وراءها، لذا فإن تنظيف الساحة الداخلية من العملاء أعداء المجاهدين هدف كبير وأساسي.
السعي لتشكيل لجنة وطنية تتشكل من رموز فلسطينية من الداخل ومن الشتات (لتأكيد حق العودة) تأخذ على عاتقها إدارة العملية السياسية، مطلب مهم وذلك ضمن رؤية لا تقل عن دحر الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة اللاجئين والإفراج عن المعتقلين، وتفعيل القضية عالمياً لوضع الكرة في ملعب الصهاينية.
ملف المقاومة، وهنا لا بد من توفير إجماع وطني عليه، بصرف النظر عن السلوك الصهيوني المقابل وإمكانية أن يمضي في الاتجاه الذي اختطه شارون وتبناه خلفه (أولمرت) ، أي الانسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية وحشر الفلسطينيين في تجمعاتهم شرق الجدار.
في حُمّى الاجتماعات السياسية التي تتم الآن بلا كلل لمواجهة التحديات القادمة، لعل الإخوة قد قاموا بتشكيل مجالس ولجان مختلفة بعضها لإدارة الأزمات وأخرى متخصصة في السياسة الشرعية وثالثة إعلامية، وغير ذلك.. يتمتع أعضاؤها بالكفاءة والحكمة.
أهدافنا لا بد أن تبقى أمام أعيننا فلا نغفلها، والتدرج في نشر ودعم الدعوة للخير والفضيلة بين الناس ضروري، فلا يصلح أحوال الناس مثل قربهم من ربهم ـ سبحانه ـ وامتثال شرعه. وهناك خيط رفيع أحياناً بين الأهداف والمبادئ، وبين التنازلات التي تبررها الواقعية، يمكن أن تؤدي إلى أضرار بالغة في المدى البعيد.
التأني في القضاء على ركائز الفساد المالي والإداري الذي عشش طويلاً في أركان السلطة (١) .
في مرحلة لاحقة يأتي الحديث عن ضبط التحالفات والعلاقات والتوازنات المحلية والإقليمية؛ وهذه كلها ملفات ضخمة وكبيرة، ولا نعني تأخيرها زمنياً، وإنما من حيث ترتيب الأولويات.
الاستفادة من تجربة الحركات الإسلامية والعمل السياسي الإسلامي؛ فهناك تجارب ضخمة قامت في عالمنا العربي على وجه الخصوص كالجزائر وسورية ومصر والتجربة التركية والسودانية وغيرها كيف يمكن الاستفادة منها؟ ونحن نسمع أن الإخوة في حماس قد نظروا إلى هذه التجارب واستخلصوا منها العبر، ونتمنى حقاً أن نرى شيئاً من هذه الدراسات ليستفيد منها الجميع. وإلحاقاً بذلك يمكن الدعوة إلى تشكيل مجلس استشاري من إخوانكم في العالم الإسلامي، وهناك خبرات كبيرة لا بد من الاستفادة منها. فعلى الجميع ومنهم حماس السعي لإيجاد آليات التواصل مع العلماء والدعاة والحركات الإسلامية المنتشرة في العالم الإسلامي وهم رصيدنا الحقيقي.
البحث في طرق الاستفادة من طاقات الأمة وكفاءاتها المتفرقة والمنتشرة بدءاً من أهل الرأي وانتهاء بأصحاب الطاقات الفنية والتقنية الذين يتمنون المشاركة في الخير وفي فلسطين خصوصاً. ورغم أهمية العلاقات والاتصالات مع الأنظمة والحكومات إلا أنها تمثل فيما يبدو إحدى الحلقات الضعيفة، وقد كانت تاريخياً أحد العوامل التي أثرت سلباً على مسار القضية فلا يراهن عليها، ولو كان هناك موقف عربي جيد متماسك وقوي لاختلف الأمر ولتغيرت الخرائط ولكنها تبقى مرتهنة. فلو قررت أميركا وأوروبا وقف المساعدات لحكومة حماس فماذا سيكون موقف العالم العربي: هل سينضم إلى المقاطعة، أم يحاول مد يد العون بصورة أو أخرى؟
يمكن حل بعض الإشكاليات عبر جملة خطوات إذا كان لا بد من عملية سياسية تتواصل؛ فمن جهة يمكن استعادة الحديث عن إحالة مرجعية التفاوض إلى منظمة التحرير بعد تشكيلها بأسس جديدة تستفيد من تجربة التفاوض الطويلة، فضلاً عن توزيع القوى الجديدة في الساحة الفلسطينية. كما يمكن الاستفادة من النَّفَس الديمقراطي بإحالة بعض الموضوعات للاستفتاء الشعبي كي يصوَّت عليها وبعدها يمكن الحديث والتفاوض.
على صعيد التحديات السياسية، فالأعداء والمتربصون من الداخل والخارج كثر، وهناك منافقو الداخل الذين كشروا عن أنيابهم، وهناك العدو الماكر الذي سيسعى بدهاء لاستدراجكم للوقوع في فخ التنازلات بتدرج، أعانكم الله على كيد الكائدين. فاستمروا في مواقفكم الرائعة، واحذروا من الاستدراج إلى مقولات الاعتراف بالدولة العبرية التي يرددها قادة الغرب والشرق؛ إذ إن الصهاينة هم الذين يجب أن يعترفوا بالحقوق الفلسطينية، وينفذوا قرارات ما يسمى بـ (الشرعية الدولية) ، وحين يفعلون ذلك فلكل حادث حديث.
أهمية التأني في صياغة الخطاب السياسي خصوصاً مع الولايات المتحدة وأوروبا؛ فالأمر بحاجة إلى تأمل وضوابط وإتقان فَهْم للغة الغرب وأصول اللعبة الديمقراطية و.. و..
سياسة التصريحات: ترتكز السياسة المعاصرة على التصريحات والمقابلات والبيانات، والسياسي المسلم يبقى دائماً مرتبطاً بأصوله الشرعية فهو ليس كغيره، قد يتحدث بلغة المصالح والموازنات بل والواقعية، لكنه أبداً يبقى مشدوداً إلى منهجه العظيم، فلا تحرفه البراجماتية السياسية ولا تجرفه الميكيافيلية، وحين لا يصرح مثلاً بإسلامية الدولة، فإنه يعرف حدود تصريحاته وأثرها على الناس، ويوصل رسالته صريحة واضحة دون غبش. إن الكلمة لها قيمة أيما قيمة، وأنتم الآن ينظر لكم في مكانة سامقة والأنفاس محسوبة. ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أهمية الرقابة الداخلية على تصريحات المسؤولين لوسائل الإعلام وحصرها في عدد محدد؛ فبعضهم يصرح بتصريحات غريبة بعضها قد يكون محرجاً للحركة!! وقد يكون الأنسب في حق أولئك التقليل من التصريحات. وبعضٌ آخر عليه أن يخفف من سيل الوعود والأحلام التي يعطيها بلاحساب. مثال: لم يكن مناسباً أبداً تصريح أحد المسؤولين البارزين في نابلس يوم ٣٠/١/٢٠٠٦ بأن الحركة لا تريد تدمير الدولة المحتلة أو إزالتها عن الوجود، ربما كان الكلام صحيحاً من الناحية الواقعية ولا أحد يطالبك بأن تقول إننا سندمرهم، ولكن ما الداعي لمثل هذه التصريحات المجانية من أول يوم؟
عدم وجود تجارب سابقة لدى حماس ربما يفضي إلى مزيد من العبء، ولكنه يستدعي استنهاض الجهود في الأمة ورص الصفوف والتشاور مع الإخوة ومد اليد بصورة عملية للإسلاميين والكفاءات في كل مكان.
لحماس أن تفرق بين استحقاقات الضرورات وقضاء الخيارات؛ فثمة ضرورات يمكن أن تنهض بها أطراف أخرى غير الحكومة (منظمة التحرير مثلاً) ، وإذا استحكمت الضرورات ولم يكن هناك مفر من التعامل معها، فقد تجيز المحظورات، حسب القاعدة الشرعية المعمول بها، ولـ «حماس» أن تهتدي في تعاملها مع مختلف الملفات بالقواعد المتعارف عليها عند الأصوليين في التغيير، التي تراعي سنة التدرج فيما يراد تغييره، وتدقق في الموازنة بين المصالح والمفاسد، أو بين المفاسد والمفاسد، وقاعدة اختيار أخف الضررين وأهون الشرين (١) .
التركيز على استخدام مصطلح الشعب الفلسطيني قد يكون أفضل من الإكثار من مصطلح حماس بسبب حساسية البعض.
الحديث السياسي دائماً من سقف مرتفع؛ فأنتم حركة مقاومة قوية وكبيرة وقد اختاركم الشعب بأغلبية ساحقة، فلستم منظمة صغيرة لا جذور لها ولا رصيد، كحال بعض المنظمات التي هي مجرد ظاهرة صوتية، والسقف المرتفع يفيد في المناورة، ونحسب أنكم تفقهون هذا وتمارسونه إن شاء الله.
التركيز على النشاط الإعلامي لتحسين الصورة والوصول إلى التأييد الداخلي والخارجي وفك الحصار والحصول على الدعم بل والإسراع في إنشاء محطة بث تلفزيوني فضائي سيكون له أثر بالغ.
هل يمكن لحماس أن تقوم بمشروع لشق صف المعادين لهم بطريقة ذكية؟ لقد كان لنعيم بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ دور كبير في شق صف العدو والتخذيل فيه، خطوة كهذه ستختصر مسافات كثيرة.
تفعيل الشعوب العربية والمسلمة في أشياء كثيرة منها: البحث في كيفية المساهمة في كسر الطوق الإعلامي عن حماس في البلاد العربية خصوصاً الدول المجاورة، وتفعيل الدعم المالي لحماس والشعب الفلسطيني، والناس عادة يدعمون في المصائب والمآسي بصورة أكثر.
وعلى حماس وغيرهم أمور كثيرة من الانتباه للمخاطر القادمة من العدو ومخططاته لتهجير فلسطينيي الأراضي المحتلة عام ٤٨ (مشروع الترانسفير) وتوعية المسلمين بهذا الخطر الداهم وطرق مواجهته.
وعليهم الحذر من الوقوع في الشراك الدولية التي تريد سحبها وسحب غيرها إلى التنازلات وإيجاد شريك فلسطيني في العملية السياسية، لإضفاء غطاء من المشروعية السياسية والشعبية لشريك فلسطيني مستعد وقادر على تقديم التنازلات التي يطلبها العدو.
كان مما مضى بعض التساؤلات والاستفهامات التي تدور في أذهان إخوانهم الإسلاميين ويريدون الإجابة عنها دون استخدام لغة السياسيين المبهمة أو التصريحات المتناقضة! وتصورات الإخوة في حماس وأدائهم متفوق حتى الآن بفضل الله. إن خطأ الآخرين خطأ ... وخطأ الإسلاميين خطيئة! فخطؤهم لا يعني خسارة دورة أو اثنتين في المجلس؛ بل قد يجيّره البعض للصد عن سبيل الله ـ عياذاً باللهَ! ـ فاللهَ اللهَ في هذا الثغر العظيم، ومواقفكم الآن لها ما بعدها، فأنتم معقد آمال الأمة. ونحن نعتقد أن في إخواننا من يستطيع إدارة الدولة خيراً من كثير من غيرهم.
\ وأخيراً..
فالله ـ سبحانه ـ وحده يعلم ما ستسفر عنه هذه النتائج الكبيرة، ولعل من المناسب طرح ودراسة كافة الاحتمالات والتوقعات استراتيجياً وتكتيكياً، وحتى لو كانت هناك توقعات أو احتمالات سلبية فلا بد من دراستها بصورة متأنية، فهل ستسير الأمور بصورة طبيعية؟ وفي حال وجود العقبات لاحقاً: هل الأفضل الاكتفاء بوجود قوي في المجلس التشريعي يمكن من مراقبة أداء السلطة الداخلي والخارجي ومحاولة حماية مكتسبات الحركة، وفتح ملفات الفساد؟ تُرى هل سيكون فرصة لفتح لمراجعة حساباتها فتكون خسارتها تكتيكية فقط وتعود بصورة أقوى بعد انشغال حماس في ملفات وتعقيدات السلطة؟ هل ستُضرب شعبية حماس ـ لا قدر الله ـ ضربة مفصلية في الشارع الفلسطيني بمقدار ما قامت تلك الشعبية على ابتعاد حماس عن مستنقع العملية السياسية، ومنها بالطبع أوسلو وأُطُرها؟ هل ستستفيد فتح في تحقيق شيء من المشروعية لبرامجها ومنها العملية السياسية وإعادة إحياء الأمل في العملية السياسية في الشارع بعدما وصلت إلى طريق مسدود في السنوات الأخيرة؟ أم هل ستجد إسرائيل ما ينسجم في النهاية مع المطلب الصهيوني؟
انتصار حماس انتصار للأمة، وفي حال فشل التجربة ـ لا قدر الله ـ أو في حال تكبلت حماس ببروتوكولات سياسية ودولية، أو لم تستطع المقاومة بقوة أو لم تلبِّ الحد الأدنى من مقارعة العدو؛ فالمتوقع أن يفتح هذا الباب أمام فصائل أخرى مثل حركة الجهاد التي نأت عن المشاركة منذ البداية ويظهر للشارع الفلسطيني أن قرارها كان صائباً أن يقوى دورها، وكذا الحال لغيرها من الفصائل الساخطة ككتائب الأقصى بقياداتها الشابة بعد مراجعاتها، ولربما يتعزز أيضاًً دور جهات أخرى جديدة من خارج فلسطين، أو من خلال تيار شبابي داخل حماس نفسها وهي ذات أهداف وتاريخ جهاديي أيضاً وربما يكون هذا دافع لعدد من الشباب للانخراط في حركة الجهاد هذه، خاصة إذا استمرت في التركيز على البناء العسكري والتجهيز والبناء الدعوي. وربما انتقل الصراع إلى مرحلة جديدة، فالحسابات المحلية والدولية في هذه المنطقة دقيقة جداً، واللاعبون والفاعلون الدوليون ينحصرون في حالتنا بالمقاومة الإسلامية في حين أن الأنظمة العربية بعيدة عن ذلك.
\ واجبات وحقوق:
هناك حقوق وواجبات كثيرة علينا تجاه إخواننا في حماس، واجب الولاء والنصرة والدعم بغض النظر عن أي اجتهاد للمشاركة في الانتخابات؛ فالآن المطلوب هو الوقوف معهم يداً بيد. وكل مسلم يعي دوره يعلم أنه يجب عليه دعمهم ومؤازرتهم. ولتعلم حماس أن المسلمين سيدعمونها طالما بقيت محافظة على أهدافها ومبادئها السامية. والإخوة في حماس يؤكدون على أهمية التواصل والدعم بكل الوسائل مالياً وإعلامياً ونصحاً؛ فهناك حرب إعلامية شرسة؛ فماذا على الأمة أن تفعله وهي المعنية وليست «حماس» فقط؟
- لحركة الجهاد نقول: إن الواجب الآن التركيز على وحدة الصف أكثر من أي وقت مضى، ووضع يدها في يد حماس والتفاهم في مواقفهما، فأهدافكم وغاياتكم العليا واحدة وإن اختلفت الوسائل، والعدو ماكر، وهو يسعى الآن بصورة أكبر من ذي قبل لقتل مسؤولي الجهاد وتعقبهم في كل المدن، وقد رأينا مقتل عدد منهم، ولعل من مقاصد العدو أيضاًًُ إرسال رسالة لحركة الجهاد بأنها أصبحت خارج إطار اللعبة السياسية.
- وللقوى الوطنية نقول: أنتم مطالبون أيضاً بأن ترتفعوا فوق الخلاف، ولا بد أن تظل عند التزامها بمقاومة العدو والتحرير، فليس هذا وقت الشماتة في أحد أو تصفية الحسابات، والمقاطعة الآن ليست موقفاً من حماس وإنما تخلٍّ عن المسؤولية في ظرف تاريخي دقيق، وإخلاء لجبهة لا يزال القتال فيها مشتعلاً، ومن ثَم فالتعاون مع حماس بالمشاركة أو غيرها يمثل استمراراً للمقاومة من موقع آخر، وإسداء النصح لها ضرورة تفرضها المسؤولية
- ولكافة الشعب الفلسطيني نقول: لتكن أقرب إلى الله سبحانه؛ منكم تعلمنا الصبر والمجاهدة، قد تُبتلون بالاستمرار في اللأواء والفقر والتجويع؛ فاصبروا قليلاً وتذكروا حصار أسلافكم في المدينة المنورة حين حوصروا وربطوا الحجارة على بطونهم. كان اختيار حماس هو خيارك، فقد انتخبتَ حركة مجاهدة صادقة هي منك وأنت منها، وليس هذا بغريب على هذا الشعب المرابط المجاهد، فلم تخذلها في المراحل السابقة، فكن معها في باقي الطريق فستجد الخير إن شاء الله.
- أما أمتنا المسلمة: فعليها واجبات كثيرة، وهي تستطيع القيام بأمور كثيرة بعضها مهم جداً.
إن واجبنا في هذه المرحلة جميعا أن نقوم بالتالي:
- التأكيد على أن القضية الفلسطينية قضية جميع المسلمين، وأن التفريط فيها أو إضعافها تفريط وإثم.
- بث روح الولاء والبراء ووجوب نصرة المسلمين بعضهم بعضاً، وقد قال النبي #: «المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه ولا يظلمه» .
- لا بد من تفعيل الدعم الجماهيري والشعبي في الأمة المسلمة كلها من خلال خطب الجمعة ولقاءات العلماء ووسائل الإعلام المختلفة. إن تقوية الجبهة الإسلامية الشعبية وتوعيتها بالمخاطر الناشئة عن الوقوع في شَرَك استفزازات الغرب الصليبي اليهودي، مطلب مهم أهم من مواجهة الخارج؛ لأن الجبهة الداخلية الإسلامية إذا كانت قوية ومدركة لدورها ورسالتها ولما يريده العدو فستبطل كيد الأعداء، وتفشل مخططاتهم وتذهب كيدهم؛ إن كيدهم كان ضعيفاً.
- حث حكومات العالم الإسلامي على التوقف عن التصريح أو التلميح بالسلام مع العدو اليهودي، وأن تراقب تلك الحكومات الرأي العام الشعبي الرافض للسلام مع اليهود، ففلسطين مسلمة من النهر إلى البحر.
- دعم الفلسطينيين والحكومة التي ستقودها «حماس» والتي اختارها الشعب، دعمهم إعلامياً، فالحرب في هذه المرحلة إعلامية، تسعى إلى الفت في عضد حماس والشعب وتخويفه وإذلاله، والله ـ تعالى ـ غالب على أمره.
ونقول للإخوة في فلسطين: اصبروا وصابروا، والله ـ تعالى ـ معكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧] . وعلينا الدفاع عن إخواننا والذب عنهم ومواجهة التشكيك الذي قد يصدر من هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك أو هذه الجهة السياسية أو تلك مما يفت في عضدهم، أو يحث حكومتهم المقبلة على الاستسلام لمطالب الغرب الصليبي.
نحن في فترة تاريخية حرجة في عمر الزمان نسأل الله أن يسلِّم، وقد تعوَّدنا من حماس حُسن الأداء العسكري والسياسي، ونأمل أن تستمر في التحلي بهذا الحس والفهم المتميز إن شاء الله. وهذا ليس نهاية المطاف؛ فهناك مجالات كثيرة للعمل؛ فلا نريد أن تجرنا هذه التجربة إليها بالكلية.
حقاً نحن الآن بحاجة إلى اللجوء إلى الله أكثر والخضوع له أكثر من ذي قبل، وينبغي الاستعانة بالله والتوكل عليه بصورة حقيقية؛ فلا نعتمد على دهائنا السياسي ولا خططنا ولا كل إمكاناتنا دون الله.
اللهم أعن إخواننا على تحمل المسؤولية وسدد رميهم ورأيهم وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وانصر بهم الحق وأهله.