للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[العالم الإسلامي ماذا فعل من أجل القدس؟]

عبد العزيز الحامد

اقترحت السُّلطة الفلسطينية على الإسرائيليين والأمريكيين بعد أن (فوجئت)

بتصلب الموقف الأمريكي والإسرائيلي في رفض السيادة العربية والفلسطينية على

القدس اقترحت أن تُسند السيادة عليها إلى العالم الإسلامي ممثلاً في منظمة المؤتمر

الإسلامي، وبالرغم من أن هذا الاقتراح الفلسطيني كان بمثابة أول تنازل من

السُّلطة الفلسطينية عن شعار: (لا تفريط في السيادة الفلسطينية على القدس

عاصمة لدولة فلسطين) ، بالرغم من ذلك فقد رفض الإسرائيليون هذا الطلب،

وقال (شلومو بن عامي) وزير الخارجية الإسرائيلي بالوكالة مؤكداً رفض

(إسرائيل) للسيادة الإسلامية على القدس: «بالنسبة إلينا.. إن السيادة الفلسطينية

والسيادة الإسلامية العالمية يعنيان عملياً الشيء ذاته، وأؤكد رفض رئيس الوزراء

لهذه الفكرة» . [الحياة/٢٠/٩/٢٠٠٠م] .

وصدر بعد ذلك بيان عن مكتب (إيهود باراك) في اليوم التالي جاء فيه:

«إن إسرائيل لا تعارض فقط نقل السيادة على» جبل الهيكل «إلى الفلسطينيين،

بل ترفض تماماً نقل السيادة إلى أي هيمنة إسلامية» [الشرق الأوسط ٢١/٩/

٢٠٠٠] ومن يسمع هذا الطلب الفلسطيني وذاك الرفض الإسرائيلي يظن أنه كان

بالإمكان فعلاً أن تسند السيادة على القدس إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، مع العلم

بأن تلك المنظمة في واقع الأمر لا تملك الآلية القادرة على تحمل هذه التبعة العظيمة؛

ولا أدل على ذلك من أن الدور الذي مُكنت هذه المنظمة من القيام به منذ أقيمت

لأجل القدس، هو دور متواضع جداً مقارنة بتلك القضية الضخمة العظيمة، هذا

مع أن السبب في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي في الأساس إنما جاء رد فعل على

حريق المسجد الأقصى الذي حدث في ٢١ أغسطس عام ١٩٦٩م؛ وللتدليل على

تواضع هذا الدور مقارنة بما كان يُتوقع من منظمة المؤتمر الإسلامي فإننا نسُوق

استعراضاً للملامح الرئيسة لطريقة تلك المنظمة في التعامل مع قضية المسلمين

الأولى.

فكما سبق تشكلت منظمة المؤتمر الإسلامي رداً على إقدام الصهاينة [١] على

إحراق المسجد الأقصى، فقد تنادى زعماء العالم الإسلامي لعقد مؤتمر قمة لبحث

الموقف الواجب اتخاذه تجاه تلك الجريمة الشنعاء، وبدا وقتها أن قضية القدس

والأقصى يمكن أن تكون عامل توحيد للأمة الإسلامية، ولكن هذا ما لم يحدث طيلة

العقد التالي، عقد السبعينيات؛ إذ شُغل العالم الإسلامي بهموم كثيرة صرفته عن

الاهتمام بقضيته المركزية، وأصبحت منظمة المؤتمر الإسلامي رمزاً مجسِّداً لما

يمكن أن يقدمه العالم الإسلامي على مستوى الدول لصالح قضية فلسطين؛ ذلك

الدور الذي لم تُتح له سوى أن يكون رمزياً فقط في غالب الأحوال؛ لقد أثمر

المؤتمر الأول لزعماء العالم الإسلامي نتيجة مهمة، كان يمكن أن يستفاد منها

لأقصى الغايات لو فعِّلت ورتب لها ترتيباً إيجابياً؛ ذلك أنه قد صدر في نص ميثاق

منظمة المؤتمر الإسلامي أن من أهم أهدافها: «الحفاظ على سلامة الأراضي

المقدسة وتحريرها، ودعم كفاح الشعب الفلسطيني ومساعدته على استرجاع حقوقه

وتحرير أراضيه» . ونص الميثاق أيضاً على خصوصية القدس على المستوى

التنظيمي، حيث جاء النص على أن: «يكون مقر المنظمة في مدينة جدة مؤقتاً،

إلى أن يتم تحرير القدس، لتصبح مقراً دائماً لها» ؛ ولكن نشاط منظمة المؤتمر

الإسلامي المخصص في الأساس لخدمة قضية بيت المقدس تقلص واختُصر من

(مؤتمر إسلامي عالمي) إلى «لجنة» لجنة القدس المنبثقة عن المؤتمر عام

١٩٧٥م، وتحول دور هذه اللجنة، من الناحية الواقعية إلى «صندوق»

يستجدي من العالم الإسلامي بفقرائه وأغنيائه من الأموال ما يمكن أن تصرَّف به

شؤون محدودة داخل الأرض المقدسة، ليس منها ما يساعد في قليل ولا كثير

على تحرير تلك الأرض المقدسة؛ وذلك في الوقت الذي تنهال على تلك الأرض

منذ ما يقرب من قرن من الزمان مليارات الدولارات من اليهود والنصارى، بهدف

إعادة صهرها ثم تشكيلها في هيئة يهودية صرفة؛ وبمقارنة بسيطة بين الواقع

العربي الإسلامي، والواقع اليهودي في مدينة القدس بعد أربعة وثلاثين عاماً من

احتلالها وهو واقع معروف ندرك بُعد الشقة بين ما قدمه العالم الإسلامي للقدس

وما قدمه ولا يزال يقدمه العالم اليهودي والعالم النصراني أيضاً؛ والسؤال المرير

هنا هو: من الذي يقدس القدس.. نحن أم هم؟ ! وللتذكير ببعض ما تعهدت به

المنظمة، نذكر شيئاً من قراراتها ووعودها فيما يتعلق بالمسؤولية التي تحملتها نحو

القدس والأقصى، ونحن نذكرها لنقارن فقط بين الأقوال والأفعال.

* في مؤتمرها الأول المنعقد في سبتمبر ١٩٦٩م، أكدت القمة الإسلامية

«أن حكومات الدول الإسلامية وشعوبها يرفضون أي حل للقضية الفلسطينية لا

يكفل لمدينة القدس وضعها السابق قبل الاحتلال في يونيو ١٩٦٧م» ومعنى هذا

أن الدول الإسلامية كلها ترفض أي سيادة على مدينة القدس لغير أهلها من

الفلسطينيين المسلمين.

* وفي القمة الإسلامية الثانية التي عقدت في لاهور في شهر فبراير ١٩٧٤م

جاء في قرارات منظمة المؤتمر الإسلامي النص الآتي: «القدس رمز فريد من

نوعه لالتقاء الإسلام بالأديان السماوية (المقدسة) ، ولقد تولى المسلمون لأكثر من

١٣٠٠ سنة شؤون القدس كأمانة لكل من يعتزون بها، وبهذا كان انسحاب إسرائيل

من القدس شرطاً لا يقبل التغيير؛ لتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط» .

* وعندما أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارها بضم القدس الشرقية المحتلة

انعقد مؤتمر للمنظمة على مستوى وزراء الخارجية في مدينة فاس بالمغرب في

٢٠ /٩/١٩٨٠م؛ وقد التزمت الدول الإسلامية في هذا المؤتمر باستخدام

(جميع) قدراتها السياسية والمالية والنفطية والعسكرية (! !) لمجابهة القرار

الإسرائيلي، والتعهد بفرض مقاطعة [٢] سياسية واقتصادية على البلدان التي

تساند القرار الإسرائيلي.

* وفي المؤتمر الثالث للمنظمة والمنعقد في يناير ١٩٨١م، أعلنت المنظمة

الإسلامية العالمية (الجهاد المقدس) لتحرير القدس (! !) وفقاً لمواد القانون

الدولي التي تَكْفُل الدفاع المشروع عن النفس في المادة (٥١) من ميثاق الأمم

المتحدة، وجددت القمة الدعوة إلى مقاطعة (إسرائيل) وقررت: أن إبقاء أي دولة

إسلامية على أي شكل من أشكال العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية معها يُعد

تشجيعاً لها على مواصلة احتلال الأراضي العربية المحتلة وعلى رأسها القدس

الشريف.

* وعندما أقبل العرب بسعي جماعي على (نسخ) تلك القرارات والتوصيات،

والتعهدات السابقة، بالدخول في التفاوض السلمي مع اليهود في مؤتمر مدريد في

أكتوبر عام ١٩٩١م أعلنت منظمة المؤتمر الإسلامي: «أن القدس هي جوهر

قضية فلسطين، ولذلك لا يمكن تغييبها عن مفاوضات السلام» ؛ ولكن القدس

غُيِّبت بالفعل، واستمرت مفاوضات السلام ما يقرب من عشر سنوات دون أن

يكون هناك همس عن القدس، ومع ذلك سكتت المنظمة، وسُلمت القضية إلى

(أصحابها) الأصليين وهم: منظمة التحرير! ! وكأن القدس كانت أو أصبحت ملكاً

لتلك المنظمة لتتحدث عنها وتنفرد بها عن مئات الملايين من المسلمين. وعندما

أُعلن عن انعقاد كامب ديفيد الثانية التي تحطمت نتائجها على صخرة القدس بدأ

الكلام عن أنواع متعددة من أشكال السيادة على القدس من طرف اليهود والنصارى؛

ولكنها تستثني العالم الإسلامي ممثلاً في المنظمة الإسلامية العالمية، وعندها

أصدرت منظمة المؤتمر الإسلامي في دورتها السابعة والعشرين في ٣٠ يونيو

٢٠٠٠م، ما أطلق عليه: «نداء القدس» وجاء فيه: «إن القدس هي العاصمة

السياسية والتاريخية للشعب الفلسطيني وللدولة الفلسطينية، وهي ملتقى الأديان

والرسالات السماوية، ومركز تعايش الحضارات والثقافات، وهي جزء لا يتجزأ

من الأراضي الفلسطينية» [٣] فإن الظاهر من هذا النداء أنه كان يهدف إلى مساندة

الموقف الفلسطيني المعلن بعدم التفريط في (ذرة تراب) من القدس الشرقية؛ ولكن

هذا الموقف المعلن بدأ ينافسه الموقف غير المعلن وهو القبول بجزء من خارج

القدس، وهو (حي أبو ديس) ليكون عاصمة للدولة الفلسطينية إذا قامت وعندها

أصدر وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي إعلاناً في (١٩/٩/٢٠٠٠م)

جاء فيه: «نعبر عن تقديرنا للجهود الرامية إلى اتفاق على المسار الإسرائيلي

الفلسطيني من عملية السلام» .... والسلام! !


(١) الذي قام بذلك العمل لم يكن صهيونياً يهودياً، بل كان صهيونياً نصرانياً، وهو مايكل دنيس.
(٢) هذا قبل مقاطعة هذا القرار بالهرولة إلى التطبيع.
(٣) جريدة الأهرام، ١ يوليو ٢٠٠٠م.