للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صرخة الأقصى]

د. عبد الغني التميمي

(١)

ربط القرآن بين البيت والأقصى رباطاً أبديّا

لم يكن ربط مناخ بمناخ.. بل رباطاً عقديّا

لم يكن ذاك خياراً أو قراراً عربيّا

أو شعاراً مستعاراً ثانويّا

كل من فرّق بين البيت والأقصى فقد

كذّب القرآن أو خان النبيّا

(٢)

يا أخي المسلم، هذا المسجد الأقصى الجريحْ

في سكون الليل لو يُسمع كالطفل يصيحْ

جرحه الغائر لا تشبهه كل الجروحْ

إنه جرح أليم داخل القلب يقيحْ

مزّقته آلة المحتلِّ بالحفر المذلّ المستبيحْ

إنهم أعداء إبراهيم من قبلُ وموسى والمسيحْ

(٣)

أمة التوحيد يا مستَقْبَلي الآتي ويا يومي وأمسي:

كيف أصبحتِ جموعاً بين عميانٍ وطرشانٍ وخُرْسِ

ما لديها غير شكوى، جعجعاتٍ دونما طِحْنٍ، وهمسِ

لست أدعوكم لعجزٍ أو لإحباطٍ ويأسِ

أو لترثوا بدموع منتهى ذُلّي وبؤسي

إنني أصرخ والهيكل يُبنى فوق رأسي:

قطّع الحفرُ شراييني وأنفاسي وحسّي

أترجّى منكم النخوة في حرقي وطمسي

أم تُرى أنعى لكم نفسي بنفسي؟!

ربما أصبح؛ لكن رغم أنفي لست أمسي

(٤)

أرسل الأقصى خطاباً فيه لومٌ واشتياقْ

قال لي وهو يعاني من هوانٍ لا يُطاقْ:

بلِّغ الأمة أني عِيلَ صبري بين حفرٍ واحتراقْ

هتك العهر اليهوديّ خشوعي من رُواق لرواقْ

أشعلوا أرضي وساحاتي فجورا

وصفيراً وسفورا!

دنّسوا ركني ومحرابي الطهورا

فأنا اليوم أعاني بل أعاني منذ دهرٍ

ألمَ القهر أسيرا

لم يزل قيديَ مشدود الوَثاقْ

لم تفدني الخطب الجوفاء شيئاً

أو شعارات الرّفاقْ

أوَ ما يكفي نفاقاً؟ ضقت من هذا النفاقْ

أرسلوا من صلاح الدين خيلاً

أرسلوها من حمى الشام ونجدٍ

من سرايا جيش مصرٍ، وصناديد العراقْ

من ثرى المغرب والمشرق للمجد تُساقْ

تنشر الهيبة للإسلام بالدّم المراقْ

منذ دهرٍ لم تزرني هذه الخيل العِتاقْ

(٥)

قال لي الأقصى: سلاماً من مقامي

بلغ الأمة ـ بالله ـ سلامي

من معاني سورة الإسراءِ، قُدسيّ الهيامِ

سلفيّ الوجد سنيّ العناقْ

لا سلاماً خائن النشأة عِبريّ المذاقْ

قل لهم: يا أهلُ، قد طال الفراق

وأنا أُشوى على جمر المشاق

أأنا أغدو مكاناً أثرياً بصنوف الحفر ضاق؟!

أأنا أنضم للحمراء من أندلسٍ

وأعيش الذل في ذات السياقْ؟!

وأعيش الأمل المقتول في ذاك النّطاقْ؟

يا بني الإسلام! ما حلّ بكم؟!

هل نسيتم أنني بوابة السبع الطِّباقْ؟

من رحابي وَاصَلَ الرحلةَ في الكون البُراقْ

(٦)

صرخ الأقصى حزيناً، خافض الرأس بئيسا:

هل أقضي العمر ـ كالسارق ـ في السجن حبيسا؟

ضقت من صحبة قومٍ أضجروا من قبلُ موسى

صادروا كل دروس العلم في ظلّي.. فمن يُحيي الدروسا؟

سرقوا قرآن فجري ومَحوا أول صفّي

مزّقت آلاتهم بالحفر أحشائي وجوفي

وأشاعوا أن موتي حتف أنفي

هذه الأنفاق تحتي تزرع الأرض كهوفا

كل كهفٍ فاغرٌ فاه لكهفِ

فمتى يَبْلغُ عني لبني الإسلام في العالم خوفي؟

أم تراهم يرقبون اليوم ميعاداً لنسفي؟!

هل يغارون إذا أضحيت كالأطلال مهجوراً دريسا،

وإذا بُدّلت للتهويد بوقاً وطقوساً؟

أئذا أصبح محرابيَ يوماً ومصلاّيَ كنيسا؟!

(٧)

وأخيراً صرخ الأقصى يقولْ:

فهِّموني كيف أهوى طاعِني في مقتلي؟

كيف أهديه دمي مع قُبَلي!

وأحيّي سارقي، بل أدّعي أن ما يسرق مني ليس لي؟!

لغة للذلّ لا أفهمها كدت أنهارُ لها من خجلي!

(٨)

آهٍ ما آلم جرح الكبرياءْ!

آهٍ ما أوجع مكتوم البكاءْ!

حينما نُطعَن في عزّتنا

حينما نبكي كما تبكي ضعيفات النساءْ

نحن لا نملك من نخوتنا

غير صرخاتٍ وشجبٍ ودعاءْ

حرّم السَّيفَ علينا الزعماءْ

هل ترى فرقاً كبيراً بيننا اليوم

وما بين الجواري والإماءْ؟!

كلنا في ساحة العجز سواءْ

(٩)

كانت الحرب شعاراً

وجهاد المعتدي كان فخاراً

ثم أضحت لغة الحرب فراراً

وغدا التفكير بالحرب أو

النطق بذكر الحرب عارا!

سُحِب الجندي من عزّ الصناديد الغيارى

وغدا حارس رملٍ وصحارى

آلة يزجي التحيات لأنذال يهود أو نصارى

وترى الناس سكارى

من رضا الذلّ وما هم بسكارى!

(١٠)

اعذرونا إن صرخنا

إن في أعماقنا الموت الزؤامْ

لا نظنّ الصارخ المذبوح ـ إن صاح ـ يلامْ

اعذرونا إن فتحنا مرةً أفواهنا

أنْتَنَتْ ألفاظنا في الحلق من شدّ اللثامْ

كِلْمَة المعروف شاخت وهي تحيا في الظلامْ

أهْو ظلم أن يقال الحق جهراً، أهو عيب واختراق للنظام؟!

قبّح الله لساناً يألف الصمت الحرام!

* * *