رأي:
[وقفة مع عمل المرأة المسلمة]
أم عبد الرحمن
عندما علمت أختي في الله أنني موظفة قالت: كيف يحصل هذا وأنت
ملتزمة؟!
قلت لها: ماذا تقصدين؟
قالت: سيكون هذا على حساب رعاية زوجك وبيتك.. ثم لا تنسي أن
الشارع يأمر المسلمة بالقرار في بيتها، وإذا أردت الأفضل لك - عند الله وفي
الشرع - فعليك بقوله تعالى: [وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ] [الأحزاب: ٣٣] .
قلت لها: صحيح ما تقولينه، لكن ما المانع من عمل المرأة المسلمة إذا
استوفى جميع شروط الشرع ورضي الزوج به، وإذا لم يكن على حساب رعاية
الزوج والبيت.
صممت أختي ولم تعقب وبدت على وجهها علامات الاستغراب وعدم الاقتناع.
كثير من الأخوات الملتزمات بشرع الله ينظرن إلى عمل المسلمة المتزوجة
بمنظار ضيق، فلا يرين إلا الجانب السلبي منه، فقد ذكرت أختي في الله بأن
المسلمة العاملة المتزوجة لن تتفرغ تماماً لرعاية زوجها وأطفالها، وأنه سيترتب
على ذلك التقصير والإهمال للزوج والبيت والأطفال. ولي هنا رأي في هذه المسألة، قد يكون صواباً عند البعض، وقد يكون خطأً عند آخرين.
فلو بحثنا في الجوانب الإيجابية لعمل المسلمة الملتزمة بدينها - مع الالتزام
بقيود الشرع في عملها - لوجدناها تتضح في النقاط الآتية:
١- الاستفادة من الدرجة العلمية في تسخير أجرة العمل في وجوه البر
والإحسان وهي كثيرة الآن ومجالاتها عديدة، والمحتاجون لهذا المال كثيرون، بهم
من المسلمين المحتاجين في إفريقية وأفغانستان وأندونيسيا والفلبين وغيرها.. - قد
وقعوا في شباك المنصرين الماكرين بسبب يد حانية نصرانية قدمت لهم الإحسان
بجميع أشكاله ثمناً لاعتناق النصرانية.
٢- الدعوة إلى الله من خلال التقيد بالسلوك الإسلامي المثالي الملتزم في بيئة
العمل ومع زميلات العمل، والعمل على إبراز الفضائل الإسلامية في التعامل
والسلوك، وبذلك يتم تذكير وتوعية غير الملتزمات بدينهن ودعوتهن إلى الله
بطريق غير مباشر وذلك عن طريق مراقبة أخلاق وسلوك الشخصية الإسلامية
القدوة من خلال تعاملها مع مَن حولها.
٣- الدعوة إلى الله أيضاً عن طريق إعطاء الأشرطة والكتيبات الإسلامية
التي تساهم بشكل كبير في منع ممارسة كثير من المنكرات والرجوع عن كثير من
المعاصي.
٤- قد يكون هناك من زميلات العمل غير المسلمات، وهنا تجد المسلمة
العاملة فرصة جيدة لإبراز شعائر الإسلام وتوضيحها واستخدام أساليب الدعوة إلى
الله المباشرة أو غير المباشرة معهن حسب الظروف والأحوال، وفي هذا كله الأجر
الكبير لمن أعانها الله عليه.
٥- لا يخفى علينا أن أعظم مجال للدعوة إلى الله ولنيل الأجر العظيم منه -
سبحانه - هو عمل المسلمة في مجال التدريس إذا أخلصت النية لله ونوت بعملها
هذا الدعوة إلى الله وتبليغ العلم والحق وإنكار المنكرات المتفشية بين الطالبات
وزميلات العمل.
وأحب هنا أن أوجه كلمة لأخواتي في الله اللواتي كان لهن دور عظيم في
الدعوة إلى الله في جميع صورها (وقد كان التزامي بفضل الله ثم بفضل كلمة ألقتها
إحداهن يوماً في الجامعة يوم أن كنت طالبة فيها) واللواتي مع الأسف قد فتر
حماسهن للدعوة بل توقف نهائياً بعد زواجهن.
فأقول لهن: لماذا؟ ! ! لماذا لا يطلبن العون من الله بالدعاء ثم يطلبن العون
من أزواجهن للاستمرار في عملهن هذا؟ ! !
إن الفتيات والنساء التائهات البعيدات عن شرع الله في أشد الحاجة لكُنَّ وللعلم
الذي تحملنه في صدوركن.
إن العلمانيين الآن يستخدمون نساءهم وقريباتهم لنشر معتقداتهم بين النساء
والفتيات في الجامعات وفي كل مكان.
فلماذا لا يشجع كل مسلم ملتزم بدينه زوجته للمشاركة في محاربة كل ما يقف
عقبة في طريق الدعوة إلى الله؟ !
يا أخي في الله: الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان يساعد زوجته عائشة
في شؤون المنزل، وكانت تساعده في نشر الدعوة بين النساء.
لِمَ لا يدفع كل مسلم بزوجته إلى ساحة الدعوة إلى الله - وخاصة - هؤلاء
اللواتي سبق لهن العمل في حقل الدعوة قبل زواجهن، فمثلاً:
* الأخت الداعية التي كانت تجيد دروس الوعظ وتستطيع جذب وإقناع
الفتيات التائهات؛ لماذا لا يشجعها زوجها على الاستمرار في عملها هذا فيشاركها
الأجر عليه.
* والأخت التى كان جُل وقتها تصرفه لجمع التبرعات الطائلة من النساء (من
حلي ومال) لأفغانستان وفلسطين وإفريقية.. لماذا لا يشجعها زوجها على مواصلة
هذا المجهود العظيم.
* والأخت الثالثة التي كانت تجود بعلمها ووقتها لتعليم القرآن - من تفسير
وتجويد وتلاوة - لِمَ لا يشجعها زوجها هي الأخرى على مواصلة عملها هذا لينتفع
النساء بعلمها هذا وحتى لا تنسى هي الأخرى علمها مع مرور الزمن؟ .
وهكذا نستطيع - نحن المسلمات - أن ننال الأجر ويشاركنا أزواجنا أيضاً،
وفي نفس الوقت تقدم كل واحدة منا ما في وسعها ولو كان جهداً بسيطاً في سبيل
نشر دعوة الله، فكما تتعب هؤلاء العلمانيات في سبيل الباطل الذي يحملنه، فأولى
بنا أن نتعب من أجل الحق والنور الذي نحمله نحن.
[إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ] [التوبة: ١٢٠] .
[والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا] [العنكبوت: ٦٩] .
اللهم اجعل عملنا صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.