كرَّم الله الإنسان وشرَّع له حقوقاً كبرى، منها: حق الحياة والحرية والمساواة والعدالة، قبل ما يسمى بحقوق الإنسان التي صدرت عام ١٩٤٨م، وسبقها الإسلام بأربعة عشر قرناً؛ حينما أنزل الله تلك الحقوق في القرآن والسنة، وكانت محل إعجاب كل المنصفين حتى من الغربيين أنفسهم.
ومع مطالبة الغرب بتلك الحقوق وأهمية تطبيقها أصبح يكيل بمكيالين، متساهلاً بتلك الحقوق؛ فالمسلمون يتعرضون لمآسٍ ونكبات، وبخاصة في فلسطين والبوسنة والعراق وأفغانستان، وتجري المذابح لمجرد الظن والشكوك والأوهام، ولا يسمحون لأحد أن يسائلهم: لماذا قامت تلك الحروب؛ وما مدى صحتها؟ فأين حقوق الإنسان التي تداس بالأقدام دون أي سبب وجيه؟!
ومما يؤسف له أن تقوم بعض المنظمات الحقوقية الدولية بشن تهجمات رعناء استنكاراً لتطبيق الحدود الشرعية، مثل القصاص؛ بدعوى أن هذه العقوبة غير إنسانية! ويدعون بكل صفاقة إلى تعطيلها في السعودية ـ على سبيل المثال ـ غير آبهين بالجرائم التي يقوم بها أولئك المجرمون؛ من قتل وإخافة وترويع، وكأنه ليس للمغدورين أدنى حقوق. وسمعنا الاستفتاء على تعطيل هذه العقوبة والدعوة إلى إلغائها من إذاعة لندن، الذي شارك فيه بعض الجهلة والسُذَّج من المسلمين، مؤيدين الدعوة كذلك. ويأبى الله إلا أن تنفضح العدالة الغربية؛ إذ تزامن مع هجومهم على الحدود الشرعية، بزعم أنها غير إنسانية، أن أذاع التلفاز الصهيوني برنامجاً وثائقياً يعترف فيه الصهاينة بقتل ٢٥٠ أسيراً مصرياً وفلسطينياً على يد فرقة صهيونية في حرب ١٩٦٧م؛ بقيادة السفاح الصهيوني (بنيامين بن إليعيزر) الذي تولى وزارة الدفاع الصهيوني سابقاً. وكان المذكور يُعِدُّ لزيارة مصر غير أنه أحجم عن ذلك بعد تحذيره من القبض عليه في مصر ومحاكمته؛ فألغى الزيارة، وهذا اعتراف منه بالجريمة، وإن أنكرها؛ فقد أكدها المؤرخ الصهيوني (أوري ملشتاين) في كتاب موثِّق للحادثة عام ١٩٩٤م، والتي أكدها البرنامج الوثائقي آنف الذكر؛ فهل تجرؤ تلك المنظمات الدولية المزعومة أمثال (هيومن رايتس ووتش) و (إمنسي إنترناشيونال) على تجريم الصهاينة في حروبهم المتوالية منذ عام ١٩٤٨م إلى الآن؟ هل يجرؤون على طلب إيقاف أولئك المجرمين السفاحين ومحاكمتهم؟ أم أنهم سيلجؤون إلى أعذار معروفة سلفاً؛ كسقوط الدعوى بالتقادم مثلاً، أو بدعوى الحرب على الإرهاب؟!
إن حقوق الإنسان أصبحت خرافة؛ لأنها دائماً ما تكون لصالح ذوي الدماء الزرقاء من الغربيين وإخوانهم الصهاينة. أما إن كانت الدعاوى ضد المسلمين ودول العالم الثالث فإنها ستقام المحاكم، وسيتم القبض على المتهمين بالقوة؛ بدعوى تطبيق حقوق الإنسان، ومخالفة الأنظمة الدولية المرعيّة في السلم والحرب، كما يلمحون في محاكمات دارفور بالسودان.
العجيب أن آخر الأخبار تؤكد أن محكمة الاستئناف الأمريكية أيَّدت قانوناً رئاسياً جديداً يرفض حق سجناء غوانتنامو في الاعتراض على قرارات احتجازهم! هذه هي الديمقراطية التي يطالب بها المغفلون! إنها تمثّل وصمة عار ليس على الحضارة الغربية فقط؛ وإنما على الإنسانية جمعاء؛ فإلى الله المشتكى!