المسلمون والعالم
تقرير عن مسلمي جنوب الفلبين
الجانب التاريخي بإيجاز:
يجهل كثير من المسلمين أن الإسلام هو أول دين سماوي وصل إلى الفلبين
واعتنقه كل سكان هذه المنطقة، كما أن الحضارة الإسلامية هي أول حضارة
عرفتها جزر الفلبين.
وقد وصل الإسلام إلى هذه الجزر في عام ١٣١٠م (٦٦٢هـ) ، وقيل قبل ذلك، كما يعتبر أن أول دولة منظمة قامت في هذه البلاد هي دولة إسلامية، حيث تأسست في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي أول دولة إسلامية، واستمرت
لمدة ١٠٠ سنة تقريباً.
ولكن لم تنعم تلك الجزر طويلاً، فقد تعرضت للتحدي الصليبي البرتغالي
الذي انتقل من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي والهادي، وذلك ابتداءً من عام
٩١٧هـ -١٥١١م.
بعد ذلك تعرضت هذه الجزر للغزو الاستعماري (الأسباني) سنة ٩٢٣ هـ -
١٥٢١م بقيادة ماجلاّن؛ حيث قتله المسلمون، وخلال عشرات السنين سيطر
الأسبان على شمال جزر الفلبين، مما دفع بعض المسلمين إلى الهجرة جنوباً هرباً
من بطش المستعمر، وفي تلك الفترة سُميت هذه الجزر بالفلبين نسبة إلى فيليب
الملك الأسباني في ذلك الحين، بعد ذلك اتجه المستعمر الأسباني جنوباً لإتمام
سيطرته على هذه الجزر، إلا أنه وُوجِهَ - هذه المرة - بمقاومة عنيفة من المسلمين، واستمرت الحرب بينهم مدة (٣٧٧ سنة) ، ٩٢٣-١٣٠٠هـ / ١٥٢١-١٨٩٨م.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي ١٨٩٨م (١٣٠٠هـ) تمت اتفاقية بين أمريكا وأسبانيا انسحبت على إثرها أسبانيا مقابل (٢٥٥ مليون دولار أمريكي) ؛ حيث حل محلها المستعمر الأمريكي الجديد، كما أُدخلت الجزر الجنوبية (جزر المسلمين) ضمن هذه الصفقة! .
عند استلام الأمريكان هذه الجزر وقف المسلمون ضدهم، وقد استفاد
الأمريكيون من تجربة الأسبان القمعية ضد الجزر الجنوبية؛ مما دفعهم إلى تغيير
هذه السياسة والتحول إلى سياسة (السكَّر) ، حيث أقنعوا المسلمين بأنهم جاءوا
لإصلاح أخطاء الأسبان، وإنشاء المدارس لهم، وحمايتهم! ! ! ، وحدث على أثر
ذلك اتفاقيات مثل اتفاقية (فرانك كاربنتر) المحافظ الأمريكي.
أنشأ الأمريكيون بعد ذلك المدارس وأصبحوا يشرفون على تربية أبناء
المسلمين، وبدأوا ينصّرونهم.
أدرك الأمراء - بعد ذلك - هذه الخدعة، وقاموا بثورات، ولكن ماذا حدث؟ .
حدث أن كثيرًا من أبناء الأمراء كانوا قد تدربوا في تلك المدارس وأخذوا
عنها الثقافة الغربية، مما دفع بهؤلاء (العلمانيين) الأبناء إلى الوقوف مع هذا
المستعمر! .
وفي تلك الفترة تم الاتفاق بين الأمريكيين ونصارى الفلبين على إعطائهم
حكماً ذاتياً في الجزء الشمالي، وكان هذا أول حكم ذاتي وذلك سنة ١٣٥٣هـ/ ١٩٣٥م. وخلال الحرب العالمية الثانية تمكن اليابانيون من طرد الأمريكيين من تلك الجزر، لكن لم يلبثوا أن عادوا بعد عامين أو ثلاثة.
وفي عام ١٣٦٦هـ/١٩٤٦م حصلت الفلبين على الاستقلال ككل، وضُمت بلاد المسلمين إلى هذه الحكومة النصرانية ظلماً وعدواناً.. ومن ذلك التاريخ ومسلمو الفلبين يتعرضون لمخططات طمس الهوية الإسلامية لهذا الشعب المسلم. وتتلخص هذه المخططات فما يلي:
١- تهجير النصارى من الشمال إلى الجنوب ومنحهم الأراضي الزراعية.
٢- إعطاء النصارى بعض المناصب المهمة في أرض المسلمين.
٣- الاتجاه إلى تنصير أبناء المسلمين.
٤- محاولة طمس الدين من النفوس عن طريق إنشاء المدارس الغربية
والكنائس ونشر الفساد.
إلا أن جميع هذه المخططات - ولله الحمد والمنة والفضل - لم تفلح في
طمس هوية هذا الشعب المسلم، وإن كان لها دور كبير في إبعاد بعض المسلمين
عن منهج الإسلام الصحيح.
بعد ذلك لجأت هذه الحكومة النصرانية إلى أسلوب الإرهاب، وذلك عن
طريق تكوين عصابات (منظمة إيلاجا) التي قامت بقتل المسلمين والفتك بأسر كاملة، وقاموا بإحراق المدارس الخاصة بالمسلمين، وكان ذلك في السبعينات. أدرك
بعض زعماء المسلمين - وبعد أن أفلست المنظمات الوطنية والعلمانية في تحقيق
أهداف مسلمي الفلبين بسبب الولاءات والارتباطات المشبوهة - ضرورة إنشاء
منظمة إسلامية تجتمع تحتها كلمتهم، وتقف ضد هذه المخططات الإرهابية. وتم
ذلك بتأسيس (جبهة مورو الإسلامية) والتي يرأسها الشيخ (سلامات هاشم) ؛ حيث
قاموا بوضع خطة تستغرق خمس سنوات لتنظيم أنفسهم، لكن تلك العصابات
فرضت عليهم المعركة، حيث قاموا بإحراق المسلمين وقتلهم، وكان ذلك عام
١٣٩٠هـ/١٩٧٠م، حيث نشبت حرب بين جبهة مورو الإسلامية وبين هذه
العصابات الإرهابية، وتمكن المسلمون من طردهم من بعض المواقع، وتدخلت
الحكومة للتوسط بين الطرفين؛ حيث إن الحكومة كانت تدّعي عدم علاقتها بهذه
العصابات الإرهابية، إلا أن الأمر اتضح بعد ذلك بدعم الحكومة لهم.
وفي عام ١٣٩٢هـ/١٩٧٢م انتصر المسلمون نوعاً ما، وتمكنوا من طرد
(عصابات منظمة إيلاجا) عن بعض القرى، إلا أن تدخل الحكومة استمر - مع
عدم تدخل المسلمين في شؤون إخوانهم! ! - وأعلنت الحكومة فرض الحكم
العسكري وذلك في عهد (ماركوس) ، وبعدها مباشرة تعرضت بلاد المسلمين لهجوم
شامل من الجيش الفلبيني جواً وبحراً وبراً؛ مما أدى إلى نشوب قتال شديد جداً،
ونظراً للهجوم الحكومي على المسلمين تحولت الحرب إلى حرب عصابات وذلك
أواخر عام ١٣٩٢-١٣٩٤هـ/١٩٧٢-١٩٧٤م.
وقد قدمت الفلبين المسلمة زمن ماركوس الصليبي وفي فترة اثنتي عشرة سنة
فقط: ١٣٩٢-١٤٠٤هـ/١٩٧٢-١٩٨٤م:
- ٣٠ ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن من المسلمين.
- استرقاق ستة آلاف مسلمة على أيدي الجنود الصليبيين الفلبينيين.
- تشريد أكثر من مليوني مسلم.
- فرار حوالي ٣٠٠ ألف نسمة، واضطرارهم إلى الهجرة إلى البلاد
المجاورة (ولاية صباح التابعة لماليزيا) .
- إحراق ٣٠٠ ألف منزل من بيوت المسلمين.
- تدمير مائة قرية ومدينة إسلامية.
- اغتصاب معظم أراضي المسلمين الخصبة.
-تدمير أكثر من ٥٠٠ مسجد للمسلمين.
وفي عام ١٣٩٥هـ/١٩٧٥م تدخلت منظمة المؤتمر الإسلامي في إجراء
مفاوضات بين الطرفين، إلا أنها فشلت في ذلك. وفي عام ١٤٠٦هـ/١٩٨٦م سقط
ماركوس، ووصلت أَكِينُو إلى الحكم، وسارت على خُطى من سبقها يتولى توجيهها
مجلس الكنائس الفلبيني، حيث عينت كبار القساوسة مستشارين لها.
ولا زالت المخططات الصليبية العالمية تخطط وتنفذ وتتابع، ومن خطط
الصليبية الأخيرة لخنق المسلمين في جنوب الفلبين: ترشيح رجل صليبي في ولاية
صباح شمال دولة ماليزيا المسلمة والتي تحد (مندناو) من الجنوب.
ولا يزال المسلمون في الفلبين يعانون من تسلط النصارى على دينهم
وأعراضهم وأراضيهم وأرواحهم، ونسأل الله أن يعز المسلمين ويحفظ دماءهم
وأعراضهم، وأن يقيم دولتهم على التوحيد، وأن يمكّن لهم، إنه على ذلك قدير،
وبالإجابة قدير.
المشكلات التي تواجه مسلمي الفلبين:
لو أردنا تتبع جميع المشكلات التي تواجه المسلمين في هذه البلاد لاحتاج ذلك
إلى دراسة أكثر عمقاً وتوسعاً للوقوف على هذه المشكلات وأسبابها.. إلا أننا هنا
سوف نركز على جانبين اثنين من جوانب هذه المشكلة والتي قد تكون من أهم
العقبات التي تواجه مسلمي جبهة تحرير مورو للنهوض بالمسلمين - هنا - تربوياً
واقتصادياً وللدفاع عنهم، والمحافظة على شخصيتهم الإسلامية وهي كالتالي:
١- مشكلات تعوق الدعوة والتربية:
تدير جبهة تحرير مورو الإسلامية حوالي ٤٠٠ مدرسة (ابتدائية -
متوسطة - ثانوية) وتتعاون مع ٢٠٠ داعية متنقلين بين مناطق المسلمين، كما يوجد بعض الإخوة الدعاة الذين تتبناهم بعض الجهات (وهم قليل) وتبرز المشكلة هنا وهي: أن معظم الإخوة الدعاة والمربين هم من الفقراء الذين يضطرهم الفقر إلى ترك عمل الدعوة والاتجاه إلى كسب الرزق لإطعام أسرهم؛ حيث إن الكثير منهم لا يجد مَن يكفل أسرته في حال تفرغه لأعمال الدعوة، كما تعاني هذه المدارس من نقص الكتب العلمية والشرعية في جميع التخصصات بالإضافة إلى المكتبات التي يحتاج إليها الدعاة لتعليم المسلمين أمور دينهم. يضاف إلى ذلك صعوبة التنقل بين مناطق المسلمين، وافتقار المسلمين إلى وسائل النقل التي يحتاجون إليها.
٢- مشكلات تعوق الأعمال الجهادية:
حيث إن الفقر صفة ملازمة للمسلمين - في تلك البلاد - نجد أن المجاهدين
يعانون من الفقر الذي يدفعهم إلى ترك خنادقهم والاتجاه إلى طلب الرزق، وهذا مما
لا شك فيه يؤدي إلى إضعاف القوة العسكرية للمسلمين، كما أن هناك مشكلة تعوق
العمل الجهادي وتعتبر من المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجاهدون ألا وهي
قلة الأسلحة والذخائر، ونقصها عند المجاهدين ليس بسبب ندرتها - فهي متوفرة -
ولكن ضيق ذات يدهم يحُول بينهم وبينها.
مشاريع جبهة مورو الإسلامية:
مسلمو الفلبين كغيرهم من المسلمين لهم آمال وطموحات وتطلعات لمستقبل
أفضل، وتتمثل طموحاتهم هذه - بالالتفاف حول قيادتهم التي تسعى لتنفيذ خطط
طموحة من شأنها - إن شاء الله - المضي قدماً بمسلمي الفلبين لتبؤ المكانة اللائقة
بهم - من خلال العمل على أربعة محاور هي:
١- العمل على توجيه المجتمع إلى الإسلام الصحيح:
وذلك عن طريق إنشاء المدارس والمعاهد بمختلف مراحلها، وقد أشرنا إلى
جانب من ذلك عند الحديث عن المشكلات التي تواجه الدعوة. كما تطمح الجبهة
إلى تكثيف العمل لتبصير المسلمين بأمور دينهم وشرح العقيدة الإسلامية الصحيحة
لهم وكيفية العمل بها، وذلك عن طريق زيادة عدد الدعاة وتفريغهم لهذا العمل،
وترجمة وطباعة الكتب الشرعية، بالإضافة إلى إنشاء المزيد من المدارس
والمساجد التي من خلالها يتخرج نشء مسلم يعلم أمور دينه، ويتقن أمور دنياه
ليساهم في بناء مجتمع إسلامي قوي ومتين.
٢- العمل على الاكتفاء الذاتي:
ويُقصد به هنا الجانب الغذائي، وذلك عن طريق تبني سياسة العمل على
توفير الغذاء الأساسي عن طريق زراعة الأراضي الخاصة بالمسلمين وتوفير
غذائهم منها، وعدم الاعتماد على مصدر خارجي، حيث يزرع الأرز والذرة
وأشجار الموز، وبعض المحاصيل الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن الجبهة قد
اقتربت من الاكتفاء الذاتي في إنتاج الأرز والذي يشكل الغذاء الرئيس الذي يعتمد
عليه السكان هناك، إلا أن تطور هذا العمل يحتاج إلى الكثير من المعدَّات الزراعية
والخبرات الفنية، حيث تعتمد الزراعة على الطرق البُدائية، وكل ذلك بسبب عدم
توفر القدرات المادية اللازمة لتطوير هذا القطاع.
٣- تطوير الجهاز الإداري للجبهة:
ويتم ذلك عن طريق توفير دورات لتعليم بعض المجاهدين الشؤون الإدارية،
وهذا الاتجاه لا شك سيكون له مردود إيجابي على جميع قطاعات الجبهة عندما تدار
بأيدٍ مؤهلة، حيث تكون قادرة على تطوير العمل والسير به إلى الأفضل.
٤- بناء قوة عسكرية إسلامية:
يطمح المسلمون إلى بناء قوة عسكرية تمكِّنهم من مواجهة عدوهم وإحكام
سيطرتهم على كامل أراضيهم، ويعتمد هذه البناء كل جوانب منها: عمل دورات
تدريبية للمجاهدين لرفع الكفاءة القتالية، وتتفاوت مدة الدورة بناءً على ظروف
المجاهد حيث إن هناك دورات لمدد قصيرة، ودورات لمدة ٣ أشهر، ودورات لمدة
ستة أشهر. كما يوجد كلية عسكرية تستوعب ٢٠٠ طالب، ومدة الدراسة بهذه
الكلية ثلاث سنوات، وتشتمل الدراسة بها على تربية شرعية، وعسكرية،
وتدريبات عملية.
ويطمح قادة الجبهة إلى إيجاد مصدر ذاتي للتزود بالسلاح حتى يتمكنوا من
مواجهة عدوهم والله غالب على أمره.