للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

قمة شرم (الإرهاب)

بقلم: د. عبد الله عمر سلطان

(شرم الشيخ) .. ذلك المنتجع الوديع في سيناء اختير مكاناً لانعقاد (قمة

صانعي السلام) ! والمفارقة أن هذه القمة ما كانت لتنعقد لولا أن سلام وأمن الدولة

الصهيونية تعرض للخطر، وهذه الدولة المشروع ما كانت لتقوم لولا أنها رائدة

الإرهاب في العالم، وأكثر دول الأرض ممارسة له ... وما (شرم الشيخ) إلا أرض

لوثها الإرهاب الصهيوني دهراً قبل أن ترجع إلى أصحابها.

مواطن فلسطيني ذكر لمحطة (CNN) : أن هذه القمة هي قمة الإرهاب لا

قمة السلام؛ لأنها تترجم فعليًّا الإشارة المعنوية لدولة اليهود أن تمارس ما تشاء من

إرهاب ضد مواطني الضفة والقطاع، بمباركة السلطة الوطنية (الفلسطسرائيلية) !

ومواطن أمريكي اتصل بالمحطة نفسها حين كانت تذيع برنامجاً عن إرهاب

(حماس) متسائلاً: لماذا نستغرب أن يلجأ الفلسطيني للإرهاب والعنف وقد رأى

عدوه الإسرائيلي يستخدم العنف ضده لعقود خلت، ويحقق نجاحات ما كانت لتتم

لولا اللجوء إلى الإرهاب المدعوم دوليّاً ... ؟ ، مراسل محطة هيئة الإذاعة

البريطانية وصف القمة بأنها: أثارت من الأسئلة والاختلافات أكثر مما حشدت من

مواقف ورؤى موحدة، بل إنه اعتبرها قمة (البنادق الصوتية) و (المفرقعات

الكلامية) ...

القمة طرحت تساؤلات حول الفرق بين الإرهاب والجهاد المشروع، وحول

تاريخ العنف المنظم في المنطقة، ومن بدأ به؟ وحول مفهوم كل دولة حضرت

لمعنى كلمة (إرهاب) وما يعنيه لها، مجلة (الإيكونومست) الواسعة الانتشار طرحت

الموضوع من زاوية المؤسسة اليمينية الحاكمة في أوروبا وأمريكا ... لم تخف

المجلة أن الإرهاب في أصله صناعة غربية، لم يعرف إلا في عصر تفوق الرجل

الأبيض واستعرضت أبرز محطاته:

(في يونيو عام ١٩١٤م تقدم شاب صربي متعصب نحو عربة كانت تمر في

(سراييفو) وأطلق النار على من فيها، فأردى الأرشيدوق (فرديناند) ولي عهد النمسا، وفي غضون أسابيع بدأت الحرب العالمية الأولى. وفي عام ١٩٤٠م كانت ...

المقاومة الفرنسية تقتل المحتلين الألمان متى رأتهم، وأينما وجدتهم، وعام ١٩٤٤م

شنت قوات (إس. إس) الألمانية عملية ثأرية في وسط فرنسا، فذبحت (٦٤٢)

قرويًّا، وفي أغسطس ١٩٤٥م أسقطت القوات الجوية الأميركية أول قنبلة نووية

على مدينة (هيروشيما) اليابانية، فقتلت نحو (١٩٠) ألف ياباني، كان جميعهم

مدنيين تقريباً، وفي غضون أيام انتهت الحرب العالمية الثانية. لكن هل يمكن أن

تلجأ الجيوش ذات الديمقراطيات العريقة إلى الإرهاب أيضاً؟ فقبل قرن، كان

يمكن أن يسمي العالم الغني الهجوم على المدنيين عملاً محظوراً، لكن العالم الحديث

كان يفكر بطريقة أخرى، فقد كان قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية

موجهاً لترويع المدنيين أملاً في تحطيم المعنويات، أي: إرهابهم باختصار! ،

وكان قصف (طوكيو) وضرب (هيروشيما) و (ناجازاكي) بالسلاح النووي موجهين

لترويع الحكومة اليابانية وليس لتخويف المدنيين.. لكن الضحايا لم يلحظوا الفرق.

لكن: ما الفائدة من وضع تعريف واسع إلى حد يشمل (ستالين) والقوات الجوية

الأميركية، كما قد يسأل أحدهم على ذلك؟ هناك جوابان:

ففي المقام الأول: يشير هذا التعريف إلى أن الإرهاب كان من الناحية

التاريخية القوي لا الضعيف، فإبّان النضال الهندي من أجل الاستقلال، كانت

مجزرة (أمربتسار) أسوأ مثال على الإرهاب، عندما عمدت القوات البريطانية عام

١٩١٩م إلى إطلاق النار على اجتماع سياسي، واستمرت في ذلك حتى آخر طلقة،

وكانت الحصيلة (٣٧٩) قتيلاً، وقد فعل الإرهاب فعله، فقد ساد النظام في ولاية

البنجاب المتمردة.

عموماً، ظهر الإرهاب الحقيقي العشوائي في الثلاثين سنة الأخيرة، كما في

مجزرة محطة بولونيا، وهجمات غاز السارين في مترو أنفاق طوكيو بأيدي طائفة

دينية، أو في تفجير مدينة أوكلاهوما، فالجرائم الثلاث كانت تضرب أيًّا كان، ولا

هدف محدداً لها، وكل من يراها غير ذلك يكون بلا عقل صحيح. وفي هذه السنين

نفسها، كان معظم عمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي، وليس كلها، موجهاً نحو

أهداف محددة، مثل رجال الشرطة والجنود والمزارعين البروتستانت في المناطق

الحدودية، وكان العنف الذي تمارسة منظمة (إيتا) الانفصالية في إسبانيا على هذا

النحو) .

الإرهاب إذن أو ما يعرف بـ (التيرورزم) (Terrorism) بدأ مع الثورة

الفرنسية، ولم يتفجر تاريخيّاً في رحم العالم الإسلامي المطارد.... عواصم

الإرهاب الفظيعة خلال هذا القرن كانت: برلين النازية، وروما الفاشية، ... وموسكو الشيوعية، وطوكيو المحورية ... كانت هناك مآسٍ لا يمكن وصفها بقيادة

بريطانيا وأمريكا، واسألوا (برلين) المجروحة و (هيروشيما) المحروقة بجحيم

القنابل النووية ... المنصفون لا يجادلون أن الغرب استعمل القوة والعنف بشكل

منظم، وتصميم مندفع لمعاقبة المدنيين، وسمى ذلك الإرهاب: (حروب تحرير)

وعمليات أمنية، وإسرائيل وعصاباتها طرحت من رحم التجربة الغربية ... واستوعبتها جيداً، ثم طبقتها على أرض فلسطين، ولا يمكن أن نتجاوز هذا المدخل

دون التأكيد على أن كل قادة الدولة الصهيونية متورطون شخصيًّا في عمليات

إرهابية قذرة، لا يمكن أن تمر في ظل أوضاع عادلة دون عقاب..! اسمعوا

(إسحاق شامير) يتباهى بتسخير الإرهاب في سبيل تحقيق حلمه اليهودي: ففي

حوار جرى عام ١٩٧٧م بين رئيس وزراء إسرائيل والمؤرخ البريطاني (نيكولاس

بيسيل) ، سئل عن اغتيال اللورد (موين) ، وعن تأثير هذه العملية على نجاح الحلم

الصهيوني! .

ورد (شامير) عليه قائلاً: (بدون أدنى شك أثرت تلك العملية في موقف

الحكومة البريطانية، وساعدت على تحسين فرص النصر، تماماً كما تستفيد

القضية الفلسطينية من هذه الأساليب (!) ؛ منذ عشر سنوات لم يكن الرأي العام

يسمع بحقوق الشعب الفلسطيني أو بالدولة الفلسطينية، الآن هناك شبه إجماع في

الولايات المتحدة والدول الأوروبية حول الحركة الفلسطينية، المطالبة بحق تقرير

المصير والاستقلال، ماذا حدث من عام ١٩٦٧م حتى عام ١٩٧٧م؟ إن الحكومات

في رأيي لا تعطي هذه المسائل الاهتمام الكافي إلا اذا استخدمت ضدها الأسلحة

الماضية، ومن هنا: أرى أن اغتيال اللورد (موين) خدم قضية اليهود، إن إرهابنا

(!) كان منظماً وموجهاً ضد الحكومات والعاملين في المواقع الرسمية، بينما

انحصر الإرهاب الفلسطيني في الأهداف المدنية) ! .

واعترض المؤرخ (بيسيل) على هذا التفسير، وقال إن التجاوزات لامست

بالأذى المدنيين أيضاً، بدليل ما فعلته منظمة (أرجون) التي أعلنت مسؤوليتها عن

نسف فندق الملك داود (حزيران/يونيو١٩٤٦م) .

وقال (شامير) : إن الفندق كان يضم مقر القيادة العامة للقوات البريطانية في

فلسطين.

أجابه (بيسيل) : ولكن حصيلة الضحايا من المدنيين كانت مروعة جدًّا؛ الأمر

الذي اضطر عصابة (الهاجانا) للانسحاب من حركة المقاومة الموحدة!

واستمرت هذه المناظرة وقتاً طويلاً؛ لتبين في نهاية الأمر: أنه من الصعب

جدًّا رسم خط فاصل بين الإرهاب والمقاومة الوطنية ... بين استهداف العسكريين

والمسؤولين وبين ضرورة المحافظة على سلامة المدنيين العزل والأبرياء، كما

تبين أيضاً من سياق الأحداث التاريخية: أن الإرهاب السياسي المنظم كان أمضى

أسلحة العنف التي استخدمتها الصهيونية لإخراج الفلسطينيين من بلادهم.