للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

حالة جارودي

جمال سلطان

المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي، رجل أضنته السنون في معالجة

قضايا الفكر الفلسفي والفكر الحضاري، وعلى الرغم من رصانته وجديته في تأمل

قضايا الفكر المختلفة، إلا أن قضايا الفكر إجمالاً تختلف عن العلوم الشرعية

بضوابطها ومعالمها ومحدداتها العلمية، ولذلك: فكثيراً ما يخطئ جارودي أخطاءً

فاحشة عندما يتحدث في قضايا من هذا القبيل دفاعاً عن الإسلام بحكم عدم

التخصص. كذلك هناك عامل السن وضعف القدرة على التعمق في عالم جديد عليه

من الأفكار، والتاريخ، والحضارة، والدين، كعالم الإسلام، لاسيما وقد أسلم

جارودي في سن متأخرة بعدما أضنته التجارب والسياحات الفلسفية وأجهدت ذهنه،

ولكن حالة جارودي تختلف كثيراً عن حالات المفكرين المسلمين أبناء المجتمع

الإسلامي والتاريخ الإسلامي، مولداً ونشأة وتحضراً، فهؤلاء يؤخذ كلامهم على أنه

شهادة إسلامية من أصحابها، وهذا مكمن الفتنة، أما جاردوي: فلا أظن أحداً من

الغرب أو الشرق يأخذ كلامه باعتباره حجة من داعية إسلامي أو مفكر إسلامي أو

عالم مسلم، وإنما الجميع يأخذ كلامه في الإسلام كنوع من التصور والسياحة

الفكرية لرجل حديث عهد بإسلام، فالفتنة هنا ضعيفة بل معدومة، أقول هذا الكلام

بمناسبة صدور مقالات وكتابات تحمل بعنف شديد على آراء جارودي وشطحاته،

ففي الحقيقة: إن الأمر أهون من كل هذه القسوة وهذه الحماسة، بل إن كثرة

ردات الفعل هذه، وتوالي الحماسات المنتسبة إلى الإسلام في غير قضية بدعوى

الدفاع عنه وحمايته، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، تستخف بكتابات الإسلاميين،

وتضعهم في ركن أصحاب المعارك الوهمية، مما يخدش من جدية الطرح الإسلامي

وقيمته، عندما يخوض غمار المعارك الحقيقية والمصيرية.