التعليق الثقافي
أحدث اكتشافات عصر الانحطاط المعاصر
(اللغة التونسية)
- المحرر الثقافي -
منذ أمد طويل والمعارك تُشَنُّ بعض المعارك، واللغة العربية الفصحى هي ...
المستهدفة في تلك المعارك، وأمّا أعداء اللغة العربية الفصحى فهم كالبعوض كثرة
وأذىً لا يكتفون بما لديهم من جراثيم بل يستوردون وينقلون الجراثيم الخارجية
ليزداد السوء سوءاً، واستيراد المؤذي والضار ليس أمراً جديداً، وإنما عرفه حُمَاة
اللغة العربية الفصحى منذ القديم، وكان فريق الأعداء مكوناً من الأعاجم الشعوبيين
بالإضافة إلى عملائهم الذين هم أكثر منهم ضِعَةً وانحلالاً وتآمراً وأذىً، لأن العدو
الداخلي أخطر من العدو الخارجي لتمكنه من نسف البناء من الداخل.
ذهبت القرون تلو القرون، وانقرضت طبقات وطبقات فخلَّف أنصار اللغة
العربية الفصحى ميراثاً نزيهاً تفوح منه عطور الإخلاص والأمانة، أما الأعداء
فخلفوا ورائهم روائح الخيانة العفنة النتنة.
رفع راية العداء في العصر العباس أعاجم شعوبيون ومجوس، وتتالت
القرون، ومرَّ ما يسمى عصر اليقظة، وهو عصر السُّبات العميق، وأعقبه ما
يسمى عصر النهضة - زيفاً وبهتاناً - لأنه عصر الغيبوبة والخدر، ومصداق ذلك
ما آلت إليه الثقافة العربية التي قُلبت رأساً على عقب، فحلّ الهجين محل الأصيل، والعميل محل الوطني، والخائن محل المخلص، والجاهل محل العالم، والكافر
محل المؤمن، والغبي محل الذكي، وعديم الشعور محل الشاعر، والمغفل محل
النبيه، والأصاغر محل الأكابر، وزُوِّرت الأسماء والصفات فأطلق على الأوضاع
الشاذة مصطلح (عصر الحداثة) ! !
في عصر الحداثة سُنَّت الحروب على اللغة العربية الفصحى، فرُفِعت بيارق
اللهجات العامية الضحلة في أكثر من قطر عربي، وبلغ البعض أسفل درجة من
الانحطاط فدعوا إلى استخدام الحروف اللاتينية محل الحروف العربية، واتخذوا
مما نفذه يهود الدونمة نبراساً يهتدون به.
إن سبب إعلانات الحروب على اللغة العربية الفصحى هي كون تلك اللغة:
لغة القرآن الكريم، ولغة السُّنة النبوية، ولغة التراث الإسلامي بشكل عام. فإذا ما
هُزِمت تسهل هزيمة ما تحتويه من تراث مشرف، فاللغة كالإناء إذا كسر ضاع
محتواه.
لم تتوقف أنواع المعارك، كما لم تقتصر على الدعوات إلى العامية،
واستبدال الحروف، وإلى آخر ما هنالك من جِيَفٍ فاحت عفونتها من مصر وسوريا
ولبنان والعراق والجزائر.
لعل الغريب أتى هذه المرة من تونس الخضراء، وذلك بالدعوة إلى الاهتمام
باللغة التونسية، نعم اللغة التونسية، وربما يدعون إلى القومية التونسية غداً،
والدين التونسي (البورقيبي + ورثته) بعد غد.
لقد تضمنت أخبار الثقافة - خبراً تقشعر منه أبدان الذين ما زال عندهم بقية
باقية من غيرة وحياء. وهذا هو الخبر:
تونس/ إصدارات
كتاب: (الأمثلة الشعبية التونسية) محاولة لتأكيد وجود (لغة) تونسية. ...
تونس ١٠/٥/١٩٩٣: يتضمن كتاب (الأمثلة الشعبية التونسية) للأستاذ
الجامعي التونسي (الهادي بالغ) مدرس اللغة الفرنسية في إحدى الكليات التونسية،
اعتقاداً راسخاً بوجود (لغة) تونسية بعيدة عن اللغة العربية الأم، وقد جمع فيه
المأثورات الشعبية المتداولة في تونس معتمداً منهجية دقيقة قوامها تصنيف
المأثورات بحسب التوزيع الأبجدي.
وفي لقاء مع (وكالة فرانس برس) لم يعتبر المؤلف كتابه شاملاً لكل
المأثورات التونسية بل خطوة ستليها خطوات أخرى (موضحاً أن فكرة الكتاب
نبعت من تجربته مع صحيفة (لا بريس) اليومية الصادرة باللغة الفرنسية حيث كان
يقوم أسبوعياً بترجمة الأمثلة التونسية إلى اللغة الفرنسية. وبعد ما توافر له عدد
كبير من الأمثال الشعبية جمعها في الكتاب المشار إليه.
وأضاف: إن كتابه (أسس لقيام مُنجد خاصّ باللغة (التونسية) الأمر الذي ...
يحمله على الاعتقاد الراسخ - بوجود لغة تونسية بعيدة عن اللغة الأم العربية) . ...
وقال: إن (الحديث عن لهجة تونسية على غرار اللهجات العربية الأخرى أمر
مغلوط وأوضح: إن (اللغة التونسية) لغة أصيلة يعتمدها أفرد الشعب التونسي في
تخاطبهم اليومي) ، وهي حسب رأيه (وإن تعرضت إلى ضغوطات سابقة نتيجة ...
الاستعمار، تظل دائماً محافظة على شخصيتها المستقلة، وعلى كيانها اللغوي
المتكامل والمتناسق) ، ويؤكد المؤلف أن كتابه (يقيم مصالحة بين الإرث الثقافي
في تونس وبين نخبتها المثقفة) ، ويسعى إلى البحث في ثقافات أخرى ولا سيما
الفرنسية منها عن مأثورات نظيرة لما وجده في المخزون الثقافي التونسي الأمر
الذي استغرقه جهداً كبيراً. وقد أراده قناة تؤمِّن التواصل بين الثقافات الإنسانية في
الجنوب والشمال وفي الشرق والغرب.
ولا ينكر (الهادي بالغ) وجود مأثورات تونسية شعبية منقولة عن اللغة الأم
وهي تُمثل الجانب الأوفر مما هو متداول. كذلك يرى جانباً من هذه الأمثلة متجانس
مع بعض الأمثلة الأخرى المتداولة في أقطار عربية أخرى. ويؤكد على أن نسبة لا
تَقِلُّ أهمية عن سابقاتها تونسية محضة، وهي من إبداعات التونسي، ومعبرة عن
واقعه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
ويتمنى المؤلف أن يتمكن الكاتب من أن يُطلِعَ التونسي على إرثه الثقافي
الثري وأن يتجاوز رواجه الحدود التونسية على غرار شريط الخرج التونسي (فريد
بوغدير) (عصفور سطح) الذي حقق نجاحات كبيرة في السنوات القليلة الماضية، ...
لأنه ضمنه أمثلة شعوب أخرى متعددة ناطقة بالعربية والألمانية والسويدية
والإيطالية والإسبانية.
وسيصدر المؤلف الأجزاء الأخرى من (الأمثلة الشعبية التونسية) في مرحلة
لاحقة) .
***
هذا هو الخبر، اكتشاف بحجم المآسي التي تصفع وجه العالم الذي يدعي
الحضارة زيفاً ونفاقاً، ومختصر القول: من تونس لم يأت الجديد، وإنما من هناك
فاحت رائحة العداء للغة العربية بعد معاداة الإسلام والمسلمين.