للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لماذا لا يُغيِّر رمضان من واقعنا؟

محمد بن عبد الله الدويش

يتفاعل المسلمون مع رمضان، وتبدو مظاهر التغير في حياتهم، وفي عبادتهم، حتى لو غاب أحد عن المجتمع وعاد إليه في رمضان لم يصعب عليه أن يكتشف دخول الشهر من واقع الناس.

يصوم عامة الناس شهر رمضان، حتى أولئك الذين يُفرِّطون في الصلاة كثير منهم لا يُفرِّط في الصيام.

يصلي الناس من قيام رمضان ما كتب لهم، يقرؤون القرآن، يؤدون العمرة، يتصدقون ... ولكن.

حين ينصرم رمضان يصعب أن نرى تغيراً في واقع الأفراد أو واقع المجتمع ... فلماذا؟

لقد أخبر ـ تبارك وتعالى ـ أن الصيام يحقق التقوى في النفوس، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣] .

والقرآن والصلاة والصدقة لها أثرها البالغ في إصلاح النفوس، ومع ذلك ما نراه في الواقع يختلف كثيراً عما يجب أن يكون.

يصعب تفسير هذه الظواهر من خلال عامل واحد، أو اختزالها في إجابة جزئية، لكن كثرتها تقودنا إلى سؤال مهم:

ما مدى عنايتنا بمقاصد العبادات؟

لقد جاء الحديث عن مقاصد العبادات في القرآن الكريم أكثر من الحديث عن تفاصيل أحكام العبادات.

وكثير من أحكام العبادات روعيت فيها مقاصدها، فإقبال الإنسان على طعامه حين يحضر، وقضاؤه لحاجته يُقدّم على صلاة الجماعة الواجبة، والطمأنينة في المشي إليها أولى من الإسراع لإدراك ركعة أو ركعتين.

ومقصد الاجتماع روعي ولو في تغيير كيفية الصلاة، وعدد ركعاتها في صلاة الخوف.

إن هذا يتطلب من المربين والمعلمين أن يعتنوا بتعريف الناس بمقاصد العبادات وتجليتها لهم، ويكفي في ذلك ماجاء بنص القرآن والسنة.

وهو يتطلب الاعتناء بالتذكير بها والوصاة بها، والتأكيد عليها.

وهو يتطلب ربطها بالأحكام التفصيلية فيما تظهر حكمته دون تكلف أو قول بغير علم.

إن المسافة شاسعة في دروسنا وتعليمنا بين ما نقدمه من حديث عن المقاصد، وحديث عن تفاصيل الأحكام، وبين ما يتكرر في وعظنا من أمر أو زجر على التقصير، وما يرد من وقوف عند أسرار العبادات.

لذا ينبغي ألا يثير استغرابَنا اعتناءُ الناس بمظاهر العبادات أكثر من حقائقها، وبصورها أكثر من مقاصدها.

والله ـ عز وجل ـ غني عن عباده، لا حاجة له في عبادتهم وطاعتهم؛ إنما فرض عليهم العبادة لحاجتهم هم إليها: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: ٣٧] .

وقال #: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (رواه البخاري) .