[مدافعة الباطل بالحق]
علي مطاوع
إنّ التكليف الشرعي يأتي متناسباً مع القدرة على القيام به، سواء أكان
المكلف فرداً أو جماعة؛ لأن مقصود الشرع هو دفع العنت والمشقة عن الناس،
وإظلالهم بظل الإسلام في خاصة شؤونهم وعامتها، وفتح أبواب السعادة أمامهم في
الدنيا والآخرة.
ولقد كان إعلان كلمة التوحيد إنارة للعقل والقلب بنور الحق، وفتح باب
الهداية لسلوك سبيلها بالتعبد لله على شريعته والاستقامة على منهاجه.
ولقد اختص الله (تعالى) نبيه محمداً برسالته إلى الناس كافة؛ لينير بها العقول
والقلوب بالحق الذي جاءه من عند الله، فتسعد حياتهم في الأولى والآخرة، ولقد
كان حمل الرسالة للناس يتناسب مع قدرته النفسية والروحية والجسدية، ومكث
فترة يُسِرّ بها إلى من يتوسم فيهم العقل الراجح والنفس الصافية، فآمن به ثلة من
خيرة المجتمع المكي، إلى أن كلف بالصدع بالحق الذي نزل عليه، وإنذار
الكافرين المستكبرين عن الحق، وبشارة المستجيبين لدعوة الله، وكان الواجب
حينها: البيان باللسان من تلاوة آيات الرحمن، ودفع الشبه التي تخيم على عقول
الجاهلين، ورفض أباطيل المستكبرين واحتمال ما يصيبه والمؤمنين برسالته من
الأذى في ذلك حتى يحكم الله بينه وبين أعداء الله (تعالى) ورسوله - صلى الله عليه
وسلم-، ولقد طالت فترة الامتحان، وتعرض الصحابة (رضوان الله عليهم
أجمعين) للفتنة والإيذاء، وأصبحوا لا يجدون سبيلاً لدفع الأذى عن أنفسهم إلا
الهجرة وترك الأوطان؛ لكي يسلم لهم إيمانهم بالله (تعالى) الذي رضوا به بديلاً عن
الدنيا وما فيها، فكانت الهجرة إلى الحبشة، ثم الهجرة إلى المدينة، وفي المدينة
تكون المجتمع وقامت الدولة، واستقر الأمر بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاء الأمر من الله (تعالى) بالإذن للمسلمين بدفع عدوان الكافرين بقوة السلاح؛
فكانت المعارك والغزوات التي وعى التاريخ منها ما وعى.
فهل وعينا نحن العِبَر من سيرة الرسول في مدافعة الباطل بالحق؟ ، وهل
أخلصنا نياتنا لله (سبحانه) وصوّبنا متابعتنا لرسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لتسلم
أعمالنا من شوائب الشرك والرياء والبدعة، وننال رضى الله ونصرته؟ ، إننا مَهْما
شغلتنا الأشغال والتمسنا لأنفسنا المعاذير، فلن يغير ذلك من حقيقة الأمر شيء: أن
مدافعة الباطل بالحق من واجبنا، وفي قدرتنا.