مقالة
[المرأة بين تفكيرين]
إعداد:نورة السعد
لم تعِ المرأة المسلمة بعد أنها الخاسرة في هذه الصفقة العصرية المسماة «
تعليم البنات» في كثير من البلدان، وهي خسارة لم تطلها وحدها بل انسحبت
بآثارها المدمرة على المجتمع بأكمله.. ماذا جنت المرأة عندما دفعوها دفعاً إلى
صعود مراقي التعليم العلماني؟ ! غير أنها جنت على نفسها وعلى من سواها؟ لقد
أخرجوا المرأة من بيت وليّها: أباً أو زوجاً، بشتى الحيل وأهونها فكان ذلك بداية
المحذورات جميعاً، وتركت المرأة جهادها الكريم في بيتها وانصرفت إلى نضال
مدنّس أو على الأقل ثانوي في الخارج؛ سعياً وراء تحصيل العلم بزعمهم! !
وتحقيق الكيان الاجتماعي! ! والوظيفة المرموقة، وباسم العلم والنور والتقدم! !
أخرجوا لنا نماذج نسويّة تمرست وتقلبت في معتركات التعليم ومجالات العمل
ومسارح الاختلاط المختلفة، نماذج (رائدة) خلّفَت وراءها رسالتها وبخاصة هموم
البيت، ومشاكل الزوج والأولاد! ! فضلاً عن تخلّى الرجل عن ولايته وقوامته
على المرأة، فلم يعد يأمر في أهل بيته ولا ينهى وانسحبت المرأة من البيت،
وتفككت الأسرة وضاعت المسؤوليات.
لماذا تتعلم المرأة، وماذا تتعلم؟
تتعلم المرأة لتنير عقلها وقلبها، وبماذا تنيره يا ترى؟ بالمناهج الدراسية
الرجّالية التي لا تنفع المرأة، ولا تستقيم مع فطرتها، ولا مع دورها الحقيقي في
المجتمع! أم بالمناهج التعليمية إياها في شتى المراحل المملوءة بالأفكار اللادينية بل
المناوئة للدين أحياناً.. تلك المناهج التي تكرس الازدواجية في الأذهان (تعليم ديني
ومدني، قديم وحديث) وتعرض المفاهيم الدخيلة وتزكيها وتطمس على المفاهيم
الإسلامية وتشوهها (لاسيما مناهج التاريخ والتربية والاجتماع، وخصوصاً مناهج
الدين! !) . [١]
وما ضرورة الدراسات العليا للمرأة المسلمة؟ في كثير من الأحيان هل حقاً
هو التحصيل العلمي! ! أم صرعة المساواة مع الرجل؟ إذن فما الآثار المترتبة
على تخريج تلك الأفواج من حاملي الإجازات (العلمية) ؟ ! أين فاعليتهم الاجتماعية؟ وماذا قدموا للمجتمع؟ ! ماذا قدمت تلك الرسائل الجامعية في معظمها غير انتحال
أفكار الآخرين واقتباس كلامهم، وتبني مناهجهم الضالة دون فهم أو تمحيص؟
حتى أصيب كثير من الرجال والنساء بالخلل العقدي! !
فأجيبوني ما ضرورة الدراسات العليا للمرأة؟ لاسيما إذا جرها ذلك إلى
التغرّب وحدها؟ ! فإن سفر المرأة يعني: سفراً دون محرم، وإقامة دون ولي
واختلاطاً ومنكرات لا تعد ولا تحصى، خصوصاً في هذا العصر، وعند فتيات
اليوم، اللاتي لا يبالين بركوب الصعاب، وخوض غمار التجارب، برغم قلة الزاد.
وحتى عندما ترافق المرأة زوجها المبتعث إلى الخارج، يتفتق الذهن التجاري
للزوجين في كثير من الأحيان عن فكرة إكمال المرأة للدراسة أيضاً، لا من أجل
سواد عيون العلم، ولكن تجميعاً للمرتبات (مرتب دراسي هنا ومرتب وظيفي هناك)
أما الأولاد فيحصلون على الحشف وسوء الكيلة، ففوق التغريب يلاقون الإهمال،
فيرمى بهم إلى جليسات السوء (baby setters) والمدارس الأجنبية، وإلى خضم
الحياة الغربية الموبوءة ذاتها.
ويدّعي الجهلة والمضللون: بأن الاختلاط أقل كلفة من إنشاء كليات للبنين
وأخرى للبنات، ولكن ما الداعي أصلاً إلى تعلم المرأة لعلوم الذرة والهندسة
والزراعة! ! والإعلام والصحافة! ! والآداب والفنون! ! وغير ذلك؟ هل
ليستوي الرجل والمرأة، في الخضوع للغزو الثقافي وغسيل الأمخاخ والتناقضات
العقدية، ولماذا كل هذا الحرص على إخراج المرأة وإفسادها؟ لماذا تمجّد وتلمّع
النماذج الشاذة في المجتمعات الإسلامية من شويعرات ومتأدبات وفنانات ومفكرات
ومتحزبات ومستوزرات! ! لماذا جعلوا المرأة التقدمية بزعمهم تمشي تحت هالة
من الأضواء والتعاطف، وصوروا المجتمع الشرقي المتخلف كما يحبون أن يطلقوا
عليه يكمن مترصداً وراء الجدار على هيئة رجل ملتحٍ بيده خنجر؟ ! هل الإسلام
عدو للمرأة؟ ! سيقولون لك: لا، لكن الإسلاميين كذلك! فالإسلام الموجود بين
دفتي المصحف ليس خصماً لهم مادام القرآن مهجوراً! !
ولكن أين هي المرأة المسلمة؟ ! هل هي تلك الخيمة المتحركة كما يدعون!! المرأة الجاهلة المتخلفة! تلك التي أورثتها جدران البيت قصر النظر وبلادة الحس، وسُقم التفكير! ! هل هي تلك التي لا تعرف من الحياة سوى الطبخ والنفخ، «
واسكت يا ولد» ، وهات أيها الزوج؟ ! أم أنها تلك المرأة العصرية (الواعية) ! !
التي تتمتع باستقلالية اقتصادية وفكرية! ! تلك التي تدفع بأبنائها إلى المدارس
الخاصة أو المدارس الأجنبية! ! تلك التي تختار بلداً أجنبياً لتمضية الإجازة
الصيفية، لينعم أطفالها «بكورسات» اللغة الإنجليزية ويمارس أفراد العائلة
حرياتهم بعيداً عن أعين الرقباء! ! تلك الأم العصرية التي اهتدت (! !) إلى
تطبيق التربية الحديثة الفذّة فألبست صغيرتها ذات الاثني عشر ربيعاً (! !) «
البنطال» و «التي شيرت» وتركتها تقص شعرها كالصبي، وتمارس الهوايات
الرياضية، وتتلقى دروساً في الموسيقى، ولأنها تتفوق في الفيزياء والرياضيات
الحديثة، فليس عليها بعد ذلك ألا تحسن شأناً نسوياً واحداً وألا تعرف من القرآن
والدين إلا ما تجتاز به امتحاناً، دون ممارسة أو تطبيق، ولماذا تتحجب هذه الفتاة ...
وأمها لا تلتزم كثيراً بالحجاب الشرعي! ! ولماذا تتحجب والحجاب مسألة
شخصية! ! ولماذا تكره على الصلاة؟ وليس لديها وقت لذلك! ! فالوقت مزدحم بالدراسة والنادي والأتاري والفيديو والفسح ... الخ عندما تبلغ الفتاة سن الرشد فإنها ستختار (أو لن تختار) لنفسها الحجاب والصلاة وبقية الأمور المؤجلة! ! أما الآن فالأم تسلح ابنتها بأساسيات الحياة وبما ينفعها حقاً في حياتها العملية! !
هذا جانب من التربية الحديثة التي تفتخر بها الأمهات العصريات في المجالس
النسوية، ويفضلن الحديث فيما أنفقنه على المدارس الخاصة، ودورات المهارات
الالكترونية، وملابس الصيحات الحديثة، والسفريات هنا وهناك فسينفقون أموالهم
ثم تكون عليهم حسرة.
إن المرأة المسلمة حقاً هي التي بايعت الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-على
السمع والطاعة: فصانت نفسها، وحصنت بيتها، وجعلت همها الأول في حمل
الأمانة التي استحفظت عليها: تربية الأجيال الربانية المحمدية، وعرفت حق
المجتمع عليها، فانطلقت تتفقه في دينها، وتدعو قريناتها، وتنصح لأخواتها.
إنها تلك التي طالبت بنصيبها من الهدي الرباني لما غلبها الرجال عليه
فاستجيب لها، لأنها شقيقة الرجل، أي شريكته لا نده، فإن اختلاف الطبائع
الجسدية والنفسية، عند كل من الرجل والمرأة يعني بالضرورة اختلافاً حاسماً في
الوظائف والأدوار، وإلا فإنه من المجافي للمنطق أن يخلق الإنسان ذكراً وأنثى
دون أن يترتب على ذلك أمرٌ ما.
ولقد خرجت المرأة المسلمة في خير القرون، مجاهدة في ظل القرآن لكن ذلك
لا يعني أنها هجرت بيتها، وحملت السيف وجالدت الرجال، فإن النماذج المعروفة
لنا لا تمثل صوراً عامة، لكنها نماذج معدودة فحسب لنساء مسلمات، استجبن
بشجاعة منقطعة النظير لدوافع إيمانية بحتة، فقد شهدت نسيبة بنت كعب مع
زوجها وابنتها أُحداً، وشهدت أيضاً الحديبية ويوم حُنين ويوم اليمامة، وشهدت
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما اليرموك مع زوجها الزبير، وشهدت أم سُلَيم
حنيناً مع زوجها أبي طلحة، وابنها أنس بن مالك، وحمل عبادة بن الصامت زوجه
أم حرام معه لما غزا قبرص في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.. ويتجاهل
الكثيرون أن هاتيك النسوة المسلمات، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها قد شاركت في الأحداث المهمة في عصرهن، وخُضنَ المعارك، ومع ذلك كله
فلم تكن إحداهن تكلم الرجال إلا من راء حجاب.
إذا كان الرجل نصف المجتمع فإن المرأة هي نصفه وحاضنة نصفه الآخر
فهذا الرجل نفسه قد تعرض لتربية المرأة أماً وتأثيراتها أختاً وابنةً وزوجاً، وإذا
كان في وسع الرجل أن يتنصل قليلاً أو كثيراً من مهامه داخل بيته، فإن المرأة لا
يسعها من ذلك أقله، فهي المربية المدبرة المسؤولة، شاءت أم أبت، فإذا صلحت
صلح الأمر كله وإن غاب الرجل وإذا فسدت لم يُجْدِ مع ذلك دواء.
إن صلاح الرجل والمرأة، مرتبط أساساً بعودة المجتمع إلى نظام الإسلام،
إنه في بلوغنا القيم الإيمانية التي تجعلنا نحيا في سبيل الله حياة ربانية كاملة، في
أقوالنا وأفعالنا ومشاعرنا وأذواقنا، وخلجات صدورنا وآفاق تصوراتنا، وغايات
آمالنا، إنطلاقاً من غاية التربية الإسلامية ومناهجها المبنية على تكوين الفرد
الصالح في نفسه المصلح لما اسّتُرّعي عليه.. وقد اسّتُرّعيت المرأة على البيت
المسلم الذي يمثل بحق نواة مصغرة للمجتمع كله، بل الحياة بأسرها.
(١) انظر د يوسف القرضاوي الحل الإسلامي فريضة وضرورة ط ٣ - ١٣٩٧ هـ مكتبة وهبة القاهرة ص ٤٤-٤٥.