للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

[حوار مع عضو الكونجرس الأمريكي الأسبق بول فندلي]

السياسات الأمريكية - الشرق أوسطية

تصنع في (إسرائيل) لا في واشنطن

السيناتور الأميركي السابق بول فيندلي - ٨٢ عاماً - أحد أبرز الشخصيات

الأمريكية المعارضة للنفوذ اليهودي في الولايات المتحدة، ولسياسة الإدارات

الأمريكية المتعاقبة ضد الإسلام والمسلمين، بدأت علاقته بالكونجرس منذ عام

١٩٦١م عندما انتخب لأول مرة عضواً عن ولاية إلينوي، وبدأت علاقته الإيجابية

بالإسلام عام ١٩٧٤م إثر عودته من اليمن بعد وساطته في إطلاق سراح مواطنه

«إد فرانكلين» المتهم بالتجسس لبريطانيا، وبدأ نشر مؤلفاته الخمسة عن

المسلمين وقضاياهم عقب تآمر اللوبي اليهودي لإسقاطه في انتخابات الكونجرس

١٩٨٣م بعد عضوية ٢٢عاماً متواصلة، تفرغ بعدها للدفاع عن قضايا المسلمين،

وأبرز كتبه «من يجرؤ على الكلام» ، الذي سجل أعلى المبيعات في أمريكا طوال

أكثر من ١٢ أسبوعاً عقب صدوره، وطبع منه ما يزيد على ٣٠٠ ألف نسخة في

الولايات المتحدة وحدها، كما ترجم إلى لغات عالمية عديدة ونشر في أنحاء العالم

على نطاق واسع، وتحدث فيه عن أعضاء الكونجرس الذي تجرؤوا على

مهاجمة اللوبي اليهودي، والسياسة الأمريكية المتحالفة مع «إسرائيل» ،

وأبرزهم: ويليام فولبرايت - بول ماكلوسكي - ديان فرانسيس، والمثير أن

أغلب هؤلاء تغيرت مواقفهم إيجابياً تجاه المسلمين عقب زيارات قاموا بها

للمنطقة، حيث تكشفت لهم الحقائق على أرض الواقع بعيداً عن تزييف الإعلام

الأمريكي، وهذا ما دفع فندلي لتأليف كتابه الأهم «لا سكوت بعد اليوم» عام

٢٠٠١م، حيث هاجم الصور النمطية المشوهة عن الإسلام التي يقدمها الإعلام

الأمريكي «المتهود» وحاول أن يقدم حسب رؤيته الخاصة صوراً إيجابية

للمسلمين ولقضاياهم خارج الولايات المتحدة وداخلها، ويقول فندلي في كتابه أنه

عرض مسودته على والدة زوجته المثقفة جداً الكاثوليكية، فقالت له بعد قراءته:

«إني على الأرجح كالملايين من الأمريكيين طالما اعتقدت أن المسلمين أناس

غريبو الأطوار من الأخبار التلفزيونية، وعناوين الصحف.. أصبحت الآن على

معرفة أفضل بهم، ولكني أخشى من أن غالبية الشعب الأمريكي ليسوا كذلك» .

واللافت أن بول فندلي ينصح المسلمين أن يصروا على إبراز هويتهم

كمسلمين، ويستنكر عليهم عدم استغلال كل فرصة لبيان حقيقة دينهم، ويقول لهم:

«إن الوقت لا يسمح بانتهاج سياسة الانتظار.. ذلك لأن الأفكار المنمطة تولد عن

الإسلام صوراً مؤذية سريعة التفشي» .

البيان: لقد كشفتم الغطاء في كتابكم: (من يجرؤ على الكلام؟) عن

حقيقة النفوذ الإسرائيلي داخل المؤسسات الأمريكية؛ فهل تعتقدون أن هذه

الجهود ساهمت بشكل كبير في إخراجكم من الكونجرس؟

- على الرغم من أن عدة عوامل تسببت في خسارتي بعض الأصوات، إلا

أنني أعتقد أنه كان باستطاعتي الفوز أمام أي مرشح لا يتلقى تمويلاً من قِبَل اللوبي

الإسرائيلي في أمريكا. عانت منطقتي من ركود اقتصادي وارتفاع ملحوظ في نسبة

البطالة. قُطِعت عني أقوى مصادر الدعم الجمهوري بما في ذلك مدينتي. كما أن

معظم المناطق الحديثة والتي لي بها معرفة سطحية كانت تتبع الحزب الديمقراطي

تقليدياً. ومع هذه المعوقات مجتمعةً فإنني كنت محتاجاً إلى ١٦٠٠ صوت إضافي

من أصل ٢٠٠.٠٠٠ صوت كي أفوز في الانتخابات. حصل منافسي على مبلغ

مليون دولار أمريكي لدعم حملة انتخابه، وهذا يعتبر سابقة في تاريخ الإنفاق في

الانتخابات المحلية في ولاية ألينوي لعضوية مجلس النواب في الكونجرس. وطبقاً

لمنسق لجنة شؤون العلاقات الأمريكية الإسرائيلية (توماس داين) فإن ٩٠% من

الدعم الذي حصل عليه منافسي جاء من مصادر يهودية، معظمها من أناس خارج

حدود المقاطعة التي أنتمي إليها.

وكلما أمعنت النظر في تلك الانتخابات بدت لي أنها لم تكن قط خسارةً بل

ربحاً. لقد فتحت لي أبواباً لم أكن لأعرف عنها شيئاً لو بقيت في الكونجرس.

إنني سعيد أن كتابي «من يجرؤ على الكلام؟» قد ساهم في إطلاع

الأمريكان على الدمار الذي لحق بمؤسساتنا السامية نتيجةً للتلاعب المفرط في

سياستنا تجاه الشرق الأوسط من قِبَل اللوبي الإسرائيلي في بلادنا. وقد بيع من

الكتاب أكثر من ٣٠٠.٠٠٠ نسخة، ولقد أعلن الناشرون «Hill Lawrence

Books» وهم دار نشر مملوكة من قِبَل «Press Review Chicago»

إطلاق نسخة ثالثة مزيدة ومنقحة.

البيان: نسمع أحياناً عدداً من الأصوات الحرة والمنصفة تصدر عن

مسؤولين أمريكيين، ولكن دائماً بعد تركهم مناصبهم وخروجهم من دائرة التأثير

والنفوذ. كيف يمكن أن تكون هذه الأصوات مؤثرة في المجتمع الأمريكي؟

- إن سياسة التخويف الممارسة تكاد تكون مهيمنة بشكل كامل. وفي الوقت

الراهن نجد أن عضو مجلس الشيوخ روبرت بايرد من غرب فرجينيا هو الأوحد

الذي يتحدث بحرية عن السياسة في الشرق الأوسط. كما نرى أن نائبي ولاية

جورجيا (ساينثيا مكيني) وولاية ألاباما (إرل هيليارد) كانا جريئين في الحديث

أثناء توليهما منصبيهما، ولكن هذا بدوره أدى لهزيمتهما في الانتخابات التحضيرية

العام الماضي. إنه لمن المحزن حقاً أن يشعر شخص واحد فقط، وهو عضو

مجلس الشيوخ بايرد، بالأمان السياسي الكافي للحديث بصراحة عند مناقشة

المواضيع المتعلقة بإسرائيل. وحتى بعد تنحيهم عن مناصبهم المنتخبة فإن القليل

منهم من يتحدث بصراحة.

إن نواب الولايات الأمريكية السابقين مثل ديفيد بونيور وسينثيا ماكيني

وبول «بيت» مكلوسكي إضافة إلى السناتور ماك جفرن يعتبرون من القلة

القليلة التي تحدثنا عنها.

وهذه الحال التي نعايشها لن تتغير إلا إذا استيقظ الناخبون الأميركيون ووعوا

الأثر المدمر للانحياز لـ (إسرائيل) على مؤسساتنا ومبادئنا السامية. وهذا الأمر

لن يتحقق إلا إذا أصبح المواطنون المدركون لخطر هذه الآفة نشطاء سياسيين،

ونظموا جهوداً للضغط السياسي شبيهة بما تقوم به منظمة (AIPAC) ثم ينتخبون

أعضاء للكونجرس ممن لديهم الإرادة لإنهاء هذا التحيز.

ولا نغفل المسلمين الأمريكيين والمواطنين من ذوي الأصول العربية؛ فهم

كثر وعلى جانب كبير من الاطلاع، ولكنهم ما يزالون في المراحل الأولى من

تنظيم أنفسهم سياسياً.

البيان: ما الذي يتحكم في صناعة القرار الأمريكي؟ وبمعنى آخر: ما هو

أثر القناعات الشخصية والمصالح في هذا القرار؟

- إن السياسات الأمريكية الشرق أوسطية تصنع في (إسرائيل) لا في

واشنطن. وهؤلاء المتعصبون لإسرائيل قد سيطروا على صناعة القرارات

السياسية لعدة سنوات، وهم موجودون في جميع المكاتب التشريعية والتنفيذية والتي

لها علاقة بصناعة السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. والنسخة الجديدة من

كتابي «من يجرؤ على الكلام؟» تحوي التفاصيل الكاملة لهذا الأمر.

البيان: وهل يوجد صراع أجنحة داخل الإدارة الأمريكية الحالية؟

- في حين أن سياسات الرئيس بوش الخارجية هي غالباً خطرة ومُضَلّلة إلا

أنه على الأقل ذكر في أكثر من مناسبةٍ مساندته لدولةٍ فلسطينيةٍ مستقلة. آمل أن

يستمر على هذا النهج، ولكن يساورني الشك في ذلك.

أما في إدارته، فيمكن سماع أصوات عدة متنافسة. فعلى سبيل المثال غالباً

ما يكون وزير الدفاع رامسفيلد وأعضاء وزارته على النقيض مع وزير الخارجية

كولن باول الذي يحبذ وجود الدولة الفلسطينية في حين أن رامسفيلد يرفض ذلك.

البيان: هل تعتقد أن الرأي العام له تأثير كبير على السلطة السياسية في

أمريكا؟ أم العكس من ذلك؛ بحيث إن هذا الرأي العام مصنوع من قِبَل أصحاب

المال والنفوذ في المجتمع؟

- يسيطر اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكية الشرق أوسطية سيطرةً

كاملة؛ لأنه يؤثر بنجاح تام على الإعلام الأمريكي، وهذا التأثير يجعله مسيطراً

بشكل فعال على مواقف الناس العاديين.

البيان: وما هو السبيل للتأثير في مجرى الأحداث في ظل الإمكانات المتاحة؟

.. ما هو دور الفرد العادي؟

- كما فصلت القول في الملحق (ب) من كتابي «لا سكوت بعد اليوم»

فإنه يمكن وبسرعةٍ تفعيل دور المواطن العادي بحيث يصبح مؤثراً ضد التحيز

الإعلامي والتحيز الرسمي. ويستطيع المواطن أن يحتج بنجاح على جميع أشكال

التحيز الإعلامي أو الانتخابي أو الخطابي. ويحتاج هذا الأمر إلى وقت وجهد،

ولكنه يمكن أن يكون فعالاً. ليس هذا فحسب بل يمكن أن يكون للأفراد أن يوسعوا

من دائرة تأثيرهم عندما يصبحون أعضاء نشطين في مؤسسات ذات علاقة مثل

المنظمة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز العنصري، والمعهد العربي الأمريكي،

ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، ومجلس المسلمين الأمريكيين، وتحالف

المسلمين الأمريكيين، ومجلس العلاقات العامة الإسلامي.

البيان: ما هي المراحل الإجرائية لاتخاذ القرار السياسي في الولايات

المتحدة الأمريكية؟ وما هي أهم حلقة (جهة) في هذه الإجراءات؟ وهل جميع

القرارات تمر عبر هذه المراحل؟

- إن السياسات الأمريكية شرق الأوسطية مثلها مثل أي سياسات حكومية

أخرى تحتاج إلى موافقة مجلس النواب ومجلس الشيوخ والرئيس.

وعلى الرغم من أن طرح مشاريع القوانين التي تصوغ سياسة معينة يبدأ

«شكلياً» ، في الكونجرس، ولكن في الواقع تصاغ مذكرات هذه القوانين من

قِبَل الجهاز التنفيذي (الرئيس أو أحد أفراد حكومته) قبل عرضها للمداولة

في الكونجرس. ومن المؤسف حقاً أنه لا تحدث مداولة ونقاش حقيقيان

لمشاريع القوانين المقترحة في أية مرحلة. كما أن كلا الجهازين التنفيذي

والتشريعي (الرئيس والكونجرس) لا يلتفتان إلى أية وجهة نظر عدا تلك

التي تؤيدها (إسرائيل) ومؤيدوها في الولايات المتحدة. ولا يمكن أن تعدل

أو تنقّح هذه السياسات أبداً، بل يندر أن يقترح أحد أي تعديل أو تنقيح أصلاً.

البيان: هل التوجهات التي يطرحها اليمين الجديد (American New

Century) من خلال مصادرهم الإعلامية تمثل الاستراتيجية والسياسة

الخارجية الأمريكية تماماً؟

- هناك عدد ممن صاغ الميثاق الخطير المعروف باسم «الحقبة الأمريكية

الجديدة» في أماكن حساسة في وزارة الدفاع وعلى رأسهم نائب وزير الدفاع

ولفويتز. وقد صاغ ولفويتز ومجموعته هذه الفكرة إبان حكم جورج بوش الأب

الذي رفضها بحكمة قبل عشر سنوات بسبب إيغالها في التطرف. ولكنهم استطاعوا

معاودة النشاط في ولاية جورج بوش الابن؛ كما نجحوا في الحصول على موافقته

على هذه السياسة. ويظهر هذا صراحةً في إحدى وثائق وزارة الخارجية التي

صدرت بتاريخ ٢١/٩/٢٠٠٢م. إن هذه السياسة موغلة في التطرف ولها آثار

بعيدة المدى جداً.

البيان: كيف ترى أثر أحداث سبتمبر على أوضاع الإسلام والمسلمين في

أمريكا؟ والقبض على مسلمين ذهبوا ليسجلوا أسماءهم في مقر إدارة الهجرة

بولاية كاليفورنيا - مراقبة الاتصالات والبريد على نطاق واسع - المحاكمة بناء

على الأدلة السرية - مداهمة الجمعيات الإسلامية الخيرية والثقافية بصورة غير

مسبوقة - الاعتقال والملاحقة بأدنى شبهة ولو ملفقة ... وغيرها من ممارسات

متعسفة وغير إنسانية مارستها السلطات الأمريكية تجاه بعض المسلمين أو

الجمعيات الإسلامية داخل أمريكا.. هل يمكن أن تتحول أمريكا إلى دولة بوليسية؟

وما الضمانات التي تحول دون ذلك في ظل سيطرة قوى معينة على وسائل

الإعلام وعجز أو سلبية المواطن الأمريكي غير المتضرر؟

- في حين أن نكسة ١١/٩/٢٠٠١م تعتبر كارثة لنظامنا السياسي إلا أنه وفي

المقابل من ذلك فإن جميع الأمريكيين وبالذات المسلمون منهم أصبحوا ضحية لهذه

القضية.

إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد عززت الصورة النمطية عن الإسلام

والتي كان لها رواج واسع الانتشار في جميع أرجاء البلاد؛ وذلك بأن قُدِّم

المتورطون في الأعمال الانتحارية على أنهم مسلمون ملتزمون، ونتج عن ذلك

تعزيز الصورة الخاطئة عن المسلمين بأنهم مؤيدون للإرهاب، ولم يلتفت أحد

لحقيقة أن الإسلام لا يقر الانتحار أو قتل الأبرياء. ولكن الذي حدث بدوره نتج عنه

كتابات وتعليقات متزنة وبناءة في الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية. هذا التقدم

مع الأسف باهت بالمقارنة بالآثار السيئة لما حصل.

إن حصول إدارة الرئيس بوش على إجماع شبه مطلق من الكونجرس أدّى

إلى تقييد الحرية الشخصية، ويسعى وزير العدل (النائب العام) جون أشكروفت

للزيادة من تلك القيود.

إن أنظمة مكافحة الإرهاب أصبحت تمثل تهديداً لصالح مجتمعنا أكثر من

الإرهاب نفسه.

العلاج الناجع لمثل هذه الملمة هو الحرية في التعبير عن الرأي. والنقاش

الصريح غير المقيد هو أملنا الرئيس إن لم يكن الوحيد للخروج من هذا المأزق.

ومما يؤسف له أن معظم الأمريكيين راضون عن تسلط الدولة على حريتنا

الشخصية. إلا أنه قد بدأت تتعالى بعض الأصوات الشجاعة في أرجاء البلاد ولكنها

خارج المنظومة السياسية المنتخبة.

إن معظم الأمريكيين لا يعون أن الرئيس بوش جعل من دولته شرطياً على

العالم، وأن الكونجرس بناءً على طلبه قد خوله صلاحية مهاجمة الدول الأخرى

دون وجود حالة حرب متى أراد وحيثما شاء، كما خوَّلَه الحق في التقييد الشديد من

الحريات الشخصية للمواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة.

إن أحداً من المرشحين المعلنين للانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٠٤م لم يظهر

رغبة في تحدي السياسات المتطرفة التي وضعها الرئيس بوش. إن نظامنا

السياسي ما برح مشلولاً من جراء أحداث ١١/٩/٢٠٠١م وحرية التعبير عن الرأي

ما تزال ضحية، وربما يتشجع بعضنا بمثال السناتور بايرد ليعبر عن رأيه.

إنني على قناعة أن الفترة التي نعيشها هي أصعب المراحل التي عايشناها منذ

الحرب الأهلية، ويجب علينا جميعاً أن نرفض جنون الإمبراطورية.

البيان: في رأيك هل تجدي الحملة الإعلامية التي اعتمدتها الإدارة الأميركية

لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي في ظل الممارسات الفعلية

التي تتبعها الإدارة؟

- إنني لا أصدق أن الحملة الدعائية التي تقودها الحكومة الأمريكية حول

الإسلام، بغض النظر عن حسن النوايا، سوف ترضي المسلمين. وسيكون مآلها

الرفض؛ لأنها حملةٌ ملؤها الريبة والشك، ولأن القائمين عليها هم أنفسهم الذين

تزعموا الحرب على الإسلام كما يعتقد المسلمون أنفسهم.

البيان: من أين يستقي الفرد الأمريكي العادي معلوماته عن الإسلام؟ وما

الدور الذي تقترح أن يقوم به المسلمون لتقديم صورة حقيقية للإسلام إلى هذا

الفرد؟

- يكوِّن معظم الأمريكيين آراءهم حول الإسلام عن طريق قراءة عناوين

الأخبار في الصحف ومشاهدة نتف من أخبار التلفزيون والتي غالباً ما تقرن الإسلام

والمسلمين بالعنف. الغالبية العظمى من الأمريكيين لم يقابلوا أو يسمعوا مسلماً

يتحدث عن الإسلام، بل إنهم لم يقرؤوا ولم يسمعوا أبداً آية واحدة من القرآن. وإن

سألت أحدهم عن عَلَمٍ مسلم أمريكي يرونه أحد القادة المسلمين فإنهم سيقولون لك

لويس فرخان، والذي لا يعتبره كثير من المسلمين ممثلاً حقيقياً لدينهم. والكثير من

الأمريكيين يعتقدون أن أسامة بن لادن وحزب طالبان هم الوجه الحقيقي للإسلام.

إن معظم هؤلاء يعتقدون أن منفذي أحداث ١١/٩/٢٠٠١م هم من المسلمين الذين

كانوا ينفذون مشيئة الله عندما قاموا بتنفيذ العملية. لذا فإنه ومن جهلهم فإن

الأمريكيين يربطون الإسلام بالتطرف بشكل آلي.

أخبرني أحد الأطباء المبرزين الذين تربطني بهم وشائج الصداقة لسنوات أنه

يستهجن ما يقوم به الإسرائيليون من أعمال وحشيةٍ تجاه الفلسطينيين، وهو يدين

في الوقت ذاته العمليات الانتحارية التي تنفذ من قِبَل فلسطينيين يسعون للشهادة على

حساب حياة الكثير من الإسرائيليين. ثم ختم أقواله المغلوطة بالطبع أن للمسلمين

إلهاً عنيفاً ومحباً للانتقام وغير متسامح، تتنافى معتقداته مع تعاليم يسوع المسيح

الرقيقة المتسامحة. ويرى عدد كبير من الأمريكيين أنه يجب طرد جميع المسلمين

من أمريكا.

البيان: يعتقد معظم المسلمين الذين اطلعوا على كتابكم (لا سكوت بعد اليوم)

أنه جهد متميز لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين في أمريكا؛ فكيف ترى أثر

كتابكم في المجتمع الأمريكي خاصة بعد الأحداث الأخيرة؟

- إنني سعيد أن كتابي «لا سكوت بعد اليوم: مواجهة الصور المزيفة عن

الإسلام في أمريكا» قد ساعد على انتشار الفهم الصحيح للإسلام بين الأمريكان من

غير المسلمين. لقد حظي هذا الكتاب بترحيب جيد، وتلقيت عدداً كبيراً من رسائل

الشكر من القسس البروتستانت المعتدلين ومن محرري الصحف وأمناء المكتبات.

وقد قضيت في تأليف هذا الكتاب ثلاث سنوات، وقصدت به القراء غير المسلمين

بالدرجة الأولى. إنني أعتقد أن الكتاب يعطي صورةً دقيقةً وواقعية لهؤلاء من

المواطنين الأمريكيين الملايين السبعة الذين يكوّنون المجتمع المسلم؛ بحيث يشرح

معتقدهم ودوافع وطريقة معيشتهم، وأهمية مساهماتهم في الحياة الأمريكية، وآمالهم

وتطلعاتهم للجيل القادم. إنه يروي الإنجازات التي حققها المسلمون في الحقل

السياسي، والمبادرات التي يجب أن يسلكوها لكي يتغلبوا على الصور الخاطئة عن

الإسلام. إن فاجعة ١١/٩/٢٠٠١م جعلت من كتابي أكثر مناسبةً من ذي قبل. لذا

فإنني أدعو جميع المسلمين لاقتناء نسختين من كتابي، ويُبقوا واحدة معروضة في

منازلهم ليُطلِعوا عليها جميع الزوار، والأخرى تعار لجميع الأصدقاء واحداً بعد

الآخر. إن كتاب «لا سكوت بعد اليوم» ليس له أدنى قيمة إذا تُرِك ليجمع الغبار

على الرف.

البيان: في ظل الأحداث الجارية، كيف ترى مستقبل الإسلام في أمريكا؟

- على الرغم من المصاعب الحالية، والتي أعتقد أنها حالةٌ استثنائيةٌ مؤقتة،

إلا أنني أرى مستقبلاً مشرقاً للمسلمين في أمريكا. إن الأمريكيين، بشكل عام،

منفتحون وكرماء ولطيفون، وبمجرد إدراكهم لحقيقة الإسلام، والمعتقدات الكثيرة

والممارسات التي يشترك فيها الإسلام مع النصرانية واليهودية، فسوف يمدون يد

الصداقة والتعاون للمسلمين. وقبل ذلك وبعده فلقد وجد المسلمون في دستور أمريكا

من الحماية والفرص مثل ما يصبون إليه في الدولة الإسلامية المثالية التي وصفت

في القرآن، مثل الحرية الدينية، وانعدام الإكراه في الدين، وبث روح التسامح مع

أولئك الذين ينتمون للديانات الأخرى، وحماية الحريات المدنية للجميع بما في ذلك

الأقليات.

إنني متألم كثيراً من التعديات على الحريات المدنية التي تمارسها إدارة

الرئيس بوش، ولكنني على يقين من أن قوة الدستور الأمريكي سوف تصمد أمام

هذا الامتحان، كما صمدت أمام مصاعب أخرى من قبل. سوف يعود لاسم أمريكا

بريقه ولسوف تستعيد دولتنا مكانتها كرائدة لحقوق الإنسان وحكم القانون للجميع.

البيان: في رأيكم إلى أين سيقود العالم منطق: (من ليس معنا فهو ضدنا) ؟

وأين أصوات الحكماء في المعسكر الغربي؟

- موقف الرئيس الأمريكي بخصوص السعي للسيطرة على العالم عسكرياً

واضح جداً. وقد أوضح الرئيس الأمريكي في وثيقة جديدة عن الأمن تحول موقف

حكومة الولايات المتحدة من الردع إلى الهيمنة العسكرية على معارضيها. وقد

أعلنت الحكومة عزمها على الإبقاء على التفوق العسكري المطلق في جميع أنحاء

العالم إضافة إلى سعيها الحثيث بكل الوسائل لمنع أية دولة معارضة من تطوير

قدراتها العسكرية. كما أضافت الوثيقة، بشيء من الغرور معلومات عن شروع

الولايات المتحدة في توجيه دول أخرى الصين على وجه الخصوص في أمور

موازناتها العسكرية.

وقد أوضحت الوثيقة بما لا يدع مجالاً للشك أن دور المنظمات الدولية

سيصبح مسانداً للولايات المتحدة وحلفائها؛ فإن وافقت المنظمات الدولية على ما

تريده الولايات المتحدة فبها ونعمت، وإن لم توافق تصبح هذه المنظمات غير ذات

قيمة.

البيان: هل تعتقدون أن التحركات الأمريكية التي تلت أحداث سبتمبر كانت

رد فعل تلقائية على هذه الأحداث، أم أن هذه الأحداث استغلت لتنفيذ مخططات

قديمة وتحقيق أهداف مسبقة؟

- تلا أحداث سبتمبر تطور غير طبيعي فيما يتعلق بسلطات الرئيس

الأمريكي؛ فقد أصبح الرئيس بوش أكثر الرؤساء الأمريكيين سلطة في تاريخ

الولايات المتحدة، داخلياً وخارجياً.

داخلياً: تم تمرير «القانون الوطني» (Act Patriot) وغيره من

القوانين التي منحت الرئيس الأمريكي صلاحيات غير مسبوقة، مثل اعتقال

المدنيين لمدد طويلة دون توجيه تهم معينة لهم، ومراقبة خطوط الهاتف بشكل مبالغ

فيه، وتصنيف الناس بناء على أصولهم العرقية، وأخذ بصمات الناس بناء على

جنسياتهم الأصلية، والترحيل من الولايات المتحدة بناء على شهادات سرّية.

وخارجياً: فقد مرر الكونجرس قانوناً يجعل الرئيس الأمريكي حراً في إعلان

الحرب على من شاء في أي وقت يشاء ولأي سبب يراه مناسباً.

البيان: نتساءل مثلكم: هل كل هذا ناتج عن أحداث سبتمبر؟ وهل هذا

ضروري كرد فعل للإرهاب؟

- الواقع يقول إن ما يحدث الآن قد بدأ قبل أحداث سبتمبر بأكثر من عقد

كامل من الزمان. خطة سيطرة الولايات المتحدة على العالم تم طرحها في وثيقة

قبل عشر سنوات من قِبَل أناس كانوا في مواقع مهمة في إدارة الرئيس جورج بوش

الأب؛ ففي عام ١٩٩٢م صاغت تلك المجموعة خطة لبناء إمبراطورية أمريكية

تسيطر على العالم، ولكنها لم تجد طريقها إلى النور. وبعد ثماني سنوات، أي في

عام ٢٠٠٠م وقبل أحداث سبتمبر بسنة كاملة، قام بعض من أعد الخطة الأصلية

(رغماً عن ابتعاد عدد منهم عن الحياة السياسية) بإعادة صياغة الخطة وتنقيحها

وتقديمها في وثيقة سميت: «مشروع القرن الأمريكي الجديد» . (for Project

Century American New the) هذه الوثيقة المعدلة التي أعلنت قبل

الانتخابات الرئاسية في عام ٢٠٠٠م بعدة أشهر، طالبت بإحداث عدد من التغييرات

في السياسة الأمريكية. فعلى سبيل المثال: معارضة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية،

والتنصل من معاهدة الحد من الصواريخ المضادة للصواريخ العابرة للقارات،

مواجهة إيران والعراق وكوريا الشمالية باعتبارها دولاً مسببة للمشاكل، توسعة

وزيادة القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، وأخيراً زيادة الميزانية العسكرية

الأمريكية إلى ما مقداره ٨.٣% من الإنتاج القومي.

كل هذه المقترحات أصبحت الآن جزءاً من السياسة الأمريكية، بل تم اعتماد

الرقم المقترح للميزانية العسكرية كما هو. إضافة لذلك نجد أن معظم من عمل على

صياغة هذه الوثيقة موجود في مواقع مهمة في الإدارة الأمريكية.

وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية تنفي وجود علاقة بين مخططها تجاه

العراق وبين رغبتها في السيطرة على العالم، إلا أن المعلومات الواردة في وثيقة

أقدم من الوثيقة المذكورة تشير بوضوح إلى أن تركيز الولايات المتحدة على العراق

وإيران مدفوع بسببين: الأول: النفط، والثاني: المخاوف الإسرائيلية. ولا يفوتنا

أن نذكر أن الحرب على أفغانستان فتحت الطريق لتأسيس قواعد عسكرية أمريكية

بالقرب من نفط بحر قزوين. والذي أتوقعه هو أن تبقى هذه القواعد هناك إلى أجل

غير مسمى.

البيان: حذرت الراحلة (جريس هالسل) في كتابها «النبوءة والسياسة»

من الخطر المحدق بالعالم من قِبَل الأصوليين اليمينيين؛ وذلك عند قيامهم بصياغة،

أو محاولة صياغة السياسة الأمريكية للشرق الأوسط بناء على معتقداتهم

الدينية. وقد أوردت عدداً من الأمثلة لرجال دين ولسياسيين ممن دعموا التوجه

اليميني المتطرف حيال فلسطين، مثل وزير الداخلية الأمريكي جامس وات (في

عهد الرئيس ريجان) والقس جيري فالويل؛ فما هو في رأيكم مدى تأثير هذه

الأفكار على السياسة الأمريكية الخارجية الحالية؟ وإلى أي حد تعتقدون أن

الخلفية الدينية للرئيس الأمريكي الحالي، المعروف بتدينه، قد أثرت في أمر

الحرب على العراق وعلى مبادرته للسلام في الشرق الأوسط؟

- الكاتبة الراحلة (جريس هالسل) ، كانت صوتاً قوياً للحق والعدل، وقد

استفدت كثيراً من كتبها ومن النقاشات التي دارت بيننا.

إن فوز جورج بوش الابن بانتخابات الرئاسة كان أكثر فوز مثير للجدل في

تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وقد احتاج الأمر في الواقع لتدخل المحكمة العليا

الأمريكية لإنهاء النزاع. وقد حاول الرئيس بوش ونجح في الحصول على دعم

الأصوليين المسيحيين، ومنهم جيري فالويل. إن هذه الطائفة من المسيحيين، على

العكس منّي ومن باقي المسيحيين عامة، تؤكد على أن إسرائيليّي اليوم يعتقدون أنهم

يملكون حقاً إلهيّاً في إسرائيل الكبرى، ويعودون في ذلك إلى فترة قصيرة في

التاريخ القديم لإسرائيل القديمة. وهذا يعني أن لإسرائيل المعاصرة الحق في

المنطقة المعروفة بالضفة الغربية.

بصراحة، كان الرئيس بوش سيخسر الانتخابات قطعاً لولا الدعم شبه المطلق

من قِبَل الأصوليين المسيحيين، البالغ عددهم، على الأقل، خمسين مليوناً في

الولايات المتحدة، وهؤلاء يتجاوبون بشكل كبير مع التوجيهات التي يتلقونها من

القساوسة التلفزيونيين (Televangelists) من أمثال فالويل وبات روبرتسون.

وإن كان ما ذاع حقيقاً من مرور الرئيس بوش بتجربة الولادة مسيحياً من جديد

(again born) فهذا يعني، رغماً عن انتسابه للكنيسة المنهجية المتحدة

(Church Methodist United) ، أن آراءه حيال الشرق الأوسط قد تكون

مشابهة لفالويل.

وأعتقد أن من الضروري ذكره أن للأصوليين المسيحيين ممثلاً قوياً في

مجلس النواب الأمريكي، وهو رئيس الأغلبية الجمهورية توم ديلاي. الحزب

الجمهوري الحالي مختلف جذرياً عن مثيله الذي أعرفه أثناء عملي كممثل عن

الحزب الجمهوري في الكونجرس في الفترة من ١٩٦١م وحتى ١٩٨٣م.

من الضروري أن يكون واضحاً لكل المراقبين أن سلامة وراحة دولة إسرائيل

كانت سبباً مهماً، إن لم تكن السبب الأول، في الحرب التي شنتها إدارة الرئيس

بوش الابن على العراق.

البيان: إلى أي مدى تعتقدون أن وزير الخارجية الأمريكي باول كان جاداً

في الخطة التي أعلنها بخصوص تعميم الديموقراطية على دول الشرق الأوسط؟

وهل كانت تصريحاته بهذا الخصوص من قبيل الدعاية فقط قبل الحرب على

العراق؟

- على الرغم من بعض الأمور المحبطة حديثاً، إلا أن رأيي في وزير

الخارجية كولين باول ما يزال جيداً؛ فهو «جندي صالح» وأعتقد أنه قال وفعل

أموراً لا تتماشى مع ما يعتقده. كما أعتقد أنه يفضل حقيقة أن تتطور المؤسسات

الديموقراطية في الشرق الأوسط، ولكن يجب عليَّ أن أنبه هنا إلى أن الحاجة

العاجلة في الشرق الأوسط هي للعدل أولاً.

فالحاجة الآن ملحة لأن يطالب قائد الديموقراطية الأمريكية، (الرئيس جورج

بوش الابن) ، إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران

١٩٦٧م، وبهذا يتم تحقيق العدل، بعد طول انتظار، للفلسطينيين الذين أهينوا

وظُلموا واعتدي عليهم لمدة خمس وثلاثين سنة [*] بما يسمى الديموقراطية

الإسرائيلية.


(*) ليست هذه مدة الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون، فالظلم عمره رسمياً خمس وخمسون سنة أي منذ قيام دولة العصابات اليهودية في فلسطين عام ١٩٤٨م، بل من قبل ذلك أثناء الانتداب البريطاني الذي فتح الباب على مصراعيه لهجرة اليهود إلى فلسطين - البيان -.