المسلمون والعالم
خيارات السلطة الفلسطينية
بين الإصلاح السياسي والروى السلمية الأمريكية
باسل يوسف النيرب
بإعلان الحكومة الإسرائيلية إقامة جدار فاصل بين الأراضي المحتلة عام
١٩٦٧م والمناطق المحتلة عام ١٩٤٨م، وبخطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش
حول السلام في الشرق الأوسط في ٢٥/٦/٢٠٠٢م عاش الشارع الفلسطيني المزيد
من الهموم التي أثقلت على هموم الحصار والتجويع هماً آخر في سبيل الحرب
والاستقلال، وما بين شارون الصامد سياسياً إلى الوضع الاقتصادي الإسرائيلي
المنهار ينظر الشارع الإسرائيلي إلى أداء رئيس وزرائه المنتخب ذي الجماهيرية
العالية الذي أعلن خطته للسلام.
أغلب هذه الخطط بل كلها تصب في مصلحة إسرائيل، ولن تعطي المجال
للطرف الفلسطيني من التقاط أنفاسه ليستمر في الانتفاضة.
* جدوى الإصلاح الفلسطيني:
بدأ الإصلاح الفلسطيني إسرائيلياً، ثم أخذت السياسة الأمريكية على عاتقها
مطالبة السلطة الفلسطينية بالإصلاح، ثم باشرت السلطة الفلسطينية دورها بالقيام
بالإصلاحات بحجة المطالبة الشعبية بالإصلاح الداخلي.
في هذا الصدد لا بد من التأكيد على أن حملة السور الواقي التي قامت بها
قوات شارون في الضفة الغربية في مارس ٢٠٠٢م قد عرت وجه السلطة الحقيقي
التي أخفقت في الدفاع عن «مكتسباتها المتوهمة» بعد أوسلو، ومنها الوضع
الهش لسلطتها في المناطق التابعة لها مباشرة المسماة: مناطق «أ» .
إن موضوع الإصلاح الداخلي بدأ فلسطينياً عام ١٩٩٩م عندما قامت مجموعة
العشرين في بيان صادر في ٢٧/٩ بالمطالبة بإصلاحات داخلية، وكان هذا البيان
قد أيده ما يزيد عن ٢٠٠ شخصية فلسطينية حزبية ومستقلة. وجاء البيان بعنوان:
«الوطن ينادينا» ، ودعا إلى الإصلاح الحقيقي ليعالج الفساد والإذلال والاستغلال،
وتجنب الشعب الفلسطيني الاستسلام للمؤامرة، وقد قوبل البيان بحملة قمع طالت
من أيده ووقع عليه، وتعرض الموقعون إلى الإقامة الجبرية والتشويه السياسي،
وطالب البعض بتقديمهم للمحاكمة. أما دعوات الإصلاح الحالية فقد طالبت مجلس
الوزراء والأجهزة الأمنية وضبط حركتها وجعلها في جهاز واحد تحت قيادة واحدة.
تتمحور الإصلاحات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية بعد تنامي الدعوات
الإسرائيلية والأمريكية لها فيما يلي:
- توحيد الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
- إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
- استحداث منصب رئيس وزراء فلسطيني له اليد العليا في تنفيذ توجيهات
السلطة.
- شفافية اقتصادية ورقابة على الأموال حتى لا تذهب إلى مقاومة إسرائيل.
ومع أن مطالب الإصلاح كانت فلسطينية منذ ما يقارب ثلاث سنوات إلا أن
الهدف الإسرائيلي الحالي من وراء هذه الفقاعة هو أن تكون الإصلاحات وخاصة ما
يمس الأجهزة الأمنية دوراً يكمل عمل قوات شارون في الضفة والقطاع، ويقمع
أي عملية في مهدها قبل الإقدام عليها وبأيدي فلسطينية. وقد لا يقبل الرئيس
عرفات بالإملاءات الأمريكية والإسرائيلية كاملة حول عملية الإصلاح؛ ولكن بدون
أدنى شك سيكون من مصلحة إسرائيل دائماً الاستجابة ولو لمطلب واحد من
المطالب التي تطول بها القائمة الإسرائيلية، وخاصة بعد الصفقات المدحضة التي
قام بها الرئيس عرفات إزاء أزمة المحاصرين في كنيسة المهد أو حتى في محاكمة
قتلة رحبعام زائيفي لفك حصاره في رام الله، والقبول بالتراجع عن لجنة تقصي
الحقائق في مخيم جنين؛ كل هذه التراجعات التي قادها عرفات وغيرها تصب دائماً
في القناة الإسرائيلية لإجهاض حلم الحرية والاستقلال الفلسطيني.
* إما رؤية بوش أو دبابات شارون:
أعلن الرئيس الأمريكي في خطاب الرؤية الأمريكية للسلام تحميل الجانب
الفلسطيني مسؤولية العنف الدائر في المنطقة؛ فالفلسطينيون تحت الحصار،
والإسرائيليون مستمرون في العيش بحالة من الرعب من جراء العمليات ضد
إسرائيل، كما تناول خطاب الرؤية حاجة عملية السلام في الشرق الأوسط إلى قيادة
فلسطينية جديدة حتى يمكن للدولة الفلسطينية المرتقبة أن تقوم.
وحدد بوش في خطابه أنه عندما تقوم القيادة الفلسطينية الجديدة بإجراء
ترتيبات أمنية مع إسرائيل فإن الولايات المتحدة سوف تدعم قيام الدولة الفلسطينية.
كما نوه في خطابه إلى الدور المرتقب لكل من الولايات المتحدة والدول
الأوروبية وصندوق النقد الدولي في دعم وتشجيع الشفافية والرقابة المستقلة على
المؤسسات التابعة للاقتصاد الفلسطيني مما يحقق الشفافية والرقابة المستقلة، وطالب
الدول العربية بالتطبيع الكامل مع إسرائيل، وفي ذات الوقت طالب إسرائيل بإنهاء
الاحتلال باعتبارها من أكثر البلاد ديمقراطية.
وتوقع بوش في خطابه أن تقوم الدولة الفلسطينية المؤقتة بعد ثلاث سنوات
بعد أن تكون قد أتمت عملية الإصلاحات الداخلية.
هذا فحوى الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي. وقبل الدخول في موقف
الأطراف المعنية «الإسرائيلية والفلسطينية» لا بد من التأكيد على أن الخطاب
حمل رخصة لاستمرار عملية القتل على يد شارون أو القبول بالإصلاحات على
الطريقة الأمريكية الإسرائيلية.
* فلسطينياً:
مع أن الجانب الفلسطيني أعطى موافقة على رؤية بوش بشكل متسرع، فقد
رحبت القيادة الفلسطينية بالخطاب إما للخروج من حالة الحصار السياسي التي
تعاني منها القيادة الفلسطينية أو القبول بأي مشروع هش للسلام حتى لا يكون
الطرف الفلسطيني وحيداً في الساحة، ولا يتركها لشارون الذي يلتقط أي مبادرة
لتحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية الإخفاق.
إلا أن الجانب الفلسطيني الشعبي والمؤسسات الأخرى من نقابات وأحزاب
ورجالات من المجتمع المدني اعتبرت أن رؤية بوش أحد أشكال التآمر على هبة
الأقصى. وقد اعتبر بعض رجالات ومسؤولين في السلطة الفلسطينية أن ما تضمنه
خطاب بوش من تغيير القيادة الفلسطينية كشرط لإقامة الدولة هو تدخل في الشأن
الفلسطيني، واعتبر العديد من مسؤولي السلطة أن ياسر عرفات لم يأت من الخارج
بل هو منتخب من الشعب، والبرلمان الموجود منتخب أيضاً من الشعب الفلسطيني.
ومع أن وقع الشارع العربي يكاد يجمع على رفض رؤية بوش؛ لأنه تبنى
رؤية شارون فيما يتعلق باستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني، وحتى في
الحديث عن شكل ومعنى وحدود الدولة الفلسطينية التي ستقام بعد ثلاث سنوات،
والرفض قائم لأن خطاب بوش يحمل في طياته القضاء على هبة الأقصى وتكريس
الاحتلال واعتباره احتلالاً «ديمقراطياً» كما أن الرفض لهذه المبادرة أو الرؤية
قائم؛ لأن الإدارة الأمريكية تحاول التدخل السافر في خيار الشعب وإجباره على
تبديل القيادة بانتخاب قيادة بديلة أو حتى تعيين قيادة جديدة من خلال طرح أسماء
تكون خليفة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
كما جاء خطاب بوش بصورة أوامر للقيادة الفلسطينية، وكان واضحاً
الانحياز الأمريكي إلى الجانب الإسرائيلي من خلال تفهم دورها في مكافحة
الإرهاب، ومطالبة إسرائيل بأمور بسيطة لا ترتقي إلى مطالب الشعب الفلسطيني،
ويعطي الضوء الأخضر لإسرائيل باستمرار مسلسل العدوان والانحياز المطلق
لصالح إسرائيل.
ويعد خطاب بوش مخيباً للآمال كما كان متوقعاً فهو لم يتطرق إلى مسائل
القدس واللاجئين والمستوطنات، وهي قضايا رئيسة لا يمكن إغفالها في أي طرح
سياسي للحل في الشرق الأوسط.
* إسرائيلياً:
مع حالة التناغم الأمريكي الإسرائيلي أعلن شارون موقفه من خطاب بوش
والذي جاء في بيان صادر عن رئاسة الحكومة جاء فيه: «فقط بعد التوقف التام
للإرهاب والعنف والتحريض على العنف، وعندما تقوم السلطة الفلسطينية
بإصلاحات حقيقية تتضمن قيادة جديدة سيكون من الممكن بحث كيفية التقدم على
المسار السياسي» .
واعتبر وزير الاتصالات الإسرائيلي يرفين ريفلين أن خطاب الرئيس
الأمريكي حول الشرق الأوسط كان يمكن أن يكتبه مسؤول في الليكود، وقال:
«في إمكاني أن ألقيه في الكنيست» .
كما وصفت صحيفة يديعوت آحرونوت الرئيس الأمريكي بأنه عضو في
الليكود، واعتبرت صحيفة هآرتس أن خطاب الرئيس بوش يعد انتصاراً
لدبلوماسية أرئيل شارون الذي تمكن خلال زياراته وقد بلغت ست زيارات من إقناع
بوش بإقصاء الرئيس عرفات.
هذا وقد تناولت أروقة السياسة الإسرائيلية أنه يجب تقليد بوش وسام
الصهيونية بعد الخطاب.
وكتب المعلق السياسي الإسرائيلي ناحوم برنييع فقال: من ناحية سياسية يبدو
وكأن شارون يمكنه أن يطالب بأي شيء؛ فمخطط بوش لم يطالبه بأي شيء الآن.
يجب أولاً استبدال السلطة الفلسطينية، وترسيخ مبادئ الديمقراطية وسلطة القانون
والاقتصاد الحر؛ وبعد ذلك تقوم الدولة الفلسطينية المؤقتة التي ستفاوض إسرائيل
حول الحدود الآمنة المتعارف عليها.
وختاماً في هذا الشأن يعد خطاب بوش كما وصفه أفيجدو ليرلمان ضوءاً
أخضر لشارون ليقوم بالمزيد من المخطط الذي يزمع تنفيذه، وبالتأكيد لا أحد
يعرف ما يدور في عقل شارون إلا أنه وبشكل عام لن يخرج عن حلم إسرائيل
الكبرى.
* الجدار الفاصل:
تعد فكرة الجدار الفاصل فكرة تراثية توراتية؛ فهي ليست جديدة على الشعب
اليهودي ففي التوراة التي نجدها مليئة بالحديث عن أسوار أورشليم وأريحا، ولا
داعي لذكر نصوصها هنا، ولكن الانغلاق اليهودي معروف في التاريخ؛ فمن
جدران أريحا وأورشليم ومن ثم تحولهم إلى مهاجرين في أصقاع الأرض ظهرت
فكرة الجيتو التي لا تختلف كثيراً عن السور الواقي.
وبإعلان مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر إقامة الجدار الأمني الفاصل بين
الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام ١٩٤٨م تعالت الصيحات الرافضة داخل
الكيان الصهيوني إما بحجة أن هذا الجدار يقضي على وحدة أرض الآباء والأجداد،
ومثَّل هذا التيار الديني المتشدد إسحاق ليفي من الحزب القومي الديني، وتيار آخر
اعتبر أن هذه الخطوة وما تشكله من فصل أحادي يعترف الجانب الإسرائيلي
بالحدود للدولة الفلسطينية القادمة.
يمتد السياج الأمني لمسافة ٣٠٠ كم على خط حدود ١٩٦٧م، ويتراوح
عرض الجدار الأمني الفاصل ما بين ٥ - ١٥ كم بعد خط الحدود الدولي، ويتشكل
الجدار من مناطق عازلة وحواجز وغرف مراقبة وكاميرات لرصد الحركة على
الجانبين إضافة إلى الأسلاك الكهربائية، وقد يكون النموذج الأمني الذي أقامه
الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الفلسطينية الأقرب إلى الحلم الشاروني
الحالي، وفي الخطوة الأولى للجدار سيمتد مسافة ١٠٠ كم، وتقدر المصادر
الإسرائيلية تكلفة إنشاء الكيلو متر الواحد بحوالي مليون دولار أمريكي.
ولا بد من التنويه هنا أن الجدار الشاروني الأمني سيمتد داخل الأراضي
الفلسطينية، ولن يقضم أي مستوطنة؛ فقد تمت مصادرة ٩٧٠ دونماً من الأراضي
الواقعة تحت نفوذ سلطة بلدية أم الفحم، و٧٠٠ دونم في المناطق الشرقية من أم
الفحم، وسيقسم منازل ويجعلها خارج السور الأمني.
فلسطينياً: يشكل هذا الجدار خنجراً آخر في صدر من يحاول عبور تلال
الضفة الغربية ليهرب من حالة الحصار الخانق ليعود مع ساعات الليل الأولى إلى
منزله في الضفة الغربية بعد يوم عمل شاق في مناطق ١٩٤٨م الفلسطينية.
إسرائيلياً: يكاد المجتمع الإسرائيلي يجزم بأن الجدار الأمني لن يضع الحل
للعمليات الاستشهادية؛ والمثال الشاهد على هذا حالات قصف المستعمرات الشمالية
وخطف جنود الاحتلال في المناطق اللبنانية التي كانت محتلة ولم ينفعهم الجدار
الأمني، وكل التجهيزات الأمريكية والصهيونية لرصد تحركات المقاومة في جنوب
لبنان، وانتهى الأمر في الجدار إلى الانهيار وخروج الجيش الإسرائيلي بشكل مذل.
لقد تناولت صحيفة هآرتس هذا السياج في افتتاحيتها، وقالت: سيقع على
عاتق قوات الأمن مهام إضافية منها تخصيص قوات للحفاظ على الأمن في منطقة
السياج وحماية المستوطنات بشكل مكثف.
وأضافت الصحيفة: سيقضم السياج قطعاً من الأرض على الجانب الفلسطيني
داخل الخط الأخضر، وسيحرف في أماكن معينة للإحاطة بتجمعات إسرائيلية؛ أما
في منطقة القدس فمن المتوقع أن يفاقم السياج عندما يصل إلى هناك المشاكل
السياسية والديمقراطية.
يجب أن نأمل في أن يقلل السياج من الثمن الدموي الذي لا يطاق والذي يتم
جبايته يومياً تقريباً من المواطنين الإسرائيليين الآمنين، إن هذا الجدار لن يستطيع
خلق إغلاق تام، والبديل أمام خبراء الأمن هو إقامة حرب احتلال متواصلة يتم
خوضها في عمق المناطق الفلسطينية، وسيعمل هذا الجدار على الفصل بين كيانين
قوميين وجغرافيين. ويشكل الجدار الأمني ليس فصلاً بين الفلسطينيين
والإسرائيليين، ولكن بين الإسرائيليين أنفسهم بين سكان مناطق ١٩٤٨م
والمستعمرات في الضفة الغربية، مما يضيف تناقضاً آخر إلى جملة التناقضات
التي تعج بها «الدولة» .
* شارون الصامد:
مع أن شارون لم يتمكن من الوفاء في تحقيق الوعود الانتقامية التي قطعها
إبان فترة حكمه؛ إلا أن بقاءه في سدة الحكم أحد الظواهر الأكثر غرابة في تاريخ
الحياة السياسية الإسرائيلية.
شارون سياسياً على الأقل صامد إلى ما بعد الانتخابات الفلسطينية المتوقع
إجراؤها في بداية عام ٢٠٠٣م، ولكن هل الصمود السياسي الذي تحظى به
الحكومة الإسرائيلية الحالية كفيل ببقاء استقرار الأوضاع اقتصادياً واجتماعياً؟
يعاني المجتمع الإسرائيلي حالياً من تفاقم ظاهرة البطالة التي ارتفعت بنسبة
١٠%، وزاد عدد الفقراء في المجتمع، وتعاني كافة القطاعات من خسائر
اقتصادية من جراء حالة الحرب التي تعيشها المناطق الفلسطينية إضافة إلى اتساع
ظاهرة العنف داخل الأسر.
ولمواجهة هذه التحديات عمدت الحكومة إلى تقليص موازنة ٢٠٠٢م بنسبة
٣ %، وتقليص الزيادة المقررة في الموازنة العسكرية، وزيادة العجز في
الموازنة ليصبح ٢.٨٥ مليار دولار.
كما تراجعت السياحة بنسبة ٤٨%، وتراجع الاستثمار الأجنبي في السندات
الإسرائيلية بنسبة ٩٨%، وفرضت الحكومة الإسرائيلية ضريبة القيمة المضافة
بنسبة ١%، وفرضت المزيد من الضرائب على العمل أي أن الاقتصاد يعاني من
ركود عميق.
وأمام صورة التخبط الاقتصادي التي يعاني منها شارون في إدارة الائتلاف
الحاكم جاءت له الصفعة من حزب شاس الذي حاول الخروج من الائتلاف الحاكم،
ولكنه عاد ليوافق على السياسة التقشفية الاقتصادية التي تبناها شارون، وكان
حزب شاس قد عارض الخطة التي طرحها شارون لتخفيض الميزانية الإسرائيلية
بمليارات الشيكلات لمكافحة التضخم الاقتصادي.
أمام هذا الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه (إسرائيل) لا بد من التأكيد أن
حالة من عدم الاستقرار تنتاب القطاعات الحزبية التي تحاول جاهدة الصمود ولكنها
تتخبط سياسياً.
فخلال المؤتمر العام لحزب الليكود ظهر شارون وكأنه أحد الرجالات المحبين
للسلام والداعم لقيام دولة فلسطينية على عكس نقيضه نتنياهو الذي رفض قيام
الدولة علناً وصراحة، وفي ذات السياق محاولات أحزاب اليسار تأييد إقامة دولة
فلسطينية والخروج من المناطق المحتلة (الضفة والقطاع) .
وفي هذا الجانب نورد هذا الاستطلاع الذي يُظهر ميل المجتمع الإسرائيلي
إلى اليمين والتأييد الجارف لسياسات شارون في كل عملياته العسكرية؛ فقد قامت
شركة ماركت ووش باستطلاع للرأي نشر في صحيفة معاريف بتاريخ ٦/٧/٢٠٠٢م
شمل ٥٩٠ أكد ٦١% منهم أنهم راضون عن أداء شارون في المجال العسكري،
و٦٩% ضد التفاوض مع السلطة الفلسطينية، و ٥٨% مع طرد الرئيس ياسر
عرفات من رام الله، ونالت سياسة شارون الاقتصادية نسباً متدنية جداً.
* رؤية شارون للسلام:
غداة إعلان شارون ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء نشرت صحيفة هشوفيه
بتاريخ ٢/٢/٢٠٠١م خطة شارون للسلام وجاء فيها: القدس الموحدة عاصمة أبدية
لإسرائيل، لا سيادة إلا السيادة الإسرائيلية على غور الأردن، لا لعودة اللاجئين،
ولا لتفكيك المستوطنات، إقامة الدولة الفلسطينية على ٤٢% من الضفة الغربية.
وفي مؤتمر قيسارية الاقتصادي في ٤/٧/٢٠٠٢م أعلن شارون عن رؤيته
للسلام، وقال حتى لا تبقى المنطقة في وضع سلبي وتحتمل التأويلات، وقدم
اقتراحه للسلام كما يلي:
- إبعاد عرفات عن السلطة بأي وسيلة.
- إعطاء أرض للفلسطينيين أقل أو أكثر من ٤٠%.
- إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
- إخلاء بعض المستوطنات المعزولة.
- عدم إخلاء منطقة غور الأردن لمنع التواصل الإقليمي العربي.
شارون الآن وبعد شعوره بالنجاح من جراء العمليات الانتقامية التي يقوم بها
الجيش الإسرائيلي في المناطق التي أعاد الجيش احتلالها يشعر أنه قضى على
البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، وأنهك المجتمع الفلسطيني اقتصادياً وبشرياً من
جراء حالة الحصار، والعديد من الشهداء والجرحى في صفوفه يشعر أنه بإمكانه
فرض ما يريد من الحلول على الشعب، ولكن هل سيقبل الشعب الذي رفض زيارة
شارون إلى المسجد الأقصى بالحلول التي يقدمها شارون بين الحين والآخر؟
بالتأكيد لا؛ لأنَّه يدرك أنَّ القضية ليست قضية أرض فحسب، بل هي قضية
دين؛ والبرهان العمليات النوعية بعد عملية الطريق الحازم الإسرائيلية.