شئون العالم الإسلامي ومشكلاته
زلزلة العقيدة أولاً ثم تنهدم الأسوار
أساليب حملات التنصير في أندونيسيا
إمباكت انترناشنال
(نجمبسان) قرية نائية مهملة تقع على سفح جبل ميرابي في مقاطعة سليمان
في إقليم بوغي جاكرتا، وتمثل نموذجاً للقرية الأندنوسية من حيث ارتفاع عدد
السكان وصلاحيتها كمرتع للبعثات التبشيرية.
لقد كانت مفاجأة سارة لأهل القرية عندما زارهم في أحد الأيام رجل وامرأة
من العرق الأبيض برفقة أناس من أهالي البلد. جاءوا محملين بالهدايا؛ أرز،
سكر، ملابس مستعملة للصغار والكبار، بل حتى الأدوية الطبية التي كان لها نتائج
سحرية. ما أشد جهل هؤلاء القرويين المساكين! ! حيث لا يعرفون كيف يتاجر
أصحاب الأدوية هؤلاء بأدويتهم، وكيف أصبحت الدول النامية أمكنة تصريف لما
لا تبيح قوانين الدول المتقدمة توزيعه من الأدوية.
ويتخذ الرجال مواضعهم حول هذه الخيرات بينما النساء الخجولات ينظرن
إلى الفساتين المطرزة وهي تخرج من الصناديق، ويتعجبن من أخوات لهن يلبسن
هذه الملابس الخفيفة التي لا تكاد تستر الأجساد! ويقبل من بعيد طفل عليه مظاهر
الشغب فيرتدي لباساً واسعاً، ويختال فيه فينفجر الحاضرون بالضحك على هذا
المنظر الطريف، فيتعثر الطفل بسيره ويسقط على الأرض فتهرع الأم نحوه
وتصفعه على خده، فيرتبك ويبكي، ويعتكر الجو بعض الشيء.
يدخل شيخ القبيلة، وقد كان يراقب الموقف من بعيد، ثم يطلب من الجميع
الالتزام بالنظام، ويسأل: ماذا يحدث هنا؟ فيقوم أحد البيض فيرحب به باللغة
المحلية، ويقدم له رسالة توصية من المشرف العام، وضعت في ظرف كبير.
يأخذ شيخ القبيلة الظرف ويتحسس لفائف الورق بداخله ويضعه في جيبه، فهو أمي!
لقد أنجز نصف المهمة! وقرر هؤلاء الزوار الكرماء الرحماء البقاء في
القرية البائسة لإنقاذها من مصيرها الأسود! !
أيتها السيدات! هذا مال افتتحن به دكاكين على جوانب الطرق! لستن
ملزمات بشيء! أليس بيع الأطعمة والدخان والعلكة يدعم دخل العائلة ويرفع من
مستوى الدخل القومي؟ ! وكيف تنهض أمة إذا كان نصف مواطنيها عاطلاً عن
العمل، مهدراً وقته وقوته في عمل البيت والعناية بالأطفال؟ !
وأنتم أيها الفلاحين هذه بذور من نوع جيد، وهذه أدوات زراعية حديثة،
وهذه أسمدة ومبيدات حشرية.. مجاناً.. بدون مقابل! فضاعفوا منتجاتكم الزراعية، وطوروا أساليبكم الزراعية! يا أهل القرية: إن أرضكم لا تفي بحاجاتكم
الضرورية. ولذلك فهذه أبقار وأغنام استثمروها، فهي منيحة لكم، ليس عليكم إلا
أن تعيدوا لنا ما تلده، أما ما تبقى من فوائدها فهو لكم، فاحملوا عليها، واحلبوا.
وحتى إذا أرجعتم إلينا ما تلده هذه الماشية فهي منكم وإليكم، ستكون وقفاً مشتركاً
على أهل القرية، وربما أعدناها إليكم ثانية، كل ذلك مجاناً وبدون مقابل!
لكن، حاجة من عاش لا تنقضي! وكلما اعتمد أحد على غيره بحاجاته
الضرورية فسوف يصبح رهينة في يديه خوفاً من انقطاع هذه الحاجات، ولذلك فهو
مستعد لكل شيء يطلبه ولي النعمة من أجل الإبقاء على الامتيازات التي جاءت عن
طريقه!
خدمات كثيرة لا حصر لها تقدم لأهل هذه القرى المسكينة؛ دورات مجانية
لتعليم طرق الزراعة، النجارة، الخياطة، تصليح السيارات وأجهزة الراديو، اللغة
الإنكليزية، حتى الرقص! والذين يشتركون في هذه الدورات ليسوا كلهم مسلمين،
فأصول اللعبة تقتضي إبعاد الشبهات والتغطية! لكن سواء شارك مسلمون أو غير
مسلمين (من بوذيين ووثنيين) فعلى الجميع حضور دورة في النصرانية.
الأيام تمر، والخدمات تزداد، وتتسع دائرتها، فإذا ما احتاج أحد من أهل
القرية أن يرمم بيته فما عليه إلا أن يقصد شيخ القرية الذي تحول إلى مسئول مهم
في مجال تقديم المساعدات!
أما الشباب الذين ينهون الدراسة المتوسطة أو الثانوية ولا يستطيعون مواصلة
دراستهم العليا، وهم بمسيس الحاجة إلى مهنة أو عمل، يجد الواحد منهم الفرصة
هنا مفتوحة أمامه للعمل كبائع في محل يملكه نصراني، أو كمعلم في مدارس
البعثات التبشيرية. وهؤلاء جماعة منهم قد قبلوا مراسيم (التعميد) وآخرون
يتهيئون للحاق بهم، ومن يرفض ذلك تسحب منه وظيفته.
إن الناس في المجتمعات الفقيرة غالباً ما يكونون بحاجة ملحة للمال، وقد
حلت هذه المشكلة هنا بإقامة جمعيات قروض ائتمانية. وتمنح هذه الجمعيات
قروضاً بشروط سهلة، وليس عليك أن تسأل من أين تأتي هذه الأموال؟ .
والشخص المعمد مؤهل لقروض إضافية، بل يعفى فيما بعد من التسديد! ولا تجد
من هؤلاء الزوار سوى الضحك والمزاح ولقمة العيش، ونادراً ما يتحدثون في
أمور تخص الدين أو الفكر. ومع ذلك فإن الأهالي تواقون لمعرفة حقيقة هؤلاء
الناس اللطفاء، وماذا يدفعهم لمساعدتهم؟ . فيجيب الزوار: إننا خدم عيسى اليسوع، وهذه الهدايا التي أتينا بها هي منه عليه السلام، وهنا يجيب أهل القرية عيسى ...
نعم نعم إننا نعرف عيسى ونحترمه ونعزه. فيسألهم الزوار، ألا تعتقدون أنكم في
تحسن أحوالكم مدينون للهدايا التي أرسلها عيسى لكم؟ ! لا يستطيع أهل القرية نفي
نصف الحقيقة هذه! ولو انبرى من يناقش الفكرة الخاطئة التي انطوى عليها هذا
الجواب فإنه يسكت من أكثر من جهة بأن يقال له: إن كل الأديان جيدة، وكل
المؤمنين سيدخلون الجنة، وقد يستثار المسلم بين الفينة والأخرى ولكنه يعود فيعتقد
أن هذا الأبيض منصف ألم يسو بين الدينين؟ !
وبالجملة فإن القاعدة الأساسية في هذا المجال هي: البحث عن الضعيف
والانتهازي، وعدم الدخول في جدل مع من يفهم دينه. وثمة أسلوب آخر مع رجل
الشارع كأن يقال له إن الإسلام دين صعب الاتباع! حيث عليك أن تستيقظ مبكراً
في الصباح لتأدية الصلاة، ثم تكرر ذلك أربع مرات أخرى في اليوم منذ سن الرشد
وحتى الموت. أما في النصرانية فلا شيء ينغص عليك نومك، ولا تعاني من ذلك
النظام الصارم الذي عليك الالتزام به خمس مرات في اليوم وعلى مدى الحياة.
وكل ما هو مطلوب منك هو المجيء إلى الكنيسة مرة في الأسبوع وذلك في
يوم الأحد، وبذلك لا حاجة إلى ترك عملك، والإسراع إلى صلاة الجمعة، فيوم
الأحد عطلة في جميع أنحاء العالم، (وهذا إثبات آخر على أن النصرانية دين حق)
كما أن المهمات التي يطلبها الرب في الإسلام صعبة للغاية، في حين أن ربنا رب
حنون.
وهكذا فإن البعثات التبشيرية لا تعتمد في عملها على الخبز وحده فالشيء الذي
لا يتحقق عن طريق الخبز يتحقق عن طريق المناهج الثقافية، والعكس صحيح.
وهناك شبكة من مدارس البعثات التبشيرية أنشئت منذ زمن بعيد، مهمتها
إعداد جميع القيادات المستقبلية للمجتمع الإسلامي، فالمدرسة التي يقوم على إدارتها
البيض في منطقة (كامبونغ) تتمتع بمنزلة رفيعة قد تفتقدها أرقى المدارس في
أوربا. وفي مدرسة (كامبونغ) على كل طالب أخذ دروس في النصرانية واجتياز
اختبارات فيها. وقد تأثر بعض الطلاب بهذه المناهج في حين تم تعميد أعداد منهم،
أما الأغلبية فقد باتت في منأى عن دينها الأصلي، وينتقى الشباب الذين تسهل
قولبتهم - ذكوراً وإناثاً على حد سواء - وذلك منذ المراحل الأولى، وإعدادهم لتسلم
مناصب قيادية مستقبلية، وتتبع المناهج التعليمية عادة بأفلام سينمائية وإن عرض
فيلم سينمائي في قرية - بغض النظر عن محتواه وأهدافه - يعتبر حدثاً عظيماً
مثيراً للفضول، فيأتي أهل القرية زرافات ووحداناً ليشهدوا الفيلم ويتشبعوا برسالته
اللطيفة! وقد تكون هناك بعض اللقطات غير اللطيفة التي قد تستثير الناس بعض
الشيء، وإذا ما حدث ذلك وأراد بعضهم أن يحتج ويمشي باحتجاجه إلى آخر
الشوط فإن شيخ القرية (الذي عرفت عقدة النقص عنده مسبقاً وهي الشره إلى المال)
مكلف بقطع الطريق على مثل هذه الحالة!
ويعقب عرض الفيلم احتفالات دينية، ومن يحتج أو يطلب من الآخرين عدم
المشاركة في هذه الاحتفالات التبشيرية فقد يتهم بالتعصب! ومن ثم يتعرض
لمضايقات من قبل الجهات الرسمية! وإحدى نتائج عروض الأفلام والاحتفالات هذه
هي ظهور الأندية، ويشجع الشباب ذكوراً وإناثاً على الاختلاط وهذه هي بعض
الحوادث تقع، والأواصر الأخلاقية والثقافية تضعف، وكثيراً ما يبلغ عن حوادث
زواج بين مسلمات ونصارى عن طريق علاقات الصداقة الناشئة في الأندية، إلا
أن أعظم إنجاز حققته هذه الحملة هو انتزاع الروح الإسلامية، وأصبح بإمكان
الغزاة التحرك في كل الاتجاهات بعد أن انهدمت الأسوار أمامهم! وأصبح إنشاء
الكنائس يفرض فرضاً على قرى منتخبة، وغالباً دون حاجة لإذن مسبق من
وزارتي الداخلية والشئون الدينية. أما في الأماكن التي يخشى وقوع معارضة
خطيرة فيها من قبل السكان فيلجأ إلى أبنية عادية أولاً ثم يعدل الغرض من
استعمالها تدريجياً وبهدوء من سكن إلى كنيسة، وأخيراً ترتفع لافتة مشيرة إلى
وجود كنيسة في المنطقة!
وهناك طريق أخرى أشد مكراً لزرع الكنائس في المناطق الإسلامية الخالصة
وذلك باستغلال خطط الحكومة الأندونيسية في نقل السكان من المناطق المزدحمة
إلى مناطق أقل ازدحاماً، فإذا كان هناك مناطق لا تستقبل إلا مسلمين بين سكانها؛
فلا مشكلة في ذلك عند النصارى، حيث يطلب منهم التسجيل كمسلمين بغرض
التسرب إلى تلك المناطق، وما إن يستقروا هناك حتى يكشفوا عن وجههم الحقيقي، ويشرعوا في بناء الكنائس.
ولا تقتصر الخدمات التي تقدمها هذه البعثات على معالجة المرضى ورعايتهم
بل تمتد إلى ما وراء ذلك بكثير. فإذا أدخل مسلم في إحدى مستشفيات البعثات؛ أو
أنه تلقى علاجاً من قبلهم فإنه يشجع ويحث على أن يكون دخوله في النصرانية هو
الطريقة المثلى للرد على هذا الجميل الذي يتلقاه منهم، وإذا كان من المتعذر إنقاذ
حياة المريض فإن البعثة تتعهد بدفع الديون المستحقة على ذويه ورعايتهم بعد وفاته، وأكثر من ذلك فإنهم قد يدفنونه على نفقتهم بشرط أن يكون الدفن حسب الطقوس
المسيحية، وهذا يحقق مقولة: (نصراني ميت خير من مسلم حي) !
وعلى الرغم من كل أساليب الترغيب المتاحة من قبل هؤلاء المبشرين؛ من
طعام وشراب، وكلمات مؤثرة وغير ذلك إلا أن ثقتهم ضعيفة بأساليبهم وإنجازاتهم، فعلى الرغم من أن الإسلام شيء سيئ (في نظرهم) إلا أنه لا يبدو أن استخدام
شعاراته ومصطلحاته أمر سيئ! حيث نرى النصارى يرددون كلمة: عيسى
اليسوع.. عيسى اليسوع.. بالطريقة نفسها التي يردد فيها المسلمون كلمة التوحيد:
لا إله إلا الله. بل إن النصارى الكاثوليك يقومون في بعض المناطق بتنظيم صلاة
جمعة وذلك لمنافسة صلاة الجمعة عند المسلمين. وفي كثير من الأماكن يرتدي
المبشرون الطاقية الأندونيسية التي يتميز بها المسلمون، ويحيون الناس بـ (السلام
عليكم) ويتجولون هنا وهناك متظاهرين بأنهم مسلمين.
وعندما يثير قادة المسلمين الأندونيسيين حججاً دينية في شكواهم للبابا حول
سلوك وتصرفات المبشرين المتبعة بين المسلمين فإنهم يقحمون أنفسهم في جدل
ديني لا ينتهي ولا ينحسم، والأجدر بهم أن يلجئوا إلى القوانين والأعراف التجارية
المعتمدة في السوق المشتركة، التي تنص على أن بيع سلعة مزيفة تحت علامة
مسروقة أو منتحلة يعتبر جريمة.
العام ... ... مسلمون بروتستانت كاثوليك