[مأساة اللاجئين البورميين المسلمين بين عداوة البوذيين وتخاذل المسلمين]
إبراهيم عتيق الرحمن
لقد وقعت حادثة مؤلمة في مخيم اللاجئين بـ (كوتوفالنغ) في منطقة أوكيا تحت محافظة كوكسبازار (بجانب حدود بنغلاديش مع بورما) صباح يوم الثلاثاء ١٦/١١/٢٠٠٤م؛ حيث راح ضحيتها ١٣ قتيلاً و٢٥٠ جريحاً من اللاجئين.
وقعت هذه الحادثة العنيفة عندما أطلقت الشرطة الرصاص على اللاجئين الأبرياء داخل المخيم في حين أنهم كانوا يحتفلون فرحاً، فأصيبوا بالأسى والحزن على فراق الوطن والأقرباء.
أنشئ هذا المخيم في عام ١٩٩٢م عندما هاجر عدد كبير من اللاجئين البورميين من أراكان المحتلة فراراً من استبداد الحكومة البوذية العسكرية الغاشمة، ويسكن فيه حالياً ١١٠٨٣ أسرة بصفة رسمية ومسجلة لدى الحكومة ولجنة المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. (UNHCR)
- لماذا وكيف؟
وقّعت حكومة بنغلاديش الحالية على اتفاقية ثنائية مع بورما لتوطيد العلاقة التجارية بين البلدين، فاشترطت حكومة بورما العسكرية إعادة جميع اللاجئين دون شرط أو ضمان لحقوقهم في بورما بعد العودة، حتى تتخلص بورما من ضغوط الأوساط الدولية بخصوص مشكلة اللاجئين. فبدأت بنغلاديش بإعادة اللاجئين تلبية لمطالبة بورما رغم أن اللاجئين يرفضون الإعادة القسرية دون ضمان. ولتسهيل الإعادة عينت الحكومة بعضاً من المتعاونين كمسؤولين على اللاجئين. فهؤلاء المسؤولون يستخدمون طرق الشدة والعنف؛ بحيث إنهم يقبضون على أرباب الأسر من اللاجئين حسب الخطة ويسلمونهم للشرطة التي تعرض أمامهم خيارين: إما العودة إلى بورما، وإما الإرسال إلى السجن بعد الضرب المبرح. واستمر الوضع على هذا الحال إلى أن خرج المهاجرون بالاحتجاج والمظاهرة، وبدؤوا بالإضراب عن الطعام في شهر أغسطس الماضي مطالبين بإلغاء مهمة المسؤولين ومشروع الإعادة القسرية. ولكن بتدخل UNHCR بقيادة السيد كريستوفار لي ـ رئيس مكتب بنغلاديش ـ هدأ الوضع. ووعد السيد (لي) بعد النقاش مع السلطة المختصة بأن الحكومة تدرس مطالبهم. ولكن الحكومة لم تغير موقفها، واستمرت في الإعادة القسرية بأسوأ مما كانت عليه سابقاً. وحتى لا تعلو أصوات الاحتجاج مستقبلاً بدأت الحكومة بإلقاء القبض على المثقفين ووجهاء اللاجئين؛ حيث وصل عدد المسجونين في تلك الفترة إلى ٢٠٠ شخص. وشدد النظام الداخلي في المخيم كي لا يخلق أي جو لحدوث ردود الأفعال من اللاجئين. وعندما اتصل اللاجئون مع UNHCR قالوا إن الحكومة منعتهم من التدخل في شؤون اللاجئين في هذه الفترة.
صلى المسلمون في جنوب وشرق آسيا صلاة العيد يوم الإثنين بتاريخ ١٥/١١/٢٠٠٤م، وكان المهاجرون في داخل المخيم أيضاً قد صلوا العيد بعد أن أكملوا صيام رمضان بتوفيق من الله وعونه رغم هذه الظروف الصعبة، ولكن فرحة العيد لم تدخل في نفوسهم، وبالعكس كانوا احتفلوا بالأسى والحزن على فراق الوطن والأقرباء. وفي صباح اليوم التالي (الثلاثاء) وبينما كان السيد إسحاق وهو من اللاجئين يتحدث أمام UNHCR إذ جاء مجموعة من الشرطة، وقبضوا على بعض منهم، وبدؤوا يذهبون بهم إلى ثكنتهم القريبة من المخيم، فخرج بعض المهاجرين يتظاهرون ضد هذا القبض العدواني، فأطلقت الشرطة النار على اللاجئين الأبرياء، فسقط في الموقع ٦ قتلى وأكثر من مائتي جريح. ويقول الأطباء إن عدد القتلى قد يرتفع إلى خمسين؛ لأن الجرحى لم يجدوا الرعاية والعلاج الكافي، وكان من القتلى أطفال (إنعام ١٢ سنة، وعبد الله ٨ سنوات) .
ومن ناحية أخرى وبعد أن قبضت الشرطة على السيد إسحاق، كسروا أسنانه، وقطعوا لسانه قائلين: «بهذا اللسان اشتكى ضدنا لدى UNHCR والجهات المختصة. ثم قطعوا أصابع اليد اليمنى قائلين: «بهذه الأصابع حملتَ القلم لتكتب ضدنا» ، واستمروا في التعذيب إلى أن فارق الحياة في الساعة التاسعة صباح نفس ذلك اليوم (الثلاثاء) . ولم يكتف الشرطة بهذا الجور والعدوان، بل أمروا السكان المحليين بالهجوم على اللاجئين عبر مكبرات الصوت حتى يتعكر الوضع، فيجدوا مبرراً لإطلاق النار على الأبرياء؛ فهؤلاء المحليون الذين كانوا يربون الغل والحقد في نفوسهم ضد اللاجئين البورميين وفي الوقت نفسه يحملون الطمع على أموال وأعراض المهاجرين، بدؤوا بشن الهجوم على اللاجئين الأبرياء بقيادة «بختيار ممبر» ـ مسؤول السكان المحليين ـ حاملين العصي والسيوف والأسلحة الخفيفة، يضربون اللاجئين بكل قوة وقساوة دون أي فرق بين الشيوخ والأطفال والنساء، ويهدمون أكواخ اللاجئين التي يسكنون فيها، ثم يقومون بمهتين:
الأولى: نهب الأموال: هؤلاء المحليون يقومون بنهب أموال اللاجئين بغض النظر عن الثمين والرديء حتى الملابس يجردونها عن الجسد ويأخذونها. يقول شهود عيان إن امرأة تأخرت في خلع مجوهراتها التي تلبسها في أذنيها، فقطعوا أذنيها بالسكين، وأخذوا المجوهرات؛ فهم الآن يبيتون جائعين في العراء، لا يجدون ملابس ولا أغطية لإنقاذ أنفسهم من برد الشتاء.
والثانية: هتك الأعراض: وهكذا فهم يقومون بهتك الأعراض؛ فهناك وقعت بعض الأحداث التي تقشعر منها الجلود وتستحيي منها العيون لا يمكن التعبير عنها في رؤوس الأقلام.
- الوضع الحالي:
- إن الحكومة جعلت المخيم في حراسة شديدة، حيث عينوا ٦٠٠ شرطي في المخيم الذي يحاصرونه من جميع الجوانب، فتمنع المهاجرين عن الخروج من المخيم، كما لا تسمح للصحافيين والمراقبين ورجال المنظمات الإنسانية بالدخول إلى داخل المخيم، حتى تبقى هذه الأحداث في تعتيم إعلامي كامل، لا يعرف الناس عن الحقيقة ومدى مرارتها وشراستها.
- وفي داخل المخيم يستمر النهب والسلب وهتك الأعراض بأيدي السكان المحليين بدعم مباشر من الشرطة.
- تبدأ حملة القبض على أرباب أسر اللاجئين بأيدي الشرطة من الساعة السابعة صباحاً، وتستمر إلى الثامنة ليلاً؛ فالذين يتم القبض عليهم يرسَلون إلى السجن مباشرة بتهمة أنهم هم الإرهابيون الذين قاموا بتعكير الأوضاع.
- خوفاً من القبض بأيدي الشرطة والضرب المبرح بأيدي السكان المحليين فر الرجال (الذكور) ـ ما عدا الأطفال الصغار والشيوخ الكبار ـ إلى الغابات المجاورة.
- اللاجئون يقضون أيامهم ولياليهم تحت ظروف قاسية؛ بحيث لا يجدون لقمة العيش من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يجدون ملابس لإنقاذ أنفسهم من برودة الشتاء.
- ومن ثم أصبح وضع اللاجئين في اضطراب شديد وخوف مستمر، لا يعرفون أين مصيرهم وأي مستقبل ينتظرهم؟
(*) مندوب بورما، الندوة العالمية للشباب الإسلامي.