عندما يبيع الآباء أبناءهم! !
منذ ما يزيد عن أحد عشر عاماً ولبنان يعاني من ويلات الحرب والدمار بل
أصبح لبنان حقلاً خصباً تُجرى فيه التجارب على ما تنتجه مصانع الغرب والشرق
من أسلحة جديدة فتاكة، ويستفيد هؤلاء وهؤلاء فائدتين:
الأولى: تجربة سلاحهم الجديد.
والثانية: الربح المادي من بيع هذه الأسلحة، ويجني لبنان خراب البيوت
وإزهاق الأنفس ونساء رملت وأطفالاً يتامى وجوعاً وغلاءً ومرضاً، فبعد أن كان
الدولار في بداية الحرب عام ١٩٧٥ يعادل ٣٥ ر ٢ ليرة، أصبح في نهاية عام
١٩٨٦ يعادل (٧٠) ليرة، وارتفع معدل التضخم إلى ١٠٠%، ففي هذه الظروف
المعيشية الصعبة انتشر بيع الدم للمستشفيات، وهذا يدل على كثرة الجرحى من
جهة، ومن جهة أخرى يدل على ضيق العيش الذي دفع المحتاجين إلى أن يبيعوا
دماءهم ويعيشوا على ثمنها، بل ذهب الأمر أبعد من ذلك حيث نقلت إلينا الصحافة
خبراً مفاده أن لبنانياً من قرية عربصاليم بجنوب لبنان عرض أبناءه الثمانية للبيع
وقال إنه يريد عناية لأولاده أفضل مما يقدمه لهم! ، وأضاف: لو أردنا أن نطعم
الأولاد أكلة (مجدَّرة) فإنها تكلف ٢٠٠ ليرة، وتتراوح أعمار الثمانية - وهم ٧
بنات وصبى - بين ٤ أشهر و ١٤ سنة وهذا ثاني لبنانى يعرض أولاده للبيع خلال
أسبوع! (جريدة القبس ٢٥/١١/١٩٨٦) .
أي لوعة وأي حسرة وأي ندامة ستحل بهذا الأب حين يفارقه أبناءه الثمانية! لا شك أنه فكر في ذلك كثيراً، فعاطفة الأبوة التي جعلها الله -حتى في الحيوان- موجودة عنده، لكن ما يعانيه من ويلات الحرب ونتائجها طغت على عاطفة
الأبوة ولثمانية أبناء، فيعيش هو بثمنهم ويذهبوا هم إلى مكان أفضل كما يتصور
هو! .
قد نقول في هذه الحادثة هذا رجل، وقد تغلب على عاطفة الأبوة برجولته،
أما أن يحدث ذلك من الأم فهذا مما يزيد الأمر هلعاً، فقد ذكرت (جريدة الشرق
الأوسط) - بتاريخ ١٧/١/١٩٨٧ -: أن قوات الأمن اللبنانية ألقت القبض على امرأة بتهمة بيع أطفالها الأربعة لعدد من الأجانب، واعترفت المتهمة بأنها حملت أربع مرات وباعت أولادها تباعاً للأجانب وكانت آخر مرة عندما باعت طفلتها لموظفة في السفارة البريطانية في بيروت مقابل ألفي جنيه
إسترليني! .
بقي أن نعرف أن أكثر مَن تدور عليهم رحى الحرب في لبنان هم من
المسلمين السنة دون غيرهم سواء كانوا فلسطينيين في المخيمات، أو من سكان
لبنان الأصليين.