كان الوقت في خطواته الأولى، والفجر يدب دبيباً بطيئاً على وجه الأفق.. أراد أن يسابق الفجر ليعلن عن مولده مع بزوغ الشمس.
خطواتٌ واثقة، وتقديرٌ جيد، كان يريد أن يتم كل شيء في أسرع وقت؛ لأنه كان ينتظر موعداً برائحة المسك على ثرى الأرض المباركة المحتلة.
لم يطل انتظاره حين توسط تلك الجموع ليضغط على زر النهاية، وفرحة عارمة تجتاح كيانه ليعلن عن ميلاده الذي ليس له نهاية.
- عتاب الوطن:
تعلقت عيناه بالوطن. اغرورقت بالدموع حتى أصبح لا يرى شيئاً، أبحر به المركب نحو الشمال، أحس بالألم وهو يرى وطنه يبتعد عنه، لم يطق صبراً، أدار جسده إلى الشمال، لكن عينيه ظلتا متجهتين إلى الجنوب قبل أن يتحطم المركب الذي يقله إلى أوروبا، ويغرق في البحر، لكن عينيه ما زالتا مسمرتين على الوطن، تذرفان دموع العتاب.
- من المنفى إلى الوطن:
ابتعد خطوات.. حيث ينفصل عن أرضه، ويغادر وطنه. تقدم خطوات إلى الأمام، أحس بالغربة تأكل كيانه، التفت إلى الخلف، هناك حيث يقبع الوطن الأسير، ليلتفت أمامه ويجد من يقول له:«قف مكانك! يجب أن تظل ما بين الحدود حتى إشعار آخر» استدار إلى الخلف، تقدم خطوات نحو الوطن، البنادق تتراجع، وهي مصوبة نحو رأسه، وصيحات التحذير تصم أذنيه، تقدم خطوات كبيرة نحو الوطن قبل أن تنطلق رصاصات الغدر لتمزق جسده؛ ويهوي على أرضه، يقبّلها في عناق يخضبه الدم.