للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[العهد الشاروني]

د. سامي محمد صالح الدلال

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ما أن أُعلن فوز إيرييل شارون زعيم حزب الليكود على إيهود باراك زعيم

حزب العمل برئاسة الوزراء في الانتخابات التي جرت بتاريخ ٦/٢/٢٠٠١م، حتى

تطايرت ردود الأفعال في جميع أنحاء العالم بين مصفِّر ومصفِّق، وبين معارض

ومؤيد، وبين قانط ومستبشر.

فمن يكون شارون هذا؟ وما تاريخه وممارساته؟ وما رؤاه في طبيعة

الصراع بين اليهود والمسلمين، والعرب منهم بالذات؟ ما طموحاته السياسية؟

وهل يختلف مع باراك في المنظور الاستراتيجي أو يتفقان فيه لكنهما يختلفان على

سبيل الوصول إليه؟ هذه وغيرها من الأسئلة الهامة هي محل دراستنا المقتضبة

التي نقدمها بين يدي أعزائنا القراء.

شارون، السيرة الذاتية:

* أصله من يهود بولندا، وعاش أبوه بعض الوقت في القوقاز.

واسمه: أريئيل صموئيل مردخاي شرايبر، ولد عام ١٩٢٨م في كفار ملال

في فلسطين.

* انضم إلى عصابة الهاغاناه الإجرامية الإرهابية عندما كان عمره ١٧ عاماً.

* اشترك في مذبحتي دير ياسين واللُّدّ عام ١٩٤٨م، وأصيب في نفس

العام في بطنه في معركة اللطرون. ومن أبرز أساتذته في الإجرام بن غوريون

وشامير ورابين.

* في أغسطس ١٩٥٢م شكل «الوحدة ١٠١» وأطلق على رجالها اسم:

«الشياطين» اختارهم بنفسه من المجرمين وأصحاب السوابق واللصوص والقَتَلَة،

ونفذت هذه الوحدة بين عامي ١٩٥٣م ١٩٥٦م أكثر من خمسة مذابح، أشهرها

مذبحة «قبية» حيث دكت نيران المدفعية بيوت هذه القرية فقتلت ١٥٦ شخصاً،

نصفهم من النساء والأطفال، وجرحت المئات،ودمرت ٤١ منزلاً.

* انضم إلى دورة قادة كتائب عام ١٩٥١م، ثم درس الحقوق في الجامعة

العبرية في القدس.

* انضم إلى حزب الماباي ثم الحزب الليبرالي، ثم انضم إلى تكتل الليكود

بعد عام ١٩٧٧م.

* عين قائد لواء مدرع في العدوان الثلاثي على جبهة سيناء، واحتل ممر

متلا مخالفاً للخطة العامة، ثم تلقى تعليماً عسكرياً في فرنسا بعد ١٩٥٦م.

* تم تعيينه قائد لواء مدرع (١٩٦٤م ١٩٦٩م) ، ثم قائد المنطقة الجنوبية

(١٩٦٨م ١٩٧٣م) .

* كان قائد القوات الإسرائيلية التي عبرت في حرب أكتوبر ١٩٧٣م قناة

السويس فيما عرف بـ «ثغرة الدفرسوار» ، حيث غير بذلك مجرى الحرب مما

أكسبه سمعة عالمية.

* بعد انتهاء الحرب أثار ما سمي في إسرائيل بـ «حرب الجنرالات»

وأحيل إلى الاحتياط.

* انتُخب في عام ١٩٧٣م عضواً في الكنيست ضمن قائمة الليكود.

* من ١٩٧٤م إلى ١٩٧٦م عمل مستشاراً أمنياً لرئيس الوزراء، وخلال ذلك

أي في عام ١٩٧٥م أسس حزباً يمينياً، وانضم إلى «حيروت» مع بيغن تحت

مظلة جابو تنسكي، ثم ضم إليه في «حيروت» مجموعات حزبية متطرفة من

المهاجرين، وفي عام ١٩٧٧م حصل على مقعدين في الكنيست وانضم إلى الليكود.

ثم عُيِّن وزيراً للزراعة من عام ١٩٧٧م إلى ١٩٨١م، ثم عُيِّن وزيراً للدفاع في

وزارة بيغن من عام ١٩٨١م إلى عام ١٩٨٣م.

* في عام ١٩٨٢م قاد غزو لبنان ووصل إلى بيروت واحتلها. ثم اقترف

وزبانيته المذبحة الكبرى في صبرا وشاتيلا، وقد أدانته بها لجنة تحقيق رسمية

وأوصت باستقالته، فرفض فعينه بيغن وزيراً بلا حقيبة لغاية ١٩٨٤م.

* شغل بعد ذلك مناصب وزارية عدة، وزيراً للصناعة والتجارة (١٩٨٤م -

١٩٨٨م) ، ثم وزيراً للإسكان والتعمير (١٩٨٨م - ١٩٩٢م) .

* خاض انتخابات رئاسة الليكود بعد اعتزال شامير فخسرها أمام نتنياهو. ثم

عينه نتنياهو عام ١٩٩٦م وزيراً للبنية التحتية، ثم وزيراً للخارجية عام ١٩٩٨م،

وفي نفس العام تولى شارون رئاسة الليكود بعد سقوط نتنياهو في الانتخابات.

* دنس المسجد الأقصى بزيارته له في ٢٨/٩/٢٠٠٠م تحت حراسة ثلاثة

آلاف جندي يهودي باراكي مدججين بالسلاح.

* فاز في انتخابات رئاسة الوزراء في ٦/٢/٢٠٠١م أمام رئيس حزب العمل

أيهود باراك الذي كان رئيساً للوزراء.

الملامح الشارونية من سيرته الذاتية:

لم أَسُق السيرة الذاتية لشارون لمجرد إشباع الجانب المعرفي، بل لنتلمس من

خلال ذلك الملامح الذاتية لهذا الرجل لما لذلك من أثر بالغ على ما يُتوقع من أحداث

في الفترة الشارونية القادمة.

إن أهم تلك الملامح ما يلي:

١ - نفسيته الدموية التي عبَّرت عن ذاته في وقت مبكر من سنِّه عندما انضم

إلى عصابة الهاغاناه وعمره ١٧ عاماً، ثم اتضحت من خلال المجازر التي ارتكبها،

وقد لازمته هذه النفسية الدموية إلى وقتنا الحاضر، مروراً بمجازر ومذابح متعددة،

منها مذبحة قبية ومذبحة صبرا وشاتيلا.

٢ - نفسيته الطموحة؛ حيث واظب على الارتقاء في المجالات العسكرية

والسياسية حتى أصبح رئيساً للوزراء.

٣ - نفسيته المغامرة والمقتنصة للفرص، وقد تجلى ذلك واضحاً في استغلاله

لثغرة الدفرسوار وقيادته الجيوش الإسرائيلية في اقتحام بيروت واحتلالها.

٤ - نفسيته الحاقدة على المسلمين والعرب بالذات وخاصة الفلسطينيين، وقد

تجلى ذلك من خلال تعاملاته الوحشية والإجرامية مع العزل من النساء والأطفال

والشيوخ، وكانت أساليب القتل والتشريد التي مارسها تعبيراً عن هذه النفسية

اليهودية الممتلئة بالحقد والكراهية لغير اليهود.

٥ - نفسيته المتغطرسة، فلا يطيع أوامر رؤسائه إلا بما كان مقتنعاً به،

ويعصيها إن لم يقتنع بها؛ ومثال ذلك احتلاله ممر متلا في العدوان الثلاثي عام

١٩٥٦م خلافاً لأوامر الخطة العامة، وكذلك رفضه لتوصيات لجنة التحقيق

الإسرائيلية التي أوصت بإقالته إثر مذابح صبرا وشاتيلا.

٦ - نفسيته المتعنتة؛ حيث قال في مقابلة تلفزيونية عام ١٩٩٩م:

«أعترف بأنني متطرف، ولكن فقط بخصوص القضايا التي تمس حياة إسرائيل

وأمنها» . وقال كيسنجر بعد اجتماع ضمهما إنه «جلس مع أخطر سياسي في

الشرق الأوسط» وهذه شهادة لها مكانتها في التحليل السياسي.

٧ - نفسيته المراوغة والاستغلالية والمتوجسة، وقد بدا ذلك واضحاً في

محاولته الظهور بمظهر المعتدل في الانتخابات الأخيرة عندما التقى مع الناخبين

المترددين وبمظهر المتطرف عندما التقى مع الناخبين الحازمين، وأشيع بأنه أرسل

مبعوثين شخصيين سريين إلى بعض الدول العربية لتهدئة مخاوفها ولتغيير تصورها

عنه.

٨ - نفسيته المستعلية على كرامة المقدسات، وقد تجلَّت هذه النفسية في

تدنيسه للحرم القدسي الشريف، مع علمه بأن هذا الفعل الشنيع سيفجر الشارع

الإسلامي والعربي والفلسطيني.

وقد أكد ما ذكرناه من الملامح الشارونية الصحفي عوزي بنزيمان في كتابه:

«شارون لا يقف أمام الشارة الحمراء» والكتاب الأسود الذي صدر بعد حرب

لبنان ١٩٨٢م بعنوان: «إرييل شارون سيرة حياة كهذه» ، وقد ذكر عشرة

خصائص للشخصية الشارونية: نقض القوانين، ونقض الأعراف، وعدم إطاعة

الأوامر، وعدم كتمان الأسرار، وانتهاج جرائم الإبادة ضد العرب، والخيانة،

وتزييف الوقائع، وتجسيد الميكيافيلية على قاعدة الغاية تسوِّغ الوسيلة، سوى

الفظاظة والإخفاق في القيادة السياسية [١] .

المجتمع اليهودي شاروني الملامح:

فاز شارون في الانتخابات التي جرت في ٦/٢/٢٠٠١م بحوالي ٦٢.٥ %

من الناخبين، ولم يحصل باراك إلا على نسبة ٣٧.٤ % من الناخبين، وكانت

فحوى الشعارات الانتخابية المطروحة أن شارون يقود منهج الحرب وباراك يقود

منهج السلام. إن ذلك وإن لم يكن في رأينا صحيحاً؛ حيث إن باراك لا يقل دموية

عن شارون، إلا أنه يعكس شارونية المجتمع اليهودي، إن نتيجة الانتخابات

أعطت شارون دفعة قوية لتنفيذ تطرفه في المرحلة القادمة؛ إذ بات تطرفه يستند

إلى دعامة شعبية جارفة، ومعنى ذلك بلغة الإسقاط الواقعي أن طبيعة المواجهة مع

اليهود ليست متعلقة بشخصية من يقودهم فقط، بل هي مواجهة شاملة مع المجتمع

اليهودي ككل، ويؤيد ذلك ما قاله الباحث اليهودي الدكتور مولي بيليغ: «إن

أرييل شارون يمثل انعكاساً للمجتمع الإسرائيلي بشكله الفظ، وهو يمثل المجتمع

الإسرائيلي بجوهره القاسي المستند إلى منطق القوة» ، ويقول: «إن شارون ليس

شاذاً عن المجتمع الإسرائيلي، بل هو نتاج كامل للإسرائيلية، تربطه خيوط شبه

كثيرة مع إسحاق شامير وأيهود باراك أكثر من أوجه الاختلاف، منها النظر إلى

الأمور من وجهة نظر أمنية» .

وعلى هذا فإن صراعنا ليس مع شارون بل مع مجتمع يهودي غاصب،

دموي النزعة، طامح للتوسع، مستعد للمغامرة، مقتنص للفرص، طافح بالحقد،

تنطوي نفسيته على جميع معاني الغطرسة والتعنت والاستعلاء والاستغلال

والمراوغة، ويعشش فيه طائر التوجس والترقب.

شارون ومفاوضات السلام:

مر قطار الاستسلام (ويسمى السلام) في وديان كثيرة منطلقاً من مدريد

مخترقاً أودية أوسلو، وواي بلانتيشن، وواي ريفر، وكامب ديفيد ٢،

وباريس، وطابا؛ وقد تناوب على توجيه دفة القطار من الجانب اليهودي حزبا

العمل والليكود، وليس في نية اليهود التوصل إلى اتفاق سلام بل توقيع اتفاقيات

استسلام مجحفة كسباً للوقت إلى حين انطلاقاتهم التوسعية التالية؛ فالذي يريده

اليهود، سواء كانوا باراكيين عمليين أو شارونيين ليكوديين، هو:

١ - تكريس الوجود اليهودي على كامل أرض فلسطين، ثم توسيعه بعد ذلك.

٢ - إذلال الأمة الإسلامية، والعرب منهم خاصة، والفلسطينيين على

الأخص.

٣ - عزل القضية الفلسطينية عن محيطها الإسلامي والعربي.

٤ - فتح أبواب التطبيع بغية السيطرة على الأمة الإسلامية من داخلها؛ وذلك

عبر الهيمنة على جميع مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية

والثقافية والفكرية والإعلامية والإدارية والأخلاقية والأمنية وغيرها.

٥ - بث روح الانهزامية واليأس في الأمة الإسلامية، وتهيئتها نفسياً لمزيد

من الانكسارات، والانهزامات في صراعاتها المستقبلية مع العدو اليهودي

الصهيوني.

٦- الحصول على مدى زمني أرحب ليتمكن اليهود من إعادة ترتيب أولوياتهم

في شؤونهم الداخلية والخارجية استعداداً للمرحلة اللاحقة.

وفي إطار تلك النقاط الستة التي ذكرتها فإن شارون لن يمتنع عن الدخول في

مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية، غير أن الرؤية الشارونية لإسقاطات تلك

النقاط أكثر تشدداً في الطرح المعلن من الرؤية الباراكية؛ ففي حين يرى باراك

أهمية المرحلية لتحقيق ذلك مما يعني زمناً أطول، فإن شارون يرى حرق المراحل،

واختصار الزمن لمسارعة الوصول إلى عتبة التوسع التالي.

كان من المفترض أن آخر عتبة يتركها باراك وتدب عليها قدما شارون هي

عتبة مباحثات طابا التي اختتمت في أواخر يناير ٢٠٠١م، وكان من أبرز ملامح

الاتفاقات المذكورة ما يلي:

١ - تتسلم السلطة الفلسطينية ما بين ٩٤% إلى ٩٦% من مساحة الضفة

الغربية لإقامة الدولة الفلسطينية عليها.

٢ - تخصص الـ ٥% الباقية لإقامة ثلاث كتل استيطانية يهودية تشمل:

٨٠ % من المستوطنين، وتضم إلى إسرائيل.

٣ - بالنسبة للقدس، سيبقى ما للعرب للعرب وما لليهود لليهود، على أن

تستحدث إدارة مشتركة للأماكن للمقدسة لمدة خمس سنوات، يتفق الجانبان خلالها

على موضوع السيادة.

٤ - تنتشر القوات الإسرائيلية في حالات الطوارئ، مع تواجد إسرائيلي في

غور الأردن لمدة ست سنوات باعتبارها فترة انتقالية.

٥ - صيغة تتيح عودة اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية، وإلى منطقة حالوتسيا

في النقب؛ حيث ستساعد إسرائيل الفلسطينيين على إقامة مدينة جديدة هناك، مع

إيجاد آلية لتعويض اللاجئين.

لست بصدد نقد نقاط هذه الملامح التي فحواها:

١ - الاعتراف بالسيادة الأبدية للكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة

قبل عام ١٩٦٧م.

٢ - الاعتراف بالتبعية الأبدية للكيان اليهودي على أرض فلسطين المحتلة

بعد عام ١٩٦٧م.

٣ - مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

ولكن ما أود ذكره موقفان:

الأول: موقف باراك؛ حيث أعلن إلغاء جميع ما توصل إليه في مباحثات

كامب ديفيد ٢، ومشروع كلينتون ومباحثات طابا، وأن حكومة شارون لا يلزمها

شيء من ذلك. إن هذا الموقف فضلاً عن أنه يمهد للعهد الشاروني؛ حيث يبدأ

شارون عصره متحرراً من أية التزامات مسبقة وبذلك ينطلق كما يريد، فإنه كذلك

يعزز ما عرف عن اليهود من نقضهم للعهود وإخلافهم للوعود.

الثاني: موقف شارون، وله منظوران:

١ - المنظور الاستراتيجي، وخلاصته:

* الضفة الغربية (ويسمونها حسب المصطلح التوراتي يهودا والسامرة)

هي جزء من «إسرائيل الكبرى» .

* شرق الأردن جزء من إسرائيل التاريخية.

* إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.

* تجمع اليهود من الشتات ليكوِّنوا سكان إسرائيل الكبرى.

* لا عودة للاجئين الفلسطينيين.

* تكثيف وزيادة المستوطنات في الضفة الغربية لتتسع لأكثر من مليوني

مستوطن.

* القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، وتضم «الهيكل» الذي سيشيد

على أنقاض المسجد الأقصى.

٢ - المنظور الآتي المؤقت، وخلاصته:

* إيقاف الانتفاضة الحالية مع التركيز على الاغتيالات للسياسيين والعسكريين

لجعل المنتفضين بغير قادة موجهين ومخططين، وقد أكد هذا التوجه رعنان غيسين

الناطق باسم الجيش الإسرائيلي سابقاً والمساعد الحالي لشارون.

* التمسك باللاءات الأربعة: وهي: لا لإقامة دولة فلسطينية على الضفة

الغربية والقطاع، لا لتقسيم القدس، لا لإزالة المستوطنات، لا لعودة اللاجئين

الفلسطينيين.

* لا مانع من إعطاء التجمعات العربية الكثيفة لوناً من الحكم الذاتي لا يتجاوز

السيطرة على الخدمات البلدية، وأما الدولة الفلسطينية فيمكن أن تقام على أرض

الأردن.

* أن لا تتجاوز مجموع الانسحابات الإسرائيلية من الضفة الغربية وغزة

٤٢ % من مجمل المساحة، على أن تعتبر جميع المستوطنات جزءاً لا يتجزأ من

دولة إسرائيل؛ حيث يرتبط بها من خلال طرق تخترق الضفة الغربية طولاً

وعرضاً، وحيث تساهم هذه الطرق في تقطيع أوصال دويلة الحكم الذاتي، هذا

فضلاً عن عدم سيادتها على أجوائها، حيث سيكون كامل المجال الجوي تحت

السيطرة الإسرائيلية.

* دعوة الدول العربية إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من خلال توطينهم

فيها.

* لا مانع من الدخول في مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية ضمن حدود

النقاط المذكورة.

لقد طرح شارون تصوراته عن الأوضاع المستقبلية في حملته الانتخابية.

وكان مما قاله: «من يعتقدون أن القدس يجب أن تبقى جزءاً لا يتجزأ من

الإرث اليهودي يجب أن يصوتوا لي» ويرى شارون أنه لا يمكن له تحقيق

منظاريه إلا من خلال حكومة وحدة وطنية، ولذلك قال في حملته: «الوحدة

الوطنية ضرورية في الوقت الحالي لتحقيق الأمن والسلامة وإصلاح الانقسامات في

هذا البلد» لكن هل ينجح في ذلك؟ ! وخاصة أن مهمات الحكومة الوطنية الدخول

بإسرائيل في متاهات خطيرة! يقول المعلق السياسي اليهودي أفراهام طال: «إن

خطط شارون تقود إلى الحرب وإلى مزيد من بناء المستوطنات غير المشروعة»

ووصف توجهه إزاء الفلسطينيين بأنه «عنصري» ، وتوقع أن يؤدي برنامجه

السياسي إلى القضاء على عملية السلام.

شارون وانتفاضة الأقصى:

يعتبر شارون استمرار انتفاضة الأقصى قضية بالغة الخطورة؛ حيث إنها

حققت إلى الآن أهدافاً كثيرة، منها:

١ - أكدت للقاصي والداني استحضار الشعب الفلسطيني لهويته الإسلامية.

٢ - أن الشعب الفلسطيني لم يندثر كما أراد له اليهود، بل لا يزال شعباً حياً

تتدفق دماء الحرية والنقاء في عروقه.

٣ - أبرزت الانتفاضة رفض الشعب الفلسطيني لاحتلال أرضه وتدنيس

قدسه ومقدساته.

٤ - رفض الشعب الفلسطيني للحلول الاستسلامية المطروحة على الطاولات.

٥ - أججت مشاعر الشعوب العربية والإسلامية وأذكت فيها روح الجهاد.

٦ - أحدثت شروخاً في داخل المجتمع اليهودي على كافة المستويات السياسية

والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

وبناء عليه، فالمتوقع من العهد الشاروني هو:

١ - استخدام أشد أساليب العنف للقضاء على الانتفاضة بما في ذلك إعادة

احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسحب الاعتراف باتفاقيات أوسلو.

٢ - تهجير الفلسطينيين أو بعضهم بالقوة إلى الأردن.

ونظراً لأن تحقيق هذا المشروع سيكون خطيراً جداً فإن شارون سيكون

مستعداً للدخول في حرب شاملة مع الدول العربية المحيطة بإسرائيل تحدث في

المنطقة ظروفاً جديدة، وتقلب الطاولة رأساً على عقب؛ ذلك أنه يرى أن خوض

حرب مع الأنظمة العلمانية القائمة هو فرصة تاريخية؛ حيث سيضمن له النصر

الذي لا يمكن أن يتحقق فيما لو قامت بدلها أنظمة إسلامية؛ ولذا فهو في سباق مع

الزمن في هذا الاتجاه؛ حيث إن إقامة نظام إسلامي في أي من تلك الدول المحكومة

الآن بالأنظمة العلمانية سيوقف مسيرة اليهود في اتجاه تحقيق أهدافهم التي ينشدونها،

ومما يؤكد التوجه الشاروني للحرب ما ذكره رئيس الأركان الإسرائيلي شاؤول

موفاز ونائبه موشي ياألون من أن الصدام الشاروني الفلسطيني قد يؤدي إلى حرب

تتجاوز حدودها الطرفين، وهذا ما لا يريده الجيش في المرحلة الحالية؛ حيث قال

موفاز إن من أهداف الجيش الإسرائيلي ضمان أمن المدنيين الإسرائيليين وخفض

العنف، ومنع الانحدار نحو حرب إقليمية، ومنع تدويل النزاع مع الفلسطينيين،

وترك باب المفاوضات مفتوحاً، ونظراً لأن هذا التوجه مخالف لتوجه شارون فمن

المنتظر أن يحدث شارون تغييرات في القيادات العسكرية، لتتلاءم مع القيادات

السياسية من أمثال أفيغدور ليبرمان ورهافام زئيفي اللذين طالبا بضرب السد العالي

وسوريا، وهو الآن يريد ضم الرجلين إلى وزارته.

السلطة الفلسطينية وشارون:

وقَعَت السلطة الفلسطينية في «حيص بيص» بعد أن استلم شارون رئاسة

الوزارة الإسرائيلية، لكنها عبَّرت عن رأيها في ذلك بقول رئيسها ياسر عرفات:

«إنه يحترم إرادة الشعب الإسرائيلي» ! !

إن السلطة الفلسطينية الحالية مستعدة أن تسير في طريق التنازلات إلى نهايته،

إن كان له نهاية سوى القضاء على آمال الشعب الفلسطيني المتورط بقيادته؛

وبناء عليه فالمتوقع من هذه السلطة:

١ - العمل الحثيث على إيقاف الانتفاضة الحالية بشتى الوسائل والطرق.

٢ - تكثيف التعاون الأمني مع السلطات اليهودية.

٣ - مواصلة السير في طريق الاستسلام؛ وستعلن في البداية رفضها التام

لجميع ما طرحه شارون، ثم تبدأ التنازل عن هذا الرفض بنداً بنداً، كما تعوَّدنا ذلك

منها.

الدول العربية وشارون:

أظهرت الدول العربية إيجاسها الخيفة من اعتلاء شارون منصة رئاسة

الوزراء اليهودية، هذا من حيث الظاهر، وأما من حيث الحقيقة فستجري الأمور

مع شارون على نفس وتيرة ما جرت مع باراك، وأما ما سيقوم به شارون من قتل

وبطش وإبادة وتشريد وحصار وتجويع وتدمير للمنازل والخدمات، فإن بيانات

الشجب جاهزة وبرقيات الاستنكار معدَّة!

الغرب وشارون:

ستواصل الدول الغربية وخاصة أمريكا دعمها اللامحدود لشارون، وأتوقع

شخصياً أن الدعم الأمريكي لدولة الكيان اليهودي سيزداد في عهد الرئيس الأمريكي

بوش؛ وذلك من منظار تطلعاته الدينية التي تذكرنا بالرئيس السابق ريجان؛ حيث

إن بوش اعتبر أن المفكر المفضل لديه هو يسوع المسيح، وبعد بضع دقائق من

أدائه اليمين الدستورية واضعاً يده على «الكتاب المقدس» قال عبارة غامضة جاء

فيها: «إن ملاكاً يخيم فوق الزوبعة ويوجه هذه العاصفة» ، ثم طلب إقامة يوم

وطني للصلاة، وذلك غداة وصوله للحكم، ثم دافع بقوة عن مشروع يقضي

بتخصيص مبالغ من الأموال العامة للنشاطات الاجتماعية التي تشرف عليها

منظمات دينية أمريكية، مما دفع آلان ليشتمان، المؤرخ المتخصص في شؤون

الرئاسة الأمريكية في الجامعة الأمريكية في واشنطن إلى القول: «إن الربط بهذا

الشكل بين الدين والسياسة أمر لا سابقة له لرئيس بدأ مهامه منذ أسبوعين» .

ومعلوم أن بوش له علاقة وطيدة وصداقة حميمة مع القس الشهير بيلي

غراهام «المرشد الروحي» لعدد كبير من الرؤساء، ومعلوم أيضاً أن بوش لا

يتعاطى الخمر منذ حوالي خمسة عشر عاماً، وأنه يقرأ في الكتاب المقدس يومياً،

وقال في إفطار وطني خصص للصلاة: «إن الإيمان أعانني في النجاح والفشل،

ومن دون الإيمان لكنت شخصاً مغايراً، ومن دونه لما كنت بالتأكيد هنا» .

وبناء على ما ذكرته أقول: إن كان الرؤساء الأمريكيون السابقون قد قدموا

دعمهم اللامحدود لإسرائيل من وجهة نظر سياسية في أغلبها، فإن بوش سيقف مع

شارون ومع من يأتي بعده داعماً لهم بقوة، ليس من وجهة نظر سياسية فحسب،

بل من وجهة نظر دينية مقدمة عليها، خاصة مع اعتقادهم الراسخ أن قيام دولة

إسرائيل مقدمة لحدوث معركة هرمجدون التي هي بدورها مقدمة لعودة المسيح.

وقفة مع ما يجب:

١ - ينبغي ترشيد الانتفاضة ترشيداً شرعياً بغية أن تكون أهدافها منضبطة

بالكتاب والسنة ولأجل أن يكون الهدف الأساس أن ترفرف راية الإسلام خفاقة على

ربوع أرض فلسطين كلها من النهر إلى البحر.

٢ - الواجب القيام بدعم انتفاضة الأقصى بكل الوسائل المادية والمعنوية التي

تساعدها على الاستمرار واستدامة التوهج.

٣ - تعبئة طاقات الأمة الإسلامية في المنظومة الإسلامية كلها.

٤ - تهيئة الأمة للجهاد ولاستعادة الربوع المباركة في أرض فلسطين

ولتحرير المسجد الأقصى من براثن اليهود.

وبعد: فقد طفنا بسرعة خاطفة في دروب العهد الشاروني.

أسأل الله تعالى أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز به دينها وينصرها به على

اليهود وجميع أعدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب

العالمين.


(١) انظر: الحوادث، ١٦/٢/٢٠٠١م.