[من داخل روسيا]
موسكو - ٢٨ أيلول (سبتمبر) -رويتر:
تقول تاتيانا المطلقة الشابة:
«عندما تنام طفلتي أشعر بغصة في حلقي، إنني أتوق في الحقيقة إلى
صديق يشاركني كل أفراحي وأحزاني، وابنتي الصغيرة تنتظر أباً» .
هذه شكوى تاتيانا (٢٨) سنة، في خطاب أرسلته لمحرر عمود: (القلوب
الوحيدة) في صحيفة منظمة الشباب الشيوعي، في أوكرانيا.
وبتصفح خطابات المحرومين من الحياة العائلية، يستشف القارئ أن السلطات
تبذل جهوداً منسقة لتخفيف وطأة مشكلة اجتماعية رئيسية في الاتحاد السوفيتي،
وهي: جمع شمل الملايين من العزاب والمطلقين، وكثير منهم لديه أطفال.
وإعلانات القلوب الوحيدة فكرة جديدة إلى حد ما في الاتحاد السوفيتي، حيث ... ظلت الأيدلوجية الرسمية تؤكد على مدى سنوات أن الشيوعية قد حطمت الحواجز الطبقية، وأزالت العقبات من أمام العلاقات الإنسانية.
وتستجيب أبواب القلوب الوحيدة، مثل العمود الذي ينشر في صحيفة
(كومسومولسكوي زناميا) الأوكرانية لشكاوى الباحثين عن الحياة العائلية في بلد ينتهي فيه زواج واحد من كل ثلاث زيجات بالطلاق، ويزيد فيه عدد النساء غير المتزوجات على عدد الرجال غير المتزوجين بدرجة كبيرة جداً.
وتقول الصحيفة الأوكرانية التي بدأت نشر عمودها الأسبوعي، وعنوانه:
«أنا بانتظارك» منذ أربعة أشهر: أنها تتسلم حوالي ألف خطاب في اليوم.
وقال خطاب يُعد نموذجاً لما يتسلمه العمود: «أنتظر عمودكم دائماً وأنا على
أحر من الجمر» .
وتقول (لود ميلا) ، وهي مطلقة في الرابعة والثلاثين من عمرها، ولها ابن
في العاشرة:
«لن أصف مأساتي، سأقول فقط: إنه ليس باستطاعة كل امرأة قررت
الرحيل ومعها طفل عمره شهر أن يكون رحيلها بعيداً بلا عودة على الإطلاق» ! .
وفي خطاب آخر قالت (جالينا) التي تعيش في شبه جزيرة القرم:
«أنا في الثانية والعشرين، ولي طفل عمره ثلاثة أشهر، ونفتقد وجود رجل
قوي. لقد تخلى رجل عنا، ولكننا لا نعتقد أن كل الرجال مثله» .
واشتكت " ليلينا " المدرسة (٢٨) سنة قائلة:
«إن زوجي السابق لا يقوم بأي دور في تربية ابننا، وحتى لا يتذكره،
ومع كل يوم يمر أزداد اقتناعاً بمدى حاجة ابني إلى أب» .
لا للزوجة الموظفة:
ومن السمات البارزة في خطابات من رجال سوفييت التأكيد على أنهم لا
يريدون أن تكون شريكات حياتهم موظفات طموحات.
فقد كتب فالنتين (٢٩) سنة ومطلق، الذي قال إنه يهوى التصوير: «أريد
فتاة أو امرأة متعاطفة، عمرها بين ٢٥، ٢٩، تتمتع بشخصية مرحة، وتعرف
أشغال الإبرة والطبخ وتوفير جو عائلي مريح» .
ويشاركه هذا الأمل ديمتري -كهربائي عمره ٢٤ سنة- الذي قال: " إنه
يعيش مع والدته وإخوته، وقال: «أريد فتاة متعاطفة، تطبخ جيداً، وتتمتع
بالحيوية والطيبة» . وقال (ألكسندر) (٢١) سنة الذي أتم تدريبه كبحار في ميناء
(أوديسا) على البحر الأسود: (عمل البحار صعب، ولكنه يصبح أكثر سهولة
إذا انتظرت عودتك على الشاطئ فتاة مخلصة) .
ويحرص بعض الرجال على التأكيد على أنهم لا يشربون (الخمور) ، من أجل
الفوز بقلوب النساء اللاتي يكرهن معاقرة الخمر.
ويقو ل (ألكسندر) : «ليس لدي عادات سيئة، وأحب الرياضة، وأنظر
إلى الحياة العائلية بجدية، وأريد أن تكون فتاتي رقيقة، وأن تشاركني اهتماماتي» .
وتحرص كثيرات من النساء غير المتزوجات على التأكيد على أنهن
سيصبحن زوجات وأمهات ممتازات.
وقالت (فالنتينا) (٣٣ سنة) والتي تعمل مدرسة: «أحب الأطفال جداً،
ولكنني لم أتزوج، وسعادتي الكبرى في القيام بالأعمال المنزلية» .
هذا التقرير يعكس الحياة الاجتماعية في البلد الذي يعد النموذج لتطبيق
النظرية الشيوعية ويحاول كاتب التقرير أن يكون حيادياً، وينقل شهادات صادقة
من قِبل الرجال والنساء في روسيا، ولذلك فهو يبدو تقريراً وصفياً يحاول التقاط
بعض الصور عن الحياة الاجتماعية تحط النظام الشيوعي.
إن العقيدة الشيوعية حاولت القضاء على كل الروابط العائلية الموروثة،
وسخرت من كل القيم التي أقامتها الأديان واحترمتها الأجيال، مدفوعة بتفسيرها
المادي للحياة، ومؤكدة -بسطحية وتعصب ودموية- على أن تاريخ الجنس البشري
هو تاريخ البحث عن الطعام فقط.
وبعد أن فند العقلاء هذه النظرية حتى قبل أن تطبق؛ هاهي ذي الشعوب التي
رزحت تحت نيرها تعبر عن رفضها لها، وضيقها بها، ذلك لأن الفطرة البشرية
قد تشوه وتمسخ، ولكن لا يمكن اقتلاعها من جذورها.
وفي مكان آخر من هذا العدد من المجلة هناك شهادة أخرى عن الطرف الآخر
لهذه الحضارة - وهو الطرف الذي داس الروابط العائلية والقيم الربانية باسم الحرية
الفردية-، نظرتان لم تحققا السعادة والاستقرار للجنس البشري، وكل واحدة منهما
دعت وتدعو الناس إلى احتقار كل القيم والمواريث الخلقية، بحجة مختلفة مزعومة
سواء حجة الإنتاج، أو حجة الحرية الفردية.
يفتخر العبيد من أبناء المسلمين بما يسمى بتحرير المرأة سواء في الشرق أم
في الغرب، وتعجبهم صورة المرأة هناك، حيث تزاحم الرجال كتفاً بكتف،
وتمارس المهن التي كانت إلى وقت غير بعيد وقفاً على الرجال، وتعجبهم صورتها
وهي تقود السيارة أو الطائرة، وتقوم بما من شأنه أن يلفت إليها الأنظار، ويوجه
إليها عبارات التشجيع؛ ولكن ينسون أو يتناسون أن الأنظار سرعان ما تصدف
عنها، أو التشجيع سرعان ما يحجب عنها ليصرف إلى أخرى أصغر منها سناً،
وأكثر منها جاذبية، وأنها بعد قليل ستلتفت لترى نفسها وحيدة في صحراء قاحلة،
أو في سديم قطبي متجمد.
إن المقولة التي قدمت على أن الدولة تستطيع أن تربي وأن ترعى وأن تعول
مقولة لا تثبت عند الفحص والاختبار، فلئن استطاعت الدولة أن تتكفل بالرعاية
المادية والصحية لرعاياها، فهل هي قادرة على تأمين العلاقات الاجتماعية التي لا
غنى لهم عنها؟ !
إن الناظر بتأمل وتعقل إلى حياة هؤلاء الذين تفلتوا من كل ما يربطهم بوحي
السماء، وإلى المنزلة التي آلت إليها المرأة عندهم لَيَشعر بالإشفاق والرثاء -والله-، على الرغم مما يتمتعون به من تقدم مادي، وليس غريباً أن تسود الأمراض
الاجتماعية المدمرة، والأمراض الأخرى التي تهدد البشرية بعد أن انعتقوا من كل
الروابط، وأصبح المشروع مستهجناً والمحرم مألوفاً، فسخروا من الزواج ونفروا
منه، وحولوا العلاقات العائلية والروابط الاجتماعية إلى علاقات ميكانيكية بعد أن
انصرف الرجال عن الزواج نتيجة لتشجيع العلاقات الجنسية الحرة دون تحملهم لما
يترتب على الزواج من أعباء وشعور بالمسؤولية، أصبح على المرأة أن تواجه
وحدها جفاف هذا المجتمع، وأصبحت الضحية الأولى التي تنعكس عليها تناقضاته
وعيوبه، فهي راكضة لاهثة أبداً، تركض في مبدأ حياتها لتتعلم، ثم تركض
لكسب وظيفة تعيش منها، ثم تركض وتلهث وراء " الموضة " لتلفت إليها شاباً
متقلب المزاج لا يلبث أن ينصرف عنها إلى غيرها، لأنه حر لا رابط ولا وازع،
فتبدأ المحاولة من جديد تجاه ثان وثالث.. وهكذا هي مسعورة بين حاضر ليس له
لون ولا طعم، وبين مستقبل مكشر يتهياً لتلقي بنفسها بين فكيه وحيدة منبوذة.
إن قيمة المرأة عند المسلمين لا تزيدها الأيام إلا ارتفاعاً، بينما هي عند
الماديين ممن أعماهم بريق هذه الحضارة الزائف لا تزداد على الأيام إلا هبوطاً.
ونحن هنا لا نعمم، ولا ندعي أن مجتمعاتنا خالية من العيوب، وإلا فقد انتقلت إلينا
كثير من المفاهيم الخاطئة، فبدأنا نرى التسيب العائلي والتخلي عن المسؤولية من
قِبل كل من الرجل والمرأة، وخاصة في بعض الأسر الغنية.
وعلى هذا، فأي قيمة تبقى للأرباح المادية -مهما كانت- إذا خسر الإنسان
تربية أولاده، وتخلى عن رعايتهم.
إن الرجال هم الرجال، والنساء هن النساء، في أي مجتمع كانوا، وأي
عقيدة اعتنقوا، وإن نداء الفطرة يقول: إن الرجل يبحث عن المرأة التي تعمر
البيت بوجودها وحركتها، لا عن التي تملأ المعامل والمكاتب والشوارع بينما تخلف
وراءها بيتها فريسة للفراغ والخراب. والمرأة تبحث عن الرجل الذي يقف إلى
جانبها خلال حياتها كلها، فيرعاها وأطفالها، لا الذي يعجب بها في لحظة عابرة ثم
يتركها إلى غير رجعة. وماعدا ذلك فزيف وتصنع أو جهل وعمى. [وَمِنَ النَّاسِ
مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ
يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلَى عَذَابِ السَّعِيرِ] [الحج: ٣-٤]