للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خاطرة أدبية

[بين الشكل والمضمون]

بقلم:حفيظ بن عجب آل حفيظ

بينما كنت أقلب النظرات وأجيلها في إحدى المكتبات باحثاً عن كتاب أجد فيه

ما يشفي (غليلي) ويروي عطشي، ونهمي، لمحت عيناي كتاباً يشع غلافه لمعاناً

وبهاءً، والألوان التي تحلِّيه لا أروع منها، ولا أحسن من تناسقها وتناسبها،

وتوزيعها.

وبينما كنت في هذه الحالة من الإعجاب والذهول الممزوجين بالفرح ...

امتدت يمناي إليه ... حملته بين ذراعي كطفل جميل أردت مداعبته أو تقبيله،

وحرصت وتحرزت أشد الحرص، أن لا يقع من يدي فيصيبه مكروه أو أذى فأندم، وفي هذه اللحظات التي كنت أتأمل فيها الغلاف أخذت الأماني، والخواطر،

والأفكار ... طريقها إلى عقلي ... كانت كثيرة ومتتالية: أولها: ماذا بعد الغلاف؟

وثانيها: إذا كان الغلاف هكذا، فما بالك بالداخل؟ وثالثها: لا بد أنه يحوي روائع

لا مثيل لها ودرراً لا يشابهها درر.

اقتحمتُ هذه الخواطر قاطعاً لها، وطويت الغلاف لأرى ما بعده؛ لكي أقرأه

وأعب من معينه، وأستفيد من معانيه ومضامينه؛ ولكنني فوجئت بقصيدة (نبطية)

أو (شعبية) على الأصح! ! هزيلة المعنى والمبنى، متهالكة الجوانب ليس فيها من

الشعر إلا الشكل.. فقلت في نفسي عند ذلك: لعلها الأولى، وقد يكون ما بعدها

أجمل وأروع، وإنما هذه مداعبة من صاحب (الديوان) ! ! ؟ وأخذت يدي تسابق

نظري في طي الصفحات واحدة بعد أخرى ... وفي كل صفحة كان وقع المصيبة

عليّ أشد وأنكى، وانتهت صفحات الديوان ولا ديوان! ! دون أن أجد ما يشفع في

طبع هذه الخزعبلات الرديئة المتردية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فأعدته

إلى مكانه (المرموق) في أحد رفوف المكتبة وأنا حزين لما رأيت.

وحينما هممت بالخروج دون أن أجد بغيتي لمحت خلف الأدراج كتاباً صغير

الحجم مُلقًى على الأرض كأن أهل المكتبة لا يرونه أو أنهم لا يعدونه كتاباً أصلاً

فرفعته على عجل؛ فإذا البون شاسع بينه وبين الكتاب الذي صفعني قبله؟ ! لقد

كان ورقه رقيقاً سيئاً يكاد أن يتمزق كلما أردت أن أطوي إحدى صفحاته لأنظر ما

بعدها. لقد أصبحت في هذه المرة أطوي الأوراق بتمهل مخافة إيذائها حتى وقفت

على منتصف الديوان، وأنا في كل قصيدة أقرؤها أقول: هذه أروع، وأجمل ما

في الديوان بلا شك، ولكنني أفاجأ بأن التي بعدها أجمل، وأروع، وأحلى.

فأخذت الخواطر، والأفكار والأوهام طريقها مرة أخرى إلى عقلي، ولكنها

في هذه المرة غير التي قبلها، ومختلفة عنها: لماذا يكون مثل هذا الديوان الرائع

على هذه الحالة السيئة، وذاك على ما رأيت من فرط الاحتفاء به؟ لماذا لا يُلتفت

إلى هذا الديوان الجيد وكأنه من سقط المتاع، وذاك في أعز مكان؟ ! لماذا لماذا

لماذا؟

وبينما أنا في فرحي بالديوان (الحزين) ودهشتي، وعجبي، واستغرابي من

حال أهل المكتبة معه، إذا بصاحب المكتبة يقول: لقد حان وقت إغلاق المكتبة،

فخرجت من المكتبة بعد أن دفعت السعر الزهيد لهذا الديوان الثمين وأنا أحس أن

في يدي كنزاً لا يعرف قدره إلا من قدّم المضمونَ على الشكل، ورأى أن المظهر لا

يفصح عن المخبر في هذا الزمان! !

(لقد كان الأول من دواوين الشعر الشعبي الهذيل، أما الثاني فمن روائع

الشعر العربي الفصيح) .