للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[ملف المعارضة العراقية بين الماضي والمستقبل]

محمد صادق أمين [*]

شهدنا مؤخراً مؤتمراً موسعاً لفصائل وأحزاب شتى من المعارضة العراقية

المقيمة خارج العراق. عقد الاجتماع في العاصمة البريطانية لندن بمباركة وحضور

أمريكي، والغرض المعلن مناقشة مرحلة ما بعد نظام صدام حسين، والذي من

المفترض أن يسقط قريباً بضربة أمريكية موعودة حُشِدت لها جيوش جرارة غطت

البر والبحر والجو والفضاء العربي، هذه الأحزاب وصل تعدادها إلى أكثر من

خمسين حزباً وجماعة تتنازع الكعكة العراقية قبل أوان تقسيمها، والسؤال الذي

يُطرح في هذا الخضم هو: هل يمثل هؤلاء المؤتمرون الشعب العراقي تمثيلاً

حقيقياً؟ وهل تملك كل تلك الأحزاب ثقلاً على الساحة العراقية يؤهلها لتكون وريثاً

لنظام موعود بالسقوط؟

إن وجود خمسين أو ستين حزباً وجماعة سياسية في ساحة توقف العمل

الحزبي فيها منذ أكثر من ثلاثة عقود أمر يستدعي منا أن نقف وقفة تدقيق وتمحيص

للوصول إلى الحقيقة.

لقد تزايد عدد المجموعات المعارضة للنظام العراقي بعد حرب الخليج الثانية،

وأسهم في ذلك الدعم الأميركي المعلن والاحتضان الأوروبي، وفتح أبواب واشنطن

والحواضر الأوروبية أمامها، فأصبحت بالعشرات، وتعددت انتماءاتها ما بين دينية

وإثنية عرقية ووطنية متعددة الأطياف والألوان، فلا يجمع بينها سوى الخلاص من

النظام الحاكم والحصول على موقع سياسي أساسي في النظام الجديد والمرحلة

المقبلة.

تتراوح أحزاب المعارضة ما بين مجموعات صغيرة وأحزاب متوسطة الحجم

وتجمُّع أحزاب، وأكثرها خارج العراق، والإدارة الأميركية تعترف رسمياً بست

منظمات معارضة، هي: (المؤتمر الوطني العراقي، والاتحاد الوطني

الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والمجلس الأعلى للثورة

الإسلامية، وحركة الوفاق الوطني، والحركة الوطنية الدستورية) وقد سمح بوش

بتوسيع المنظمات المعارضة عبر إدخال مجموعات تتألف من ضباط سابقين

آخرين، وكذلك أقليات تركمانية وآشورية ومسيحية.

سنحاول هنا أن نبحث في موضوع المعارضة العراقية ونرد القضية إلى

أصولها لعلنا نصل إلى الصورة الكاملة التي تمنحنا رؤية مستبصرة.

* تمهيد:

شهد العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية موجة حريات واسعة اجتاحت

العالم بأسره، وهو أمر عادة ما يرافق انتهاء الحروب الكبيرة، والعراق من الدول

التي كانت تحت الاستعمار البريطاني، وكان من الطبيعي أن تصل تأثيرات موجة

الحريات العالمية إلى الساحة العراقية، فسن قانون الأحزاب الذي يبيح التعددية

السياسية ويقنن لها في العهد الملكي سنة ١٩٤٦م، وحدثت حرية سياسية وحزبية

إلى أبعد مدى تشكل على إثرها عدد من الأحزاب تمثل اتجاهات وأفكاراً سياسية

مختلفة وهي:

١ - الحزب الشيوعي:

وهو حزب يستهدي ويسترشد بالشيوعية السوفييتية ونظامها الاشتراكي الذي

راجت أفكاره في الكثير من البلدان العربية والإسلامية، ويكاد يكون هو الحزب

الأقوى في تلك الحقبة من تاريخ العراق بسبب رواج الأفكار الشيوعية في أوساط

الشباب، هذا الحزب انقسم على نفسه فيما بعد وشكل مجموعتين: الأولى يتزعمها

(يوسف سلمان) والثانية انشقت عن الأولى يتزعمها (كامل قزانجي) .

٢ - حزب الأمة:

وهو حزب شكله الشيعة ليمثل طائفتهم المذهبية برئاسة (صالح جبر) ومعه

ثلة من علماء ومشايخ الشيعة.

٣ - حزب الاتحاد الدستوري:

يترأسه (نوري السعيد) ويضم طبقة البرجوازيين، وانضم إليه فيما بعد

النازيون القدماء ومنهم (خليل كنة) الذي أصبح وزيراً للمعارف فيما بعد.

٤ - حزب الاستقلال:

وهو حزب ذو توجهات قومية يضم الشيعة والسنة يترأسه (محمد مهدي كبة)

ومن أبرز قياداته السنية (إسماعيل الغانم) .

٥ - الحزب الديمقراطي:

حزب علماني صارم متوسط بين الشيوعية والاشتراكية يترأسه (كامل

الجادرجي) ومعه عدد من السياسيين اللامعين منهم (صديق شنشل) و (حسين

جميل) و (محمد حديد) .

٦ - الإخوان المسلمون:

لم يتمكن الحزب من الحصول على إجازة رسمية كباقي الأحزاب لتشكله

متأخراً عن باقي الأحزاب؛ لكن الشيخ محمد الصواف حصل على إجازة عمل

لجمعية باسم (الأخوة الإسلامية) عام ١٩٥٢ لتكون المظلة التي يعمل تحتها

الإخوان المسلمون في العراق الذين لعبوا دوراً بارزاً في تاريخ العراق السياسي فيما

بعد.

يذكر أن الحزب لم يقتصر في عمله على السنة بل كان يضم عدداً كبيراً من

الشيعة.

٧ - الأكراد:

الأكراد مكوِّن مهم من مكوِّنات المجتمع العراقي، بل ومن مكونات دول

أخرى في الشرق الأوسط وفي آسيا، يقدر عددهم بخمسة وعشرين مليوناً يتوزعون

بين خمس دول: ٤٦% منهم في تركيا، و ٣١% في إيران، و ٥% في أرمينيا

وسوريا، و ١٨% في العراق.

تسود بين الأكراد ١٨ لهجة كردية مختلفة، وكردستان العراق التي يسكنها

ثلاثة ملايين و٨٠٠ ألف كردي عبارة عن جبال وهضاب ومجموعات بشرية تعيش

وفق نظام قبلي صارم تروج فيه مفاهيم الإباء والشجاعة والفروسية، ويقوم على

نشاط اقتصادي معتمد على الرعي والزراعة.

يمكن اعتبار هذه الأحزاب الأساس الذي يشكل الساحة السياسية العراقية بكل

أطيافها وألوانها وتعدداتها القومية والمذهبية والفكرية والسياسية، وعلى أساسها

تطورت ساحة العمل السياسي في العراق بحسب تطور وتغير الأحداث؛ فالحزب

الشيوعي العراقي على سبيل المثال شهد انقسامات وانشقاقات، وتراجعت شعبيته

على الساحة بحسب ما طرأ على الساحة العراقية والدولية من تغيرات، والإخوان

المسلمون ظهروا تحت مسمى جديد هو الحزب الإسلامي العراقي وعنهم انشقت

مجموعة شكلت حزب التحرير الذي ما لبث أن اضمحل وانتهى دوره واندرس اسمه

إلى يومنا هذا، والشيعة تعددت بهم الاجتهادات والرؤى فتشكلت منهم أحزاب تتباين

في طروحاتها بحسب تباين الشيعة في الموقف من الثورة الإيرانية وحكم ولاية

الفقيه، والقوميون تطورت طروحاتهم وتعددت أحزابهم تبعاً لتطور فكرة القومية

وإفرازاتها على الساحة والذي تجسد في تأسيس حزب البعث، والساحة الكردية

شهدت تطورات، وأصبح فيها عدة فصائل وجماعات متنافسة وعدد كبير من

الأحزاب الصغيرة تتفاوت في انتماءاتها الأيديولوجية بين القومية والشيوعية

والإسلامية.

* تطور الأحداث السياسية على الساحة العراقية:

لم يكن الشعب العراقي راضياً عن الأداء السياسي للنظام الملكي الهاشمي في

العراق؛ فالهيمنة البريطانية تلعب دوراً أساسياً في سياسة البلاد وحكمه، بل وفي

إقامة الحكومات وإسقاطها، وعقد المعاهدات والتحالفات وإبرامها بما يتوافق مع

المصالح البريطانية، وفي عام ١٩٤٥م أصدر رئيس الوزراء (نوري السعيد)

قانوناً يقضي بحل جميع الأحزاب والجمعيات السياسية، فشهدت ساحة العمل

السياسي توقفاً أدى إلى تشكيل حركة الضباط الأحرار داخل الجيش العراقي ليكون

بعد ذلك الجيش لاعباً أساسياً في تاريخ العراق السياسي.

يتشكل الضباط الأحرار من ثلاث مجاميع هي:

١ - مجموعة من الشيوعيين وفيهم (عبد الكريم قاسم) .

٢ - مجموعة من القوميين والبعثيين وفيهم (عبد السلام عارف) .

٣ - مجموعة مستقلة لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، وهم أصل الضباط

الأحرار على رأسهم (رفعة الحاج سري) و (ناظم الطبقجلي) .

عرف العراق في ١٤/٧/١٩٥٨م انقلاباً على الملكية بقيادة عبد السلام عارف

وعبد الكريم قاسم اللذين أعلنا الثورة على النظام الملكي، وتم قتل الملك فيصل

الثاني وولي عهده عبد الإله، ونوري السعيد رئيس الوزراء وغيرهم، فانتهى عهد

الملكية، ودخل العراق دوامة الانقلابات العسكرية التي استمرت عقداً من الزمن

(من ١٩٥٨م إلى ١٩٦٨م) .

وكان الحزب الشيوعي العراقي صاحب الكلمة العليا في انقلاب ١٩٥٨م،

وأصبح عبد الكريم قاسم زعيماً أوحد للعراق بعد إقصاء عبد السلام عارف وسجنه،

وقد نجح ضباط بعثيون في انقلاب دموي ضد الرئيس عبد الكريم قاسم في

٨/٢/١٩٦٣م، وتحالفوا مع ضباط ناصريين وأنشؤوا حكومة ائتلاف تحت رئاسة

عبد السلام عارف بعد تحريره من السجن.

ثم عرفت حكومة الانقلاب صراعاً بين جناحين داخلها من حزب البعث:

معتدل، ومتشدد؛ فقام عبد السلام عارف رجل الانقلاب القوي بإبعاد البعثيين

المتشددين، وعين في ١٨/١١/١٩٦٣م أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين

المعتدلين نائباً لرئيس الجمهورية، وقد أسقط البعثيون نظام عارف في سبتمبر

١٩٦٦م، كما قام حزب البعث العراقي بإقصاء كل من تعاون معه من غير

العناصر البعثية في الانقلاب على عارف في ٣٠/٧/١٩٦٨م وتم تعيين أحمد حسن

البكر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للجيش، وأصبح

صدام حسين نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسؤولاً عن الأمن الداخلي.

وفي يونيو ١٩٧٩م أصبح صدام حسين رئيساً للجمهورية العراقية بعد إقصاء

وإعفاء البكر من جميع مناصبه. فبدأت بعد ذلك حقبة جديدة من تاريخ العراق

المعاصر شهدت حكماً فردياً مطلقاً يعتمد التصفية والإقصاء آلية لتثبيت دعائم الحكم،

ولم تنجح أي محاولة انقلابية بعد ذلك ضد الحكم الجديد بسبب القبضة الحديدية

التي تمت على كافة مرافق وأجهزة الدولة، ودخل العراق دوامة الحروب الداخلية

مع الأكراد والخارجية مع الجيران، وآخر فصول تلك الحروب هي المواجهة

الجارية اليوم مع الإدارة الأمريكية التي أخرجت النظام الحالي من قائمة الحلفاء

وأودعته في القائمة السوداء.

ومع خروج النظام العراقي من حظيرة المرضي عنهم ودخوله القائمة السوداء

بعد غزو الكويت دبت الحياة في فرائص العديد من الفصائل العراقية المعارضة

والتي لم يتبق من بعضها سوى رموز وأشخاص، وبدأت حقبة العمل السياسي من

خارج العراق لتغيير النظام، وبرز بناء على ذلك خلاف حول جواز التعاون مع

القوى الخارجية لتغيير النظام داخل العراق، فتعددت المواقف تبعاً للانتماءات

الفكرية والسياسية والمذهبية من هذه القضية.

* أبرز الفصائل المعارضة للنظام العراقي حالياً:

١ - الشيعة:

يتوزع شيعة العراق إلى طوائف سياسية من أبرزها:

أ - المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق:

تشكل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عام ١٩٨٢م في إيران،

ويهدف إلى أن يكون إطاراً يضم كل الفصائل الشيعية العاملة في الحقل السياسي.

يوجد مقر المجلس في طهران، ويتزعمه (محمد باقر الحكيم) الذي ترك

العراق منذ ١٩٧٩م وأقام في إيران، والغالب على أعضاء المجلس الأعلى أنهم

عراقيون فروا إلى إيران خلال حرب الخليج الأولى.

تمثل شخصية محمد باقر الحكيم دوراً محورياً في تحديد مواقف الحزب

ونشاطه السياسي؛ لذلك يلاحظ بعض المراقبين أن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية

في العراق تنظيم شيعي باسم شخص أكثر مما هو حركة شعبية لها توجهها السياسي.

العلاقة مع إيران:

يحاول المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق أن يحافظ على مسافة بينه

وبين إيران، وأن يعطي للمراقب صورة أنه ليس تنظيماً شيعياً يسير في فلك

طهران بل هو - كما يريد لنفسه أن يكون - تنظيم سياسي عراقي بحت، والحقيقة

أنه تنظيم شيعي عراقي نشأ بدعم وتمويل إيراني من الناحية اللوجستية، أما عقائدياً

فهو يدين لإيران بالولاء المطلق على أساس إيمانه بولاية الفقيه.

الجناح العسكري:

ومن ضمن مكونات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية جناح عسكري يعرف

باسم (لواء بدر) مقره إيران، يضم آلافاً من الجنود معظمهم من الشيعة، ويقوم

بتدريبهم ضباط من السنة، وكان لهذا اللواء دور مهم في انتفاضة شيعة العراق في

مارس ١٩٩١م حين قامت عناصره بتصفية أجهزة حزب البعث بالجنوب.

العلاقة مع الولايات المتحدة:

ينفي المجلس الأعلى إعلامياً أي صلة له بالولايات المتحدة، ويعلن عن

رفضه تلقي أي مساعدات مالية منها رغم رصد الكونغرس الأميركي ٩٧ مليون

دولار لدعم هذه المعارضة.

ب - حزب الدعوة:

حزب الدعوة من أقدم الأحزاب الشيعية العراقية، أسسه رجل الدين العراقي

آية الله باقر الصدر سنة ١٩٦٨م، ويضم هذا الحزب مجموعات متعددة منها ما هو

في الخليج، ومنها ما هو في لبنان.

يميل حزب الدعوة إلى استخدام أساليب العنف، وقد ظهرت في داخله مؤخراً

بعض العناصر التي تدعو إلى انتهاج سياسة ليبرالية توفق بين الإسلام

والديمقراطية، وتؤكد عدم وجود تعارض بينهما، وخلافاً للمجلس الأعلى للثورة

الإسلامية في العراق فإن حزب الدعوة لا يقبل بالضرورة النموذج الإيراني للزعامة

الدينية، بل يرى أن دور رجال الدين ينحصر في تفسير الأمور الدينية على أن يتولى

المسلمون من غير رجال الدين الأمور السياسية.

ج - منظمة العمل الإسلامي في العراق:

أعلنت المنظمة رسمياً عن نفسها عام ١٩٧٩م، وكان المرجع الديني آية الله

الشيرازي يعد مرشداً روحياً للمنظمة حيث تهتدي وتسترشد منظمة العمل بأفكاره

ونظرياته، وكذلك آية الله محمد تقي المدرسي الذي يعد المؤسس والراسم للمعالم

الفكرية والثقافية للمنظمة.

إضافة إلى هذه الأحزاب الثلاثة داخل الساحة السياسية الشيعية في العراق

يوجد اتجاه آخر يغلب عليه التوجه العلماني، ويصبو إلى تمثل القيم الديمقراطية

الغربية، ويرى أن الإطار الديمقراطي العلماني خير منهج لحكم العراق، ومن أبرز

شخصيات هذا التوجه: ليث كبة، وأحمد الجلبي المقيمان خارج العراق.

٢ - الحزب الإسلامي العراقي:

يكاد يكون هو الحزب الوحيد الذي يمثل السنة في تشكيلة المعارضة العراقية،

وهو يمثل الامتداد الطبيعي لحركة الإخوان المسلمين في العراق التي أسس لها

الشيخ الصواف.

تأسس الحزب في عام ١٩٦١م عندما أتاح عبد الكريم قاسم الفرصة للأحزاب

كي تتشكل، فأجيز من قبل وزارة الداخلية وترأسه (نعمان السامرائي) .

نشر الحزب مذكرة فيها انتقادات لسياسات عبد الكريم قاسم وللمذابح التي

ارتكبت في عهده في الموصل وكركوك في جريدة (الفيحاء) فتم على أثر ذلك

تصفية الحزب، وعاد إلى العمل السري.

واجه الإخوان المسلمون في العراق محناً عديدة وشديدة في العهود المختلفة،

وتعرضوا للتصفية عدة مرات غير أن المحن تلك زادتهم قوة وصلابة.

الأهداف:

يتخذ الحزب من العمل السياسي السلمي منهاجاً للتغيير في العراق، ويعتمد

على الإصلاح التدريجي في إطار آليات الديمقراطية التي لا تتعارض مع الشورى

في الإسلام، ويرفع شعار: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا

بالله) ، وللحزب جذور عميقة في المجتمع العراقي تصل إلى جميع أنحاء العراق.

٣ - الأكراد:

تموج الساحة الكردية في العراق بالعديد من التشكيلات السياسية المختلفة من

أبرزها:

أ - الحزب الديمقراطي الكردستاني:

أسس هذا الحزب عام ١٩٤٦م، ويتزعمه الآن مسعود البرزاني ابن الملا

مصطفي البرزاني.

تغلب النزعة القومية الكردية على الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويعتمد

إلى حد كبير على العشيرة البرزانية، ويكثر أتباعه في منطقة بهدينان شمالي

العراق.

ب - الاتحاد الوطني الكردستاني:

انشق الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني عام ١٩٧٥م

عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.

يتبنى الحزب اتجاهات قومية كردية، ويوجد لدى العديد من أفراده ميول

ليبرالية، وتوجد قواعد الحزب بكثرة في النصف الجنوبي من كردستان العراق.

ج - حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني:

يمثل حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني فكر الإخوان المسلمين، وقد أسس

عام ١٩٩٤م بقيادة الأستاذ صلاح الدين محمد بهاء الدين، وهذا الحزب ذو توجه

إصلاحي لا يعتمد على المواجهة المسلحة؛ إذ هو الحزب الوحيد غير المسلح على

الساحة الكردية، وهو مشارك في حكومة أربيل التي يتزعمها مسعود البرزاني

بوزير واحد (وزير العدل) ، ولحزب الاتحاد الإسلامي علاقات طيبة مع جميع

الأطراف الكردية والعراقية على اختلاف توجهاتها، وقد ظهر في الانتخابات

الطلابية والمهنية والبلدية التي أجريت في إدارتي الإقليم على أنه الحزب الثاني بعد

الحزبين الكبيرين الحاكمين.

د - الحركة الإسلامية:

هو حزب سياسي مسلح لديه قوة عسكرية تتمركز في بعض مدن وقصبات

الإقليم، وقد تشكلت الحركة عام ١٩٨٧م على أثر تصعيد العنف العسكري ضد

الأكراد في عمليات القصف الكيماوي والأنفال سيئة الصيت بدعم إيراني، ويعتبر

منصب المرشد العام أعلى منصب في حركة الوحدة الإسلامية، وقد شغله الشيخ

عثمان عبد العزيز حتى وفاته عام ١٩٩٩م وهو أحد علماء الكرد البارزين ويحظى

بمكانة كبيرة في الأوساط الشعبية وفي العالم الإسلامي؛ خلفه بعد ذلك أخوه الشيخ

علي عبد العزيز وفي عهده اندمجت الحركة الإسلامية مع حركة النهضة الإسلامية

وشكلتا حركة الوحدة الإسلامية التي ما لبثت طويلاً حتى انشقت على نفسها وشكلت

مجاميع مسلحة عديدة.

هـ - الجماعة الإسلامية في كردستان العراق:

بتاريخ ٣١/٥/٢٠٠١م أعلنت مجموعة من حركة الوحدة الإسلامية المسلحة

انشقاقاً عن الحركة بزعامة القيادي فيها الشيخ علي بابير، وأطلقت على نفسها:

(الجماعة الإسلامية في كردستان العراق) ، وللجماعة منصبان يعتبر أحدهما منصباً

روحياً وهو إمام الجماعة ويشغله الشيخ محمد البرزنجي، وهو عالم من علماء

الكرد ورجل من رجال الصحوة الإسلامية، والثاني منصب إداري وهو أمير

الجماعة ويشغله الشيخ علي بابير وهو قيادي شاب ممن تربوا في ربوع الحركة

الإسلامية المسلحة بعد تأسيسها في الثمانينيات.

و حزب كادحي كردستان:

حزب يساري يتزعمه قادر عزيز، وتربطه علاقات قوية بالحزب الوطني

الكردستاني، فتحالفا في الانتخابات التي تمت بمحافظة السليمانية سنة ١٩٩٢م،

كما وقف بجانب الحزب الوطني الكردستاني يوم ٣١/٨/١٩٩٦م حينما دخل الجيش

العراقي السليمانية.

هذا بالإضافة إلى أحزاب صغيرة يصل تعدادها إلى ٣٩ حزباً.

٤ - الأحزاب العلمانية:

أ - المؤتمر الوطني العراقي:

الذي يرأسه أحمد جلبي، وهو في الحقيقة تجمع لعدد من الأحزاب كما يعرف

بنفسه، ويلقى رعاية أميركية خاصة.

وتوقع بعض المراقبين أن يكون المصرفي السابق أحمد الجلبي المرشح

المحتمل لرئاسة الحكومة العراقية في المنفى باعتباره مؤسس المؤتمر الوطني

العراقي عام ١٩٩٢م.

والمعروف أنه يتشكل من عدد من الفصائل العراقية المعارضة تتجمع فيما

يسمى: (المؤتمر الوطني العراقي) ومن بينها الحزبان الكرديان، والمجلس

الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وحركة الوفاق الوطني، وضباط عراقيون

سابقون بالجيش، ورجال أعمال ومفكرون.

لكن علاقة المؤتمر بالأحزاب الإسلامية يسودها الاضطراب، ويدعو برنامج

المؤتمر الوطني العراقي الذي صيغ في مؤتمر حضره ٣٥٠ عضواً معارضاً عقد

في مدينة صلاح الدين عام ١٩٩١م، إلى تشكيل حكومة انتقالية تتولى السلطة في

حالة سقوط صدام ووضع دستور فدرالي يتم إقراره في استفتاء عام.

ب - حركة الوفاق الوطني:

وهي منظمة تشكلت من مجموعة من الضباط والمسؤولين السابقين الفارين

من قبضة النظام العراقي وأكثرهم من الشيعة.

ج - حزب الملكية الدستورية:

التيار الملكي الهاشمي يحظى بنفوذ واسع داخل المؤتمر لا سيما أن الشريف

علي بن الحسين زعيم حزب الملكية الدستورية وسليل العائلة الهاشمية الملكية في

العراق هو الناطق باسم المؤتمر، ولعب دوراً رئيسياً في الإفراج عن المساعدات

الأميركية له؛ فالشريف علي بن الحسين أمه بديعة بنت علي خالة الملك فيصل

الثاني، وبهذا الاعتبار هو أقرب أفراد العائلة المالكة إلى الملك فيصل الثاني،

وينشط على أساس أنه الوريث الشرعي للملكية العراقية إذا ما عادت إلى الحكم في

العراق مجدداً ليعيد وصل ما انقطع منها.

وكان الدكتور نبيل الجنابي المقرب من الملكية العراقية قد أعلن أن تنظيماً

جديداً بدأ يظهر ويحمل اسم: (التحالف الملكي الديمقراطي) وأنه يحظى بموافقة

الدول العربية ما عدا مصر، وأن هذا التحالف سيضم تحت جناحيه جميع أطراف

المعارضة، وأنه لن يعلن عنه إلا بعد ضرب العراق.

٥ - تنظيمات ذات طابع عسكري:

حركة الضباط الأحرار:

ويترأسها العميد الركن نجيب الصالحي، وأصدرت في٢٥/٧/٢٠٠٢م بياناً

تحالفياً مع حركة سياسية مدنية هي (حركة الديمقراطيين الأحرار) ، في خطوة

تشير إلى طموحها للعب دور سياسي فضلاً عن الدور العسكري.

أما اجتماع أكثر من ٧٠ ضابطاً من عراقيي الخارج في لندن بحضور

مندوبين عن الحكومة الأميركية والبريطانية وتكوينهم مجلساً عسكرياً من ١٥

عسكرياً، فقد أثار هواجس عسكرة العراق بعد حكم صدام حسين، برغم أن هؤلاء

العسكريين قد حرصوا على دعوة جميع الأطراف السياسية لحضور الاجتماع،

وتعهدوا بميثاق شرف بأن الجيش سيعود لثكناته بعد الإطاحة بصدام، وأن

اجتماعهم لا أحد وراءه وإنما قاموا به من تلقاء أنفسهم فقط.

٦ - الأقليات:

١ - الآشوريون - الذين يتركزون في مناطق الحكم الذاتي الكردي ويمثلهم:

أ - حركة بيت المهرين.

ب - الحركة الديمقراطية الآشورية.

ج - حزب الوطن الآشوري.

٢ - التركمان - الذين يتركز وجودهم في كركوك ويمثلهم:

أ - الجبهة التركمانية (الحزب الوطني التركماني، حزب تركمن إيلي،

حركة المستقلين التركمان) .

ب - حزب الإخاء التركماني.

ج - الحزب الديمقراطي التركماني.

د - حزب الشعب التركماني.

هـ - الاتحاد الإسلامي التركماني.

و النادي الثقافي التركماني.

* موقف الأحزاب المعارضة من المؤتمر:

لقد ذكرنا أن تعداد الأحزاب التي حضرت المؤتمر الموسع للمعارضة العراقية

تجاوز الخمسين، وعدم تعداد هذه الأحزاب في الفقرة السابقة ليس إغفالاً لها، بل

الحقيقة أن هذه الأحزاب ليس لها أي قاعدة جماهيرية أو نشاط سياسي وإعلامي،

والبعض منها لا يتجاوز تعداد منتسبيه بضع عشرات، بل إن بعض السياسيين ممن

حضروا المؤتمر لا يعرفون أي شيء عن بعض تلك الأحزاب، وهذا لا ينفي أن

يكون للبعض من تلك الأحزاب دور ربما في مستقبل العراق؛ فعالم السياسة شبيه

بعالم الكرة مليء بالمفاجآت.

وقد تباينت مواقف الأحزاب والشخصيات العراقية المعارضة من مسألة عقد

المؤتمر الجامع للمعارضة في بريطانيا تبعاً للمواقف الأيديولوجية والمصالح

الحزبية، وتبعاً للقرب والبعد من صانع القرار الأمريكي الذي يصطفي من يشاء

ويقربه ويطلعه على أجندته الخفية ليقرر الأخير موقفه من القضية برمتها، ويعود

سبب هذا التباين لأسباب عديدة أهمها:

١ - إن عقد المؤتمر وتوحيد موقف المعارضة مطلب أمريكي ملح في هذه

المرحلة، والتعاون مع الأجنبي تهمة قاسية وقاصمة لأي حزب على الساحة

السياسية العراقية، وقد تسقط هذه الأحزاب أمام الجماهير ولا تجد ما تدافع به عن

نفسها فيما بعد؛ لذا فإن حضور المؤتمر والقبول بالأجندة الأمريكية قرار مصيري

وحاسم خصوصاً للأحزاب التي لها جماهير وقواعد داخل العراق، وبناء على ما

تقدم فقد شهدنا خلال المؤتمر صدور بيان عن بعض أجنحة المجلس الأعلى

يستنكرون فيه على قيادتهم التعاون مع أمريكا، وكذلك شهدنا انسحاب الحزب

الإسلامي العراقي من المشاركة بعدما تبين أن هناك أجنده أمريكية مفروضة على

المشاركين كما سنبين ذلك لاحقاً بالتفصيل.

٢ - يأتي عقد المؤتمر متوافقاً مع تجييش الجيوش الأمريكية والبريطانية على

حدود العراق لغرض الغزو العسكري بذريعة إسقاط النظام؛ هذه الجيوش لن

تضرب العراق بالورود بل بأسلحة متطورة ربما ستستخدم أرض العراق حقلاً

لتجارب على أسلحة غير مجربة من قبل كما كان في حرب تحرير الكويت، وهذه

الأسلحة لن تستأصل النظام إلا بعد أن تدمر البنية التحتية للعراق كما حدث ذلك من

قبل، كما أن أطناناً من القنابل والمتفجرات والصواريخ ستضل طريقها وتتجه إلى

المساجد والكنائس والمدارس والأعراس؛ وما عرس أفغانستان عنا ببعيد، حينها

لن يصفح التاريخ ولا الجماهير العربية والعراقية عن من وفروا الغطاء للضربة؛

لذلك شهدنا المؤتمرين على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم وألوانهم وأطيافهم حتى

أولئك الذين اجتمعوا سراً بالمنظمات الصهيونية في أمريكا يرددون: لا لضرب

العراق، ولا لغزو العراق؛ ونعم لإسقاط النظام! وكأن عدوى النظام الرسمي

العربي انتقلت لتلك المعارضات فباتت تقول للجماهير شيئاً وتبيِّت مع الأمريكان

شيئاً، ومعروف أن أمريكا لا تستنكر على حلفائها المهاترات الإعلامية ما دام أصل

الأمر هو التحالف على ما يخدم المصلحة الأمريكية؛ لأجل ذلك شهدنا مقاطعة

أحزاب ذات قواعد جماهيرية على الساحة مثل حزب الدعوة الشيعي، والحزب

الشيوعي، والحزب الإسلامي العراقي.

٣ - وجود قوى وجهات فئوية تحاول السيطرة والهيمنة على المعارضة

العراقية ومقرراتها من خلال بناء التحالفات الحزبية، وممارسة الضغوط الإقليمية

للحصول على حصة الأسد من الكعكة العراقية؛ ولذا شهدنا انسحاب (الجبهة

الوطنية الإسلامية) من أروقة المؤتمر بناء على هذه الخلفية.

٤ - وجود بعض الشخصيات السياسية والعسكرية ممن كانوا يعدون في

الماضي من رموز وأركان النظام العراقي الحالي، وقد تغيرت ولاءاتهم تبعاً لتغير

الرياح الدولية، وتتهم بعض الجهات بعضاً منهم بممارسة الإجرام في حق الشعب

العراقي، وتعتبر وجودهم عائقاً أمام مشاركتها في المؤتمر.

ويمكننا أن نقرأ موقف الأحزاب المشاركة في المؤتمر على النحو التالي:

الأكراد: بعد عقود طويلة من تهميش الكرد وكردستان في تشكيلة الساحة

السياسة العراقية لأسباب معروفة، أصبح الأكراد اللاعب الأساسي والرئيسي في

مستقبل العراق، بحكم الواقع الجغرافي القائم، والذي أدى إلى قيام كيان كردي

مستقل نسبياً عن الحكومة المركزية في بغداد بدعم وحماية أمريكية، والأحزاب

الكردية هي أقرب الجهات للأمريكان بعد أحمد الجلبي وتحالفه؛ ونظراً لهذا القرب

ولهذه العلاقة الوثيقة تعلم القيادات الكردية عن النوايا الأمريكية ما لا يعلمه أحد،

وبناء على ذلك تحرص الأحزاب الكردية على أن تكون مشاركاً فاعلاً ومؤسساً في

مؤتمر المعارضة لتحقيق أكبر المكاسب الممكنة للقضية الكردية من خلال ذلك، وقد

نجحت بالفعل في ذلك من خلال إقرار الفدرالية بالإجماع لحل القضية الكردية،

وهو المطلب الكردي الملح في هذه المرحلة، وبناء على ذلك يمكننا أن نفسر

التغيير في موقف الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني مؤخراً؛

فسياسة الحزب قائمة منذ الانتفاضة الكردية على مبدأ عدم استفزاز الحكومة

المركزية في بغداد، وهو ما تغير مؤخراً؛ فقد شهدنا تصريحات مهمة للطالباني في

الولايات المتحدة وتركيا وإيران كان آخرها ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية من

ترحيب جلال الطالباني بالقوات الأمريكية خلال تصريح أدلى به في تركيا مؤخراً.

المؤتمر الوطني العراقي: يعتبر المؤتمر الوطني العراقي بزعامة أحمد

الجلبي المحرك والمنظم الرئيسي لاجتماع المعارضة؛ ويسعى المؤتمر الوطني

العراقي إلى لعب دور فاعل ومؤثر في مستقبل العراق؛ وذلك من خلال التقرب

للولايات المتحدة وللوبيات الضغط فيها؛ وهذا ما أشارت إليه وكالة الأنباء اليهودية

الدولية (جيوش تلجراف آجانسي) والتي تتخذ من ولاية نيويورك الأمريكية مقراً

لها في مقال للكاتب (ماثو برجر) يتحدث فيه عن تنامي العلاقات بين المنظمات

اليهودية الأمريكية وبعض جماعات المعارضة العراقية في واشنطن خلال الفترة

الأخيرة؛ إذ زاد عدد المنظمات اليهودية الأمريكية المهتمة بالتواصل مع جماعات

المعارضة العراقية في واشنطن، كما تحولت العلاقة إلى العلانية بشكل واضح بعد

أن ظلت تحت السطح لفترة طويلة خوفاً من أن تتسبب العلانية في الإضرار

بمصالح المنظمات اليهودية وجماعات المعارضة العراقية، وذكرت المقالة أن

منظمات يهودية أمريكية معروفة مثل (لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية)

إيباك (والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي) قد قامتا برعاية مناقشات مع

أعضاء في منظمة المؤتمر الوطني العراقي وهي إحدى أكبر جماعات المعارضة

العراقية المدعومة مالياً من قِبَل الولايات المتحدة، وقالت المقالة إن أحمد جلبي

رئيس المؤتمر الوطني العراقي قد دعي للقاء نظمه المعهد اليهودي لشؤون الأمن

القومي في التاسع من أكتوبر، كما تحدث مدير مكتب المؤتمر الوطني العراقي في

واشنطن في مؤتمر الإيباك الذي عقد في أطلانطا بولاية جورجيا في ٧ أكتوبر،

وعن أسباب العلاقة المتنامية بين الطرفين، تقول المقالة: إن الطرفين يدفعهما مبدأ

(عدو عدوي هو صديقي) وأن التحالف بين الطرفين زاد مع إصرار إدارة جورج

دبليو بوش على تغيير النظام العراقي.

كما يسعى المؤتمر الوطني العراقي إلى استخدام النفوذ اليهودي في واشنطن

وإسرائيل لحشد التأييد لأهدافه، كما يرى مدير مكتب المؤتمر الوطني العراقي في

واشنطن أن تقرب منظمته من الجماعات اليهودية الأمريكية هو لكونها أفضل طريق

للوصول إلى الحكومة الإسرائيلية، والتي ينبغي عليها - في وجهة نظره - أن

تنشط في التقرب من جماعات المعارضة العراقية ولعب دور أكثر نشاطاً في تشكيل

التغيير السياسي في العراق.

المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: يعتبر موقف المجلس الأعلى من العمل

تحت المظلة الأمريكية مستغرباً من قِبَل المراقبين؛ خصوصاً أن أحزاباً شيعية

فاعلة على الساحة رفضت التعامل مع المشروع الأمريكي مثل حزب الدعوة، ومن

المعلوم أن المجلس الأعلى مرتبط بالسياسات الإيرانية على الرغم من تأكيد المجلس

على استقلاليته، ويرى المراقبون أن السبب يعود إلى تيقن المجلس وإيران من أن

التغيير على يد الأمريكان أمر واقع لا محالة؛ لذا فإن الواقع يتطلب الوقوف في

خندق الأقوى والتحالف مع الشيطان الأكبر في سبيل الحصول على أكبر المكاسب

عملاً بمبدأ: (الغاية تسوِّغ الوسيلة) .

أما قراءة موقف الأحزاب التي رفضت المشاركة وقاطعت المؤتمر فيكون

على الشكل التالي:

الحزب الإسلامي العراقي: يعتبر الحزب الإسلامي العراقي أبرز المقاطعين

لمؤتمر المعارضة لكونه الممثل الوحيد للسنة في تشكيلة المعارضة العراقية؛ وقد

سوَّغ الدكتور إياد السامرائي رئيس المكتب السياسي للحزب سبب المقاطعة في بيان

له جاء في نصه: (منذ أن تجاوبنا مع الدعوة التي وجهت إلينا للمشاركة في مؤتمر

المعارضة العراقية، على أساس أنه مؤتمر يعقده العراقيون من أجل الاتفاق على

تصورات الوضع المستقبلي وتنسيق الجهود للتخلص من النظام الدكتاتوري القائم

في العراق وتجنيب البلد والشعب الفتن خلال الأشهر الصعبة القادمة، ونحن لم

نتوقف عن إشعار القائمين عليه بأهمية قيامه على أسس سليمة تحقق له النجاح؛ إلا

أن جهودنا تلك باءت بالإخفاق.

وبعد أسابيع من الحوارات والمذكرات المرفوعة إلى الأطراف القائمة عليه

نجد أنفسنا غير قادرين على المضي في مشروع يفتقد الحد الأدنى من مقومات

النجاح على مستوى آمال وتطلعات شعبنا العراقي، وهذا يجعلنا في موقف صعب

أمام مبادئنا التي نعمل من أجلها وأمام أبناء شعبنا الذين وضعوا ثقتهم بنا؛ لذلك

نعلن اعتذارنا عن المشاركة في هذا المؤتمر، وبروح أخوية نحذر المخلصين الذين

ساقهم اجتهادهم إلى المشاركة فيه، على الرغم من كل السلبيات التي شخصوها من

المزالق الخطيرة التي يراد انجرارهم إليها، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نثمن

موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على كل ما

بذلاه من جهد في دعم موقفنا، ونؤكد لهم موقفنا الثابت في العمل المشترك من أجل

عراق دستوري تعددي حر ومستقل وموحد يتمتع فيه شعبنا الكردي بوضع فدرالي) .

وحول الدور الأمريكي أوضح (إياد السامرائي) أن (الحديث عن المؤتمر

في البداية كان يدور حول مؤتمر عراقي من حيث الأجندة والتمويل والترتيب

والدعوة، ولكن فوجئنا بتدخل أمريكي وسيطرة كاملة على المؤتمر في كافة هذه

القضايا انتهى بمذكرة من عشر نقاط تحمل وجهة النظر الأمريكية المقررة لمسيرة

المؤتمر وأهدافه ونتائجه) .

حزب الدعوة الشيعي: تعتبر مقاطعة حزب الدعوة للمؤتمر بالغة الأهمية؛

لأنه حزب له قواعد وجماهير عريضة بين جماهير الشيعة.

وحول سبب المقاطعة قال إبراهيم الجعفري الناطق الرسمي لحزب الدعوة

الإسلامية بأن رفض حزبه المشاركة في مؤتمر لندن يعود إلى عدم توفر المؤتمر

على أهم مفردات نجاحه، منها استقلالية القرار السياسي العراقي، ومدى تمثيل

المؤتمر لأوسع القطاعات الجماهيرية.

الجبهة الوطنية الإسلامية: وهي تجمُّع لأربعة أحزاب شيعية صغيرة. وقد

أعلنت بياناً مشتركاً لها نشر في صحيفة الشرق الأوسط وضحت فيه سبب مقاطعتها

للمؤتمر.

حركة الجهاد المسلح في الأهوار وهي حركة شيعية: اتهمت اللجنة التحضيرية

لمؤتمر المعارضة بتغليب المصالح الخاصة على مصالح الشعب العراقي وأهدافه؛

جاء ذلك في بيان لها نشرته جريدة الزمان.

الإسلاميون المستقلون التركمان: انتقدت هذه الجماعة التي تتخذ من ألمانيا

مقراً لها (تغييب التركمان) عن مؤتمر المعارضة العراقية.

حركة الإصلاح الوطني: نشرت صحيفة الشرق الأوسط رسالة وجهها رئيس

الحركة سامي عزارة المعجون إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر ينتقد فيها المؤتمرين،

ويعتذر عن المشاركة معهم.

تحالف على هامش المؤتمر: أعلن الناطق الرسمي باسم جماعة العلماء

العراقيين الشيخ (محمد باقر الناصري) أن ١٣ فصيلاً وطنيًا عراقيًا قاطعت

مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في لندن، وقال إن الفصائل الـ ١٣ اتفقت فيما

بينها على ٣ قضايا جوهرية هي:

أولاً: أنها تهدف - كما تهدف المعارضة العراقية بمجملها - إلى الإطاحة

بنظام الرئيس العراقي الحالي صدام حسين.

ثانياً: أنها لا ترفض من حيث المبدأ وجود دعم دولي نزيه يساعد الشعب

العراقي على إقامة حكم ديمقراطي يقوم على أسس جديدة تحترم حقوق الإنسان

والتعددية السياسية.

ثالثاً: أن يكون التغيير بيد العراقيين أنفسهم، وألا تكون الكلمة الأخيرة في

هذا التغيير القادم لقوى أجنبية. تختلط مصالحها الخاصة بالحالة العراقية التي تنشد

تغيير النظام. وأوضح الناصري «أنه لا يشك مطلقًا في وطنية القوى المشاركة في

المؤتمر» لكنه أضاف: «بعضهم لم يقدروا المصلحة الوطنية حق تقديرها،

وانساقوا وراء دعاوى وأجندة أمريكية تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها، مستخدمة

في ذلك القوى العراقية التي حضرت المؤتمر» . وأشار «الناصري» إلى أن

التحالف الوطني الإسلامي العراقي - الذي انبثق منذ ٤ أشهر عن التحالف الوطني،

ويضم ٤ فصائل إسلامية، بينها جماعة العلماء، وحزب الدعوة الإسلامي،

والحزب الإسلامي، والاتحاد الإسلامي الكردستاني - قد انضم إلى عدد من القوى

الاشتراكية الوطنية - وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي (الجناح المضاد

للسلطة) ، والحزب الشيوعي العراقي، بالإضافة للتيار الوطني الديمقراطي وقوى

يسارية أخرى - وشكلت هذه القوى في مجملها الاتحاد الوطني المعارض لجبهة

المعارضة التي تسير في فلك السياسة الأمريكية.

وأكد «الناصري» أن هذه الفصائل جميعها تتفق في الخط العام بشأن

ضرورة تغيير النظام؛ بشرط أن يتم ذلك بأيدٍ عراقية، وألا يتم بالآلية التي يجري

التخطيط لها عبر مؤتمر لندن.

* نتائج المؤتمر:

في فندق الهيلتون بلندن جرت فصول المؤتمر الذي ناقش عراق (ما بعد

صدام حسين) بحضور أمريكي تمثل بالسفير الأمريكي منسق شؤون المعارضة

العراقية (زلماي خليل زادة) ورئيس قسم شمال الخليج في وزارة الخارجية

البريطانية (ديفيد بيرس) وفريق عمل أمريكي يضم (هنري مان) ، (إيفان

كولبرج) ، (سامنسا رافيدج) ، (روبرت رايلي وتوم وارك) من وزارتي

الخارجية والدفاع الأمريكيتين ومكتب نائب الرئيس الأمريكي، وفي الطابق الرابع

عشر محل إقامة سفير الرئيس الأمريكي فوق العادة كانت تدور كواليس المؤتمر؛

بينما اقتصر الطابق الثالث على أنشطة المؤتمرين واجتماعاتهم وخطاباتهم؛ فقد

تحول الطابق إلى مركز اتصالات خلفي حيث توافد أغلب الأعضاء المشاركين في

المؤتمر، وعقدوا لقاءات منفردة مع زادة وبيرس والفريق الأمريكي، وهدف زادة

من هذه اللقاءات هو رغبته باختيار قيادة للمعارضة تتكون من أكاديميين وكفاءات

عراقية من غير السياسيين يعرضها على مجموعة الستة لإعلانها في ختام المؤتمر

كقيادة للمعارضة، بينما عرضت مجموعة الستة أن تتكون القيادة من ممثلين عنها،

وهو الأمر الذي أدى إلى انقسام المؤتمر على نفسه بعد أن هدد أكثر من ١٢٠ من

المشاركين المنتمين إلى التيارات القومية والليبرالية واليسارية إضافة إلى العسكريين

بالانسحاب من المؤتمر، وجاهروا بمقاطعتهم لأعماله، ووجهوا اتهامات باستثناء

أطراف معينة من العمل الوطني وإقصاء أطياف أخرى، مما أفرغ المؤتمر من

زخم تمتع به قبل انعقاده، بينما أبلغ السفير الأمريكي منسق شؤون المعارضة

مشاركين في المؤتمر التقاهم داخل مكتبه في فندق هيلتون أن الطاقم التقليدي الذي

ترأس الجلسة الافتتاحية ستنتهي مهمته بتغيير النظام الحالي، ويتحول إلى لجنة من

الحكماء، وستعتمد الولايات المتحدة في حكم العراق على أسماء من الداخل

وشخصيات عراقية من جيل الشباب لم يشارك عدد منهم في المؤتمر الحالي، وكان

زادة قد اضطر للتدخل بعد أن قاطع عدد كبير من المشاركين الاجتماعات، وقام

بعقد لقاءات منفردة مع بعض الشخصيات التي هددت بالانسحاب، واستمع إلى

وجهات نظرهم، وقال الشخصية المستقلة (ليث كبة) المقرب من الإدارة

الأمريكية: (إن سبب التهافت على الانضمام لهذه اللجنة هو وجود اعتقاد خاطئ

بأنها ستكون بمثابة وزارة عراقية بعد التغيير) وقد بينت الجماعات والشخصيات

التي قاطعت المؤتمر ضرورة (المراجعة النقدية) الكفيلة بردم الفجوة، معربين

عن أسفهم لغياب جماعات وشخصيات بارزة، واتفقوا على أن هذا المؤتمر يمثل

نصف المعارضة في أحسن الأحوال مشيرين إلى أن التمثيل الكردي هو التمثيل

الوحيد الذي كان كاملاً وصحيحاً، إلى جانب التمثيل التركماني الذي عكس جميع

التيارات السائدة في الوسط السياسي التركماني.

أما التمثيل العربي فقد كان جزئياً ولا يكاد يمثل نصف التيارات الناشطة،

وقال بعض المشاركين في المؤتمر إن قرارات المؤتمر اتخذت قبل انعقاده،

وأشاروا إلى أن المبعوث الأميركي (زلماي خليل زاده) حسم الخلافات في لقاء

بجناحه في فندق الهيلتون ميتروبوليتان مع أبرز قادة المعارضة؛ فبينما كانت أبرز

شخصيات المؤتمر وهم مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني،

وجلال الطالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والشريف علي بن

الحسين راعي الحركة الدستورية الملكية، وإياد علاوي رئيس حركة الوفاق

الوطني، وأحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي، وعبد العزيز الحكيم

ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية تدير الاجتماعات الحقيقية مع خليل زاده،

انشغل بقية أعضاء المؤتمر بحضور اجتماعات في الطابق الثالث من الفندق

والاستماع إلى الخطب وحضور مناقشة أوراق المؤتمر التي تتعلق بمستقبل العراق،

والمرحلة الانتقالية، وعندما تسربت أنباء نقاشات اجتماعات «الطوابق العليا»

إلى رواد «الطابق الثالث» حدث سجال ساخن، وهددت بعض الأحزاب

بالانسحاب قائلة إنها تجد نفسها مجرد «ديكور» لتجميل صورة المؤتمر، على

حين كادت مبادرة السفير الأمريكي نفسه أن تنسف المؤتمر بأكمله حين قال إنه

سيختار قيادة تتكون من ١٠ أشخاص لإدارة لجنة المتابعة على أن تقدم قيادة المؤتمر

لائحة من ٤٠ شخصاً تتفق عليها، حيث هددت الأحزاب الستة بالانسحاب من

المؤتمر إذا مضى السفير في هذا المقترح.

* التمثيل:

تعتبر مسألة التمثيل من أصعب وأعقد القضايا التي تواجه المعارضة العراقية؛

لأن هذه المعارضة قائمة على أساس التنوع الإثني والقومي والمذهبي والديني،

وهذه المرجعيات تحمل في ثناياها الكثير من التناقضات والحساسيات التاريخية

والفكرية والإيديولوجية، وقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة متابعة وتنسيق من ٦٥

عضواً ثلثهم تقريباً من الشيعة للإعداد لمرحلة (ما بعد صدام حسين) وقد تم توزيع

المقاعد على الشكل التالي: ٤٠% للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، و ٢٥%

للأكراد، و ٦% للتركمان، و ٣% للآشوريين، والـ ٢٦% الباقية لقوى السنة

والليبراليين والقوميين الممثلين في المؤتمر، ونلاحظ أن المجلس الأعلى قد هيمن

على أكثر من ثلث المقاعد، وأن السنة مهمشون في هذا الأطار، وهذا الأمر

أغضب جميع الأطراف بما فيهم الشيعة أنفسهم، واعتمدت هذه النتيجة إثر ضغوط

أميركية مكثفة على المشاركين أدت إلى انتزاع توافق بينهم، وكانت الخلافات حول

نسب تمثيل فصائل المعارضة المختلفة داخل لجنة المتابعة والتنسيق التي يعتقد

المعارضون أنها ستعكس نسب التمثيل في أي حكومة انتقالية في حال سقوط نظام

الرئيس العراقي صدام حسين أدت إلى تمديد أعمال المؤتمر لمدة ٢٤ ساعة.

وأفاد مشاركون في المؤتمر أن (زلماي خليل) زاده سفير الولايات المتحدة

فوق العادة هدد بأن تلجأ الولايات المتحدة إلى «خيارات أخرى بما فيها خيار تعيين

حاكم عسكري في العراق (بعد سقوط النظام الحالي) إذا لم ينته هذا المؤتمر إلى

اتفاق، وقد اعتمد المشاركون في المؤتمر نسب التمثيل التي سبق أن تم الاتفاق

عليها في مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد عام ١٩٩٢م في مصيف صلاح الدين

الواقع شمال محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وهي ٦٦ بالمئة للعرب

(السنة والشيعة) ٢٥% للأكراد، ٦% للتركمان، ٣% للآشوريين.

وأقر المؤتمر وثيقتين الأولى من صفحتين بعنوان: (مشروع المرحلة

الانتقالية) والثانية من عشر صفحات بعنوان: (البيان السياسي لمؤتمر المعارضة

العراقية) دمجت فيهما وثيقة ثالثة بعنوان: (مسودة تصور حول مستقبل العراق)

كانت موضع خلاف، وتنص الوثيقة الأولى على إجراء استفتاء عام حول ما

سيكون عليه شكل الحكم في العراق: هل هو ملكي أم دستوري؟ وتقضي بتولي

حكومة انتقالية إدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية أقصاها عامان على أن يشكل

(مجلس سيادي من ثلاثة من القادة من ذوي الماضي النضالي المشرف والمشهود لهم

بالنزاهة) لتولي مهام رئاسة الدولة، ولكن الوثيقة لا توضح بالتفصيل صلاحيات

هذا المجلس، ولا كيفية اختيار أعضائه الثلاثة. وتنص الوثيقة الثانية على حل

مشكلة الأكراد من خلال إقامه نظام (فدرالي ديموقراطي تعددي) في العراق،

وعلى ضرورة رفع الاضطهاد عن (الغالبية الشيعية) . وتؤكد الوثيقتان أن الإسلام

دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية (من مصادر التشريع الأساسية) . وكانت

الوثيقة الثالثة التي ألغيت تنص على إجراء إحصاء سكاني وعلى (إقامة برلمان

وطني في إطار الدستور الذي يحدد عدد النواب على أساس النسب الواقعية لكل

المكونات القومية والمذهبية للشعب العراقي) لكن هذه الفقرة أسقطت تماماً من

الوثيقتين اللتين تم إقرارهما من المؤتمر.

وقد أعلن الشيخ جمال الوكيل الأمين العام لحركة الوفاق الإسلامي انسحاب

حركته وكل من حركة تيار الإمام الصدر ورابطة علماء الدين في العراق والحركة

الإسلامية لتركمان العراق والحركة الإسلامية في كردستان العراق من مؤتمر

المعارضة العراقية المنعقد في لندن احتجاجاً على ما وصفه بتجاوز بعض الأطراف

مبدأ التعددية والديمقراطية، وذكر الوكيل بالاسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية

في العراق، وقال إن الحركات المنسحبة الخمس ترفض هيمنة المجلس الأعلى

على التيار الإسلامي، واتهم أطرافاً خارجية أخرى بالوقوف وراء المجلس، وهو

الأمر الذي أثار اعتراضات من جانب المسلمين العرب السنة الذين اشتكوا من عدم

منحهم تمثيلاً يعكس ثقل طائفتهم في العراق، وفي هذا الإطار قال السيد مسعود

البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني إنه لا يجوز اعتبار مؤتمر لندن

ممثلاً لكل فصائل المعارضة العراقية؛ حيث لا يزال هناك قوى وشخصيات

وأحزاب لم تحضره، وعبر بارزاني عن قناعته بوجوب الاستمرار في الاتصال

بهذه الحركات.

* المعارضة العراقية ومستقبل العراق:

بعد أن أصبح ضرب العراق وتغيير النظام فيه من قبل الأمريكان أمراً حتمياً

ومسلَّماً به بحسب ما تشير إلى ذلك الأحداث والوقائع والتحركات العسكرية

الأمريكية، بات من الضروري أن نطرح التساؤل عن مستقبل العراق في ظل

المتغيرات الدولية والإقليمية، وفي ظل الخلافات والنزاعات التي برزت فصولها

في مؤتمر المعارضة العراقية، حيث سعت فصائل وطوائف للهيمنة على قرار

المعارضة وفرض وقائع جديدة قد تكون مقدمة لتشكيل واقع عراقي جديد إذا ما سقط

النظام الحالي، وإذا كانت سياسة الهيمنة والإقصاء معتمدة من جلسات المنافي فإن

العودة إلى الوطن تنذر بمزيد من التصعيد والعنف بما يحقق تكهنات لطالما ترددت

أصداؤها هنا وهناك حول مشروع لبننة العراق وتقسيمه توطئة لمشروع سايكس -

بيكو جديد يلوح في الأفق، خصوصاً أن بعض دول الإقليم قد تدفع إلى مثل هذا

الخيار من خلال دعم فصائل معينة لاعتبارات أيديولوجية واستراتيجية وتاريخية،

ويمكننا على ضوء ذلك أن نفسر سبب التوافق بين الأمريكان وبعض الفصائل

المعارضة التي تعتبر خلافها مع الأمريكان خلافاً عقائدباً، فحين تلتقي الغايات

تنسى الخلافات، والمراقب للسياسة الأمريكية في العالم يدرك أن الأمريكان لا

يعملون على حل الأزمات وفك الخصومات والنزاعات بل يعملون على إدارة

الأزمات، ونشوب حرب أهليه في العراق يتناغم مع المصالح الأمريكية وحلفائها

في المنطقة مرحلياً؛ فالجيش الأمريكي سيحتل منابع النفط بحجة حمايتها، والعالم

الغربي سيبارك الخطوة على أساس حماية مصالحه التي تستوجب المحافظة على

تدفق البترول بأسعار مناسبة، وإذا كانت الحروب المتعاقبة على العراق كفلت

تدمير المقدرات المادية التي يمكنها أن تستخدم لنهوض البلد فإن الحرب الأهلية

ستتكفل بهجرة العقول العراقية التي اكتسبت الخبرة وتمرست على فن صناعة

المستحيل وهو الأمر الذي يقلق الأمريكان وحلفاءهم في المنطقة، ومن هنا تجد

التركيز على قضية العلماء العراقيين وتسفيرهم للخارج تأخذ أولويتها في أجندة

المفتشين الدوليين على السلاح العراقي.

لا يمكن لأحد أن يدعي القدرة على قراءة ما يخبئ المستقبل للعراق في الأيام

القادمة نظراً لغموض الأهداف الأمريكية وخططها في المنطقة، وهي بلا جدال

اللاعب الأساسي فيها نظراً لحالة الضعف والوهن العربي على كل الصعد، ولتفرُّد

الولايات المتحدة بقيادة العالم بلا منازع.

يبقى التعويل على وعي أصحاب الشأن للواقع بكل معطياته، ولعدم الانجرار

وراء نزعات ونزوات شخصية وفئوية قد تكون فيما بعد الأرضية التي تمهد لتنفيذ

المخططات المبيته للمنطقة.


(*) باحث عراقي - كردستان.