خواطر في الدعوة
حسداً من عند أنفسهم
محمد العبدة
من الشبه التي يرددها أعداء الإسلام كثيراً، بل قد تنقدح في نفس المسلم
أحياناً، هي شبهة التفرق وشدة الخصام والجدال، يقولون: إذا كان الإسلام هو
الحق الذي لا ريب فيه، فلماذا هذا التشتت وهذه الكثرة من الفرق، والمسلم
الضعيف يقول: لماذا لا نجتمع ولو على أي شكل من الأشكال وندع هذا الخصام
والأخذ والرد ونستريح من هذه المشاكل.
وللرد على هذه الشبه نقول: لابد أن يعلم المسلم أن الشيء الثمين والتحفة
النادرة تغري بالحسد والعداوة، فكيف إذا كان هذا الشيء سلعة معنوية وليست مادية؟ والإسلام في غاية الحسن والكمال، فعندئذ تنبعث النفوس التي ملئت بالحقد على الإيقاع به من الداخل، والتلبيس على المسلمين، ومحاولة التحريف والتبديل، حتى لا يبقى جوهر الإسلام صافياً.
لقد شَرِقَ اليهود والنصارى والفرس بحمل العرب لهذا الدين ونشره في الآفاق، وهيمنته على سائر الملل والنحل، وهو من الوضوح والقوة الداخلية فيه أن نوره
يبهر الأبصار، عندئذ كثرت سهامهم إليه وكثرت المؤامرات التي تريد اقتلاعه،
وجاس عبد الله بن سبأ وأتباعه خلال الديار، وانتشرت الباطنية تتستر بالإسلام،
وتأثر بهم أصحاب الأهواء أو ضعاف العقول فكثرت الفرق، وإذا كان الإسلام قد
أزاح عروشاً سياسية فإنه أزاح أيضاً رئاسات دينية من الكهنة والأحبار، خدعوا
الشعوب وأكلوا أموال الناس بالباطل، وهؤلاء حقدهم أشد، وعداوتهم أقوى، كل
هؤلاء قاموا بإثارة الشبهات فتلقفها ضعاف الإيمان فكثر الخلط، وأما المسلمون
الضعاف الذين لا يدفعون الشبهات بالإيمان القوي والثقة بهذا الدين أو النظر إلى
مواقع القدر الشرعي والكوني؛ هؤلاء الذين يتمنون في داخل أنفسهم أن لو يجتمع
المسلمون تحت اسم (الإسلام) ، ولو كان أحدهم يحمل من البدع الكبيرة والصغيرة
ما يصل إلى درجة الكفر، هؤلاء نقول لهم كما قال أحد العلماء:
«إن الحق لا ينقلب باطلاً لاختلاف الناي فيه، ولا الباطل يصير حقاً لاتفاق
الناس عليه، وسلامة الإنسان عن الخطأ ليس بمطموع فيه، ولكن الطمع في أن
يكثر صوابه» ..