[قضايا المرأة.. قضايا المجتمع]
د. نورة خالد السعد
هل المرأة المسلمة محرومة من حقوقها كما جاءت في الإسلام؟ وهل هي مضطهدة؟ وهل هناك تمييز ضدها في التشريع الإسلامي؟
هذه الأسئلة وما يماثلها تعتبر (محورية) لأنها هي السائدة الآن وسابقاً، سواء على المستوى العالمي أو العربي وحتى المستوى الإسلامي ممن يناقش قضاياها.
ورغم مئات المقالات وعشرات المؤلفات، ومثلها الدراسات التي تصدر في مجال الحديث عن قضايا النساء المسلمات وحقوقهن معظمها يصب في خانة الدفاع عن هذه الحقوق التي تميز بها الإسلام ديناً يكرم المرأة ويرفع من مكانتها.
بعض هذه المؤلفات يحمل إعلاءً للتقاليد في ثنايا السطور، وليس للنص القرآني الحقيقي للحقوق المالية والأسرية للنساء.
على سبيل المثال، بعضهم يناقش هذه الحقوق وفق التشريع الحقيقي وكأنه (واقع) لا تجد أي ملامسة لسلبيات التطبيق لهذه الحقوق في الواقع المجتمعي في معظم مجتمعاتنا الإسلامية، والذي ينبغي أن نتعرف أنه واقع لا يماثل ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع الذي يتشكل وفق الأصول الشرعية التي هي دستور كل مسلم.
فقد تحرم المرأة من ميراثها ومن حقها في التصرف في أموالها بتقييد هذا التصرف من خلال إجراءات إدارية هي (القيود) لتلك الذمة المالية التي منحها لها الله سبحانه وتعالى، وقد تُحرم من طلبها (الخُلع) إذا ما انطبقت شروطه لمجرد أن القاضي أخذ بما يطلق عليه (الاستئناس) ، وهناك من تحرم من الحصول على (مهرها) وهو حق شرعي لها في بعض مجتمعاتنا العربية ليأخذه الأب، وقد يتزوج الأب نفسه بهذا المهر.
وفي الوقت نفسه هناك مجتمعات إسلامية تحرم المرأة من حقها الشرعي في (الحجاب) . وأخيراً وكما صدر في إحدى الدول العربية مُنعت النساء من حضور صلاة الجمعة في المساجد، وتم ذلك باسم الدين؛ فقد تم تجميع عدد من الأحاديث كي تسوِّغ هذا القرار خصوصاً بعد أن أصبح ملحوظاً أن النساء في ذلك المجتمع قد التزمن الحجاب الشرعي.
إذن هناك إجراءات مجتمعاتية وممارسات مؤسساتية تزيد من حرمان النساء من هذه الحقوق المكفولة لهن شرعاً.
وفي الوقت نفسه نجد أن مرحلتنا المعاصرة تسود فيها أجندة ثقافة حقوق المرأة من منظور الجندر (النوع الاجتماعي) هذا المفهوم الذي أصبح الورقة الرابحة في كل مؤتمر وكل وثيقة وكل نشاط نسائي.
هذا المنظور الذي يحمل جانبين:
أحدهما: إيجابي إذا ما تم استخدامه بصفه آلية للتحليل الاجتماعي لكل دور اجتماعي يمارس من قِبَل الرجل أو المرأة.
والجانب الآخر: سلبي إذا كان يستخدم كآلية لإلغاء الفوارق بين الرجل والمرأة فسيولوجياً واجتماعياً وإعلاء (التماثل) بين دور الرجل ودور المرأة في المجتمع وفق جذوره التاريخية المستمدة من الحركة النسوية الراديكالية.
وحتى لا نقع ضمن حدين متناقضين بين واقع اجتماعي تعيشه معظم النساء المسلمات ليس هو (التطبيق الحقيقي) لما جاء في التشريع القرآني في شموليته، وبين واقع اجتماعي فرض أجندته بما يناسب مضمون اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة دونما (استثناء) لبعض بنودها الخاصة بالولاية والميراث والمناقضة لما في التشريع الإسلامي. بين هذين الجانبين يتم النظر في قضايا المرأة المسلمة رغم الاهتمام، لكنها تظل (مشكلة) ؛ لأن الفهم الصحيح لها وتعريفها يقع بين هذين الجانبين المتناقضين إلى حد ما.
فالحركات الغربية النسوية تعرّفها على أنها قضايا (نسوية) تناقش غالباً سياق الأسرة والمجتمع.
بينما ـ نحن ـ في الجانب الإسلامي ننظر إليها ضمن سياق هذه الأسرة، وننطلق من النص القرآني الذي يمنح النساء المساواة في الأجر والثواب لقوله ـ تعالى ـ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧] ، وفي الوقت نفسه هذا المصدر السماوي يميز بين الذكر والأنثى في الحقوق والالتزامات إذا ما كان الحديث عن النظام المالي الخاص (بالميراث) ؛ لأنه يضع الأسس في المجتمع من خلال نظام مساواة اقتصادي اجتماعي ينطلق من (الأسرة) بدلاً من الانطلاق من (الفرد) . ومن ثم يتم ضبط مسؤولية كل فرد فيها بدقة حتى لا يهمل أي فرد فيها؛ ولهذا كان التمييز لصالح الأنثى من قِبَل الذكر المسؤول (مسؤولية كاملة) عن (الأسرة) وفي حالة تعذر القيام بهذا الواجب لأي سبب كالوفاة أو المرض والعجز؛ فإن المسؤولية تنتقل آلياً إلى أقارب الأسرة الذكور، ثم المجتمع بعد ذلك لتوفير الرعاية للأسرة.
هذه الدوائر لتداول المسؤولية المالية تجاه رعاية الأسرة والمرأة الزوجة، أو الأم، أو الابنة على وجه الخصوص هي الجزء الذي تم إضعافه في واقعنا المعاصر للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولهذا نجد في بعض مجتمعاتنا الإسلامية أن النساء أصبحن في مواجهة أعباء الحياة ورعاية الأسرة، وتناقص دور بعض الأزواج أو أولياء الأمور في هذا الجانب، ولكن بقي في الجانب الآخر وهو ممارسة التسلط وليس القوامة كما جاءت في التشريع، وتنامى هذا الخلل في استيعاب (الحكمة) من نظام الميراث في الإسلام على الأقل من وجهة نظر بعض رائدات الحركات النسوية العربية.
هذا مثال فقط؛ ولهذا فإذا كان الخلل من سوء التطبيق وعدم مساندة مؤسسات المجتمع الثقافية والاقتصادية لما يحقق التشريع الرباني ليس لقضايا النساء معزولة عن (الأسرة) ولكن لجميع قضايا الأفراد رجالاً ونساء وفق دائرة الأسرة ثم المجتمع. والإصلاح لا بد أن ينطلق من مصدر الخلل، وليس محاكمة المصدر التشريعي، واعتساف تطبيقه على الواقع.
إصلاح الخلل لن يتم عبر مقالات، أو كتب، أو مؤتمرات فحسب، بل لا بد من تغيير نوعي في الوعي الحقوقي الاجتماعي لأفراد المجتمع، ولا بد من إشاعة روح الحوار والتفاعل بين مختلف المهتمين بالمرأة وقضاياها والأسرة أيضاً، واستثمار هذا المناخ العالمي الذي يُظهر الاهتمام بقضايا النساء للتأكيد على تفعيل الحقوق الشرعية في الإسلام، والاستفادة من آليات التفعيل لمواثيق الأمم المتحدة شرط أن لا تتعارض مع ثوابتنا وقيمنا وأخلاقياتنا، ولكن هذا ينبغي أن يتم (عملياً) وليس (نظرياً) .
(*) أستاذ علم الاجتماع المساعد كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز ـ جدة.