المسلمون والعالم
[اليقظة السنية المعاصرة في العراق]
د. سلمان الظفيري
[email protected]
أهل السنة في العراق مكونون من العرب وهم أكثر من عشرة ملايين نسمة،
والأكراد وهم أكثر من ستة ملايين، والتركمان وهم يقدرون بمليونين.
وأهل السنة في العراق يتركزون في الأكثر في الوسط والشمال، وبلادهم
تتميز بالكثافة السكانية، منهم الوجهاء والعلماء والوزراء والتجار وما جربت عليهم
الخيانة، وكانوا أهل ذمار وجوار شهد لهم بذلك الأعداء والأصدقاء من المسلمين
وغير المسلمين.
وهم منتشرون في الوسط والشمال والجنوب، وليس كما يقول الغربيون إنهم
في مثلّث فقط، بل يكوّن أهل السنة من نفوس محافظات الوسط الجنوبي
ومحافظات الجنوب أكثر من مليون ونصف المليون نسمة.
ولا توجد محافظة عراقية ليس فيها أهل السنة. أما الشيعة فلا وجود لهم في
أربع محافظات وهي: أربيل ودهوك في الشمال، وتكريت والأنبار في الغرب.
فالمؤامرة عالمية بين الغرب ومطاياهم على إظهار أهل السنة أقلية، وأن
الشيعة أكثرية. والواقع الميداني خلاف ذلك، فإن السنة هم الأكثرية، وقد ظهرت
فيهم اليقظة المعاصرة، وكان لهم رواد كبار من المصلحين. ولقد كانت الصحوة
الإسلامية الحديثة في العراق واضحة، فيهم، وبعد الاحتلال كانت اليقظة واضحة
في انتفاض أهل السنة على كل الجوانب.
* الرواد الأوائل:
يعتبر العلماء الآلوسيون هم الرواد في اليقظة السنية الحديثة في العراق.
فالعلاَّمة نعمان الآلوسي صاحب الصيحات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهو الداعي والرائد في دار السلام، وكذلك ابن أخيه العلامة محمود شكري
وتلاميذه كالعلاَّمة عبد الكريم الصاعقة، والعلاَّمة محمد بهجت الأثري، وغيرهم؛
كانوا الكواكب النيرة التي أضاءت دار السلام وحاضرة الرشيد.
ومن الرواد العلاَّمة عبد الله النعمة في الموصل صاحب الدعوة الإصلاحية
ورائد الدعوة السنية في الحدباء. وفي الجنوب وفي ثغر العراق البصرة كان
العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطي صاحب مدرسة النجاة رائد الإصلاح والدعوة
السنية.
فكان هذا الرهط الكريم في شمال العراق ووسطه وجنوبه هم الرواد، والرائد
لا يكذب أهله، وهم أصحاب النهضة الإسلامية السنية، وهم فرسان اليقظة العلمية
والدعوية في البلاد، ثم سارت الدعوة بعدهم على أيدي الأتباع والأصحاب
والتلاميذ.
ففي الموصل برز العلاَّمة بشير الصقال خليفة لشيخه النعمة في الدعوة
باستثمار الصحافة والإعلام بالإضافة إلى منابر المساجد وحِلَق العلم.
وفي بغداد كان العلاَّمة تقي الدين الهلالي المغربي قد أكمل مشوار الدعوة على
منبر مسجد الدهان في الأعظمية وفي قاعة الدرس في كلية الآداب، وقد كان قبل
ذلك في أبو الخصيب لسنوات عدة، ثم خلفه العلاَّمة علي الطنطاوي في البصرة
وشُهد لجهوده بالشيوع والانتشار.
ومن الرواد كذلك العلاَّمة أمجد الزهاوي، والشيخ الأستاذ محمود الصواف.
رحم الله الجميع.
* الصحوة الحديثة في البلاد:
بعد مجيء البعثيين عملوا على مصادرة الحريات، فقلَّ النشاط الإسلامي
السني، ولا سيما بعد إغلاق كلية الدراسات الإسلامية عام ١٩٧٥م وإلغاء الحلقات
العلمية كحلقة الشيخ عبد الكريم المدرس في مسجد القادرية، وكذلك إلغاء المدرسة
الآصفية في بغداد، وإلغاء منصب المفتي عام ١٩٧٦م وهي سنة وفاة أخر مفتي
للعراق، وإلغاء كلية الإمام الأعظم وتأسيس كلية شرعية مختلطة ومسيسة، وكانوا
قد أجبروا الأستاذ الشيخ عبد الكريم زيدان على وقف نشاط الإخوان المسلمين في
العراق وحل التنظيم.
بعد هذا الضغط الكبير على الدعاة والدعوة السنية الذي استمر إلى وسط
الثمانينيات وبعد دخول حرب الكويت وفرض الحصار وانشغال الحكم بذلك وضعفه
من السيطرة عادت الأعشاب إلى تلك الهضاب، وأورقت سيقان الدعوة فتم إنشاء
كلية الشريعة المسائية، وكانت الأوقاف قد سمحت بإنشاء معهد للأئمة والخطباء،
ثم يسر الله تعالى إنشاء كلية العلوم الإسلامية.
وقد زاد عدد المساجد في العراق إلى أكثر من ستة آلاف مسجد، وفي بغداد
وحدها أكثر من ٣٥٠٠ مسجد، وهذا حسب إحصاء هيئة علماء العراق.
ومن آثار الصحوة في العراق ظهرت مراجعات للفكر الشيعي عند بعضهم
وتراجعهم عن معتقدات سابقة وقديمة مثل مؤلفات موسى الموسوي، ومؤلف حسين
الموسوي (لله ثم للتاريخ) ومؤلف الكاظمي في ذكر فضائح الحوزة في النجف.
وأيضاً من ثمار الصحوة في العراق انتقال الكثير من الشيعة إلى السنة وترك
التشيع ولا سيما في الجنوب، وخاصة في النجف وكربلاء والبصرة والسماوة
والناصرية.
ومن المؤشرات المؤلمة في هذه الفترة حنق التجمعات الشيعية المسلحة في
الجنوب على هذا الصنف الذي تسنن وقد قتلوا بعضهم.
وقد برز دعاة وعلماء في الجنوب كفضيلة الشيخ فالح الشبلي إمام وخطيب
مسجد حمزة في النجف - فك الله أسره منهم - والشيخ الفاضل أمجد الدوسري في
منطقة الفاو، والتقارير الصحفية نقلت أن الشيعة قد قتلوه - رحمه الله تعالى -،
والشيخ أبو كيفان في الناصرية، فك الله أسره.
وظهرت كذلك محلات بيع الأشرطة الإسلامية في كركوك وبغداد والموصل.
وأكبر ظاهرة تدل على قوة الصحوة ظاهرة الحجاب التي غزت الجامعات
والمدارس والدوائر الحكومية، وقد ظهر النقاب في الوسط النسائي بشكل واضح،
وأصبح رواد المساجد من الشباب بكثرة واضحة؛ ومن المؤشرات على ذلك أن
مؤتمرات حزب البعث رصدت تلك الظاهرة بامتعاض، وناقشتها تحت فقرة:
(الدين والشباب) .
* الاحتلال واليقظة:
في نيسان الماضي ٢٠٠٣م سقطت بغداد، وجاست جيوش الصليب بغداد وما
حولها، ووقع العراق من جديد تحت الاحتلال، وفرضت القوات المحتلة شريعة
الغاب، وصار الدم جارياً في كل حدب وصوب، ونزل المحتلون البلاد ومعهم
مطاياهم من متعاونين ونفعيين وأبطال مزيفين.
وانتفض أهل السنة على هذا الوضع المزري، فتكونت هيئة علماء العراق
وجمعت علماء السنة في العراق، وصار للهيئة فروع في الأنبار وحاضرتها
الفلوجة، وهكذا بعقوبة وسامراء والموصل وبلاد الكرد في الشمال.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي من تغلب رعاع الشيعة على بعض مساجد
السنة واغتصابها قام أولو الشأن من العلماء بتأسيس دار الإفتاء، وإعلان الدكتور
الشيخ محمد محروس المدرس مفتياً للعراق، وأعلن الشيخ المدرس أن دار الإفتاء
سوف تقوم بالإشراف على المساجد، وقد قام شباب أهل السنة باسترداد بعضها
بالقوة وبالأخص مسجد أم المعارك الكبير في بغداد.
ومن اليقظة كذلك المظاهرات السنية في بغداد التي انطلقت من مسجد أم
المعارك، وقد خطب الجمعة قبل المظاهرة الدكتور حارث الضاري بخطبة مناسبة
للوضع مندداً بأكذوبة أن الشيعة هم الأكثرية في العراق.
ثم المظاهرة السنية الكبيرة التي انطلقت في مدينة سامراء، وقد كان خطيب
القوم صاحب الفضيلة الشيخ أحمد حسن الطه.
وآخر مظاهرة سنية كانت يوم الأحد ١٤/٩/٢٠٠٣م في مدينة البصرة،
وشارك فيها شيوخ القبائل السنية والعلماء والشباب المسلم، واشترك فيها أهل السنة
من البصرة والسماوة والناصرية، وقد كان الغرض منها إشعار الطائفيين
والشعوبيين بقوة أهل السنة بعد المجازر التي تعرض لها أهل السنة في الجنوب.
ومن اليقظة في العراق إعلان أن أهل السنة هم الأكثرية الكاثرة، وأن الشيعة
هم أقلية في العراق ومن الشهادات الصادقة في الفضائيات:
١ - شهادة الدكتور حارث الضاري عضو هيئة علماء العراق، ورده في
ندوة مشتركة على الشيخ الشيعي هادي المدرسي مدّعي هذه الفرية.
٢ - شهادة الدكتور محسن عبد الحميد الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي؛
حيث قال: نحن لا نعترف أن الشيعة هم الأكثرية، بل السنة من العرب والأكراد
والتركمان هم الأكثرية.
٣ - شهادة الدكتور أحمد الكبيسي وهو رئيس التجمع الوطني؛ حيث صرح
قبل أيام أن السنة في العراق هم الأكثرية.
٤ - شهادة الدكتور مهند الغريري أستاذ أصول الفقه في كلية العلوم الإسلامية
في بغداد حيث قال كذلك: إن أهل السنة هم الأكثرية.
٥ - شهادة الدكتور محمد عياش الكبيسي، وهو أستاذ شريعة جامعي وعضو
هيئة علماء العراق، قال: إننا نقول نحن الأكثرية.
فهذه شهادات علماء وطلاب علم في رد الأكذوبة الشائعة في الفضائيات أن
الشيعة أكثرية في العراق، بل هذه الفرية رُتِّبت بليل بين الأمريكان ودعاتها [*] .
وقد كان من ثمار اليقظة تكاثر الدعاة من السنة على تصحيح هذا المفهوم
الخاطئ، ومن أبرز مظاهر اليقظة عند أهل السنة رفض الاحتلال؛ وهذا الأمر
تميز به أهل السنة فقط؛ فبالإضافة إلى المقاومة التي ظهرت في مدن أهل السنة
كان للعلماء نصيب كبير من الإهانة والسجن لرفضهم الاحتلال؛ فالشيخ الدكتور
أحمد البيلساني سجن ثلاثة أشهر في سجن المطار، وما خرج إلا قبل أيام قلائل،
وإمام مسجد الرمادي تم قصفه بالطائرة الأمريكية وهو يلقي درسه في المسجد
لرفضه الاحتلال، وقل مثل ذلك في شيوخ القبائل السنية في البصرة والأنبار
والموصل وسامراء وبعقوبة كم عانوا، وكم أوذوا لرفضهم الاحتلال وعدم التعاون
معه.
ومما يذكر هنا الشيخ مؤيد الأعظمي إمام مسجد أبي حنيفة الذي قاد مظاهرات
في بغداد رفضاً للاحتلال ونبذاً للاستعمار، وهكذا غيره كثير.
(*) جاء في الإحصاء الرسمي العراقي لسنة ١٩٩٧م أن نسبة السنة في العراق ٦٥%، ونسبة الشيعة ٣٤%، انظر: مجلة البيان، العدد ١٩٠ جمادى الآخرة، ١٤٢٤هـ أغسطس ٢٠٠٣م، ص ٧٤، مقال: أهل السنة والجماعة في العراق حقائق وآفاق.