[الحوار الإسلامي بين الدواعي والمعوقات]
(١ ـ ٢)
إعداد: محمد بن شاكر الشريف ـ خباب بن مروان الحمد
في عالمنا المعاصر ولأسباب كثيرة تهتم العديد من الدوائر بالحديث عن الحاجة إلى الحوار الإسلامي النصراني؛ أملاً في التقريب بين الرسالتين، تمهيداً لتوحيد الأتباع في دين واحد يجمع بين الإسلام والنصرانية، وتُجنَّد لذلك هيئات ومؤسسات، وتُنفَق في سبيل ذلك الكثير من الأموال، لإعداد البحوث والدراسات بحثاً عما يدعونه من القواسم المشتركة تحت مسمى الإيمان بوجود إله خالق في مواجهة من ينكرون وجود الله؛ وذلك من خلال فعاليات كثيرة من المؤتمرات والندوات والبيانات المشتركة. ورغم ما يبذل من جهود ضخمة لإنجاح هذه المؤتمرات والندوات إلا أنها خائبة وخاسرة؛ لأنه لا يمكن حدوث تقارب حقيقي إلا إذا دخل الكفار في دين الله تعالى، وأما الخطوات التي يخطوها كِلا الطرفين للالتقاء في منتصف الطريق كما يزعمون؛ فإنها تبعد المسلم عن دينه حتى يكاد يخرج منه ولا تدخل الكافر في دين الإسلام.
والذي ينبغي أن تتجه إليه الهمة والجهد الحقيقي هو التقريب والتوفيق بين العاملين لدعوة الإسلام؛ لأن المسلمين في حاجة حقيقية لمثل هذا الجهد في واقعنا المعاصر، نظراً لما تتعرض له أمتنا الإسلامية من هجمة صليبية شرسة، ثم هو جهد يُبذل وينتج عنه ثمرة حقيقية؛ لأن عوامل نجاحها موجودة في الإسلام نفسه الذي يعمل له الدعاة. من هنا توجهت مجلة البيان إلى البحث في الحوار الإسلامي الإسلامي بين أطراف إسلامية تعمل لهذا الدين، تجمعها أطر عامة وكليات ثابتة، وإن حدث نوع من الاختلاف فيما دون ذلك، بغية إحداث تجانس أو تقارب فكري ومنهجي بين الجميع، ينتج عنه عمل يصب في صالح دعوة الإسلام. وقد تراءى لنا العديد من المحاور والأسئلة التي تخدم هذا الحوار، والتي تدور حول جدوى البحث عن التقارب في ظل النصوص التي يفيد ظاهرها قدرية الاختلاف، وأهمية التقارب الفكري والمنهجي ومدى مساهمته في إحداث التجانس والتعاون والتكامل بين الحركات الإسلامية، وما القواسم المشتركة التي يعمل من خلالها التقارب الفكري، وما خطة العمل الناجحة التي يسير عليها التقارب بين الحركات الإسلامية، والضوابط التي ينبغي مراعاتها في ذلك، كما تطرقت المحاور إلى المعوقات سواء منها الداخلية النابعة من ذاتنا وبيئة العمل، أو الخارجية القادمة إلينا التي تقف في سبيل الحوار والتقارب، فجمعنا العديد من هذه الأسئلة وتوجهنا بها إلى جمهرة من العلماء والدعاة في مختلف الأقطار الإسلامية فكان هذا التحقيق.
شارك في هذا التحقيق من أهل العلم والدعاة (بحسب الترتيب الهجائي) :
- الشيخ أحمد فريد من مصر.
- الشيخ تيسير عمران من فلسطين.
- الشيخ حامد البيتاوي من فلسطين.
- الشيخ حسن يوسف من فلسطين.
- الأستاذ جمال سلطان من مصر.
- الدكتور خالد الخالدي من فلسطين.
- الأستاذ خالد حسن من الجزائر.
- الشيخ رفاعي سرورر من مصر.
- الدكتور سفر الحوالي من السعودية.
- الشيخ سليمان أبو نارو من السودان.
- الدكتور صلاح الخالدي من الأردن.
- الشيخ عبد الله الغنيمان من السعودية.
- الدكتور عبد الله وكيل الشيخ من السعودية.
- الدكتور عبد الرزاق مقري من الجزائر.
- الدكتور عثمان جمعة ضميرية من سوريا.
- الدكتور عمر الأشقر من الأردن.
- الدكتور كسال عبد السلام من الجزائر.
- الشيخ كمال الخطيب من فلسطين.
- الشيخ محمد حسان من مصر.
- الدكتور محمد العبدة من سوريا.
- الدكتور منير محمد الغضبان من سوريا.
- الدكتور هَمَّام سعيد من الأردن.
- جدوى البحث عن التقارب:
البيان: هناك من ظواهر النصوص ما يدل على قدرية الاختلاف؛ فهل البحث عن التقارب يعد نوعاً من الجري وراء ما لا يمكن إدراكه أو الحصول عليه، أم أن هذه النصوص تفسيرات بحيث تلتئم مع النصوص التي تحض على الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق في الدين؟ بمعنى آخر: نريد ضبط العلاقة بين النص القدري والنص التشريعي.
- المشاركون:
يقرر الشيخ الدكتور سفر الحوالي أن دفع القدر بالقدر من عقيدة أهل السنة والجماعة، والذي أخبرنا بالافتراق أمرنا بدفعه بالاجتماع وأرشد إلى أسبابه ووسائله.
والفكرة نفسها يقررها الدكتور محمد العبدة فيقول: يجب أن توضح التفرقة بين القدر الكوني والقدر الشرعي؛ فإذا كان التفرق واقعاً فعلاً كما جاء في الأحاديث فإننا مأمورون شرعاً بالابتعاد عن التفرق ومأمورون بالتعاون على الخير، كما قال عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ: «نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله» .
والفكرة نفسها أيضاً يدندن حولها الشيخ كمال الخطيب فيذكر أن علينا أن ندفع قدر الاختلاف بقدر الوحدة والتجمع والالتقاء والتقارب تماماً مثلما ندفع قدر الداء بقدر الدواء.
ويقول الدكتور هَمَّام سعيد: إذا كان الخلاف سنة من سنن الله ـ تعالى ـ في خلقه؛ فإن الاتفاق والاتحاد والعمل على إزالة الخلاف وأسبابه فريضة لقوله ـ تعالى ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣] .
ويتطرق الشيخ أحمد فريد إلى قضية مهمة وهي أن القدر الكائن لا يُحتَجُّ به على ترك المشروع المطلوب؛ فالواجب على ذلك السعي وراء التعاون وجمع الكلمة على الحق، ولا يجوز ترك ما جاء به الأمر احتجاجاً بالقدر وتسليماً بالأمر الواقع.
وبنحوٍ مما تقدم يقرر الأستاذ خالد حسن أن التدافع سنة الله ـ تعالى ـ في الكون وعلينا أن ندفع قدر الاختلاف بقدر التقارب، ولا تعارض بين الأمر الكوني والأمر الشرعي؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يتعبدنا بما لا نطيق.
ويرى الدكتور عثمان جمعة ضميرية أن الخلاف إذا كان في جوانب تدخل تحت الإرادة وإذا كان فيما لا ينبغي أن يكون فيه خلاف واختلاف؛ فإن هذا ينبغي الدعوة إلى إزالته ورفع أسبابه ليعود الأمر إلى الاتفاق.
وكذلك يرى الدكتور عبد الرزاق مقري أن الاختلاف ظاهرة بشرية، أي أنها حتمية لا فكاك منها، لكن التفرق مع ذلك مذموم، وهذا يعني العمل على دفعه.
ويرى الدكتور صلاح الخالدي أن الخلاف قدري؛ فلم يخلق الله الناس على نموذج واحد وإنما خلقهم متفاوتين، وكل إنسان نموذج خاص في عقله وفكره، وأن هذا الاختلاف إنما هو لضرورة تحقيق الخلافة في الأرض ـ وليس للتنازع والشقاق ـ فلا تعمر الأرض إلا بالتدافع والتزاحم بين هذه النماذج، لكن هذا التنوع والتدافع لا بد أن ينتج عنه الاختلاف بين الناس؛ فالاختلاف قدري لا بد أن يقع، وهذه سُنَّةُ الله التي لا تتخلف، ومع تأكيده على قدرية الاختلاف لكنه أيضاً يؤكد على أن القرآن دعا المسلمين في آيات كثيرة إلى الاتفاق والتعاون، ونهاهم عن التنازع والتفرق؛ فالله الذي جعل الاختلاف قدرياً بين المسلمين {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٨ - ١١٩] ، هو نفسه الذي أمرهم بالاعتصام بحبله ودعاهم إلى التعاون، والتنسيق {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣] .
ويذهب الشيخ تيسير عمران إلى أنه لا يصح التذرع بقدرية الاختلاف؛ لأن التذرع بالقدر شأنُ مَنْ لا يريد العمل، ويذكر أن النصوص تدعو إلى الوحدة وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأن المسلمين مكلفون دفع الاختلاف والفرقة والأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى ذلك.
ويرى الشيخ سليمان أبو نارو أن السعي والبحث عن التقارب والاجتماع فريضة شرعية قد نص عليها الكتاب والسنة، وتواترت في إجماع الأمة، وقد توعد الله أهل التفرق بما توعد به أهل الكبائر؛ فلا وجه أن تكون الدعوة إلى التقارب دعوة إلى ما يستحيل وقوعه؛ فنحن مأمورون بأن ندفع قدره الكوني بقدره الشرعي جهد الطاقة والوسع، وقد بيَّن أهل العلم أن النصوص الواردة في كل من الإرادة الكونية والإرادة الشرعية مجتمعة ومتسقة، وأن الإرادة الكونية لا تعني سوى المشيئة المطلقة القائمة على العلم السابق وهي واقعة لا محالة، كما أن الإرادة الشرعية تعني ما يحبه الله ـ تعالى ـ ويرضاه من الإيمان والعمل الصالح، وبيان ما يبغضه وينهى عنه من الكفر والعصيان.
ويذهب الشيخ عبد الله الغنيمان إلى أن الله ـ تعالى ـ خلق بني آدم متفاوتين في الأفكار والأفهام والاتجاهات والميول؛ وكل ذلك من دواعي الاختلاف. قال ـ تعالى ـ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٨ - ١١٩] ، فهو يقرر بذلك قدرية الاختلاف، لكنه يبين أن أهل السعادة هم أهل الائتلاف فهم غير مختلفين. وأما أهل الشقاوة فهم أهل الفرقة والاختلاف، ثم يقرر أن الخلاف على ذلك قسمان: اختلاف على الرسل وما جاؤوا به؛ فهو المهلك لأهله، واختلاف من أجل تفاوت العلم والفهم، وهذا لا حرج فيه إذا لم يُتخذ سبيلاً للبغي والعدوان ولم يُجعل مسوغاً للفرقة والمعاداة، وبهذا يثبت أن التقارب والتآلف أمر ممكن وقريب، بل هو مأمور به وواجب، ولا يمكن أن نُؤمَر ونُكَلَّف بالممتنع، ولكن الوصول إليه يحتاج إلى جهد وعمل باستطاعة المسلم إدراكه وتحصيله.
ويذكر الدكتور منير محمد الغضبان أن قدرية الاختلاف ليست بالنسبة للمؤمنين وإنما هي بالنسبة للبشر بشكل عام {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٨ - ١١٩] ، والاختلاف بين المؤمنين في الخط والمنهج هو خلل في التربية وليس قدراً مفروضاً عليهم، والأصل أن يفيء المؤمنون عامة والدعاة خاصة إلى كلمة سواء. وإلى نحوٍ من ذلك يذهب الأستاذ جمال سلطان حيث يذكر أن الخلاف ليس قدرياً وإنما هو اجتهاد بشري تحكمه خبرات الواقع وزوايا النظر إلى الأحداث وأولويات التصور عند كل طرف؛ فهذه التي تسبب الخلاف بين تيارات العمل الإسلامي.
ويرى الدكتور عمر الأشقر أن الخلاف الذي يذكره القرآن أنواع:
النوع الأول: خلاف في أصل الدين كالخلاف مع اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين والبهائيين وأضرابهم.
والنوع الثاني: الخلاف القائم بين الفرق الإسلامية كالخوارج والمعتزلة والشيعة الذين أصَّلوا أصولاً تجمعوا عليها خالفوا بها أهل السنة والجماعة.
والنوع الثالث: الاختلاف في الأحكام وهو الخلاف المذهبي، والخلاف القائم اليوم بين الحركات الإسلامية ليس واحداً من هذه الثلاثة، بل هو اختلاف رأي واختلاف منهج، ويمكن أن يكون من نوع الخلاف المقبول، ومن الممكن لهذا النوع أن يتراجع أو يزول لو تواصلت قيادات العمل الإسلامي فيما بينها وجلسوا للحوار متآخين متحابين. وأما الشيخ رفاعي سرورر فيرى أن الاختلاف ظاهرة فكرية، ولكن له حقيقة قدرية وهي أن الاختلاف عذاب، وأن العذاب يُرفع بموجبات الرحمة، فتصبح موجبات الرحمة سبباً لمعالجة الاختلاف. قال ـ تعالى ـ: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٨ - ١١٩] ومن موجبات الرحمة الدعاء وذكر الله وقراءة القرآن ومدارسة العلم؛ فهذا كله من أسباب رفع البلاء، وهذه ليست مسألة رقائق ولكنها حقيقة منهجية صحيحة مهمة جداً.
- أهمية التقارب الفكري والمنهجي ودور الحوار في تفعيل ذلك:
البيان: يتبين مما تفضل به الإخوة المشاركون أن الاختلاف بين الحركات الإسلامية ليس مسوِّغاً للتفرق والتشرذم؛ لأننا مأمورون باتباع الشرع الذي أمر بالجماعة ونهى عن التفرق، وهذا يعني إمكانية الاتفاق والالتقاء على كلمة سواء، وهو ما يجعلنا نبحث في توحُّد أو اتحاد هذه الحركات، لكن قد يكون اجتماع الحركات كلها في جماعة واحدة هدفاً بعيد المنال في ظل ظروف الدعوة المعاصرة لأسباب كثيرة منها الداخلي ومنها الخارجي، لكن هذا لا يعني التقاعس عن محاولة الوصول إلى ذلك، ولا ينفي أيضاً أهمية السعي لإحداث التقارب الفكري والمنهجي الذي يعد أحد أهم السبل التي تعين على الوحدة أو الاتحاد؛ فما رؤيتكم حول ذلك؟
- المشاركون:
يقرر الدكتور عمر الأشقر أن الحوار مهم جداً لتحقيق التقارب والتجانس بين تلك الحركات، ويضع لتحقيق ذلك قيداً مهماً بقوله: إذا أحسنوا العرض والحوار والاستدلال والبيان؛ فبذلك تُصْقَل الملكات وتُوضَّح المشكلات ونتقدم خطوة إلى الأمام.
ويؤكد الدكتور منير محمد الغضبان أننا لا نطمح إلى وحدة بين الحركات الإسلامية، لكن يجب أن نطمح إلى اتحاد بينها، وطريقه هو البحث عن التقارب من خلال الحوار ثم التنسيق ثم الاتحاد؛ فالاتحاد يتميز عن الوحدة بأن فيه محافظة على الكيان الخارجي لأي تنظيم إسلامي، مع تنازله عن بعض خصوصياته للمصلحة الإسلامية العليا. ويؤكد أن هذا لن يتم دون الحوار بين هذه الحركات.
ويذكر الدكتور عثمان جمعة ضميرية أن الاتفاق الكامل والتقارب الفكري ووحدة الأمة والعاملين في الدعوة كل هذا مما تحسن الدعوة إليه وبذل الجهد في سبيله؛ فالنية لا بد أن تتجه أولاً إلى تلك الوحدة وذلك الاتفاق، لكن الوحدة أو الاتحاد لا تعني أن يكون الجميع نسخة واحدة، وإنما يكفي اتفاقهم على قاسم مشترك أعظم يلتقون عليه فيكونون أمة واحدة في الغاية والهدف وفي الفكر والشعور، وفي السمات المميزة لهم؛ وذلك يمكن الوصول إليه بتوحيد منهج التلقي حتى يعصمهم من التفرق والشتات بما ينشئ من تصورات ثابتة وبما يضع لهم من موازين وقيم لا تتأثر بزمان معين أو مكان محدد.
ويبين الدكتور وكيل الشيخ أن الحوار مهم؛ لأن الإنسان مهما بلغ من العلم فهو في حاجة إلى أن يستنير برأي غيره، ويعدد فوائد الحوار بأنه مهم في اكتشاف الحق كما أنه مهم في اكتشاف فهم المخالف بما يعين على توجيهه أو تصحيحه، وهو مهم لإزالة أو تقليل كثير من صور البغي والعدوان بين المتخالفين، وهو مهم لرسم سياسة التعاون بين الهيئات والمؤسسات الإسلامية؛ إذ به تتضح المناهج والقدرات ومجالات العمل فيتم التنسيق المثمر، ثم هو في النهاية صورة من صور النصيحة التي يجب أن يبذلها المسلمون لبعضهم.
أما الدكتور همام سعيد فيوضح القضايا المهمة التي من شأنها أن تسهم بشكل فعال في إنجاح الحوار وهي الاعتراف بأن الخلاف سنة من سنن الله في خلقه، والاعتراف بأن العمل على الاتفاق فريضة من فرائض الدين لتحقيق مفهوم الأمة الواحدة، والرجوع إلى الأصول وعدم الجدل في الفروع، والانطلاق من نقاط الاتفاق لا نقاط الاختلاف، والانطلاق من المقاصد لا من الوسائل.
ويلخص الشيخ كمال الخطيب أهمية الحوار بقوله: من أجل اختصار المسافة بين صواب المصيب وخطأ المخطئ فليس من سبيل إلى ذلك إلا الحوار وتقليص نقاط التباين، مع تصحيح القصد بابتغاء وجه الله تعالى.
ويرى الأستاذ جمال سلطان أن الحوار مطلب شرعي وهو المنوط به فهم كل من المتحاورين منطلقات الآخرين ومسوغات مواقفهم، وعندما يغيب الحوار تتحول الأمور إلى الهواجس والظنون والشكوك والتصدعات وهذا هو الخطر؛ فالحوار يزيل هذه الهواجس والظنون، لكن في المقابل لا ينبغي أن يتصور أحد أن الحوار لا بد أن يتمخض عن وحدة في الصف الإسلامي، أو عن اتفاق كامل شامل بينهم؛ فالمطلوب من الحوار أن يتمخض عنه الالتقاء في مناهج العمل، وإن لم يتمخض عنه ذلك، فلن يخلو الحوار من الخير.
ويذكر الشيخ أحمد فريد أن الواجب على أهل العلم النصح للأمة والسعي إلى الاجتماع ونبذ الفرقة؛ لأن الاجتماع سبيل النصر بينما الفرقة سبيل الفشل وذهاب القوة {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦] ؛ ففي التقارب روح المودة وعود المخالف إلى الحق، ولا شك أن الحوار والنصح من أسباب الوصول إلى ذلك.
ويقدم الدكتور كسال عبد السلام نظرته للحوار من أنه السبيل لتوسيع المدارك، فيذكر أن مجال التقارب يكون أكبر كلَّما احتلت السعة في الفكر ثم في المنهج في مختلف التنظيمات مساحة أكبر وحيزاً أوسع يفضي إلى زوال العقبات والفواصل، وليس ثمَّة مجال إلى توسيع المدارك غير الحوار الفكري الصحيح، وقالبه السليم الموصول بخلق السعة في القلوب والنفوس حتى تصل المعاني إلى المدارك لتُفْحص، فيتقبل الطرفان منها ما يُقَوِّي ويرفضان ما يُضْعِف، دون شعور بنقص ولا عُقَد، وتحرراً من الالتزام بمنطق الغالب والمغلوب. ويشير إلى قضية مهمة وهي أن الرغبة في الوحدة أو التقارب لا ينبغي أن تكون باباً ينفذ منه من يريد الإخلال بالانسجام السلوكي في المجتمع الإسلامي ليكون الجري وراء الوحدة المظهرية هو أهم ما يُحرَص عليه، بينما يترك المضمون الذي هو الأساس في صلابة البناء العام.
وينظر الأستاذ خالد حسن إلى أهمية الحوار وضرورته من خلال أمرين: الأول: اشتراك الجميع في توجه الأمر إليهم بطلب الحق والصواب والعمل به؛ وهذا لا يتم على النحو المأمول إلا بالحوار. والثاني: أنه ليس بمقدور المتصدر للرأي وصناعة القرار ـ مهما علا قدره ـ أن يوفَّق للصواب منفرداً في كل حين وآن، وهذا ينطبق على المجموعة أو الجماعة أو التنظيم كما ينطبق على الفرد؛ لأن الجماعات والتنظيمات يغلب عليها التطابق والتماثل فيصير حوارها حواراً داخلياً لا مشاركة فيه للغير، وهو ما يدل على أهمية الحوار وضرورته في إشراك الغير في الرأي والنظر طلباً للحق ووصولاً إلى الصواب.
ويرى الدكتور عبد الرزاق مقري أن التقارب الفكري والمنهجي هو سبيل الوحدة والتعاون بين الحركات الإسلامية، وان هذا التقارب يمكن أن يأتي من خلال الحوار الدائم، ويقترح لتحقيق ذلك أن يتم الاتفاق على منهج عام في تحليل الأحداث، وترتيب العلاقات بينهم والعلاقات مع غيرهم، وما الذي يجب تقديمه وما الذي يجب تأخيره؟ وما المفاسد التي يجب أن تُدْرَأ أولاً؟ وما المصالح التي تُمنح الأولوية في السعي لتحقيقها؟ وما المساحات التي يجب التقارب فيها؟ وما القضايا التي لا بأس أن يختلفوا فيها؟ وهو مع ذلك يؤكد أن الاتفاق الكامل غير ممكن؛ فالاختلاف الفكري موجود داخل الجماعات، والحركة الواحدة، كما أن الاندماج أمر بعيد المنال، ويذكر أنه سعى في بداية الثمانينيات لعدة سنوات مع عدد من الدعاة الأفاضل بهدف تحقيق الاتفاق الكامل والاندماج لكنه أدرك بالتجربة أن الهدف غير واقعي ولا بد من الاهتمام بالقواسم المشتركة.
وأما الشيخ سليمان أبو نارو فمع أنه مقر بأن السعي والبحث عن التقارب والاجتماع فريضة شرعية، إلا أنه يريد أن يكون الهدف الأعلى والغاية القصوى الاجتماع والتوحيد وليس التقارب، ويعلل لذلك بقوله: لأن جهد الإنسان قد لا يبلغ غايته؛ فإذا جعلنا الغاية التقارب فأخشى أن تكون النتيجة البقاء على التفرقة، وإن العجز في الطموح يحكي شيئاً من الضعف في الهمة والعزيمة في الأمر، إن الأمثل في أمرنا هذا الوحدة والاجتماع وليس التقارب، ولكن ضرورات الواقع المؤلم هي التي فرضت علينا الحديث عن التقارب.
ويرى الدكتور محمد العبدة أن الحديث عن الوحدة والاتحاد وإن كان مطلوباً لكنه في الظروف الحالية التي تمر بها الحركة الإسلامية كلام مثالي؛ والأوْلى من ذلك إذا أردنا أن نكون واقعيين أن يكون الكلام عن الحوار والتشاور والتقارب، ويضع القواعد التي يراها للإفادة من الحوار ومساعي التقارب؛ فمن ذلك: العودة إلى تفعيل دور العلماء في قيادة الأمة، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية والعلمية؛ وإشاعة الحديث عن المصلحة العامة مصلحة الإسلام والمسلمين، وتطهير القلوب من الحزبية والحسد وحب الرئاسة.
وقريب من ذلك ما يذكره الشيخ تيسير عمران وهو أن محاولة جمع الحركات الإسلامية في بوتقة فكرية واحدة ومنهج عمل واحد طمع في غير مطمع، لكن المأمول أن تجتمع هذه الحركات في إطار من التنسيق والتكامل والحوار؛ فإذا قام الحوار في جو من الاحترام المتبادل والنقاش العلمي والبحث عن الحق دون اتباع الهوى أو تعصب للرأي فإنه سيثمر بإذن الله تعالى.
وعلى الدرب نفسه يقول الشيخ محمد حسان: القول بدمج وتوحيد هذه الجماعات أو الحركات على منهج واحد طمع في غير مطمع وأمل تحول دونه حوائل وموانع شتى، وهنا لا بد من الحوار كخطوة عملية على طريق التقارب.
وينظر الدكتور صلاح الخالدي إلى الموضوع من زاوية أخرى فيذكر قول الله ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: ٦٤] ويقول: تدعو الآية أهل الكتاب إلى الالتقاء بالمسلمين والحوار معهم والانطلاق في ذلك من أسس ثلاثة: عبادة الله وحده، والإيمان به إلهاً وربّاً، وعدم الشرك به وعدم اتخاذ غيره إلهاً وربّاً؛ فإن أعرضوا عن ذلك ثبت المسلمون على الحق. ويعطف على ذلك بقوله: إذا كانت الآية تفتح باب الحوار بين المسلمين والكافرين فإن الالتقاء والحوار بين المسلمين أوْلى، وإمكانية نجاحه أكبر، وكل ما حول الجماعات الإسلامية يوجب عليهم ذلك اللقاء والحوار.
وينظر الشيخ حسن يوسف إلى أهمية التقارب بين الحركات من زاوية تحديات الواقع التي تجابه المسلمين؛ فهو يذكر أن العاملين في دائرة العمل الإسلامي كلهم مستهدَفون بقيادة أمريكا في حربها للإسلام تحت مسمى الحرب على الإرهاب، وليس أمام العاملين إلا أن يتكاتف الجميع كي يقفوا أمام هذه الهجمة الشرسة التي تسعى لسحق العمل الإسلامي، وإلا بقوا أشتاتاً متفرقين حيث يسهل ضربهم، وفي ذلك خسارة كبيرة للمشروع الإسلامي.
- القواسم المشتركة:
البيان: يكاد أن يكون هناك إجماع على أهمية التقارب الفكري والمنهجي بين الحركات الإسلامية وعلى ضرورة إدارة الحوار بينها من أجل تعميق هذا التقارب وإزالة ما يعطله أو يعوقه، ولا شك أن من عوامل نجاح مثل تلك الحوارات أن تكون هناك قواسم مشتركة بين المتحاورين تصلح منطلقا للحوارات، منها ينطلقون وإليها يفيئون؛ فهل توجد مثل هذه القواسم التي تجمع بين الحركات الإسلامية؟
- المشاركون:
ينظر الشيخ حسن يوسف إلى أن القواسم المشتركة هي القضايا التي تتفق فيها الحركات الإسلامية، ولذلك يقرر أن القواسم المشتركة التي يمكن أن تأتلف حولها الحركات الإسلامية بحيث تكون طريقاً للحوار البنّاء الذي يساهم في عملية التقارب المنهجي والفكري وهذه القواسم كثيرة جداً؛ في حين أن أوجه الخلاف ضيقة جداً، ومن القواسم الكبرى المشتركة أن ربنا وإلهنا واحد، ورسولنا واحد وكتابنا واحد وهمنا واحد وعدونا واحد ومشروعنا مشروع واحد.
وعلى المنهج نفسه يقول الدكتور صلاح الخالدي: إنَّنا نعتقد جازمين أنَّ صور ومظاهر الاتفاق بين العاملين للإسلام كثيرة، وأنَّ القواسم المشتركة بينهم عديدة، وأنَّ مظاهر الاختلاف قليلة، ويعدد القواسم المشتركة بين الحركات الإسلامية فيذكر منها القرآن والسنة وهما أساس منهج الدعوة والعمل والحركة، والاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ـ رضي الله تعالى عنهم ـ في الدعوة والحركة والعمل والجهاد، وأن المرجع عند الاختلاف هو القرآن والسنة، وأن الرجال تُعرف بالحق ووزن أفكارهم وأقوالهم بميزان الحق، وأن الهدف مشترك والعدو مشترك.
وعن تلك القواسم يقول الدكتور عمر الأشقر: الإسلام يجمعهم، وأصوله توحدهم، قبلتهم واحدة، وكتابهم واحد، يعتمدون على الكتاب والسنة فيما يأخذون ويدعون، ثم يبين أنه لا ينبغي التوقف عند ذلك، بل ينبغي أن يتقدموا خطوة إلى الأمام لتعميق أصول التلقي عند أهل السنة والجماعة وأصول الفقه للكتاب والسنة والأصول التي يقوم عليها العمل، وأصول التآخي بين المسلمين، والأصول الضابطة في التعامل بين الحركات.
ويعدد الدكتور عبد الله وكيل الشيخ أهم القواسم المشتركة التي يمكن أن يتحقق بها التقارب، فيذكر منها الاتفاق على أصول الدين الكلية في مجالات الدين المتعددة، والاتفاق على الأدلة المتفق عليها بين أهل الاستنباط والفقه، والاتفاق على التحاكم إلى أدلة الشرع حين الخلاف واعتبارها هي الفيصل في حل النزاع، واعتبار لغة العرب هي الأصل في فهم نصوص الشرع وعدم الخروج على مدلولاتها لفهم الأدلة، ومن ثمَّ الحذر من الوقوع في التأويلات التي لا تقرها لغة الشريعة، ومراعاة مصلحة الأمة والاجتهاد في تحقيقها والاعتزاز بدين الإسلام، والإيمان بأنَّه المنهج الصالح المصلح للحياة وقصر الاستمداد عليه، مع الاطلاع على ما عند الناس من تجارب في شؤون الحياة مما يفيد في تطبيق النصوص الشرعية وتوسيع دائرة الأخذ بها.
ولا يخرج الدكتور همام سعيد في نظرته للقواسم عما تقدم؛ حيث يقرر أن القواسم المشتركة بين الإسلاميين أكثر من نقاط الاختلاف ومن هذه القواسم التي يشترك فيها الجميع أن الله ـ تعالى ـ ربنا، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم - رسوله إلى العالمين، وأن الإسلام حق، وأن الدعوة إلى الله واجبة، وأن صلاحية الإسلام للعالم أجمع وللزمان كله، وأن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ فريضة محكمة من فرائض الدين، وأن الإمامة الكبرى فريضة من فرائض الدين، وأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وأن الكفر والشرك فتنة عظمى لا خلاص منها إلا بقوة المسلمين وجهاد أعدائهم.
ولا يخرج أيضاً الدكتور خالد الخالدي في تعداده للقواسم عما تقدم؛ غير أنه يؤكد على قاسم مشترك وهو كون الحركات الإسلامية تواجه عدواً مشتركاً من الأنظمة العلمانية والقومية الفاسدة تستهدفهم جميعاً، وأن سجونهم لا تفرق بين أتباع هذه الحركات على تعدد انتماءاتهم، وكذلك العدو الخارجي هو قاسم مشترك حيث الصليبيون والشيوعيون واليهود يستهدفون الجميع؛ ومن ثم ينبغي أن يكون هذا باعثاً على الوحدة. ويؤكد على مسألة مهمة وهي أن الجماعات المطلوب تقاربها هي الجماعات ذات التقارب الكبير في العقيدة والمقتنعة بأن تطبيق الإسلام في شؤون الحياة كافة يؤدي إلى حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فهؤلاء هم المقصودون بموضوع التقارب وليس الجماعات الأخرى الخارجة.
أما الأستاذ خالد حسن فإنه ينظر إلى القواسم المشتركة نظرة أخرى؛ حيث يراها القضايا التي ينبغي أن تعتني بها الحركات الإسلامية وتوليها اهتمامها، فيقول: القاسم المشترك الأبرز هو المستقبل وكذا التحديات المشتركة والعمل على إقرار الحريات المشروعة وتحقيق الاستقلال الثاني استقلال الإرادة والقرار وقضايا التنمية، ومواجهة الاجتياح الإمبريالي الظالم، والاستفادة من الغارة على المجتمع الإسلامي.
وعلى المنهج نفسه يرى الدكتور عبد الرزاق مقري أن من أهم القواسم الاتفاق العام على أولويات العمل الإسلامي والصبر على الاختلاف، والاهتمام بوحدة الأمة الإسلامية، والابتعاد عن الفتن التي أصبحت تتغذى منها التيارات المعادية للمشروع الإسلامي وثوابت وقيم المسلمين، والتعاون والعمل المشترك من أجل قضية فلسطين، وكذلك المشاريع والمؤسسات الإعلامية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية التي تسع الناس جميعاً.
ومن المنطلق نفسه يرى الدكتور عبد السلام كسال أن أهم القواسم التي يجب التزامها: أنه ينبغي اعتبار أن الوعاء الذي تصب فيه الجهود واحد انطلاقاً من وحدة الهدف، وأن نجاح الغير نجاح للجميع؛ لأن فيه تحقيقاً للكفاية وإزالة للحرج لما لم يؤدَّ بعدُ بفعل القصور، كما أن إخفاقه زيادة في العبء. كما ينبغي التجرد من الأنانية؛ لأن الفرد مهما عظمت قدرته إلا أنها تبقى محدودة، وكذلك الابتعاد عن حب الزعامة؛ لأنها تعمي البصيرة عن إمكانات الآخرين ويكون من أسوأ نتائجها دفن طاقات لو أُخرجت من تحت التراب لأثمرت بذرتها نتاجاً كبيراً، إضافة إلى خفض الجناح ومعالجة مواطن الضعف في الآخر بدلاً من إقصائه.
وينظر الدكتور عثمان جمعة ضميرية إلى القواسم المشتركة أنها تشمل القضايا المتفق عليها أصلاً بين الحركات والتي من أهمها المنهجية التي توحد أمة التوحيد وهي العقيدة وأصولها وما يتصل بها، والاتفاق على المصادر التي نستقي منها، كما أنها تشمل القضايا التي ينبغي أن يتفق عليها العاملون والتي من أهمها النظر إلى طبيعة عمل الدعاة وتوزيع مهامهم ومسؤولياتهم والجهد الذي يقومون به؛ فإن الساحة تتسع لجميع العاملين، وما يعجز عنه بعضنا قد لا يُعْجِز الآخرين؛ وعندئذ تنصبُّ الجهود كلها لتحقيق هدف منشود وغاية واحدة.
وينحو الأستاذ جمال سلطان هذا المنحى، فيذكر أن القاسم الأعظم تحقيق المرجعية الشرعية؛ بحيث يكون الحكم بكتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم -، ومن القواسم أيضاً إعادة روح النهضة والسبق والاستعلاء العلمي في مجالات العلوم والشؤون التي تخلف فيها العالم الإسلامي، وأيضاً إعادة العدل والحرية والحق والكرامة، كذلك تحقيق استقلالية العالم الإسلامي دولاً وشعوباً في المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجوانب الثقافية والعلمية.
ويكاد ينفرد الشيخ رفاعي سرور بعدم قناعته بفكرة البحث عن قواسم مشتركة؛ حيث يقول: هذه فكرة غير صحيحة بالمرة؛ لأن المسألة ليست توافيق وتباديل، ويقدم رؤيته بأنه من خلال تصور الحركة الإسلامية أحدد العلاقة بين الاتجاهات الفكرية، يعني ممكن أن أكون أنا مثلاً اتجاه كذا، وأتعامل معك كاتجاه كذا، تعاملاً صحيحاً محققاً النتائج المطلوبة، وذلك يوصلنا للغاية، من خلال إطار سياسي.
- خطة العمل من أجل التقارب:
البيان: تبين مما تقدم أنه يوجد تصوران عن القواسم المشتركة: أحدهما: أنها القضايا التي تتفق عليها معظم الحركات سواء في التصور النظري أو في التصرف العملي. والثاني: أنها القضايا المهمة التي ينبغي أن يحدث بشأنها اتفاق بين الحركات. فالأولى تمثل الواقع الكائن؛ بينما الثانية تمثل الواقع المأمول، وأياً ما كان الأمر؛ فإنه لا يوجد مسوِّغ شرعي لأحد في التباعد والتجافي وعدم الائتلاف مع إخوانه الباقين، ورغم العواطف المشحونة بأمل النجاح، فإن العواطف وحدها لا تغني عن وجود خطة واضحة يُسار عليها لتحقيق المراد؛ إذ التقارب والحوار عمل، والعمل لكي ينجح ويحقق المراد منه لا بد له من خطة واضحة قابلة للتحقيق، وفق الإمكانات المتاحة؛ فما الخطة أو المنهج المناسب للسير عليه؟
- المشاركون:
يقول الشيخ محمد حسان: هذا سؤال عملي في غاية الأهمية، والمنهج له ثلاثة جوانب لا تتجزأ ولا ينفصل منها جانب عن الآخر: جانب إيماني، وجانب علمي، وجانب عملي. ففي الجانب الإيماني تكون الخطوة العملية الأولى تصحيح العقيدة والمنهج حتى لا ننحرف عن الإسلام وسيلةً ونحن نتجه إليه غايةً. وفي الجانب العلمي ينبغي التأصيل العلمي لقضية الخلاف وذلك بمراعاة عدة أصول: الأصل الأول: معرفة أنواع الخلاف، والأصل الثاني: معرفة أسباب الخلاف، والأصل الثالث: تحقيق أدب الخلاف. وأما الجانب العملي فيكون من خلال عدة أمور: منها التقاء القادة والموجهين والعلماء المسؤولين في الحركات للتدارس والنقاش، التعاون في بعض الأنشطة التربوية والدعوية، تكوين مجلس للشورى لفض النزاعات والخصومات والتقريب بين الإخوة المتنازعين، منع كل جماعة لأبنائها من تناول مسائل الخلاف إلا لمن كان أهلاً لذلك حتى لا تتسع هوة التفرق والتنازع.
أما الأستاذ جمال سلطان فيرى أنه لا يوجد شيء نهائي في الأمر، ولكن يوجد تأملات واجتهادات من واقع الخبرة ومن واقع ما تم من خلافات وجدل بين فصائل العمل الإسلامي، ولكن هناك مفاتيح للحوار وأهمها إحسان الظن بين المسلمين.
ويذكر الدكتور صلاح الخالدي بعض القواعد التي تعين على التقارب فيذكر منها: وجوب شعور قادة الحركات الإسلامية بأهمية الحوار والتقارب وضرورته، جعله خطة استراتيجية للحركات الإسلامية تلتقي عليه كل فصائلها وأساليبها وأدبياتها وليس هبَّة عاجلة أو حماسة فاترة، تداعي مفكري الحركات الإسلامية إليه وتفكيرهم في استمراره وإنجاحه وتربية أفراد الحركات عليه، استمرار الحديث عن التقارب والتعاون والحوار في مختلف وسائل الإعلام لدى الحركات وعقد المنتديات وإعداد الأبحاث حوله، الوقوف أمام دعوات تعميق الفرقة بين الحركات الإسلامية والرد على أصحابها وتحذير الاتباع من الاستجابة لهم.
ويتحدث الدكتور منير محمد الغضبان عن منهج السعي للتقارب بين العاملين للإسلام والدعاة إليه في عدة نقاط: الأولى: القناعة بأنه لا يجوز شرعاً تفرق العاملين للإسلام، وإن كان هذا لا ينفي مراعاة خصوصية العمل لاختلاف البيئة والقطر الذي تعمل فيه الحركة الإسلامية، بل إن التوازن في تفهُّم خصوصية إقليمية كل عمل إسلامي وتفهُّم وجوب العمل على التنسيق هو أهم عناصر منهج حوار التقارب، النقطة الثانية: عدم احتكار العمل والحق والهدى عند فريق واحد بحيث ينظر إلى ما سواه على أنه ضلال أو انحراف. والنقطة الثالثة: فصل المبادئ عن الأشخاص.
ويعلق الدكتور عثمان جمعة ضميرية على طلب الخطة بقوله: نعم هذا حق لا مرية فيه؛ فإن التخطيط للأمر في غاية الأهمية، ثم يضيف: إن هذه الخطة لا يستقل برسمها فرد واحد أو مجموعة أفراد عاديين، بل ينبغي أن تتجه لها جهود العلماء والدعاة والمفكرون؛ وذلك كي تكون الخطة ناجحة قويمة.
وعلى المنهج نفسه يقول الشيخ أحمد فريد: تحديد خطة كاملة وشاملة للوصول لهذا الهدف يحتاج إلى حوار ومشاورة، ثم يذكر بعض المفاتيح في هذا الأمر فيشير إلى ضرورة الإخلاص ونبذ العصبية المقيتة، وعدم تغليب المصالح الشخصية، كما يشير إلى أن ولاء هذه الحركات ينبغي أن يكون لإمام واحد متبَع على كل حال وهو الرسول الأعظم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم - وجماعة واحدة هي جماعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم. كما يشير أيضاً إلى عدم الغلو في مشايخ الدعوة كما يفعل متعصبة المقلدة الذين يقدمون كلام علمائهم على النصوص الشرعية، ثم يذكر بعض الخطوات العملية في ذلك، ومنها: حث الدعاة على التواصل والتناصح في المناسبات، عمل ندوات يشترك فيها أكثر من داعية من عدة حركات على أن يكون موضوعها من الموضوعات التي لا تختلف فيها هذه الحركات؛ وذلك بقصد الإيناس وكسر الحواجز، عمل دورات مكثفة للتقارب وتوحيد الفكر، عمل مؤتمر سنوي يدعى إليه وجهاء من الجماعات، عمل لجنة للتقارب بين أهل السنة وأهل السنة؛ فهذا أوْلى من البحث عن التقارب في خارج هذه الدائرة، إصدار نشرات أو مجلات متخصصة لهذا الغرض يكتب فيها كتاب من سائر الجماعات بقصد ترسيخ التقارب، الاتفاق على ميثاق العمل الدعوي الذي يشمل أدب الخلاف والإنصاف في التعامل مع الأفراد والجماعات.
وأما الأستاذ خالد حسن فيرى أن مشاريعنا لا يمكنها أن تحقق أثرها المرجو ما لم نرسخ مفهوم القيادة الجماعية والذي يعني أن القيادة مؤسسة وتخصصات وتقاسم أدوار عن طريق المنهجية في الأداء القيادي الجماعي والذي يظهره دليل القيادة العملي؛ وعلى ذلك فإن الخطوة الأولى في خطة العمل هي فك الحصار عن العقل الذي فرضه الافتتان بالمشيخة ووصاية التنظيم، والخطة أو المخرج إنما يصطنع بعد ذلك اصطناعاً وينضج بالمعاناة وإعمال العقل وإخصاب الرأي والمشاركة في الصواب، أما الانتظار حتى تصل إلينا الخطط الجاهزة المفصلة التي تأتي من القائد الفذ أو القائد الملهم أو رجل الملحمة فإن هذا قد ولى عهده وانقضى.
ويشير الدكتور عمر الأشقر إلى نقطة مهمة وهي أن مجال عمل الجماعات غير متداخل؛ فكثير من الأعمال غير متضاربة أو متعارضة وإنما هي متنوعة، لكن الجهد الأكبر في الحوار ينبغي أن يُبذل من أجل بلورة الأهداف المشتركة التي ينبغي التعاون فيها، ويقول: حبذا لو تشكل مجلس إسلامي أعلى تجتمع فيه قيادة الجماعات الإسلامية للتحاور والتشاور والتقارب فيما بينها، لتجاوز سوء الفهم القائم هنا وهناك، وللتخلص من الخلاف المفتعل والمتوهم، ولبلورة الأصول الجامعة للعمل الإسلامي، ولتخفيف غلواء المتشددين في النزاع؛ فإن لم نستطع بلوغ القمة في التوحد فلا أقل من أن نكون أقرب إلى القمة بخطوة.
ويرى الدكتور خالد الخالدي أن الخطة يمكن أن تتكون من: تشكيل لجنة أو هيئة مختصة مقتنعة بأهمية التقارب بهدف العمل على تحقيقه بين الإسلاميين، تتكون من العلماء والعاملين والدعاة الجادين الذين يحظون باحترام الجميع، ويراعى في هؤلاء الأعضاء أن تتنوع انتماءاتهم حسب تنوع الحركات الإسلامية، تنظيم مؤتمر سنوي يدعى إليه مندوب أو أكثر عن كل حركة، كما ينبغي لهذه اللجنة أن تبتعد عن تلقي الدعم من جهات رسمية وأن تكون نفقاتها من المتبرعين الذين يحرصون على التقارب، وأن تقوم بإقناع الإسلاميين بضرورة التقارب من خلال طرق متعددة كالمؤتمرات واستكتاب كُتَّاب معروفين في مجال التقريب بين الحركات ونشر مقالاتهم وكتاباتهم.
وأما الدكتور همام سعيد فيرى أن الخطة ينبغي أن تكون من مرحلتين: الأولى: الحوار والاتفاق بين الحركات ذات الأصل الواحد لحسم الجدل بينها والاتفاق على قواسم تصلح لحوار الآخرين، والثانية: الحوار بين الأطراف التي تحسن الظن ببعضها حتى يؤدي الحوار إلى نتائج سليمة. وأما الأطراف التي تسيء الظن ببعضها فهذه تحتاج أولاً إلى التعارف عن قرب في بعض المشاريع العلمية أو الاجتماعية لإزالة الشكوك وتحسين المناخ.
ويقدم الدكتور كسال عبد السلام رؤيته بقوله: الهدف إذا لم يوجد له من يفكر فيه ثم يسعى له لن يجد له إلى النور طريقاً، وينبغي على الدعاة أن يعوا هذه الحقيقة ويسعوا إلى تحقيقها؛ وذلك باتباع جملة من الوسائل، ثم يذكر من هذه الوسائل: المبادرة، معرفة طبيعة الأطراف حتى يكون البناء بدل الهدم والجمع بدل التشتيت، التحرك باتجاه الأطراف المختلفة بطرح الفكرة والاستماع بغية الإثراء، جمع الأطراف المختلفة حول طاولة للحوار الثنائي أو المتعدد الأطراف، الانتهاء إلى جمع الأطراف جميعاً في ندوة تؤسس للعمل المشترك توضع له أسس وأهداف ومراحل ووسائل.
ويضع الدكتور عبد الرزاق مقري شروطاً على الخطة بأن تأخذ بعين الاعتبار دراسة معطيات البيئة الداخلية من حيث القوة أو الضعف سواء بالنسبة للأمة أو الحركات الإسلامية، وكذلك معطيات البيئة الخارجية وما يميزها من تهديدات، على أن تتضمن هذه الرؤية أهدافاً كبرى يسعى الجميع لتحقيقها، والتي يمكن تحديدها في ستة أمور: الفكرة الإسلامية من حيث خدمتها بالتعليم والدراسات والبحوث، القيادات والرموز من حيث الإعداد والتأهيل، التنظيم من حيث الابتعاد عن الارتجال والفوضى والاهتمام بالعمل المنظم مع ضرورة تطوير الأنماط التنظيمية القديمة، الجمهور من حيث الارتباط به وحل مشاكله وتربيته بواسطة العلم المنهجي، المؤسسات الحكومية من حيث إنهاء القطيعة الموجودة بين الحركات الإسلامية والمؤسسات الحكومية التي هي ملك الشعوب وليس الأنظمة.
- ضوابط التقارب والتعاون:
البيان: جرى الحديث عن خطة أو منهج العمل الذي ينبغي اتباعه في سبيل إحداث التقارب بين الحركات الإسلامية المتعددة، لكن مع ذلك وبرغم النوايا الحسنة قد تبقى بعض القضايا العالقة التي لا تجتمع عليها الكلمة، وهذا يتطلب أن نحدد سقفاً لتلك القضايا حتى نتفادى أمرين خطيرين: أولاً: تمييع القضايا جرياً وراء البحث عن التقارب، ثانياً: التضييق على إمكانية التقارب بزعم الثبات على المواقف، وهذا يقودنا إلى الحديث عن الضوابط التي ينبغي مراعاتها أثناء العمل على التقارب بين الحركات الإسلامية؛ فما موقفكم من ذلك؟
- المشاركون:
يقول الأستاذ خالد حسن: هذه المسألة لا يمكن حسمها نظرياً، وإنما تنضج وتتحدد نسبياً من خلال التواصل والاحتكاك والتفاعل.
ويقول الدكتور كسال عبد السلام: ما يجمع من أمور الدين أكثر بكثير مما يمكن أن يُختلف فيه، ومن هذا الباب يمكن تحديد سقف هذه القضايا فيما يلي: بالنسبة للأهداف يمكن إجمالها في هدفين كبيرين: الارتقاء بالمجتمع إلى المستوى المنشود، وإيجاد البدائل الريادية من الرجال والبرامج، وبالنسبة للمبادئ يمكن جمعها في مسألتين: اعتماد الثابت من الدين، وفتح مجال الاجتهاد في خصوصية البيئات والظروف بما لا يستلزم قراءة موحدة للقضايا الاجتهادية. وبالنسبة للوسائل: فبالإضافة للوسائل المشروعة كلها جعل التعاون بين التنظيمات والحركات من أهم الوسائل لترتيب البيت الإسلامي، واعتماد القدرات الفكرية والبشرية والمادية لتحقيق الهدف المنشود، وبالنسبة للاستثناءات: مراعاة الخصوصيات الموضوعية لكل طرف حفاظاً على تصفية الأجواء ولبناء إطار من الثقة يقوي هذه الرابطة.
أما الدكتور عبد الرزاق مقري فيرى أن أهم ضابط هو الأخوة وحسن الظن، وأمن الدعوة الإسلامية وسلامة واستقرار الأمة الإسلامية، والثبات على ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق المقاصد والقواعد الشرعية.
ويشير الشيخ أحمد فريد إلى أهمية العامل الوجداني في تجاوز القضايا العالقة، فيرى أنه بعد بذل الجهد في نشر معاني الأخوة والألفة وحرص كل جماعة على التقارب مع الأخرى ومحبة الخير لها فقد تزول هذه الاختلافات أو يظهر سبيل لحلها خاصة مع الإخلاص والدعاء والرجاء.
ويرى الشيخ كمال الخطيب أن السقف الذي يحدد التقارب والتعاون هو عدم الاختلاف في العقائد والأحكام والشرائع. أما الاختلاف في وسائل العمل والتركيز على جانب دون جانب آخر فلا ينبغي أن يحول دون إمكانية العمل المشترك والتقارب والتعاون.
ويركز الشيخ سليمان أبو نارو على أن السقف الذي لا يضر بعده تفاوت في وجهات النظر هو الاجتماع على منهج الحق منهج أهل السنة والجماعة والذي لا سبيل إلى تجاوزه، وحينها لا يضر الخلاف في شيء من التفاصيل خاصة مع إعمال حسن الظن، ودوام التناصح، وانتهاج أحسن القول، مع الابتعاد عن أساليب الوصاية والحرص على تبعية بعضهم للآخر.
ويذكر الدكتور همام سعيد أهم ضوابط التقارب والتعاون: التسليم بأننا لا يمكن أن نتفق على جميع نقاط الاختلاف، تكثيف برامج العمل في الجوانب المتفق عليها، طلب الهدى من الله تعالى، الالتزام بالآداب الشرعية في اجتناب الغيبة والظن والتجسس.
ويربط الدكتور سفر الحوالي السقف بالقضية التي يجري فيها التباحث فيقول: إن الثوابت والقطعيات تظل بدون تنازل، ويظل هدف الاجتماع هو الذي يحدد الأولوية؛ فإذا كان الاجتماع لمقاومة العدو فالمراعَى هنا هو إحداث النكاية وتقديم ما يقوِّي الشوكة ويحقق النصر، ونجتنب ما قد يشق الصف ويثير التنازع المفضي إلى الفشل وذهاب الريح كما ذكر الله تعالى. أما إذا كان الاجتماع لغرض الإصلاح الاجتماعي مثلاً فيكون الاهتمام بثوابت الفضيلة والقيم، وتجنب ما قد يفضي إلى الفساد والرذيلة.
ويعدد الدكتور منير محمد الغضبان ضوابط التقارب فيذكر منها: التنازل عن الاعتداد بالذات وفهم الآخر وحسن الظن به والانطلاق من القاعدة الفقهية العظيمة التي تقول: موقفي صواب يحتمل الخطأ، وموقف أخي خطأ يحتمل الصواب، وكذلك قاعدة: نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه؛ وذلك في داخل الصف الإسلامي، واعتبار العاملين للإسلام جميعاً مدرسة تكاملية لا تنابذية.
وينظر الأستاذ جمال سلطان إلى السقف الذي لا ينبغي تجاوزه على أنه الثوابت الشرعية والتي سماها الأولون: المعلوم من الدين بالضرورة، ويستدرك على ذلك بقوله: لكن لا ينبغي أن نوسع هذه الدائرة؛ لأنها تمثل خطراً، وتوسيعها ضد مصلحتنا ولن يكون مفيداً؛ فالمعلوم من الدين بالضرورة والثوابت العقدية هي ثوابت العمل الإسلامي؛ أما ما بعد ذلك من اجتهادات فكرية وعقلية ومنهجية فما دام أنها لم تصطدم بقواعد شرعية واضحة فلا بأس في ذلك.
- منهج السلف الصالح ودوره في الحوار والتقارب الفكري والمنهجي:
البيان: سلفنا الصالح لهم مكانة عالية مرموقة وهم قمة سامقة في فهم الدين والعمل به، وما يمر بمجتمعات المسلمين اليوم من حيث الاختلاف والتنازع، قد مر بسلفنا الصالح شيء منه، إلا أنهم حرصوا على الوحدة والجماعة وحققوا ذلك، مما يجعل منهجهم في ذلك حرياً بالاتباع؛ فما رأيكم في ذلك؟
- المشاركون:
يقول الدكتور عثمان جمعة ضميرية: منهج السلف علماء الأمة ـ رحمهم الله تعالى ـ تطبيق عملي لفهم صحيح سليم؛ فهم رغم ما قد يقع بينهم من خلاف في مسائل الفقه أو أمور الفروع ولأسباب كثيرة متعددة رغم هذا فإنهم كانوا يلتقون ويتحاورون ويتناقشون ويرد أحدهم على الآخر رأيه، دون عداوة أو بغضاء أو تشهير أو تهمة.
وبنحوٍ مما تقدم ينظر الشيخ أحمد فريد.
وينظر الأستاذ خالد حسن إلى أهمية الممارسة السلفية التي تخلى عنها من جاء بعدهم، فيقول: يمكن القول إن أكثر المتحمسين للإصلاح وتحديات النهضة لم يلتفت إلى أهمية وحيوية المفهوم الجماعي للصواب الذي كان حاضراً بقوة في الممارسة التراثية (السلفية) في أوساط العلماء والنظار، إنه لا مناص من إحياء هذه الطريقة وإشاعة المفهوم الجماعي للصواب.
ويرى الدكتور عبد السلام كسال أن المنهج الفكري السليم في الإسلام يقوم على قواعد ثابتة أساسها الفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة المطهرة بحيث يتوافق مع ما كان عليه الصحابة الكرام دون ابتداع بالزيادة أو النقصان، ولكن بلا جمود يحول دون الاجتهاد في استيعاب الجديد من مسائل العصر، ويؤكد أن هذا المنهج برصيده الثري الحكم الفصل في حل كل خلاف وفي دفع كل عملية للتقريب.
ويقول الدكتور عبد الرزاق مقري: سلفنا الصالح هم قدوتنا من حيث المعايير الأخلاقية والتربوية والمقاصد الشرعية، وأصول فهم الشريعة الإسلامية، وتجربتهم منهج نسير عليه، غير أن هذا المنهج نفسه هو الذي رسم لنا سبل التجديد والاجتهاد لنعيش زماناً غير الزمان الذي عاش فيه سلفنا، يثْبُت فيه الثابت ويتغير المتغير.
ويشير الدكتور سفر الحوالي إلى مسألة مهمة قد تخفى على كثيرين وهي أن مذهب السلف ليس مذهباً فقهياً معيناً ولا التزاماً شكلياً، بل هو منهاج الاتِّباع المطلق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم -، والحرص على أن تكون الأمة على ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقد ظهرت في القرون المفضلة نماذج تدل على رحابة هذا المنهج؛ فقد كان منهم الفقيه والمفسر والمحدث واللغوي وأئمة التعبد والسلوك والجهاد، وهذا المنهج أعظم خصائصه قيامه على الحقائق لا على الدعاوى والأسماء.
ويركز الشيخ كمال الخطيب على أن آخر هذه الأمة لن يصلحها إلا ما أصلح أولها، ومن هنا فإن أي حوار أو تقارب يتم عبر إدارة الظهر أو العقوق لسلفنا الصالح ومنهجهم الفقهي مصيره إلى الإخفاق، لذلك لا يمكن الحوار مع هذه الاتجاهات التي يظهر عقوقها لمنهج السلف بقصد التقارب الفكري معها، بل إنه يجب رفض هذا من أساسه؛ لأنه ليس فقط عقوقاً لمنهج السلف وإنما هدم أسس وتقويض أركان ذلك المنهج، هذا في الوقت الذي لا يمكن قبول حصر المنهج السلفي على اتساعه من اتجاهات أخرى في قالب واحد ولون واحد وآلية تفكير واحدة.
ويرى الدكتور همام سعيد كما يرى إخوانه من أهل العلم أن منهج السلف هو حجر الأساس لأي تقارب، ولكنه يضيف أنه يلزم الوقوف على منهج السلف في مختلف المسائل، وأن يسعنا ما وسع السلف من الاختلاف.
ويقول الشيخ سليمان أبو نارو: مكانة سلفنا الصالح في فهم الدين والعمل به والدعوة إليه ليست علية فحسب، بل لا سبيل لفهم الإسلام إلاَّ عن طريقهم؛ إذ هم القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية من المعصوم -صلى الله عليه وسلم - وهم الفرقة الناجية المستمسكة بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم - مما يجعل منهجهم هو الأبصر والأقوى حجة.