حوار
حوار مع الشيخ أحمد ياسين:
انتفاضتنا الآن تتحول إلى انتفاضة مسلحة
أجرى الحوار: عماد عبد الرحمن
هدَّد الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس وزعيمها
بتنفيذ عمليات عسكرية ضخمة ضد قوات الاحتلال الصهيوني مشدداً على أن
حركته مستمرة في خيار المقاومة ضد العدو الصهيوني مهما كلفها ذلك من ثمن،
وبغضِّ النظر عن المصاعب والظروف أو عقد الاتفاقيات بين الجانبين الفلسطيني
و (الإسرائيلي) ، مضيفاً أن حركته تحملت في سبيل ذلك الألم والعذاب واستشهاد
عدد من أبنائها واعتقال الآلاف من أعضائها.
وأكد الشيخ ياسين على أن خيار المقاومة باق ما بقي الاحتلال، وأن حركته
ستحافظ على خيار الصبر والألم، ولن تفتح صراعات مع أي قوى فلسطينية ولا
مع السلطة الفلسطينية حتى إن عادت الاعتقالات والسجون. وطالب الأمة العربية
والإسلامية بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في جهاده ضد العدو الصهيوني،
ودعا الدول العربية إلى فتح الحدود أمام الشعوب للمشاركة في معركة تحرير
المقدسات التي يدنسها العدو، وإمداد المقاتل الفسلطيني بالسلاح. وكشف لأول مرة
عن وجود خبراء من حماس يستطيعون تصنيع وتطوير السلاح، وأن العالم سيرى
أن بإمكان الشعب الفلسطيني صنع المعجزات التي لم يصنعها أي شعب إذا توفر
لديه ما توفر للمقاومة اللبنانية.
وفيما يلي نص الحوار الذي جرى في منزله بغزة وخص به مجلة البيان:
البيان: في ظل التفاعل الشعبي العربي والإسلامي مع الانتفاضة ما هي
برأيكم الوسائل الفعالة لتوظيف هذا التعاطف بشكل عملي لدعم هذه الانتفاضة؟
* بسم الله الرحمن الرحيم. الحقيقة أن شعبنا الفلسطيني يشعر بالفخر
والاعتزاز بمواقف الشعوب العربية والإسلامية الداعمة لانتفاضة الأقصى، ويعتقد
أن مجرد خروج الشعوب إلى الشوارع في مسيرات ومظاهرات تؤكد دعمها للشعب
الفلسطيني، وتؤكد استعدادها للجهاد في فلسطين وتحرير القدس والمقدسات، وهذا
مؤشر خير كبير جداً في المنطقة العربية والإسلامية.. لكن أن يقف إلى هذا الحد
فهذا لا يصل إلى ما يتطلع إليه الشعب الفلسطيني بالذات والأمة العربية والإسلامية؛
فالمطلوب:
أولاً: الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني.
ثانياً: الدعم السياسي والإعلامي لتوضيح الحقيقة في العالم الآخر المعادي،
وليس مجرد توضيحها للشعوب العربية والإسلامية وإنما للعالم المعادي الذي يقف
إلى جانب عدونا، يفهمه الحقيقة التي قلبها العدو في أذهان العالم وحوَّل المعتدى
عليه وهو الشعب الفلسطيني إلى معتدٍ، والمعتدي وهم اليهود إلى معتدى عليه،
وهذا مهم جداً أن تتضح هذه الصورة في العالم الشرقي والغربي.
ثالثاً: الدعم الاقتصادي؛ لأن الشعب الفلسطيني كما قالوا في بطن التنين
محاصر يستطيع أن يميته جوعاً أو يقتله؛ فهو يحتاج إلى الدعم المادي ليستطيع
الثبات على أرضه ووطنه حتى لا يُجبَر على الهجرة والفرار من أرض المعركة،
ثم الدعم المادي؛ فهو يحتاج إلى قوت وعلاج وحياة ... إلى آخره، وهذا يحتاج
إلى علاج آثار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني من جرحى وأسرى
وشهداء وأرامل وأيتام ... إلى آخره.
رابعاً: نحن محتاجون إلى الدعم العسكري؛ وهذا يترك لكل دولة وقدرتها
فيما تستطيع أن تدعم به. الدعم العسكري معناه أن تمد المقاتل الفلسطيني بالسلاح
الممكن والمناسب للمعركة الحالية.
خامساً: هو فتح الحدود أمام الشعوب العربية والإسلامية لتنضم للمقاتلين
لحسم المعركة وإن شاء الله تكون المعركة الحاسمة الأخيرة وإنهاء الوجود
الصهيوني؛ وهذا إن شاء الله يتم في المستقبل.
هذا هو الذي يمكن أن تتحمله الأمة العربية والإسلامية من مسؤولية، وما
يمكن أن تساهم به في وصولنا إلى الهدف النهائي إن شاء الله.
البيان: ألا تعتقد أن هذا التعاطف خَفَت قليلاً؛ فما هو سبب ذلك؟
* صحيح أن التعاطف خَفَت في المظهر ولكنه في الجوهر موجود، الشعوب
العربية والإسلامية ما غيرت موقفها من القضية الفلسطينية؛ وإنما كل فعل له ردة
فعل؛ فعندما يشاهد العربي والمسلم في العالم على شاشات التلفزيون عشرات شهداء
وجرحى ومسيرات، فإن هذا يثيره أكثر من يوم لا يرى فيه شهداء أو يوجد فيه
شهيد أو شهيدان، كل هذه الحوادث تثيره وتحركه إلى المستوى المطلوب، ولكن
هم يظنون أن الانتفاضة ستبقى بالحجر؛ وهذا هو الذي كان يثير المظاهر،
انتفاضتنا الآن تتحول إلى انتفاضة مسلحة.
البيان: ألا تعتقد أن استئناف السلطة للمفاوضات كان له مردود سلبي على
حجم التعاطف الشعبي مع الانتفاضة؟
* صحيح أن الشعب الفلسطيني هنا يتألم كله، يتألم عندما يرى ازدواجية
النظرة عند السلطة بين مقاومة وشهداء وجرحى وأسرى، وبعدها يجده يذهب إلى
المفاوضات ويلهث وراء مسيرة فاشلة مسيرة التسوية المفروضة التي لا يمكن أن
تخدم القضية الفلسطينية؛ فكل الشعب الفلسطيني ينظر لهذه المفاوضات نظرة شؤم
وعدم احترام، ويطالب بعدم السير فيها، ووقف كل هذه التعاملات مع إسرائيل؛
لأنها لا تجدي شيئاً، ويرى أن المقاومة هي الخيار الوحيد المجدي مع العدو، لكن
أنا أقول لك يعني في نظري الآن: إن الشعب الفلسطيني كله يقول: أنا بدل أن
أموت بحجر أموت بقنبلة أَقتُل وأُقتَل، يعني أن الانتفاضة تتحول من يوم إلى يوم
إلى انتفاضة مسلحة؛ وهذه المظاهر لا تبدو في الإعلام بشكل كامل. كل يوم هناك
إطلاق نار ومواجهات لكن الذي يظهر منها هو الشيء الكبير الذي يحدث خسائر
كبيرة في العدو.
البيان: يتساءل الناس عن جدوى مواجهة الدبابات والمدافع الإسرائيلية
بالحجارة؛ فهل هناك إمكانية في المستقبل لتحويل الانتفاضة إلى جهاد مسلح بكافة
الأسلحة؟
* أنا تحدثت حول هذا الموضوع، وقلت إن الشعب الفلسطيني يدرك أن
مواجهة دبابة بحجر شيء صعب وقاس على الإنسان، وأن الضحية يكون هو من
يحمل الحجر؛ لكن رغم هذا الشعور والألم إلا أن الفلسطيني يقول: أنا أريد
تحريك ضمير العالم كله ليرى إنساناً مغتصبة أرضه وفي ظل احتلال، ومغلوباً
على أمره لا يجد ما يقاوم به العدو إلا الحجر ورغم هذا يتحدى بالحجر؛ فهذا يثير
مشاعر كل البشرية في العالم الذي يرى إنساناً يقاتل بحجر وعدوه أمامه يقاتل
بالطائرات والصواريخ والدبابات! هذا يعطي صورة أن هذا الإنسان لولا أنه على
حق لما كان له أن يقف هذا الموقف وهذا الإصرار ويقدم التضحيات بهذا الشكل
العظيم الكبير. هذه واحدة والثانية أن الشعب الفلسطيني نفسه يريد أن يكشف وجه
العدو الصهيوني وبشاعته أمام العالم كيف يقابل الحجر بالصواريخ؛ وهذا يدل على
الوحشية من هذا الإنسان الذي لا يعرف الإنسانية ولا الرحمة لا يميز بين طفل ولا
امرأة ولا عجوز ولا بين مدني وعسكري، ولا حتى حيوان؛ فالكل عنده سيان.
الشيء الثاني أن الشعب الفلسطيني أدرك مع طول هذه المدة والتضحيات التي قدمها
والشهداء والجرحى أنه يجب أن يعمل على تطوير نفسه في مواجهة العدو
بالأساليب المستخدمة نفسها وهي القوة؛ لأن هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، فبدأ
الشعب الفلسطيني يطور نفسه بمواجهته مع العدو بنفس الأساليب والأسلحة التي
يستخدمها العدو وإن كان هناك فارق كبير بين مستوى ومستوى؛ لكن يبقى
المستوى البسيط الذي يملكه الشعب الفلسطيني أقوى من المستوى الذي يملكه العدو؛
لأن المهم أن تُحدث في هذا العدو خسائر، وأن تُحدث لدى العدو توازن رعب
كما يقولون، فطالما أنك قدمت ٤٥٠ شهيداً، فقد قدم ما يقارب ٦٠ ٧٠ قتيلاً منه،
وهذا عدد ليس بسيطاً خلال ٤ -٥ شهور، إذ إنه في جنوب لبنان كان يقدم خلال
العام من ٢٠ -٣٠ قتيلاً؛ ففي أربعة شهور خسر ما خسره في لبنان في ثلاث
سنوات؛ وهذا شيء بالنسبة له كبير جداً، ثم توازن الرعب الذي نتحدث عنه،
نحن نموت ونزغرد ونخرج بمسيرات ونواجه بالحجر لكن العدو يولول ويهرب
ويخاف. الجندي الذي يركب الدبابة والقنبلةُ والصاروخُ في يده خائف. إذن صار
هناك توازن رعب: الإسرائيلي يمشي في السوق والشارع وهو خائف، يذهب إلى
المدرسة وهو خائف، إذن أنا نقلت المعركة إلى أرضه تماماً كما قال الرسول صلى
الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر» [١] ، وهذه أول علامات النصر
والتمكين إن شاء الله، وعلى ذلك أنا أؤكد أن انتفاضة شعبنا ستتحول إلى انتفاضة
مسلحة، وأن هذا يعتمد أولاً على توفيق الله، وثانياً على مدى الدعم الذي يتلقاه
المقاتل الفلسطيني من الأمة العربية والإسلامية؛ لأن الأنظمة في الحقيقة لا زالت
تعالج آثار العدوان، وأنا أقول: لا يكفي أن أعالج آثار العدوان بأن أقدم مساعدة
للشهيد والجريح وطروداً غذائية؛ ولكن يجب أن أعالج أساس المواجهة،
والمواجهة تحتاج إلى قوة مال وسلاح؛ وهذا طبعاً هو الذي إن شاء الله سيثبت
المقاتل والمجاهد الفلسطيني في مواجهة هذا العدو الذي لا تتوقف أطماعه عند حدود
فلسطين، والمقاتل الفلسطيني والمجاهد الفلسطيني يستشهد وهو يدافع عن دينه
ونفسه أولاً وأرضه ووطنه، ويدافع عن الأمة العربية والإسلامية التي هي مستهدفة
من هذا العدو.
البيان: قامت حركات جهادية تحريرية في أماكن كثيرة من العالم كأفغانستان
والشيشان وكشمير، وقد استطاع أكثرها أن يتغلب على مشكلة الحصول على
السلاح وأماكن التدريب لتحقيق أهدافها؛ فما السبب في إخفاق الحركات الإسلامية
في فلسطين في الوصول إلى هذا المستوى في المراحل السابقة؟
* أولاً: الحقيقة أنا لا أتفق مع المقدمة التي طرحتها وأقول: إن الحركات
الإسلامية المجاهدة في فلسطين حصلت على السلاح، واستطاعت أن تحصل على
السلاح وطورت السلاح إلى مستوى تقني تعجز عنه دول؛ فإنك تجد الآن من
يصنع الآر بي جي، ومن يصنع الهاون، ومن يصنع القذائف، ومن يصنع
المتفجرات الموجهة، والصواريخ الموجهة للدبابات هناك دول تعجز عن صناعة
هذا الشيء اليوم، لكن لا ينبغي أن يطلبوا منا أكثر من القدرة التي يسمح بها واقعنا.
نحن في واقع صعب مع عدو محتل؛ أنا لا أستطيع أن أنشئ مصانع سلاح هنا؛
فأنا أصنع وأهرب من حارة إلى حارة، والمصنع يحتاج إلى مكان آمن، ولا ننسى
أن السلطة الفلسطينية لعبت دوراً في نزع السلاح من الحركات الإسلامية من أجل
(الأمن الإسرائيلي) والمحافظة على (الأمن الإسرائيلي) وحجزت واعتقلت
المجاهدين والمقاتلين في السجون، وهذا أخَّر الابتكار وتطوير القوة المواجهة للعدو،
خلال سبع سنوات عاشت المقاومة في فلسطين في ظل سلطة ترفض المقاومة
وتطارد المقاومة وتسجن المقاومة، وأنت تعرف أن المقاومة أيضاً مطاردة في
الحدود العربية التي حول فلسطين، المقاومة من حدود مصر والأردن ممنوعة،
والمقاومة من حدود لبنان ممنوعة إلا لجانب معين تريده الحكومة اللبنانية، إذن
يبقى المقاوم الفلسطيني يعمل على الأرض الفلسطينية وإمكاناته تتحدد وتنمو على
حسب الحرية التي يتمتع بها هذا المقاتل والأرض التي يقف عليها، وانظر أنه
خلال خمسة شهور عندما وقفت السلطة إلى جانب الشعب الفلسطيني وأوقفت
مطاردتها للمقاومين والمقاتلين صارت هناك إبداعات كثيرة جداً رغم أن هذه
الإبداعات بدأت في العام ١٩٩٦م، والسلطة تطارد والضربات التي نفذتها حركة
حماس ضد (إسرائيل) هي التي أدت إلى مؤتمر شرم الشيخ لمقاومة ما يسمى
بالإرهاب؛ وبناء عليه نحن لدينا إمكانات وقدرة على مواجهة العدو وابتكار الجديد،
وشعبنا قادر كما قال الملك عبد العزيز رحمه الله في الجامعة العربية: «اتركوا
الشعب الفلسطيني يواجه اليهود بنفسه؛ فهو أعلم بعدوه، وعليكم أن تمدوه بالمال
والسلاح فقط» يعني كان لا يريد أن تدخل الجيوش العربية إلى فلسطين، واليوم
نتمنى أن يأخذوا هذا الدرس ويمدوا الشعب الفلسطيني بالمال والسلاح، وهو الذي
كان الحاج أمين الحسيني يطالب به أيضاً وقال لهم: «نحن مش عايزين جيوش
نحن عايزين إمداد مال وسلاح، وشعبنا قادر على اليهود» صحيح أن هذه لا تحسم
المعركة لكن هذه تساهم في الطريق إلى المعركة النهائية في إضعاف العدو وإرباكه
حتى تأتي المعركة النهائية وتكون القوة العربية والإسلامية جاهزة للوقوف إلى
جانب الشعب الفلسطيني وحسم الصراع إن شاء الله.
البيان: راقب الإسلاميون بإعجاب وتقدير دوركم العظيم في الحيلولة دون
نشوب حرب أهلية بين الفلسطينيين قبل الانتفاضة بسبب الدور المشبوه لعناصر من
السلطة الفلسطينية ضد حماس وغيرها من الحركات الإسلامية؛ فهل من المستطاع
المحافظة على هذه السياسة لو استمرت فيما بعد الاستفزازات ضدكم أو أن هناك
خطوطاً حمراء غير مسموح بتجاوزها؟
* نحن في الحقيقة أمامنا معادلة صعبة وقاسية، والمعادلة التي يسعى العدو
الصهيوني لأن يوصلنا لها والتي يسعى لها كل الاستعمار والاحتلال في العالم بنظام
وسياسة فرق تسد، وهو أتى بالسلطة عبر اتفاق أوسلو ونقلها إلى هنا بهدف واحد
فقط وهو الحفاظ على أمنه ضد المقاومة، والمقاومة متمثلة بالقوى الإسلامية،
وكونه هو وضع نصف الشعب الفلسطيني في جانبه ضد بقية الشعب الفلسطيني
فهذا يعني أنه رابح في هذه الحالة؛ ونحن في حماس قرأنا المعادلة مبكراً: هل
نمشي في السياسة نفسها؟ يعني هم يطاردوننا من أجل (الأمن الإسرائيلي) ونحن
لو قاومنا ندخل في معركة الحرب الأهلية ويخرج المستفيد منها فقط (إسرائيل)
وشعبنا هو الذي يخسر كما يحدث في الجزائر من مذابح باسم الإسلام والمسلمين،
وهي من صنع المخابرات الأجنبية وعمل أعداء الإسلام ليشوهوا الصورة الإسلامية
ولذلك نحن اخترنا خيار الألم والصبر والتضحية على خيار الصدام مع السلطة
وسفك الدماء الفلسطينية، ومن أجل هذا الخيار دخلت قيادات من كتائب القسام
وقيادات من حماس السجون، ودخل السجون آلاف من إخواننا، وتحملنا كل هذا،
والتعذيب القاسي الذي واجهه إخواننا في السجون أقسى مما كان يتصوره من العدو
الصهيوني. خرجنا ونحن مقاتلون، ودخل أبناؤنا السجون وهم مقاتلون وليسوا
مجرمين ضد أبناء شعبهم، وكي نحافظ على هذه الوتيرة. ونحن دخلنا في السجون
بشرف وخرجنا بشرف وغير مستعدين أن ندخل السجون ونحن قاتلون لأبنائنا،
ونحن الآن بكل طاقتنا وإمكاناتنا سنحافظ على هذا الخيار مهما كان فيه من ألم لتبقى
بنادقنا فقط موجهة إلى العدو الصهيوني ودون أن تنحرف إلى الشعب الفلسطيني،
وستستمر هذه المعادلة إن شاء الله مهما بلغت الآلام والتضحيات؛ هذا عزمنا،
وهذا عهدنا مع الله أولاً ومع شعبنا ثانياً ومع أمتنا العربية والإسلامية.
البيان: لكن ألا يزيد ذلك من تمادي السلطة وتطاولها عليكم؟ ألا تقدِّر السلطة
هذه المعاني التي تتحدثون عنها؟
* الحقيقة أن كلامك صحيح؛ وهذا ما حصل في الماضي من بعض الأجهزة
التي كانت تعذب الشباب بكل ما لم تعرفه الإنسانية: تعذبه حتى تخلع كتفه، تكسر
فقرات العمود الفقري، إلى آخره من التعذيب إلى جانب التعذيب النفسي؛ لكن وأنا
أتعذب بين يدي هذا المجرم أحس بالمعنوية العالية بأنني شريف وكريم ومقاتل
ومجاهد، لكن هو وهو يعذبني مهزوم من داخله؛ لأنه يخدم العدو الصهيوني، وأنا
أخدم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وأنا أسير في الشارع رافعاً رأسي؛
لأنني وطني مسلم مجاهد فيعتز بي الشعب الفلسطيني كله، وهو يمشي في الشارع
وهو مستحٍ، إذا هزم هو نفسياً وإذا هزم معنوياً وفكرياً فأنا أكون المنتصر، ومعنى
ذلك أني غير مستعد أن أعطيه مسوِّغاً لأن يتغوَّل أكثر، إذا كان هو يتغوَّل عليَّ
وأنا لم أقتله ولم أسفك دمه فما بالك لو أني سفكت دماءً منه وقتلته فما الذي يحصل
؟ وأمريكا و (إسرائيل) تقول لهم: هذا هو السلاح كل السلاح تحت تصرفكم
نفذوا التصفية للإسلام والمسلمين، والغرب يريد ذلك والشرق يريد ذلك؛ فهل من
صالحي أنا أن أقتل هؤلاء الناس المتغولين فأعطيهم سبباً وأنا مجاهد أن يتغولوا
أكثر، وأن أقتل أبناء شعبي؟ هذا هو المرفوض.
البيان: هل ما زالت السلطة تلاحق العناصر المسلحة، أم هي تغض الطرف
عنهم؟ وما الذي يحدث؟
* الحقيقة في الوقت الحالي يوجد نوع من غض الطرف من أجهزة أمنية،
وأجهزة تتابع، وأجهزة تساعد أحياناً؛ فهم حوالي ١٢ جهازاً أمنياً كما تعرف،
بعضهم يطارد ويسجل ويتابع، وبعضهم يغمض العين، وبعضهم يمكن أن يسهل
مرات ويقاوم مرات أخرى، المهم الجو الآن أفضل بكثير مما كان عليه قبل
الانتفاضة.
البيان: لا شك أن كل عمل له حظه من الصواب والخطأ؛ فما هي أبرز
مزايا العمل الإسلامي العام في فلسطين خلال نصف القرن الماضي؟ وما هي أبرز
أخطائه؟
* الحقيقة أن أبرز أعمال العمل الإسلامي في فلسطين ذو شقين: الأول:
التربوي في بناء الإنسان الدعوي، الشق الإنساني الذي خدم الشعب الفلسطيني وهو
شق على شكل مؤسسات وجمعيات. والشق الثاني: هو الشق الجهادي القتالي.
وأنت تعرف أننا بوصفنا فلسطينيين إسلاميين انطلقنا من خلال حركة الإخوان في
فلسطين، وكان لنا دور في المقاومة في التاريخ منذ عام ١٩٣٥م، ١٩٣٦م،
وحتى ١٩٤٨م ودخول الإخوان من مصر والبلاد العربية إلى فلسطين في العام
١٩٤٨م حتى قيام مجموعات إسلامية داخل فلسطين المحتلة عام ١٩٤٨م في كفر
قاسم والطيبة وغيرهما ممن دخلوا السجون في أعوام السبعينيات حتى جاءت
انتفاضتنا في العام ١٩٨٧م التي دخلتها حركة المقاومة الإسلامية من بابها الواسع
بشقيها: المقاتل، والمقاوم والمجاهد؛ واستمرت حتى هذه اللحظة، يعني نحن
اخترنا الجانب التربوي والدعوي والإنساني في توسيع القاعدة الإسلامية في فلسطين
والجانب القتالي والمجاهد والمقاومة لهذا العدو والعمل على تحرير الأرض
الفلسطينية. هذه هي أبرز المزايا.
وأما المساوئ فلا شك بأن هناك مساوئ، ولكن عندما نضعها إلى جانب
المزايا والحسنات فإنها لا تذكر. ربما حدث هناك في مرحلة من المراحل بعض
الصراعات الداخلية مع بعض الفصائل، سقط فيها قتلى بطريق الصدام الجزئي
فتغلبنا عليها، ربما كان هناك بعض التحقيقات مع العملاء وظلم ناس لم تكن التهمة
ثابتة عليهم١٠٠%، والأصل فينا نحن باعتبارنا مسلمين أن ندرأ الحدود بالشبهات
وليس العكس؛ وذلك لم يحدث في ظل وجود قيادة واعية وقوية؛ لأن القيادات
القديرة الواعية كانت داخل السجون، وصعدت قيادات شابة تحتاج إلى صقل أكثر
لمواجهة الواقع الذي يعيشونه.
البيان: بماذا تفسرون قلة العمليات الجهادية النوعية لحركة حماس خلال فترة
الانتفاضة مقارنة بما كان يحدث قبلها وخاصة في عهد رابين؟
* الحقيقة أن السؤال على إطلاقه غير صحيح، الحديث عن عهد رابين بعد
الانتفاضة وفي بداية التسعينيات والتطور الذي حصل في المقاومة في ذلك العهد
استغرق سنوات، وأنا أتذكر أول جندي إسرائيلي قتل قتله الإخوان في حماس،
وأبلغوني بقتله فقلت لهم: ادفنوه ولا تتحدثوا. وقتلوا الثاني وأمرتهم بدفنه وعدم
الإعلان؛ لأننا لم نكن نريد مظاهر للعمل ونتمهل حتى تنكشف العملية وتكشف عن
نفسها وحدها؛ لكن إرادة الله هي التي غلبت وانكشفت هذه العمليات، وأنا أقول:
إننا خلال خمسة شهور قمنا بعمليات نوعية ضخمة وموجودة؛ لكن لا ينسى الذي
يسأل هذا السؤال أن مقاتلينا خلال ٧ سنوات عجاف كانوا يُطارَدون ويسجَنون
وإمكاناتنا وسلاحنا وكل ما نملكه من تقنيات كان يصادَر من قِبَل السلطة؛ وفجأة
اليوم وبعد هذه السنوات العجاف ويدي خالية من السلاح وأبناؤنا في السجون ومن
استشهد وغير ذلك يريدني فجأة أن أعمل عملاً نوعياً! هذا كلام ليس صحيحاً
والأمر يحتاج إلى وقت؛ وفعلاً في بداية الانتفاضة لم يكن هناك عمل جيد؛ لأنه لم
تكن هناك إمكانيات، لكن الحركة في خلال شهرين تمكنت من أن تقف على أقدامها
بصورة جيدة، وقامت بعمليات نوعية وهزت العالم؛ فلأول مرة تجد فلسطينياً يتقدم
بعملية بحرية استشهادية ضخمة في الانتفاضة الأولى والثانية. ثانياً: لعلكم رأيتم
العمليات النوعية ضد الدبابات التي صورت على التلفاز وكل يوم تحدث عمليات،
كالعمليات الجهادية النوعية التي تحدث داخل (إسرائيل) في نتانيا والخضيرة
ويوجد عمليات كبيرة. على أي حال إذا قيس العمل في الانتفاضة الأخيرة بالزمن
الأول فنحن نفتخر أننا عملنا شيئاً كثيراً خلال شهرين أو ثلاثة، وأقول: المجال
أمامنا، والأيام القادمة ستشهد ما هو أفضل وأضخم وأكبر بإذن الله.
البيان: كيف ترون العلاقة بين فصائل العمل الإسلامي من جهة وبينها وبين
الفصائل العلمانية في الداخل والخارج؟
* سياستنا في حركة حماس سياسة المودة وعدم الصدام مع كل الفصائل
وحتى مع السلطة التي تعتقل وتعذب، سياسة حشد كل الطاقات ضد العدو الواحد،
وسياسة عدم الاصطدام مع الأنظمة حتى في الدول العربية وتوجيه القوة كلها ضد
(إسرائيل) لأن انتصار الإسلام في فلسطين يعني انتصاره في كل الوطن العربي
والإسلامي وبناء عليه تبقى علاقتنا مع الفصائل الإسلامية علاقة أخوة وتعاون،
وعلاقتنا مع الفصائل العلمانية علاقة فيها مودة ورحمة وفيها بعض التعاون، ولكن
ليس على المستوى الميداني ولكن على مستوى التنسيق في العمل الجماهيري
الشعبي والمسيرات وغيرها يوجد تنسيق مع كل الفصائل الإسلامية والعلمانية؛ إلا
أنه على مستوى الميدان العسكري يبقى كل واحد له عمله، ويبقى هناك بعض
التعاون إذا طلبت بعض الفصائل مساعدة، أو مساندة من بعضها، أو تقنيات، أو
غيرها.
البيان: وماذا عن الفصائل التي في الخارج؟
* أنت تعرف أن من في الخارج بعيدون عن الساحة الفلسطينية، ومن ثم فهم
بعيدون عن الصراع الداخلي، وأنا أقول إن سياستنا في الداخل هي سياستنا في
الخارج، ونحن غير مستعدين لفتح صراع مع أي جهة أو نظام أو أي واحد،
ونحن سنحافظ عليها بكل طاقتنا وإمكاناتنا.
البيان: هل بالإمكان الانتقال بالعمل الحماسي من الإطار الإقليمي إلى الإطار
الدولي العالمي كأن تكون مثلاً منظمة حماس العالمية؟
* في الحقيقة هذا سؤال جميل وسؤال يدل على التعاطف بحماس زائد لدى
من يتساءل ويتحدث بهذه المفاهيم؛ ولكن يجب أن يُعرَف أن معركة الإسلام معركة
واسعة وطويلة، والسهام موجهة للإسلام والمسلمين من كل جانب، وفي كل
الاتجاهات، وأنا بوصفي مجاهداً في وطن محتل المقدسات أرى أن ضياع هذا
الوطن هو إذلال لكل الأمة العربية والإسلامية، وتحريره هو عزة لكل الأمة
العربية والإسلامية، وأنا محتاج إلى من يقف إلى جانبي وليس إلى من يقف ضدي
حتى الدول المعادية التي تقف إلى جانب (إسرائيل) ، أنا أحتاج إلى أن أعمل من
جانبي ما لا يثير عداءها ضدي أو أن أحصل على الأقل على وقوفها إلى جانب
الحياد؛ ولذلك أنا لست في حاجة الآن لعمل منظمة عالمية لمقاتلة الكفر والعلمانية
وغيره ... أنا في حاجة لعمل منظمة إسلامية ومؤتمرات إسلامية فقط لدعم القضية
الفلسطينية ولدعم المقاتل الفلسطيني، ومن أجل هذا أنا أوافق على عمل شيء
عالمي، ولكن ليس على أساس نقل الصراع إلى الساحة الخارجية إذ سيبقى القتال
والصراع والمقاومة على الأرض الفلسطينية حتى نصل إلى هدفنا، وأنا لست في
حاجة لأن أثير نظاماً عربياً عليّ، ولست في حاجة لأن أثير نظاماً أوروبياً أو
شرقياً عليّ، أنا في حاجة لأن أشيع بين الناس ليتعاطفوا معي أو أن يقفوا على
الحياد.
البيان: كيف السبيل في نظركم إلى فصم عُرى التحالف بين الكيان
الصهيوني والقوى العالمية المتحالفة معه وعلى رأسها أمريكا؟
* هذا السؤال يحتاج إلى تعاون عربي وإسلامي وفلسطيني للوصول إلى هذا
الهدف أولاً هذا العالم الغربي الواقف مع (إسرائيل) لا يحترم إلا القوة ولا يحترم
إلا الأقوياء وكلما كان هناك ضعفاء زاد في استغلالهم وإذلالهم؛ وبناء عليه أقول:
إننا نريد استنهاض الهمم في الأمة العربية والإسلامية لمساندة الشعب الفلسطيني
بالوسائل التي تحدثت عنها سابقاً ولمواجهة العدو الإرهابي الذي يساند إسرائيل
بالوسائل السلمية؛ وهذا يعني مقاطعة اقتصادية وتجارية ... إلخ، والتي يمكن أن
تضغط على هذه الدول وتجعلها تركع أمام الإمكانات العربية والإسلامية، وأن تؤثر
في التجارة العالمية التي تشكل العمود الفقري في العالم، والاقتصاد العالمي،
بالإضافة إلى أن الشعب الفلسطيني يملك من إمكاناته المتواضعة، والدعم الذي
وصل من الشعوب العربية والإسلامية ما لعله يجبر هذا العدو على الركوع،
وعندما يسقط العدو لا يجد أحداً يقف جانبه؛ لأن خسائره ستكون كبيرة، وأنا
أضرب مثلاً بسيطاً جداً: أمريكا جاءت إلى لبنان تريد أن تنزل قواتها وتعمل
عربدة هناك بعمليتي المارينز لكنها رحلت من حيث أتت، وأمريكا دخلت إلى
الصومال تريد أن تعربد هناك؛ لكنَّ عمليةً دفعتهم إلى أن يحملوا حقائبهم ويغادروا؛
هؤلاء ناس لا يفهمون إلا لغة القوة، ولذلك أقول: مطلوب منا التعامل مع عدو
لا يفهم إلا لغة القوة؛ في (إسرائيل) الصهيونية هنا بالمقاومة المسلحة القوية التي
تستنزفه ويدفع ثمنها غالياً وكبيراً، وفي الوطن العربي والإسلامي بالمقاطعة
التجارية لهذا العدو. وإن لم تكن الأنظمة قادرة على تنفيذ ذلك؛ فالوطن العربي
والإسلامي قادر على أن يقاطع هذه البضائع؛ كما حصل في الخليج والسعودية من
مقاطعة البضائع الأمريكية، والمطاعم أفلست وأغلقت أبوابها؛ لأن المواطن قادر
على أن يغير المعادلة في الملابس والسيارات وغيرها، إذا فعلنا ذلك فإنهم سيأتون
إلينا ويجرون وراءنا؛ لأننا ربع العالم؛ مليار وربع مليار نسمة نستطيع تغيير
المعادلة كلها، وليس بالضرورة بالصدام العسكري، وهذا في نظري استخدام
الاقتصاد والتجارة إلى جانب مقاطعة بضائعهم المختلفة، والسلاح الذي نشتريه
اليوم وبعد خمس سنوات يصبح لا لزوم له، وندفع مليارات لهم، وبدل أن أدفع لهم
المليارات أستطيع أن أصنعه عندي في بلدي آخذ ما عندهم وأطوره عندي وأتقدم
إلى الإمام، ولا يجوز أن يبقوا هم يعملون وأموالنا تذهب لهم من أجل أن أواجه
واقعاً، كما يجب أن لا أجري وراءهم وهم يخلقون صراعات داخلية في المنطقة
حتى يدفعوني لشراء السلاح، وبدل أن آتي بسلاحهم لأحل مشاكل مع جيراني من
الدول العربية والإسلامية يجب أن أحل المشاكل بالطرق السلمية حتى لا أدخل في
حروب تستنزف القوة.
البيان: أي أنت لست مع مهاجمة المصالح الغربية المتحالفة مع الكيان
الصهيوني في الخارج؟
* في الحقيقة المهاجمة شرعاً جائزة ضد العدو وضد من يقف مع العدو وضد
من يساند العدو بالمال والسلاح، لكن هذا ليس قانوناً يؤخذ على إطلاقه؛ لأنه لو
قاومت هؤلاء الناس فهل يكون من مصلحتي أو ضد مصلحتي؟ أزيد من قوة العدو
أو أخفف قوته؟ أنا أريد أن أفرق هذه القوى عنه، ولا أريد أن أفتح معركة مع
آخرين وأزيد قوته عليّ، أنا في حاجة إلى أن أخفف أعدائي ومناصريهم لذلك يجب
أن أحصر معركتي معه هو، ولو كان مباحاً لي أن أقاتل غيره، لكنني لا أريد هذه
الإباحة اليوم؛ لأنها ليست فرضاً عليّ، ولا أريد أن استخدمها في الوقت الراهن.
البيان: يذهب كثير من المحللين إلى أنه لا سبيل إلى توجيه جهاد مؤثر ضد
العدو إلا بإيجاد جبهات مقاومة على غرار المقاومة الوطنية في لبنان مع الفارق
طبعاً فهل تلوح في الأفق إمكانية لقيام مثل هذه الجبهات بحيث تكون منطلقاً للمقاومة
المسلحة في فلسطين؟
* أولاً: أنا أحب أن أقول لك إن المقاومة المسلحة في فلسطين تقوم بدور
كبير جداً، وتعيش حياة أقسى مما هي في لبنان، اللبناني يخرج من بيروت ولبنان
إلى الحدود الإسرائيلية وظهره آمن بأن السلطة معه وأن الشعب معه وأن السلاح
مخزن وراءه، وأنه يستطيع أن يجلب السلاح كما يريد، لكن أنا أخرج لأقاتل
العدو اليهودي والسلطة ورائي تعتقلني، والسلطة ورائي تسحب سلاحي وتصادره،
فأنا لست آمناً لا من وجهي ولا من ظهري هذه واحدة.
الثانية: أن العدو الإسرائيلي نفسه يسيطر على الأرض كلها، وأنا كل
إمكاناتي تكون في حدود حاجة المقاومة ولا نملكها، في لبنان هو يملك مدافع ضد
الطيران؛ وأنا لو جلبت ذلك لعندي في ظل احتلال فأين أضعها؟ إنها تنكشف ولا
أستطيع أن أحميها أو أخفيها؛ وهذا يعني أن يكون عندي الوسائل التي أستطيع أن
أخفيها، ولا أستطيع أن أجلب وسائل أكبر من ذلك مثل صواريخ سكاد وغيرها،
فأين أضعها؟ وإذا استطعت إخفاء صاروخ أو عشرة صواريخ وبعد؟ ! يجب أن
لا ننسى أنني محاصر، وحدودي من كل الاتجاهات محاصرة، والحدود العربية
ليست مفتوحة حتى أجلب ما أشاء، كما أن (العدو الإسرائيلي) يحاصرني من كل
الاتجاهات براً وبحراً وجواً؛ فالإمكانيات من أين تأتي لي كلها تأتي تسللاً وتهريباً
ومطاردات، وتصل بعد شق الأنفس؛ فلذلك واقعنا هنا يختلف، وعندما تصبح
السلطة هنا، وعندما يصبح الواقع هنا فيه نوع من الحرية التي وجدت في لبنان
فسيرى العالم أن شعبنا يصنع المعجزات التي لم يصنعها أحد.
البيان: لو افترضنا جدلاً أن السلطة ظفرت بدولة معترف بها، وأُعطيت
جزءاً من القدس لتكون عاصمة لها فما طبيعة العلاقة التي ستكون بينكم وبين
السلطة في هذه الحالة؟
* نحن ننظر إلى القضية من طرفين: الأول: ماذا حصَّلت السلطة من هذا
العدو؟ . والثاني: ماذا فقدت السلطة من حق الشعب الفلسطيني لصالح هذا
الاحتلال؟ ونقول: إن أرض فلسطين وقف لا يملك أحد التنازل عنها، والتنازل
في نظرنا مرفوض؛ أما أن نحصِّل من العدو أرضاً ومقدسات فهذا جيد.. أن
نحصِّل من العدو سيادة على الأرض والحدود فأمر ممتاز، لكن هل هذا مقابل أن
أتنازل له عن أرضي المحتلة عام ١٩٤٨م؟ هذا مرفوض عندنا وهل هذه السيادة
سيادة حكم ذاتي في ظل الأمن والقوة الإسرائيلية؟ أم سيادة حرية كاملة: معابر،
وحدود، ومداخل، وزوال الاحتلال ومستوطناته وآثاره وجيشه؟ أم هي مجرد
إعادة انتشار لـ (الجيش الإسرائيلي) الذي كان على جبل نابلس وأصبح على
جبل جنين أو انتقل من حدود رام الله إلى حدود نهر الأردن إلى الشرق؟ هذه هي
المواقف التي ننظر لها، ولذلك نقول: إن الاتفاقية القادمة هي نفسها التي تحدد
العلاقة، والتنازل القادم هو الذي يحدد العلاقة، وأي تنازل عن حقنا في فلسطين
مرفوض، ونحن سنستمر في المقاومة.
البيان: لكن ألا تخشون أن هذه المقاومة ستؤدي إلى صدام أنتم تسعون إلى
تجنبه؟
* نحن أخذنا هذا الخيار منذ اتفاقية أوسلو، وصممنا على المقاومة ورفضنا
الاتفاقية، واستمر خيارنا واستمرت المعاناة واستمرت المطاردة، ورفضنا السلام،
وسنستمر على هذا الخيار.
البيان: نرجو التفضل بإعطاء فكرة للقارئ حول موقف حماس من عمليات
السلام ومحاولة تجزئة فلسطين من خلال المفاوضات؟
* أقول إننا لسنا ضد السلام؛ لأن السلام هو الله؛ لكنه السلام الذي يأتي لي
بأرضي ووطني وحقي، أما السلام الذي يفقدني أرضي وبيتي وحقي ومقدساتي فهذا
ليس سلاماً وإنما هو استسلام، وأقول: رحم الله الخليفة الأول أبا بكر الصديق
رضي الله عنه الذي قال للمرتدين: «إما حرباً مجلية أو سلماً مخزية» ، فقالوا له:
«الحرب المجلية عرفناها؛ فما هي السلم المخزية؟» قال: «أن تلقوا السلاح،
وأن تأخذوا بأذناب البقر في الرعي، وممنوع أن تحملوا السلاح» ، والسلم
المخزية تحتاج إلى حرب مجلية، إن شاء الله، ولذلك نقول: إن هذا السلام هو
استسلام مرفوض تماماً، مرفوض تجزئة القضية الفلسطينية، مرفوض التنازل عن
أي ذرة من أرض فلسطين وتراب فلسطين، مرفوض التنازل عن أي شبر من
أرض فلسطين؛ لأن هذه الأرض هي وقف إسلامي، ولا يملك رئيس ولا جيل ولا
شعب التنازل عنها؛ لأنها ملك لأجيال المسلمين، ونحن لا نريد خداع الشعب
الفلسطيني ولا تجزئة القضية: أرض الـ ١٩٤٨م راحت، وبعدها تدخل إلى
أرض ١٩٦٧م ويضيع ٩% أو ١٠% منها وتدخل ونخليها كلها مستوطنات وندخل
نقسم القدس ونجزئها، وندخل إلى الحدود التي لا سيطرة لنا عليها، ويسيطر العدو
على الأرض والهواء، كل ذلك خداع للشعب الفلسطيني واختزال للقضية
الفلسطينية شيئاً فشيئاً من بلد كبير واسع إلى نقطة أو نقطتين أو ثلاثة؛ ولذلك فإن
هذه التسوية مرفوضة ولا نعتبرها سلاماً، بل هي استسلام.
البيان: ما هي احتمالات قيام اليهود بتنفيذ مخططاتهم الإجرامية ضد المسجد
الأقصى ومسجد قبة الصخرة في ظل الظروف الراهنة؟
* الاحتمالات كبيرة، والمؤامرات خطيرة، والعقيدة الصهيونية تساندها
صهيونية نصرانية كلها تسعى لبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى أو إلى جواره عند
أصعب الظروف، وهذه طبعاً عقيدة ينتمي لها كل الصهاينة واليهود في العالم وكل
النصارى المؤازرين لليهود في العالم؛ وبذلك ما دامت (إسرائيل) تملك زمام
الأمور فالمتوقع كل يوم أن يحدث نسف المسجد أو حرقه أو تدميره عن طريق
الحفريات التي تحته أو عن طريق متفجرات وهذا شيء وارد وما لم تنتبه الأمة
العربية والإسلامية انتباهاً قوياً وتقف موقفاً صلباً من كل من يدعم (إسرائيل)
حقوق في القدس أو مفارقة ومفاصلة وتدعم الشعب الفلسطيني في مقاومته ومقاتلته
لهذا العدو. أعتقد أن (الإسرائيليين) إذا وجدوا الفرصة السانحة بتخاذل الأمة
العربية والإسلامية فلن يتوانوا عن تنفيذ مخططاتهم ومؤامراتهم وبناء الهيكل الذي
يعتبرونه إيذاناً بقدوم المسيح المنتظر وإيذاناً بأن ينتصروا على المسلمين في
(معركة مجدو) لكن أنا أقول: في كل الأحوال ستكون الخاتمة والمعركة الحاسمة
لصالحنا نحن المسلمين، وإن هذه الأرض لا يمكن أن يثبت عليها الكيان
الإسرائيلي، وستلفظه كما لفظته من قبل، فإما أن يدفن فيها ويذبل في ترابها،
وإما أن يكنس منها [وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] (يوسف:
٢١) .
البيان: ما هي ملامح المرحلة الجهادية القادمة بنظركم لو استمر معدل
التصعيد الإسرائيلي المقترن بالإصرار على بسط السيطرة على القدس بشطريها
وتهديد المقدسات الإسلامية، وما هي ملامح تلك المرحلة لو قامت حرب جديدة في
المنطقة؟
* المستقبل هو استمرار الصدام مع العدو الصهيوني، واستمرار المواجهة
والتضحيات والشهداء، وإسرائيل محتمل أن تهاجم المناطق الفلسطينية الآن وتعتدي
عليها؛ لكن ستكون هي الخاسرة؛ لأن المقاومة الفلسطينية والشعب كله جاهز
للمواجهة شعبنا في الماضي لم يكن عنده الإمكانات مثل اليوم، ولذلك فإن أي
تصعيد من (الجانب الإسرائيلي) أضعه في صالحنا إن شاء الله؛ لأنه سيواجه
بتصعيد أكبر وأضخم من شعبنا، وأي تصعيد من إسرائيل ضد الأمة العربية
والإسلامية أيضاً في صالحنا؛ لأنه سيدفع بطاقة عربية إسلامية جديدة إلى الميدان.
ثانياً: لأنه إما أن ننتصر نحن على (إسرائيل) في المعركة القادمة مع أي
دولة عربية وستكون هذه خسارة وهزيمة لها وبداية السقوط الكامل، أو ستتوسع
وتنتصر من جديد؛ فإذا توسعت من جديد كانت هي الخاسرة؛ لأن الشعب
الفلسطيني أعطى درساً للعالم العربي، وإذا كانت (إسرائيل) غير قادرة على
السيطرة على ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الداخل فكيف يمكنها أن تسيطر
على أرض عربية جديدة فيها الملايين، وطبيعة البلاد الأخرى الميدانية للمقاومة
أكبر وأقوى؟ فستكون هي الخاسرة؛ ولذلك مهما كانت المرحلة القادمة فإنها ستكون
بداية الزوال الكامل إن شاء الله لدولة (إسرائيل) عن أرضنا [وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى
أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] (يوسف: ٢١) .
البيان: ألا تعتقد أن قضية الحرب بدأت تظهر علاماتها مع تشكيل حكومة
الحرب برئاسة شارون؟
* أنا قلت إن إسرائيل خاسرة في كلتا الحالتين إن انتصرت فهي خاسرة؛
وإن هُزمت فهي خاسرة.
البيان: لكن لا يلوح في الأفق أن الدول العربية تبدي استعداداً لمجرد احتمالية
قيام الحرب؟
* في الحقيقة أن الدول العربية لم تكن في يوم من الأيام مستعدة للحرب، لا
في الماضي ولا في الحاضر؛ لأن الاستعداد للحرب يحتاج إلى مقومات وبرنامج،
وخطط. فعبد الناصر الذي دخل في عام ١٩٦٧م الحرب هو عبد الناصر الذي قال
في ١٩٦٥م للمجلس التشريعي الفلسطيني الذي قابله: «أنا معنديش خطة لتحرير
فلسطين، والذي يقول لكم عنده خطة لتحرير فلسطين بيكذب عليكم» وكان هذا
رداً على الملك حسين الذي كان يقول: لا بد من وضع خطة لتحرير فلسطين؛
وكانت الدول العربية غير واضعة خطة للتحرير؛ لأن إمكاناتها غير متوفرة، لكن
إذا فرضت عليها الحرب فستدافع عن نفسها؛ والذي يدافع عنه نفسه يصنع
المعجزات رغم عدم تكافؤ القوة، وأنا أضرب مثلاً بسيطاً بحيوان هو القط: إذا
حشرته في زاوية في غرفة وهاجمته فإنه يتحول إلى وحش ويقتل من يهاجمه؛ فما
بالك في إنسان يهاجَم في أرضه ووطنه؟ ! وهم جربوا ذلك: توسعوا في سيناء
والقناة، وأنا أقول: إن الحرب القادمة إذا نوت (إسرائيل) أن تدخلها فهي من أي
اتجاه خاسرة وستخسر المعركة إن شاء الله تعالى.
البيان: سبق أن حددتم زمناً معيناً لزوال دولة اليهود كما نشر في بعض
الصحف؛ فما هي المرتكزات التي استندتم إليها في ذلك؟ أم أن هذا من باب
التفاؤل بالمستقبل فقط؟
* الحقيقة هذا عبارة عن استلهام من آيات القرآن الكريم واستلهام تاريخي من
الواقع. الاستلهام القرآني أن ربنا سبحانه وتعالى في كل أربعين سنة يغير الأجيال
ونفوس الأجيال وطبائعهم، وهذا جاء في سيرة بني إسرائيل في القرآن قال:
[فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى القَوْمِ الفَاسِقِينَ]
(المائدة: ٢٦) حرمهم أربعين سنة؛ لأنهم رفضوا أن يدخلوا مع موسى عليه السلام
للقتال ليموت الجيل الضعيف الجبان ويخرج جيل يقاتل يَقتل ويُقتل هذه واحدة،
الثانية من التاريخ؛ ففي الحروب الصليبية الأمة الإسلامية ضعفت أربعين سنة
وبعد أربعين سنة ثانية بدأت المقاومة والمناوشات حتى بدأ زوال الصليبية؛ إذن
نظرية الـ ٤٠، ٤٠ هي معادلة تاريخية إيمانية صحيحة، وعندما خسرنا المعركة
وطردنا وشردنا وخرجنا من بلادنا عام ١٩٤٨م واستكان الشعب الفلسطيني في
الداخل، وبدأت المقاومة من الخارج من الأردن ولبنان من ١٩٤٨م إلى ١٩٨٧م
هي الأربعين سنة الشعب الفلسطيني عندما انتفض وواجه مع أنهم كانوا غير
معترفين بحاجة اسمها الشعب الفلسطيني ولا بالقضية الفلسطينية كانوا متنكرين
تماماً؛ وكانت القضية ملقاة على رفوف الأمم المتحدة، الانتفاضة قلبت الموازين:
جلبت مبادرات، اعتراف بحق، اعتراف بوجود، اعتراف بشعب، وكشفت
الوجه اليهودي البشع في العالم، ودفعت شعبنا الذي كان يواجه بالحجر وغيره الذي
كان يخاف وبجيشه الذي هرب من فلسطين أمام مذبحة أو اثنتين أو ثلاثة وأمام
الدعاية الصهيونية، اليوم صاروا يقتلون فيه ويواجه العدو بالحجر، إذن الشعب
الفلسطيني بعد ٤٠ سنة تغيرت موازينه ورؤيته الإيمانية: نقول إنه بعد الأربعين
سنة الثانية سيكون الانهزام والزوال لدولة إسرائيل إن شاء الله تعالى.
البيان: يعني زوالهم في عام ٢٠٢٧ تقريباً؟
* تقريباً، وليس شرطاً أن يكون ٢٠٢٧م بالضبط إذ يمكن أن يكون قبل
خمس سنوات، ويمكن أن تزيد عشر سنوات، المهم في هذا المعدل حول العام
٢٠٢٧م تدور الدائرة وتزول الدولة العبرية إن شاء الله.
(١) أخرجه البخاري، ح/ ٤٣٨، مسلم، ح/ ٥٢١.