للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

.. سددوا وقاربوا..

محمد العبدة

جُبلَ الإنسان على النقص والضعف، فربما أبرم اليوم أمراً يفكر غداً في

نقضه أو إصلاحه وتعديله، وعندما يضع البشر قانوناً من عند أنفسهم لتيسير

شؤون حياتهم، سرعان ما يكتشفون أن فيه ثغرات لابد من إصلاحها، أو أنه

يكبلهم بجزئية من جزئياته، ومن ثم يبدأ الالتفاف عليه، أو تفسيره بما يتناسب مع

أغراضهم.

نقول هذا لأنه عندما أراد المسلمون في هذا العصر ترتيب أمور الدعوة ترتيباً

إدارياً، أخذوا من البيئة التي حولهم، فكانت هذه (التراتيب) بحاجة إلى إعادة النظر

بين كل فترة وأخرى، للبحث عن عيوبها، وما هي أوجه النقص فيها، ولكن شيئاً

من هذا لم يحدث، ووجد المسلمون أنفسهم أسرى لقوالب جامدة، وشكليات صنعتها

أيديهم، لم يستطيعوا التخلص منها، وكان الواجب أن يستفيدوا من صياغة التشريع

الإسلامي كما أنزله الله سبحانه وتعالى، لأننا سنجد فيه دائماً مساحة ومرونة لزيادة

العمل، كما نجد فيه حداً أدنى وحداً أعلى، قال تعالى عن حال الدائن والمدين:

[وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون]

[البقرة: ٢٨٠] والدفاع عن النفس ضد الظلم حق، ولكن التحمل والمغفرة أجمل:

[ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور] [الشورى: ٤٢] ، [يسألونك ماذا

ينفقون قل العفو] [البقرة: ٢١٩] .

لماذا لم يستفد المسلمون من هذه السنة في تدبير الخلق، حتى كان من آثار

هذا الجمود والضيق أن عُطلت طاقات، وأهدرت إمكانات؟ فكم من شاب متحمس

أو داعية له قدم راسخة لم يستفد منه لأن طرائق العمل لا تستوعب الجميع، ولم

يكتف المسلمون أنهم ضعاف في اكتشاف الطاقات الفاعلة، بل زادوا على ذلك أنهم

خسروا كثيراً ممن عندهم خير وعلم، وقراءة في تاريخ الدعوة الإسلامية المعاصرة

تنبئك عن العشرات والمئات الذين لم تستوعبهم الدعوة، وربما وجدوا أنفسهم أمام

طريق مسدود، فاختار بعضهم القيام بجهود فردية، ومنهم من أصابه الفتور وآثر

العزلة.

يقول بعض المفكرين: «إن من أسباب تقدم الإنجليز على من سواهم من

الشعوب الأوروبية في بداية نهضتهم هذه، المرونة في تنظيماتهم وكل

شؤون حياتهم، فنراهم دائماً يتركون مساحة للتحرك من خلالها ومحاولة التخريج والاجتهاد» .

هذا ما توصلت إليه عقولهم البشرية، أما المسلمون الذين يحملون فكرة

التجديد فهم يستهدون بالسيرة النبوية وأسلوب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في

معاملة صحبه الكرام، ويتأملون أسرار نزول القرآن منجماً خلال ثلاث وعشرين

سنة، وكيف تربى المسلمون من خلال هذا التنزيل، وإذ فعلوا هذا فإنهم سيصلون

إلى نتائج طيبة بإذن الله.