للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملف العدد

(متابعات حول نقد الصحوة الإسلامية)

إعلام الصحوة والدور المفقود

بقلم: د. أحمد محمد

لكل حركة حضارية وسائلها الإعلامية التي تسعى من خلالها إلى إيصال

رسالتها إلى الجماهير، وكلما تنوعت تلك الوسائل وتكاملت كلما كان التأثير أبعد

أثراً وأكثر انتشاراً، ولقد حققت الدعوات الكبرى إنجازاتها على مر التاريخ

الإنساني بفضل عوامل متعددة، كان من أهمها: الوسائل التي تستخدمها في نشر

رسالتها، وقدرتها على التأثير في قطاعات كبيرة من الناس، ومع التقدم التقني

المتسارع في العصر الحديث وخاصة في وسائل الاتصال أصبح الإعلام نظاماً

متكاملاً توضع له القوانين ويدرسه الدارسون، وتسعى الدول والمجتمعات وكل

صاحب رسالة حضارية إلى استخدامه واستغلاله بما يخدم رسالته ويحقق مصالحه،

وقد أدركت الدولة في المجتمعات المعاصرة أهمية الإعلام وقدرته التأثيرية؛ فعمدت

إلى تأطير وتنظيم هذا العمل ووضع السياسات الإعلامية التي تمكنها من التحكم فيه

وتوجيهه بما يخدم مصالحها.

وقد حققت الصحوة الإسلامية المعاصرة نجاحاً باهراً في الوصول إلى فئات

بشرية متعددة داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها، بفضل عدة عوامل، من أهمها: الوسائل الإعلامية التي استخدمها الدعاة والمربون والعاملون للإسلام، ولو تتبعنا

الوسائل التي كانت لها أكبر الأثر في تلك النجاحات، لرأينا أن الصحوة قد

استخدمت وسائل إعلام متنوعة ومتعددة، كان أقلها أثراً واستخداماً وسائل الإعلام

الجماهيرية الحديثة: من صحافة، وإذاعة، وتلفاز، في حين كانت أكثر الوسائل

تأثيراً في أوساط الصحوة: الشريط الإسلامي، والكتاب، والتجمعات الجماهيرية،

مثل: المؤتمرات، والمحاضرات، والمخيمات ... وغيرها. ولو تأملنا في هذه

الحقيقة وحاولنا معرفة أسباب ضعف استخدام الفئة الأولى من وسائل الإعلام ونجاح

استخدام الفئة الثانية، لأشرنا إلى بعض الأسباب، منها:

١- تعتمد وسائل الإعلام الحديثة، من: إذاعة، وتلفزيون، وصحافة على

العمل الجماعي المنظم، وهذا يحتاج إلى مؤسسات تضم في جنباتها مجموعة من

المختصين في أكثر من مجال، بينما تعتمد وسائل الفئة الثانية من الإعلام وهو

الذي تستخدمه الصحوة بشكل ناجح على العمل الفردي المبدع. وإذا كانت الصحوة

تفتقر عموماً إلى العمل المؤسساتي الضخم في جميع أنشطتها، وتضعف عندها

القدرة التنظيمية، الناتجة عن التخطيط الدقيق، والإحصاءات الصحيحة، ودراسة

التوقعات المستقبلية، والقدرة على قراءة المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية: فإن النتيجة هي اتجاه الصحوة إلى الفئة الثانية من وسائل الإعلام.

٢- يتطلب تأسيس وإدارة المؤسسات الإعلامية الحديثة إمكانات مادية وبشرية

ضخمة، بينما تقل التكاليف بشكل كبير في استخدام وسائل الإعلام الخفيفة، مثل:

الشريط، والكتاب، وتنظيم المحاضرات والمخيمات ... وغيرها؛ لذلك: كان

تأسيس المؤسسات الإعلامية والإنفاق عليها يعتبر ترفاً في نظر كثير من العاملين

للإسلام والداعمين للنشاط الإسلامي، وذلك في ظل الحاجة المتزايدة للإنفاق على

المشروعات الدعوية الأخرى وتقديم خدمات الإغاثة للمسلمين في بقاع كثيرة من

المعمورة.

٣- يغلب على الرسالة الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام الحديثة الخطاب

الإعلامي غير المباشر، حيث يقدم: التحليل الصحفي أو الإخباري، والصورة،

والرسوم (الكاريكاتيرية) ، إضافة إلى المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية والبرامج

المتنوعة، رسالة إعلامية غير مباشرة يكون تأثيرها عظيماً على نفسية الإنسان

وسلوكه وتصوراته، بينما تقدم الفئة الثانية من وسائل الإعلام خطاباً إعلاميًّا مباشراً

بعيداً عن التعقيد، ولذا: نجح كثير من العلماء والدعاة في الوصول والتأثير على

القطاعات البشرية الأقل تأثراً بوسائل الإعلام الحديثة، بينما نجد أولئك الذين

يتعرضون للرسالة الإعلامية الحديثة لا يتجاوبون بشكل كبير مع الخطاب الإسلامي

المباشر، الذي تقدمه وسائل الإعلام المستخدمة حالياً في أوساط الصحوة.

٤- ومن الأسباب التي أدت إلى ضعف استخدام وسائل الإعلام الحديثة في

أوساط الصحوة الإسلامية: وجود القوانين والأنظمة الصارمة التي تسنها الأنظمة

الحاكمة في العالم الإسلامي للتحكم والتوجيه في وسائل الإعلام؛ فإصدار صحيفة أو

مجلة أو إنشاء قناة تلفزيونية أو إذاعية يتطلب إجراءات قانونية صارمة، هذا إذا

كانت ملكية كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا تعود مباشرة إلى

الدولة.

وإذا كنا ذكرنا بعض الأسباب التي أدت إلى ضعف استخدام الصحوة لوسائل

الإعلام الحديثة والاتجاه إلى استخدام وسائل إعلام لها خصوصية تتلائم مع واقع

الصحوة، فإن هذا لا يعني أن تيارات الصحوة لم يكن لها تجربة متميزة في هذا

المجال تستحق أن نقف عندها ونحاول تقويمها ونقدها.

لقد قامت محاولات عديدة ومنذ وقت مبكر لاستخدام وسائل الإعلام الحديثة من

قبل تيارات الصحوة الإسلامية، وقد تفاوتت درجة نجاح أو فشل تلك المحاولات

بناءً على الظروف الزمانية والمكانية التي قامت فيها تلك المحاولات، كما تأثرت

بالأسباب التي أشرنا إليها آنفاً، ونظراً لصعوبة الوقوف بالتفصيل على ظروف تلك

المحاولات لتقويم أسباب نجاحها أو فشلها، فإن من الممكن الإشارة إلى بعض

خصائص إعلام الصحوة، وبعض ملامح الإخفاق في تلك المحاولات، وعندما

نقول (إعلام الصحوة) فنقصد به وسائل الإعلام الحديثة، وليست الوسائل التي

أشرنا إلى أن الصحوة قد نجحت في استخدامها، كما أننا لا نقصد أيضاً الإعلام

الإسلامي عامة، فإن هناك نوعاً آخر يعبر بشكل أو بآخر عن بعض المفاهيم

الإسلامية، ويتبنى بعض الأطروحات الإسلامية، ولكنه يصدر مباشرة أو بتوجيه

من بعض الحكومات في العالم الإسلامي، وهذا الإعلام له خصائص مختلفة ليس

هذا مجال بحثها.

من خصائص إعلام الصحوة:

أنه يتركز في جانب الصحافة والنشر، وفي فئة محدودة منه؛ فمن الواضح

أن الصحوة لا تملك حالياً تجارب إذاعية أو تلفزيونية، كما أنها لا تملك صحفاً

يومية واسعة الانتشار، بل يتركز إعلام الصحوة على المجلات والصحف

الأسبوعية والشهرية، ومن المعلوم أن خصائص المجلات الأسبوعية والشهرية

تختلف عن خصائص الصحف اليومية أو الإذاعة والتلفزيون، كما أن تأثيرها

يختلف، فهي أبعد عن الحضور خلال الأحداث والأزمات اليومية، فتبتعد بذلك عن

تشكيل الجانب النفسي والصدمة الأولى للأحداث، وإذا أضفنا إلى ذلك: اختلاف

المجلات الأسبوعية والشهرية عن تقديم رسالة إعلامية كما تقدمها الإذاعة أو

التلفزيون من خلال البرامج المختلفة الإخبارية أو الاجتماعية، فإن النتيجة المنطقية

هي ابتعاد الصحوة عن استخدام جميع إمكانات الإعلام وقدراته التأثيرية، ومن ثم:

فقد تركت الساحة لمختلف التيارات والاتجاهات والأيديولوجيات المحلية والعالمية

لملء الفراغ الكبير.

ومن خصائص إعلام الصحوة: أنه انطلق في بداية تاريخه ليعبر عن تيار

حزبي أو فكري في ساحة الصحوة، فنشأت المجلات الأسبوعية أو الشهرية من

داخل تنظيم الحزب أو الجماعة، وطغى عليه الخطاب الحزبي المنغلق، فأصبح

يعبر عن رأي الحزب، وينشر البيانات والمقابلات مع زعماء الحزب أو الجماعة،

واستعراض نشاطات الحزب الدعوية وغيرها، وأصبح يتوجه برسالته إلى جمهور

الحزب، أو التيار الفكري أوالمذهبي، ولم يخاطب ذلك الإعلام جميع جمهور

الصحوة، عوضاً عن أن يخاطب المسلمين كلهم المتعاطفين مع الصحوة الإسلامية، أو الذين يعادونها عن جهل أو سوء قصد، وأدى ذلك إلى انغلاق ذلك الإعلام

على جمهور محدود وتضاؤل تأثيره المعنوي، ونتيجة لذلك: انغلق الخطاب

الإعلامي على قضايا محدودة، أغلبها قضايا سياسية إذا كان الحزب أو الجماعة

تعمل في مجال السياسة أو قضايا فكرية وفقهية إذا كانت الجماعة ممن ينادون

باعتزال السياسة ومشاكلها، وقليلاً ما تجد مشاركة إعلام الصحوة في قضايا

اجتماعية واقتصادية وتربوية وتقنية مما لها علاقة بواقع العالم الإسلامي ومشاكل

التنمية فيه، وعلاقته بالعالم الخارجي وغيرها.

ومن خصائص ذلك الإعلام:

ضعف استخدام وسائل التأثير المتعدد، فهو يعتمد في الدرجة الأولى على

خطاب إعلامي مباشر يغلب عليه الاحتجاج والعاطفة ورد الفعل والتعليق على

الأحداث السياسية والفكرية، وهو بهذا الأسلوب لا يختلف كثيراً عن أسلوب

المحاضرة أو الخطبة الذي استخدمته الصحوة بشكل مؤثر عن طريق الشريط

الإسلامي أو الإلقاء المباشر، وبذلك فَقَدَ إعلام الصحوة أهم وسائل اجتذاب الجمهور؛ فالقارئ لا يعرف من خلال ذلك الإعلام ما يستجد من أحداث في البيئة المحيطة

أو في المجتمع والعالم بشكل عام؛ بسبب ظروف إصداره الأسبوعي أو الشهري،

كما أنه لا يجد التحليل الموضوعي على تلك الأحداث، ولا يقدم له مادة تعليمية

متميزة، كما أنه لا يضيف إليه متعة ثقافية أو أدبية، أو يقدم له وسيلة للتسلية

والاسترخاء، إلى غير ذلك من الوسائل التي تجذب القراء إلى التفاعل مع وسائل

الإعلام.

ومن الخصائص أيضاً:

قلة الكوادر الإعلامية المتخصصة وضعف تدريبها، حيث تعتمد المجلات

والصحف الإسلامية في الغالب على الهواة والمتحمسين للعمل الإسلامي، وقد يكون

تأهيلهم الإعلامي ضعيفاً، فنادراً ما تجد في إعلام الصحوة مراسلين صحفيين

يجوبون أقطار العالم للبحث عن المادة الإعلامية المتميزة، وقليلاً ما يكون للمجلة

الإسلامية محللون سياسيون واقتصاديون على مستوى علمي رفيع، وإذا أضفنا إلى

ذلك: ضعف الكوادر الفنية للإخراج والتصوير والرسم والإنتاج ... إلخ، وضعف

استخدام التقنيات الحديثة في مجال الاتصال، فإن الناتج سيكون تأخر إعلام

الصحوة، وابتعاده عن المنافسة الحقيقية مع الإعلام المسيطر على الساحة الإسلامية

والعالمية.

ومن خصائص إعلام الصحوة:

عدم اعتماده على التمويل المادي الذاتي، وإغفال اعتباره أحد وسائل

الاستثمار وتحقيق الربح المادي، فقد ظن الكثيرون أن هدف الاستثمار يتعارض مع

طبيعة هذا الإعلام، الذي يهدف إلى الدعوة وإيصال رسالة الإسلام إلى جماهير

الأمة، وإذا أضفنا إلى ذلك: ضعف التوزيع، وقلة الإعلانات، فإنه يمكن الإشارة

إلى أن إعلام الصحوة يكلف هيئاتها ومنظماتها وجمعياتها عبئاً ماديًّا، مع ما تواجهه

تلك الهيئات من متطلبات مادية هائلة؛ ولذلك: أصبح إعلام الصحوة رهينة

للعوامل الخارجية، التي قد تتغير بصورة سريعة، فأثّر ذلك على استمراره

وتطويره ومنافسته للإعلام الآخر.

هذه بعض خصائص إعلام الصحوة، نسردها بطرح عمومي ينال السمة

البارزة لهذا الإعلام، على الرغم من أن هناك تجارب واعدة تظهر في أماكن

متفرقة من العالم الإسلامي، أو تصدر في الغرب؛ حيث يستفيد الإعلام من حرية

النشر والتعبير التي توفرها تلك المجتمعات، ووجود الإمكانات الفنية والتقنية،

ولكن في انتظار نضوج كثير من تلك المحاولات الواعدة، وظهور نماذج أخرى

أكثر انفتاحاً على متطلبات العمل الإسلامي، وأكثر قدرة على تسخير إمكانات

الإعلام في خدمة الإسلام، فإن إعلام الصحوة لا يزال يمثل الحلقة المفقودة في

العمل الإسلامي، وخاصة بعد التطورات المذهلة في تقنية الاتصالات والإعلام،

التي أدت إلى سقوط الحدود الجغرافية والسياسية، وأصبحت الحواجز الإعلامية

أكثر هشاشة مما مضى، مما جعل كثيراً من أهل الملل والنحل وأصحاب

التيارات الأيديولوجية المختلفة تتسابق في ميدان الإعلام؛ لكسب مساحة أكبر في

التأثير، فتتمكن من الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم.