للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته

المجاعة في الصومال

إن قومي يقاسون المرض والجوع.. إننا نفنى فناءً بطيئاً!!.. وخلال

وقت قصير سوف لن يبقى منّا أحد! .. بإمكانك رؤية هذه المأساة البشرية، مقابر

أهلينا وهياكل ماشيتنا باتت في كل مكان «.

بهذه الكلمات الحزينة والنبرات المؤثرة وصف شيخ قبيلة صومالي -لأحد

الصحفيين الغربيين- الحالة المأساوية التي يعيشها إخوانه المسلمون في تلك البقعة

من العالم الإسلامي.

فمنذ مطلع هذا العام والصومال -ذلك البلد الأفريقي المسلم- يئن تحت وطأة

المجاعات وحالات الجفاف التي تتوالى منذ حين، والتي أتت على كل شيء،

وخلفّت وراءها عشرات الألوف من الموتى ومئات الألوف من المرضى والهلكى،

أمّا الناجون فكثيرٌ منهم -إن لم نقل: جلّهم- قد باتوا في حالة صحية متردية من

جراء سوء التغذية، هذا وتعيش المناطق المنكوبة حالة شلل اقتصادي تام، لاسيما

بعد شروع الآلاف من أفراد القبائل -من الذين أنهكهم الجوع والظمأ- بهجرات

جماعية، تاركين وراءهم أمتعتهم وممتلكاتهم، قاصدين أطراف المدن والقرى بحثاً

عما قد يسدون به رمقهم، وقد أقيمت للنازحين -الذين يربو عددهم على النصف

مليون- مخيمات مؤقتة في العراء وتحت أشعة الشمس الحارقة، ولا يجد النازحون

ما يستظلون به سوى جلود ماشيتهم التي يتخذونها أسقفاً تقيهم لهيب أشعة الشمس،

وتسود المخيمات أجواء صحية سيئة للغاية، حيث يعيش ساكنوها في ظروف

وضيعة لا تليق ببني الإنسان، فقد انقلبت هذه المخيمات إلى محل لرمي النفايات

والفضلات، ومكان لقضاء الحاجات.

وهكذا فقد بات انتشار الأمراض الفتاكة كالكوليرا والدوسنتاريا أمراً وشيك

الوقوع، مما ينذر بمزيد من الضحايا، نظراً لضعف المناعة البدنية التي آلت إليها

حالة الغالبية بسبب حدة سوء التغذية، لاسيما بين الأطفال الذين تعرض كثير منهم

إلى حالات فقدان الوزن بدرجة تنذر بالخطر -حسب تقرير إحدى منظمات الإغاثة

العالمية-، وذلك بسبب النقص الشديد في المواد الغذائية وسوءها والذي من أحد

مضاعفاته مرض ذات الرئة الذي أخذ هو الآخر يحصد المئات من الأطفال في

غياب الأدوية والمضادات الحيوية، التي كان من واجب منظمات الإغاثة العالمية

توفيرها كأبسط احتياط أولي لمثل هذه الحالات المتكررة الحدوث في بلد فقير

كالصومال.

قحط وجفاف متواصل:

وتأتي حالة الجفاف التي تجتاح الصومال اليوم امتداداً لما عاناه -ومازال

يعانيه- على مدى الأعوام الثلاثة الماضية من انخفاض شديد في معدل سقوط

الأمطار، وجفاف كان سبباً في هلاك أعداد ضخمة من المواشي والجمال، فقد

تحدثت وكالات الإغاثة العالمية عن هلاك ما يربو على ٧٨% من الأغنام والماعز،

و٦٦% من الدواجن، و ٥٣% من الجمال، وإن هول الفاجعة ليعظم في عين

القارىء إذا ما علم أن ٧٠% من الصوماليين هم من البدو الرعاة الذين ليس لهم ما

يعتمدون عليه في معيشتهم سوى هذه المواشي، وما تنتجه لهم كمصدر وحيد

لأسباب البقاء.

وهكذا فإن نمط العيش في هذا البلد هو من النوع الهش الشديد التأثر بتقلبات

الطقس التي تأتي أول ما تأتي على الثروات الحيوانية التي هي للصوماليين

كالأرض بالنسبة للمزارع، فإذا ما سلب الأرض حرم من سبب العيش، إلا أن

يرحمه الله.

هذا بالإضافة إلى أن هذه الثروة الحيوانية الضخمة تشكل العمود الفقري

للاقتصاد الوطني في الصومال، كما أنها تمثل المورد الرئيسي للعملات الصعبة،

باستثناء المساعدات المالية التي يحصل عليها من قبل بعض الدول والهيئات والتي

لا تخلو من شروط مسبقة، ولا أدَلَّ على حيوية الثروة الحيوانية وأهميتها كعنصر

أساسي في اقتصاد هذا البلد مما نشر في البيانات الاقتصادية من أن صادرات هذه

الثروة قد بلغت في عام ١٩٨٦: ما مقداره ١٣٥ مليون دولار، ومع أنَّ هذا الرقم

يشكل ٨٠% من واردات العملة الصعبة. فإذا ما تذكرنا تلك الإحصائيات التي

نشرتها المنظمات العالمية عن الخسائر التي حلت بالثروة الحيوانية تجسدت لنا

المأساة التي حلت بذلك البلد المسلم.

الصومال تقرع أجراس الخطر:

في أواخر العام الماضي ١٩٨٦ م بدأت وزارة الثروة الحيوانية الصومالية

اتصالات أولية مع هيئة برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة -ومهمته التنسيق مع

باقي هيئات الإغاثة الدولية-، تحذرها من مغبة تحوُّل حالة الجفاف التي تجتاح

البلاد -والتي طال أمدها- إلى مجاعة واسعة وخيمة العواقب قد تودي بحياة

العشرات من الألوف من السكان.

وفي مطلع هذا العام ومع بداية شهر شباط عاودت الجهات الحكومية

اتصالاتها وإنذاراتها لجمع من منظمات وهيئات الغوث الدولية وبشكل رسمي -

خطِّي هذه المرة-، مشعرة إياها بوشوك وقوع كارثة في المناطق المتضررة من

جراء طول موسم الجفاف، كما وزعت الحكومة مذكرات مفصلة وضحت فيها حجم

المساعدات الضرورية المطلوبة من مأكل ومأوى، والتي كان من الواجب توفيرها

قبل حلول شهر آذار من هذا العام، في الوقت الذي لم يكن قد سجلت فيه بعد أية

حالة وفاة بين السكان.

ومما يجدر ذكره: أن الإحصائيات الحكومية هذه جاءت مطابقة فيما بعد لما

نشرته اثنتان من كبريات وكالات الإغاثة الدولية - وهما (أوكسفام) [١]

واليونيسيف من بيانات تشير إلى مدى تدهور الوضع الصحي لدى السكان، هذا بالإضافة إلى قيامها بلفت أنظار أكبر عدد ممكن من هيئات الإغاثة الدولية - ممن يعنيهم الأمر- إلى حقيقة ما يجري هناك.

لقد قرعت الصومال أجراس الخطر، وجاءت نداءاتها واستغاثاتها مبكرة

وفاسحة المجال أمام كل من تحدثه نفسه القيام بأي عمل غوثي.. لقد حدث كل ذلك

إلا أن صدى قرع أجراس الخطر تلك لم يكن سوى التفرج والصمت التامَّين؟ ! ... صيحة في واد ... !

لقد جاءت نداءات واستغاثات الصومال صيحة في واد ... ! لقد أدارت

الوكالات والهيئات الدولية آذاناً صماء لتلك النداءات على كثرتها وحدّة نبراتها،

والتي جسدت بؤس ومأساة أولئك العزل من الناس، الذين لم يعد لهم حول ولا قوة

سوى استقبال الكارثة التي باتت في انتظارهم.

ومما زاد من تفاقم تلك المأساة وحدتها: تلك الخلافات التي نشبت بين هيئات

ومنظمات الغوث، والتي كان مبعثها -حسبما ذُكر في تقارير المتتبعين لتطورات

الوضع هناك - (التنافس) ... !

ولا ندري ما طبيعة ذلك " التنافس؟ وعلى أي شيء كان يدور؟ أَعَلَى الزج

بأكبر عدد ممكن من تلك الهياكل البشرية المتحركة في ميادين الصراع مع الجوع

والظمأ؟ أم على التلذذ بمنظرها وهي تتساقط في ساحات الفناء الواحدة تلو ... الأخرى؟ ! !

وكنتيجة طبيعية لهذا " التنافس " فقد انعدمت بين هذه الهيئات " المتنافسة "

أدنى مستويات التنسيق والتعاون، فعلى سبيل المثال لا الحصر ترفض: إحداهنّ

(منظمة الصحة العالمية) -في مطلع شهر نيسان من هذا العام- طلباً للأخرى

(منظمة اليونيسيف) مقدماً من الجهات المحلية للبحث في قضية وفاة [٢٦] شخصاً

بعد إصابتهم بمرض الإسهال، بحجة عدم قيام تلك الجهات بإبلاغها مباشرة! !

وأخشى ما نخشاه أن يكون غياب التنسيق هذا والذي مبعثه التنافس هو في

حقيقة أمره ثمرة لتنسيق وتخطيط خبيثين تحوكه أيادي القائمين على إدارة دفة هذه

الهيئات من اليهود والصليبيين -كما سيتبين بعد قليل-، الذين لا يرقبون في مسلم

إلا ولا ذمة، ولا يدعون فرصة إلا واستغلوها أبشع استغلال للوصول إلى مآربهم

في النيل من أبناء المسلمين، حتى ولو كان باسم إغاثتهم.

ومن نفس المنطلق هذا ترفض منظمة الصحة العالمية القيام بمسؤولياتها على

ضوء النتائج التي خرجت بها منظمة اليونيسيف في أعقاب عملية المسح التي

أجرتها، بحجة أن هذه النتائج كانت على جانب شديد من المبالغة والتهويل! !

ومن الملفت للنظر حقاً، أن رفض منظمة الصحة العالمية لنتائج هذه

المسوحات المقدمة إليها لم يقتصر على المنظمات والهيئات التي تخوض حالة

تنافس معها فحسب، بل إنه تجاوز إلى أكثر من ذلك ليشمل منظمات أخرى

كمنظمة " أوكسفام " التي انتقد تقريرها انتقاداً لاذعاً، على الرغم من شمولية بياناته

ودقتها، والتي جاءت محذرة من تفشي حالات سوء التغذية التي ظهرت في بعض

الأقاليم.

الدور الأميركي:

وعلى الرغم من كل ما قامت به منظمة الصحة العالمية من ممارسات خبيثة

في حق مسلمي الصومال، إلا أن ذلك لم يؤهلها للوصول إلى دور الصدارة في

(مسرحية الإغاثة) هذه، بل لقد أسند هذا الدور إلى الولايات المتحدة الأمريكية

ومنظماتها (الإنسانية) ، ولا غرابة في ذلك البتة؛ فهي التي عودتنا أن يكون لها

النصيب الأكبر في هذا الطراز من الجرائم التي ترتكب في حق الشعوب المغلوبة،

كيف لا واليهود لهم أكبر نصيب من إدارة دفة الأمور فيها؟ !

ويأتي دور أمريكا هذا عبر منظمتها المسماة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية،

وهي تعتبر أكبر مصدرٍ للإعانات الغذائية في العالم، كما أنها تأتي في طليعة

هيئات الإغاثة الدولية -بالنسبة للصومال- من حيث النفوذ الذي تتمتع به وحجم

المساعدات المفترض تقديمها له. ولعل دور هذه الوكالة التآمري في مسرحية

الإغاثة هذه يرتسم في مخيلة القارىء إذا ما علم أن ممثل دولة الصومال لديها هو

يهودي اسمه ليو كوهين (lew cohen) ! ! والممارسات المشبوهة لهذه الوكالة

كثيرة قد لا يتسع المقام لذكرها، لذا فإننا سنكتفي فيما يلي بذكر شواهد مُنتقاة من

تلك الممارسات بالقدر الذي يفي بالغرض، ولكي تتضح الصورة:

فلقد كانت المرة الأولى التي فاتحت فيها الحكومة الصومالية هذه الوكالة في ٧

/ ٢ /١٩٨٧م، وفي حينها طلبت مساعدات ملحة على شكل مواد غذائية وعقاقير

طبية. إلا أن رد هذه الوكالة " الإنسانية " لم يأت إلا بعد عشرة أيام وبالتحديد في

١٧ / ٢ /١٩٨٧ م، وعبر الكليمات المعدودة التي احتواها الرد قال كوهين: إنه

حسب توقعاته، فإن ما لدى الحكومة من احتياطات غذائية يكفي لتغطية هذه

الطلبات. أما بالنسبة لما تتطلبه عملية توزيع هذه المواد من نفقات؛ فيقول كوهين: إن الوكالة ربما تقوم بمساعدة مالية لتغطية هذه النفقات، على أن هذه المساعدة لن

تتخذ شكل إعانات مالية جديدة، بل إنها تأتي من أرصدة ما يسمى بـ (٤٨٠ pL) ، وهذه عبارة عن عوائد مالية كانت الحكومة قد حصلت عليها من مبيعات مواد

غذائية -في السوق المحلية- جاءتها عن طريق هذه الوكالة.

ومما يجدر ذكره: أن الأرصدة الآنفة الذكر تقع بصورة مباشرة تحت هيمنة

الوكالة الأمريكية، ولا يسمح للحكومة بمسها أو التصرف بها البتة، إلا بعد

الحصول على موافقة الوكالة أولاً! !

هذا ولم تكن الحكومة في رسالتها الثانية أوفر حظاً منها في المرة الأولى،

على الرغم مما تضمنته من تأكيدات من أن وزارتها المالية قد باتت في حالة عجز

تام، ومن أنها لم تعد قادرة على القيام بمسؤولياتها.

وحينما يأتي دور تحديد حجم الضحايا فللوكالة موقف آخر أقرب للطرفة منه

للواقع، ولا غرابة في ذلك، لقد قدرت الحكومة عدد المتضررين -من الذين باتت

حالتهم الصحية في أمس الحاجة إلى عون طبي- بـ (٨٨٠) ألفاً، أما الوكالة

الأمريكية فإنها -وبطبيعة الحال- لا ترى ذلك، بل إنها شددت على أن عددهم -أي: المتضررين- لا يجاوز بحال العشرين أو ربما الثلاثين ألفاً! ! وأغرب من ذلك:

رفضها لطلب الحكومة بتوفير ما مقداره (١٣٥٠٠) طن من الحبوب لإغاثة أسوأ

الأقاليم تضرراً الأمر الذي يتطلب توفير مبلغ (٥٥٠) ألف جنيه استرليني للقيام

بهذه العملية، علماً بأن المبلغ المذكور يكفي -زيادة على ثمن ونقل وتوزيع

الحبوب- لتوفير كميات أخرى من الحليب المجفف وزيوت الطهي، إلا أن رد

الوكالة كان منطلقاً من (قناعتها) من أنه من غير المعقول أن تتجاوز تلك

الاحتياجات الغذائية حدّ الـ (٤٥٠) طن! ! وهذا يعني: حصر النفقات الكلية بما

لا يزيد على (٧٠) ألف جنيه استرلينى! !

وعلى الرغم من تزايد حالات الوفيات المبلغ عنها مع حلول منتصف شهر

نيسان من هذا العام-حيث سُجلت مئات من حالات الوفاة بين الأطفال بسبب سوء

التغذية المشار إليها آنفاً-، فإن رسائل الوكالة الصادرة في تلك الفترة كانت ما تزال

تصف الحالة بأنها ليست حرجة، إلا أنها تسترعي الاهتمام! !

وفي الفترة ذاتها وبالتحديد في ١٣/٤/١٩٨٧م، كتبت وزارة الداخلية

الصومالية إلى الوكالة الأمريكية معبرة عن صدمتها لطبيعة الردود الاستخفافية التي

تلقتها رداً على رسائل الاستغاثة التي بعثت بها، ومطالبة إياها باتخاذ مواقف أكثر

جدية تجاه تطورات الأحداث. إلا أن المراسلات التي توالت بين الطرفين فيما بعد

لم تسجل أي تراجع ملحوظ في ردود الوكالة عن نمطها الاستهتاري المعهود،

وهكذا فقد بقيت أقاليم وسط الصومال بدون أي إعانات غذائية، باستثناء كميات

متواضعة جداً -وصلت من دول مجاورة- لا تتناسب وحجم الكارثة، وبقي الحال

على ما هو عليه، حتى إذا ما حل شهر حزيران من العام نفسه غطت موجات

المجاعة المكتسحة تلك الأقاليم (فدج، هيران، جل جدود) ، وخلّفت وراءها

الخراب والدمار وأعداداً مخيفة من الموتى بشكل لم يشهده تاريخ المنطقة قط،

وبذلك تحققت أحلام كوهين وأقرانه..

وهذا الذي ذكرناه ليس إلا غيضاً من فيض، وما هو إلا جزء يسير مما

استطاعت أقلام وعدسات الصحفيين الوصول إليه وتغطيته، ولا شك أن ما خفي

أعظم وأهول.

وبعد....

ونحن -في هذا المقام- إذ نلفت الأنظار إلى أحابيل هذه المنظمات المشبوهة

ومؤامراتها الإجرامية على الصومال -وأمثاله من الدول المغلوبة-، لابد من كلمة

أخيرة حول الدول التي تعاني من المشاكل الاقتصادية الخانقة، حيث إن الظروف

الطبيعية والحوائج المعيشية مثل القحط والجفاف ليست هي المسؤول الأول عن

حالة البؤس والمصائب التي حلت بشعوب هذه الدول، وإنما سلوك الذين يقبضون

على زمام الأمور هناك من أكبر العوامل التي ساعدت على إفقار هذه الشعوب

وتجريدها من كل شيء، لا من الأشياء التي تشكل قوام حياتها المادية فحسب.

وإن التخبط، وقصر النظر، وسوء التخطيط، وخراب الذمم، وإنفاق مال الأمم

على ما لا يجدي ... كل ذلك ينبغي أن لا يستبعد من الحسبان عند تحليل تلك

الأوضاع.


(١) أوكسفام: مؤسسة تبشيرية مشهورة مقرها " أكسفورد " في بريطانيا، وتساهم في أعمال الإغاثة في أفريقيا وغيرها.