ملفات
[حوار هادئ مع المقاومة الفلسطينية]
أحمد فهمي
[email protected]
مقاومة المحتل أحد أشكال الجهاد الشرعي، والمقاومة الإسلامية الفلسطينية
من أرقى صور الجهاد في واقعنا المعاصر؛ فهي تنافح عن أرض إسلامية تضم في
رحابها ثالث المساجد، كما أنها جهاد ناصع البياض لا لبس فيه ولا غموض ولا
شبهة.
لكن هذه المقاومة تمر الآن بمفترق طرق أوصلتها إليه ضغوطات هائلة
مورست من قِبَل أطراف عدة، وتمثلت هذ الضغوطات في: الضغط النفسي نتيجة
تزايد المعاناة على الشعب الفلسطيني دون أن تلوح بادرة أمل قريبة، والضغط
الميداني إثر تعرُّض حركة حماس بالأخص لاغتيال جيل كامل من قادتها، وتحملها
وحدها العبء الأكبر في المقاومة والانتقام، وهناك الضغط المالي نتيجة الحصار
الشديد الذي فُرِض على الحركة وكبَّل أنشطتها الاجتماعية الخيرية وله تأثير ولا
شك على أنشطتها الدعوية والعسكرية، والضغط السياسي: داخلياً المتمثل في
مشاغبات مراكز قوى السلطة وبقايا عرفات، وخارجياً المتمثل في الحصار
المفروض عليها دولياً وإقليمياً، وتضاؤل المساحة المتاحة أمام مكتبها السياسي
الخارجي للحركة والمناورة.
ورغم الاتساع الكبير في مساحة التأييد الجماهيري للمقاومة الإسلامية فلسطينياً
وعربياً إلا أن ذلك التأييد للأسف لا يخفف من هذه الضغوطات إلا بالقدر الضئيل؛
فالشعوب مكبلة والمقاومة هي من يناط بها فك القيد.
والمقاومة الإسلامية تتعرض الآن لما سبق الحديث عنه في أحد المقالات:
(العدد ١٩٢ مقال ألغام في طريق المقاومة الفلسطينية) : إعادة تشكيل ثوابت الحركة
ومتغيراتها تحت تأثير الضغط الشديد، وبعبارة أخرى: نقل أولوية الفعل للحركة
الإسلامية من خانة المقاومة إلى خانة البقاء والحفاظ على الوجود، وهذه الإشكالية
هدف البقاء والوجود هي وسواس الحركات الإسلامية في مختلف البلدان، وهي أحد
المعوقات الكبرى في طريق التجديد والتغيير، وهي المدخل الرئيس لهدم الثوابت
وتحول الحركات الإسلامية إلى حركات وطنية ذات مسحة دينية في أدائها تذكِّر بما
مضى من تاريخها.
ولا ينبغي أن يكون هذا مصير الفصائل الإسلامية في فلسطين، وهذه دعوة
قلبية ومناقشة هادئة تدعوهم أن يتنبهوا لهذا الخطر، وأن يعضوا على ثوابتهم
بالنواجذ.
وهي مشاركة محدودة هدفها صياغة بعض المعالم المهمة التي يمكن للمقاومة
الإسلامية أن تسترشد بها في مواجهة الضغوطات التي تواجهها في الفترة الحالية
والمستقبلة.
* أولاً: من زال ومن لا يزال:
إن الثبات على الحق له فقه عجيب وأثر أعجب؛ فهو ليس مجرد بطولة أو
مأثرة يتحدث بها الركبان حيناً ثم يطوى ذكرها في الكتب أحياناً، بل الثبات له
تأثير في الأشياء أيما تأثير؛ فالثابتون في واقع متغير متقلب يعيدون تشكيل الواقع
من حولهم ويرتبونه من جديد؛ فكم من مؤامرات أُحبطت، وكم من خطط معادية
أخفقت بفضل الثبات.
وفي كل صراع هناك قوى متنافسة ينشأ بينها توازنات وفق معادلات خاصة
تتغير بصورة مستمرة نتيجة التدافع المتواصل بين هذه القوى، وعلى الساحة
الفلسطينية تتعدد القوى المتنافسة داخلياً وخارجياً، وكلها تتسم بالتغير الدائم في
تصوراتها واستراتيجيتها؛ إلاَّ أننا نجد أن الحركات الإسلامية هي التي تتمسك
برؤية واضحة ومواقف ثابتة مهما تعددت اللاءات وتنوعت، ولذلك نجد أنه بعد
أربعة عشر عاماً تقريباً على أوسلو، وبعد ماراثون التنازلات الفلسطينية والعربية،
بات القرار السياسي المعادي والموالي متحلقاً حول حركة حماس بسبب ثبات
مواقفها، كما أن فئات المهادنين والمساومين بثوابت الأمة عدموا كل تأثير لهم، ولم
يعد لأحدهم قوة إلا بقدر ما يُذل نفسه لمن جلس معهم يوماً على مائدة التفاوض وجهاً
لوجه.
بل الأنكى من ذلك أن ياسر عرفات الذي ألقى بثوابت الأمة على مائدة
التفاوض بلا ثمن بين يدي اليهود لقي عاقبة نكوصه وتقلبه من أقرب الناس إليه؛
فالثلاثي المحبوب: محمد رشيد، وجبريل الرجوب، ومحمد دحلان تغيرت
مواقفهم إلى معاداته؛ لأنهم لم يتعلموا منه إلا التلوُّن مع كل ريح، وبطريقةٍ ما
استطاع عرفات أن يرشي الرجوب ليؤوب مؤقتاً إلى الحظيرة ريثما يجد من يطلب
خدماته بسعر أعلى، وكثير من المتابعين للشأن الفلسطيني يعتبرون عرفات سياسياً
قديراً لاستطاعته التلون وتغيير مواقفه تكيُّفاً مع الواقع.
بينما على الجانب الآخر كان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي - رحمه الله -
مثالاً للثبات بل والثبات المعاند، فتحول إلى رمز لوحدة الموقف والقرار، وتربت
أجيال داخل الحركة على هذا المَعْلَم البارز، فلم نجد بينها نكوصاً أو إعراضاً أو
مهادنة رغم المحن والضغوط، يكفي ثباتهم على مبدأ وحدة الصف الداخلي مهما
حدث، فلم يستجيبوا للاستفزازات والاستدراجات إلى حرب أهلية، وكانت العاقبة
أن ارتفعت مصداقيتهم لدى الشعب الفلسطيني، واتسعت قاعدة الحركة في الضفة
وغزة، واكتسبت احترام الأطراف الخارجية ورهبتهم لتمتعها بسيطرة كاملة على
أبنائها إلى هذا الحد، وصارت المراهنة في الشأن الداخلي الفلسطيني على حماس
قبل غيرها، بينما في المقابل لم تستطع حركة فتح صيانة نفسها عن الاقتتال
الداخلي بين تياراتها وفصائلها، وتحولت الحركة إلى مراكز قوى متصارعة؛ فمن
يراهن على فتح الآن؟
إن الثبات في مواجهة الضغوطات ليس بالأمر الهين، وإن كانت الحركة قد
أبدت لنا ما يُفرحنا في ما مضى؛ فإن العبء الأكبر فيما ينتظر، وجميع الأطراف
المعادية باتت تراهن الآن على تغييرات داخل الحركة في مواقفها وثوابتها،
ونحسب أن رهانهم باطل، ولكن بقي أن تلتفت الحركة إلى هذه الوضعية بصورة
خاصة، وتستعيد مواقفها، وتؤكد عليها، وتجدد عهد الثبات لتطمئن القلوب المحبة،
ولتنكأ القلوب الكارهة، ولتقطع الطريق على الاحتمالات والتوقعات.
ونذكر تدعيماً لموقف الثبات حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا تنفد
فوائده: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى
يأتي أمر الله وهم على ذلك» فهذه الطائفة أشبه بالخيط الموصول بالنبي عليه
الصلاة والسلام ضمن الله لنا ألا ينقطع أبداً. ولكن هذا الخيط الذي يدق حجمه في
أزمان كثيرة مع غلبة الباطل يظل من القوة بحيث يتحول من خيط الحق إلى جيش
الحق في آخر الزمان عندما ينزل المسيح - عليه السلام - لقتل الدجال، فيكون
جيشُ عيسى جيشَ الطائفة المنصورة؛ فهذه الاستمرارية في الثبات على الحق لها
عاقبتها في نهاية الأمر، وعندما تخلو الأرض من أمثال هؤلاء - الطائفة
المنصورة - تكون الساعة قد حان ميقاتها؛ فالعبرة إذن ليست بمن زال عن الحق،
ولكن بمن لا يزال.
وهناك مثال آخر من تاريخ الأمة، وهو ما حدث مع الإمام أحمد - رحمه الله
تعالى - في زمن المحنة؛ فقد كان الناس يتساقطون من حوله، ولكن كأنَّ كلَ
متساقطٍ كان يُفرغ طاقته وقوته في قلب الإمام أحمد حتى أصبح في أقوى حالاته
عندما اختُزِل الحق في موقفه، وأصبح مركزَ الدائرة ولا قرار للمذهب الباطل
بثباته، فصار كسهم ظل يُبرى بتخاذل من حوله؛ فلما احتدَّ طرفُه سُدِّدَ إلى قلبِ
الباطل فانكفأ على وجهه خاسراً.
ونحن نريد أن تفخر حماس يوماً بأنها أضيفت إلى سجل الشرف: إن الله
تعالى نصر هذه الأمة بأبي بكر زمن الردة، وبالإمام أحمد زمن المحنة، وبحركة
حماس زمن الفتنة.
* ثانياً: بين الاستراتيجية والتكتيك - الثوابت والمتغيرات:
يردد قادة حماس دائماً أنهم حركة شورية تعتمد الشورى بين قياداتها سبيلاً
لاتخاذ القرار؛ وقد كان من تيسير الله عز وجل للحركة أن توفر لها جيل كامل من
القادة الأكفاء يندر أن تحظى حركة إسلامية بمثله بهذه الصورة، ولا شك أن
الأجواء الجهادية في أرض الرباط وفرت محضناً مثالياً لإفراز هذا الجيل القيادي،
وقد أحصيتُ سريعاً نحو خمسة عشر قيادياً في حركة حماس وحدها موزعين بين
الضفة وغزة والمكتب السياسي، أكثرهم يتمتعون بحضور إعلامي قوي، والأهم
أن كلمتهم تبدو موحدة ومنسقة بشكل بديع، ويصعب أن تصدر تصريحات متناقضة
فيما بينهم.
وأحدثت هذه الوفرة القيادية المتناسقة اضطراباً بالغاً في خطط
«الإسرائيليين» للقضاء على الحركة أو تقليصها، ومن المسلَّمات أن القضاء
على أي حركة تنظيمية لا بد أن يبدأ بالرؤوس، ولو أضفنا إلى قادة حماس
السياسيين قادة الجناح العسكري فإن الوضع يزداد تفاقماً خاصة مع تحول شخصيات
متعددة في القسام إلى رموز تحظى بشعبية واسعة، وبدا الأمر عسيراً أمام الصهاينة.
وهنا مرة أخرى تأتي الخبرة العربية في التعامل مع الحركات الإسلامية
وكانت تتلخص في عبارة قصيرة: «تصفية الجيل القيادي الخطر الذي يحمل
طموحات التأسيس، ويُعَدُّ رمزاً للشعب الفلسطيني» ليس بغرض التشفي أو
الانتقام لعمليات فدائية أو استشهادية، ولكن لتحقيق عدة أمور: خلخلة آلية التبادل
أو الإحلال القيادي - طرح ثوابت الحركة للنقاش الداخلي مع تواصل الضربات
- القفز بهدف البقاء والحفاظ على الوجود إلى قائمة الأولويات - تحويل حماس إلى
حركة بلا رموز لتفقد قدراً كبيراً من حضورها السياسي والإعلامي إقليمياً وعالمياً
- تدعيم أي أفكار أو رؤى داخل الحركة تدعو إلى المهادنة والتسليم باختلال
موازين القوة والتعامل واقعياً بما يعكس هذه الحقيقة - وتشجيع استبدال المقاومة
المسلحة بمكاسب سياسية.
ولا يبدو حتى الآن ما يدل على أن سياسة الاغتيالات قد أحدثت أثراً يصعب
تداركه في هذا الجانب، إلا أن الاحتمال واقعياً لا يزال قائماً خاصة لو تعرض من
بقي من جيل القادة القدامى - حفظهم الله - للاغتيال، ولن ينفي هذا الاحتمال إلا
قادة حماس بالفعل وليس بالقول. ونشير هنا إلى إشكالية الخلط بين الاستراتيجي
والتكتيكي في أداء الحركات الإسلامية أو بين الثوابت والمتغيرات:
تستمد الحركات الإسلامية ثوابتها من عقيدتها، ووفق هذه الثوابت
الاستراتيجية يتحدد أسلوب الممارسة التكتيك وعندما تتعرض الحركات لأي ضغوط
فإنها تلجأ في الأصل لمواجهتها بإجراءات تكتيكية لا تمس الثوابت ولا تقربها؛ لأن
التعرض للثوابت اعتراض على أصل الوجود والنشأة، ولا يُعقل أن تلغي حركة
إسلامية نفسها بإرادتها، ولكن للأسف أصبح التنازل عن الثوابت ظاهرة في أداء
كثير من الحركات الإسلامية في الآونة الأخيرة، والمطلوب من قادة حماس في هذا
الصدد أن يحرصوا أشد الحرص على سلامة ثوابتهم التي من أهمها: فلسطين
أرض محتلة من البحر إلى النهر وتحريرها فرض عين لا تنازل عن جهاد المحتل
في فلسطين بكافة الصور لا اعتراف مطلقاً بدولة لليهود على أرض فلسطين ولا
مجال للتفاوض معها بشأن القضية الفلسطينية لا تنازل عن الحقوق الثابتة للشعب
الفلسطيني أو مجرد طرح ذلك على مائدة التفاوض ... إلخ.
وتحتاج الحركة أيضاً إلى الاستفادة من تجربة الحزب الإسلامي العراقي الذي
اجتهد قادته في التعامل مع الظرف المستجد مخالفين في ذلك رأي الغالبية المطلقة
للعلماء والإسلاميين والمسلمين. ويمكن تلخيص هذه التجربة في عبارات قصيرة:
عندما يكون الظرف يحمل عنواناً كبيراً اسمه: الاحتلال؛ فإن الممارسات
السياسية تتحول إلى عمل جزئي داخل إطار جهادي موسع، ولكن عندما يحمل
الظرف عنواناً اسمه: الاستقلال، فإن الممارسات الجهادية تتحول إلى عمل جزئي
داخل الإطار السياسي، والذي حدث أن الحزب الإسلامي في العراق تعامل مع
ظرف الاحتلال برؤية الاستقلال، ولم يستطع أن يفعِّل ثابتاً استراتيجياً معلوماً
بالضرورة لدى جميع الحركات الإسلامية وهو: «جهاد المحتل الكافر فرض عين»
واعتبر قادته أن خيارهم بالمشاركة في النظام السياسي الذي أقامه المحتل مجرد
إجراء تكتيكي ومراعاة للمصالح، ولا يعارض الثوابت الاستراتيجية.
* ثالثاً: الانتفاضة لا بد أن تستمر؛ لكن كيف؟
هناك تساؤلان مطروحان للنقاش: لماذا ينبغي أن تستمر الانتفاضة؟ وكيف
تستمر؟
أما التساؤل الأول: لماذا ينبغي أن تستمر الانتفاضة؟
فجوابه بداية: لأنها قضية حياة أو موت؛ وبذلك يكون السؤال الحاسم: هل
ينبغي أن تستمر الأمة أو تنزوي عقوداً في غياهب النسيان؟ وهذا يعني أنه لا
مجال للخَوَر؛ لأن انهيار المقاومة وانتهاء الانتفاضة سيعني: انتظار جيل كامل أو
أجيال متعددة حتى تتلاشى ثقافة الهزيمة وتداعياتها وتضعف خبراتها - نجاح ساحق
لمخططات أمريكا في العالم العربي - غرق الجماهير في أمواج متلاطمة من
الإحباط واليأس - واحتمال انتشار العدوى إلى بقية حركات المقاومة الإسلامية على
مستوى العالم.
ويزيد الأمر تعقيدا أن «الإسرائيليين» لا يقدمون تنازلات كالتي سبقت في
الانتفاضة الأولى عند التوقيع على اتفاق أوسلو رغم أنها تنازلات تصب في
مصلحتهم، بل حتى لا يقدم اليهود وعوداً بعودة الأمور إلى سابق عهدها قبل
الانتفاضة؛ وهذا يعني أن الوقت الحالي هو أسوأ التوقيتات لإنهاء الانتفاضة أو
وقف المقاومة المسلحة، ومن ناحية أخرى فإن عدم تقديم التنازلات من الجانب
الصهيوني ليس عن عناد أو استكبار أو شعور بالقوة وإن توهم بعضهم ذلك، بل
لأنهم لا يجدون طرفاً مؤهلاً لتلقي هذه التنازلات؛ فالسلطة تحولت إلى سلطات،
وحركة حماس الطرف الأقوى في الساحة هو العدو الرئيس لليهود وهي أحد أسباب
خوفهم من تقديم التنازلات، ولذا فإن استمرار الانتفاضة يعني أن الدولة العبرية
ستشعر تدريجياً بالاختناق السياسي والذي كانت خطة فك الارتباط أحادي الجانب
في قطاع غزة أحد أعراضه المبكرة، وأي تسوية سياسية ستكون بمثابة عملية
إنعاش للكيان المحتل.
التساؤل الثاني: كيف تستمر الانتفاضة؟
الانتفاضة والمقاومة هي حالة نفسية أولاً، واجتماعية ثانياً، وسياسية ثالثاً،
وعسكرية رابعاً، وحتى نضمن استمراريتها فلا بد من تقديم الزخم بصورة دائمة
إلى هذه الجوانب الأربعة ولو في حدها الأدنى، ويخطئ من يظن أن الانتفاضة هي
مجرد عمل عسكري أو تظاهرات واشتباكات عند نقاط التماسّ.
فالجانب النفسي يمثل (الدافع) للمقاومة، وبدونه لن يقوى الفلسطينيون على
المواصلة، فلا بد من توفر عمل دعوي وإعلامي داخلي يبلور للجماهير حتمية
خيار المقاومة وعاقبتها المنتظرة، وفي المقابل يكشف خواء كافة الأطروحات
الأخرى وخطورة عواقبها. لا بد أن تتوفر قناعة دائمة لدى الشعب الفلسطيني بأن
الانتفاضة ليست خياراً بل فرضاً، وكثيرون يتعاملون مع الفلسطينيين وكأنهم ليسوا
بشراً، فلا يمكن أن يتعرضوا للضعف أو يصابوا باليأس أو ينهكهم تراكم المصائب،
وإن كانت المقاومة الإسلامية عليها عبء كبير في دعم دوافع الانتفاضة اعتماداً
على منطلقاتها العقدية الإسلامية، فأعتقد أن الوقت قد حان لكي يشارك المسلمون
خارج فلسطين في هذا المجال، وأفضل الطرق: توفير وسيلة إعلامية قادرة على
النفاذ إلى كل بيت فلسطيني، ولا توجد سوى القنوات الفضائية تملك هذه الإمكانية
حالياً، فلا بد من البحث في تأسيس فضائية تحمل الهمَّ الفلسطيني عامة وتكون لها
صبغة فلسطينية واضحة، وتكون موجهة في الأساس للشعب الفلسطيني في الداخل
والخارج، ولا أحسبنا عاجزين عن استبدال جزء من العواطف الجياشة للقضية
الفلسطينية برأس مال يكفي لتأسيس هذه الفضائية.
أما الجانب الاجتماعي، فنعني به في الأساس الآثار الاقتصادية لاستمرار
الانتفاضة على الأسرة الفلسطينية، خاصة مع مشاركة سلطة عرفات في تعذيب
الفلسطينيين بتجميد أرصدة الجمعيات الخيرية، وهذا الجانب يمثل أهم مجالات
الضغط على الشعب الفلسطيني لوقف الانتفاضة، فيجب أن يعتبر المسلمون تقديم
وتوصيل الدعم الخيري للشعب الفلسطيني بمثابة تحدٍّ يستفزهم لمواجهته، وخاصة
أن استمرار الانتفاضة يعتمد إلى حد كبير على مستوى الفاعلية في هذا الجانب.
والجانب السياسي ملقى بأكمله على عاتق فصائل المقاومة الإسلامية، وهي
هنا تمارس دوراً صعباً في واقع معقد ومتناقض؛ فهي تواجه: عدواناً وحشياً من
الاحتلال، وتمزقاً فلسطينياً داخلياً بسبب تذبذب وتضارب مواقف حركة فتح،
والتزاماً بحل كافة المشكلات مع السلطة المستفزة دون الانزلاق إلى حرب أهلية،
وابتسامات من أطراف عربية تعلم جيداً أنها تُخفي مؤامرات وخططاً للتصفية أو
الاستغلال السياسي في أحسن الأحوال.
ونحسب أن الحركة تحتاج في المرحلة المقبلة إلى تنشيط علاقاتها العربية
لتخفيف الضغوط وخاصة أن الفترة الحالية خلت تقريباً من أي عمليات استشهادية
منذ عملية ميناء أشدود، ولم يعد متخيلاً على الأقل في المدى القصير تسوية سياسية
تغيب عنها حماس، أو تسوية سياسية تشارك فيها حماس، وهذا يعني أن القضية
الفلسطينية ربما تدخل في مرحلة جمود سياسي قد لا ينشطها إلا تغيرات على أرض
الواقع مثل: موت عرفات أياً كانت طريقته، أو سقوط حكومة شارون، أو تمكن
كتائب القسام من تنفيذ وعودها بالانتقام المروع لمقتل قادة حماس أو غير ذلك.
أما الجانب العسكري والذي تتكفل به كتائب القسام وسرايا القدس بالنسبة
للفصائل الإسلامية؛ فالحديث فيه يحتاج إلى تفصيل بعض الشيء؛ فقد ترتب على
اعتماد العمل الاستشهادي سلاحاً رئيساً للفعل ورد الفعل في الانتفاضة آثار متفاوتة
ظهرت متفرقة خلال ثلاث سنوات ونصف تقريباً منذ بدء الانتفاضة، وأبرزها:
تكوُّن ثقافة خاصة بالاستشهاد في أوساط الشباب الفلسطيني نجحت إلى حد كبير في
إذابة قدر كبير من تبعات الانتفاضة الاجتماعية والاقتصادية، وجعلت للتضحية
مكانة عالية، وقدمت هدفاً سامياً يتوق إليه آلاف الشباب دون أن يعنيهم تحقق
أهداف أخرى للانتفاضة، وقد جعلت أرتال الشهداء الفلسطينيين بقية فئات الشعب
يستقلُّون تضحياتهم في مقابل مَنْ ضَحُّوا بحياتهم، وكذلك ساهم السلاح الاستشهادي
في تخفيف أعباء مشاركة الفلسطينيين في أعمال الانتفاضة؛ ولم تعد التظاهرات
والاشتباكات عند نقاط التماس مع القوات «الإسرائيلية» هي «ترمومتر»
الانتفاضة.
أيضاً ساهم هذا السلاح البشري في حل كثير من معضلات العمل العسكري،
واختزل إلى حد كبير مهام التدريب والإعداد والتجهيز، وأيضاً تأمين سلامة
العناصر الفدائية المنفذة، لكنه في المقابل قلَّص من خبرات الأجنحة العسكرية في
ممارسة أنماط أخرى من العمل العسكري مثل: عمليات الاغتيال والهجوم على
الدوريات والثكنات العسكرية، واختطاف الجنود أوالمستوطنين.
وعندما نستعرض الأنماط الغالبة للعمل الاستشهادي خلال السنوات السابقة
فسنجد ثلاثة أنماط بارزة:
الأول: عمليات نوعية ذات طبيعة خاصة من حيث حجم الهدف ونوعيته
وطريقة التنفيذ والتخطيط، وهذا النمط من العمليات كان قليلاً جداً ولم يحقق نجاحاً
لافتاً حتى الآن، وآخر عملية من هذا النوع كانت عملية ميناء أشدود.
النمط الثاني: هو تنفيذ سلسلة من العمليات الاستشهادية المتوالية وغالباً ما
تكون في سياق رد الفعل على عملية اغتيال «إسرائيلية» كما حدث عقب اغتيال
يحيى عياش - رحمه الله - وهذا النمط يتسم بقدرته الردعية؛ إذ يؤدي إلى خلخلة
واضحة في الداخل «الإسرائيلي» ولذلك جهدت حكومة شارون في اتخاذ تدابير
واسعة النطاق للحد من استخدامه ونجحت إلى حد كبير في ذلك، وعادة ما يكون رد
الفعل على استخدام المقاومة لهذا النمط من العمليات قوياً من الجانب الصهيوني؛
وبذلك حُمِّلت الأجنحة العسكرية للمقاومة عبئاً كبيراً في كل مرة يُغتال أحد رموزها،
للأمرين: الاحتياطات المشددة، ورد الفعل الصهيوني؛ ويمكن القول إن الأجهزة
«الإسرائيلية» نجحت بدرجة ما في تقليص قدرة الأجنحة العسكرية للمقاومة على
استخدام العمل الاستشهادي المتسلسل كسلاح ردع فعال؛ وهذا يعني أن الأجنحة
السياسية أصبحت مكشوفة، وبدأ الصهاينة يشعرون بالأمن داخل الخط الأخضر
ولو مؤقتاً مع انقضاء فترة طويلة دون تنفيذ عمل استشهادي متسلسل أو عمل منفرد
مؤثر.
أما النمط الثالث: فهو تنفيذ عمليات استشهادية متفرقة ومنفردة بدون رابط
بينها؛ وقد تكون رد فعل على عمل عسكري صهيوني، وقد تندرج ضمن السياق
العام للمقاومة، ونتائجها تتراوح بين إسقاط عدد كبير من القتلى كما حدث مع عبد
الباسط عودة الذي تمكن من قتل أكثر من ثلاثين يهودياً عام ٢٠٠٢م، وبين عدم
سقوط أي من القتلى أو اكتشاف العملية قبل التنفيذ، وأغلب العمليات الاستشهادية
منذ بدء الانتفاضة تندرج ضمن النمط الثالث.
وبعد استعراض الأنماط الثلاثة يبقى القول بأهمية إعادة النظر في استراتيجية
المقاومة بصورة عامة، ونحسب أن الاستراتيجية الجديدة للمرحلة القادمة يحسن أن
تتضمن العناصر التالية:
أولاً: الأنماط الثلاثة للعمل الاستشهادي مطلوبة للمقاومة ولكن بدرجات
متفاوتة؛ وحسب معطيات الفترة الحالية والمقبلة فإنه ينبغي تخفيض وتيرة العمل
الاستشهادي من النمط الثالث والثاني بمعدلات متزايدة لحساب النمط الأول، وهذا
التعديل يقدم عدة فوائد للأجنحة العسكرية للمقاومة؛ فهو يخفف العبء النفسي
والميداني إلى حد كبير، كما أنه يُخرِج المقاومة من خانة الفعل ورد الفعل التي
انزلقت إليها حتى وإن لم يكن ذلك من أهدافها أو رؤيتها الجهادية؛ فقد أصبح واقعاً،
وأيضاً يضعف البعد الذرائعي في السياسة «الإسرائيلية» العدوانية في التعامل
مع الفلسطينيين، كما يتيح المجال لإعادة بناء وتجديد العناصر وتكوين خبرات
جديدة، والأهم أنه يقدم سلاح ردع جديد يمتلك القدرة على تجاوز كل العقبات التي
أضعفت سلاح الردع بصورته القديمة، فمجرد العمل الاستشهادي كان يعتمد في
تحقيق الردع على صعوبة منعه وتحققه بصورة متكررة ومتتابعة زمنياً بدرجة كافية
لإحداث حالة هلع في الداخل «الإسرائيلي» فعدد العمليات إذن كان عنصراً رئيساً
في تحقق الردع، وهذا ما نجح العدو في تعويقه، ولكن في الصورة الجديدة يفقد
العدد ومن ثم التعويق تأثيره؛ فهي عملية واحدة وعنصر الردع فيها يعتمد على
اختيار الهدف وحجم الخسارة والتخطيط الدقيق الطويل المدى، وعادة ما تكون
القدرة على منع هذا النمط من العمليات ضعيفة.
ثانياً: لا بد من البحث عن وسائل للاستفادة من خبرات المقاومة العراقية
وقدرتهم على تنفيذ أساليب حرب العصابات في مواجهة الاحتلال، وخاصة أن
الظروف البيئية متشابهة إلى درجة كبيرة، وينبغي أن يقوم قادة القسام وسرايا
القدس بدراسة مفصلة لعملية حصار واقتحام الفلوجة، وما هي الأسباب التي أدت
إلى إخفاق الأمريكيين في تحقيق أهدافهم مع الأخذ في الاعتبار أن الأمريكيين
استفادوا كثيراً من الخبرة «الإسرائيلية» مع الفلسطينيين في تنفيذ مثل هذه العملية،
فيجب أن يستفيد الفلسطينيون من خبرة العراقيين في مقاومة الاحتلال الأمريكي،
لكن ينبغي الحذر من أن توجه إليهم اتهامات بنقل بعض كوادرهم إلى العراق
للمشاركة الميدانية في أعمال المقاومة هناك للإفادة والاستفادة؛ فمثل هذه الاتهامات
جاهزة دوماً للحركات الإسلامية، وانتقال الأفراد ليس شرطاً في انتقال الخبرات،
مع أهمية الإشارة إلى أن خبرة المقاومة في العراق أكثر ملاءمة للمقاومة الفلسطينية
من خبرة حزب الله في جنوب لبنان.
ثالثاً: ما تزال أغلب الدول العربية تؤيد المقاومة بصورة عامة، أو لا تُعلن
رفضها، أو لا تُفرط في انتقاد فصائلها، ما عدا الدول المغرقة في علمانيتها مثل
تونس، وتظهر هذه المواقف التي لا تخلو من إيجابية في كثير من وسائل الإعلام،
وكانت التغطية الإعلامية لحادثتي اغتيال الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي
- رحمهما الله - قوية ومؤثرة وحاشدة لتأييد جماهيري لحركة حماس، فيجب
أن تحرص فصائل المقاومة على هذه الإيجابيات من خلال اتباع موازنة تكتيكية
مرنة في اختيار الأهداف، وتحسب ردود الفعل العربية طالما كان هناك مجال
للاختيار؛ وإلا فإن المصلحة المباشرة للمقاومة هي الأهم.
رابعاً: العمل المخابراتي أصبح لازماً للمقاومة الفلسطينية خاصة بعد أن تبين
الأثر المخزي الهائل للعملاء والجواسيس الذين ينقلون أخبار وتحركات الفصائل
وقادتها ورموزها، ولا جدال في ضعف هذا الجانب لدى فصائل المقاومة، واعتماد
أسلوب العمليات النوعية قليلة العدد يمكن أن يعطي كتائب القسام وسرايا القدس
فرصة كافية لصقل خبراتهم في هذا المجال والبحث عن طرق لنقل خبرات
الآخرين؛ وهذا يستدعي إعادة النظر في التكوين التنظيمي لهذه الحركات بما
يتناسب مع المهام الجديدة في المرحلة المقبلة والاستعداد لمواجهة الاحتلال
الصهيوني.
خامساً: الانتقال بين الأهداف المدنية افتراضاً والعسكرية والاستيطانية
«الإسرائيلية» يعطي الحركة مجالاً واسعاً للمناورة، ويمكن تفعيل هذا الانتقال
عند التعرض لضغوطات متزايدة أو التحسب لردود فعل عربية غير مأمونة
العواقب، ولذلك ينبغي ترسيخ هذه القدرة الانتقالية؛ حيث أثبتت التجربة أن
المقاومة لا تملك قدرة انتقالية كافية في هذا المجال لمنع هوة أو فراغ في عمل
المقاومة، وتعتبر عملية تفجير الناقلة المدرعة الإسرائيلية، في غزة نموذجاً
مثالاً وهو ما ينبغي تفعيله.
سادساً: التنقل بين أنماط العمل الاستشهادي الثلاثة يجب أن يتسم بالمرونة
والملاءمة الواقعية، وهذا يعني أن حركات المقاومة تحتاج إلى أن تكتسب القدرة
على الانتقال السلس بين هذه الأنماط، ويعني أيضاً أن التركيز على نمط معين
- العمليات النوعية - لا يعني إهمال تنمية القدرات على العودة إلى ممارسة الأنماط
الأخرى بكثافة إذا اقتضت الظروف والتغيرات الواقعية ذلك.
* رابعاً: استقلالية كتائب القسام وسرايا القدس:
هذا الطرح لا شك في أنه يثير غضب أو دهشة كثيرين، ولكن أحسب أنه
طرح جدي تفرضه مستجدات الأحداث الحالية، كما يمكن أن تلغيه أيضاً مستجدات
أخرى معاكسة مستقبلاً؛ فهو ليس قراراً بلا عودة، ولكن هو قرار تكتيكي حقيقي
هدفه تخفيف الضغوط على الجناح السياسي ورفع القيد عن الجناح العسكري، وهذا
تفصيل يسير لطرح الاستقلالية.
هناك ثلاثة أشكال يمكن أن تتحدد من خلالها في أذهاننا نشأة العلاقة بين
الجناح السياسي والجناح العسكري في الحركات التي تؤسس لمقاومة الاحتلال:
الشكل الأول: تنشأ فيه المقاومة العسكرية للاحتلال بدون غطاء سياسي، ثم
مع الوقت تتبلور رؤية سياسية يحملها ويمثلها جناح سياسي للمقاومة يحمل اسمها
ويرتبط بها بصورة مباشرة، وقد لا يتأسس للمقاومة جناح كهذا ولكن تتبنى جهة
سياسية نهج المقاومة بشكل عام وتنجح في توظيف مكاسبها سياسياً لخدمة نفس
القضية، كما تفعل هيئة علماء المسلمين في العراق.
الشكل الثاني: تنشأ فيه الحركة سياسياً وتتوطد أركانها، ثم يعقب ذلك نشأة
الجناح العسكري لمقاومة المحتل كفرع عن الأصل. كما هو الحال في حماس
والجهاد.
الشكل الثالث: وهو الذي يتبناه طرح الاستقلالية، ويدفع في اتجاه الفصل
بين الجناحين العسكري والسياسي ليصبحا حركتين مستقلتين عن بعضهما تماماً من
الناحية التنظيمية وعلى كافة المستويات القيادية.
وعند النظر في هذه الأشكال نجد أن الجناح السياسي في الشكل الأول عادة ما
ينشأ ضعيفاً، ويبقى دوماً أسير قادة المقاومة، وكثيراً ما يحدث بينهما صراع قد
ينتهي بانتصار الجناح السياسي وانتهاء المقاومة، وقد تعجز المقاومة عن تأسيس
مثل هذا الغطاء السياسي عندما لا تتوفر دولة مجاورة تحتضنه؛ لأن المحتل لن
يسمح للمقاومة بأن تشكل جناحاً سياسياً يتحدث باسمها في نفس البلد.
وأما الشكل الثاني فيتميز بأن الجناح العسكري ينشأ كفرع للحركة؛ فهو تابع
لها تنظيمياً وحركياً رغم استقلالية التخطيط واتخاذ القرار كما هو في حالة كتائب
القسام وسرايا القدس، ولكن يعيبه أنه في مرحلة متقدمة من العمل تتراكم
الضغوطات على الجناح السياسي باعتباره الواجهة المعلنة، بينما الجناح العسكري
وإن كان يتلقى ضربات موجعة فهو ينتهج العمل السري، وبذلك تنشأ وضعية يكون
فيها الجناح السياسي معوقاً لعمل المقاومة في اتجاه، ومحملاً إياها أعباء قد تفوق
طاقتها في اتجاه آخر، وفي الحالتين يتحمل هو ردود الأفعال باعتباره الحركة الأم
ذات النشاط المعلن.
ولا تثريب على الطرفين؛ فهذه الوضعية الشائكة مرحلة تطور طبيعي تحدث
أحياناً عندما يكون كلا الجناحين السياسي والعسكري يمارسان عملهما داخل
الأراضي المحتلة وتحت سيطرة جيش الاحتلال.
لذا كان الشكل الثالث بمثابة مخرج للأزمة؛ قد يكون مؤقتاً او دائماً حسب
التطورات. ونذكر فيما يلي بعض النقاط التي تصب في صالح هذا الخيار:
- التخلص من تبادلية الفعل ورد الفعل، وصياغة سياسة ردع بأسلوب جديد.
- لن يحدث تخلٍّ عن نهج المقاومة بالنسبة لحماس، وإنما سيكون التفرغ
للعمل السياسي والدعوي، وستكون هناك ممارسة لأعمال الانتفاضة بصورتها
القديمة من خلال التظاهرات والاشتباكات الجماعية مع جنود الاحتلال.
- سيتحرر الجناح السياسي من جزء كبير من تبعات العمل العسكري،
وسيرتفع سقف العمل بالنسبة للجناح العسكري كثيراً بعد التخلص من قيود وضغوط
سياسية متعددة داخلية وخارجية.
- يتضمن طرح الاستقلالية طرحاً جزئياً يدعو إلى التوحد بين كتائب القسام
وسرايا القدس بعد انفصالهما، وينضم إليهما بعض مجموعات شهداء الأقصى التي
يمكن أن تتوافق مع نهجهما الإسلامي.
- لن تكون هناك أي تأثيرات سلبية من الناحية الأمنية على القسام والسرايا
- والله أعلم - لأن السلطات «الإسرائيلية» أسقطت منذ زمن بعيد كافة الخطوط
الحمراء في التعامل مع الأجنحة العسكرية للمقاومة.
- وفي المقابل فإن الجناح السياسي لحماس مثلاً إذا لم يستفد فلن يخسر
- والله أعلم - فقادته يتعرضون للاغتيال في جميع الأحوال، ولكن يبقى
الاحتمال قوياً وقائماً بحدوث تغير تدريجي مع تطبيق الاستقلالية بين الجناحين
ورصدها بوضوح تام من قِبَل الاستخبارات «الإسرائيلية» .
- التداخل بين أعضاء الجناحين السياسي والعسكري أعتقد أنه شكَّل مدخلاً
لتسرُّب الكثير من المعلومات عن طريق العملاء المحليين، والاستقلالية تغلق هذا
الباب.
- احتمالات الانشقاق الفكري أو الانحراف المنهجي تبدو ضعيفة عندما
تتحول كتائب القسام إلى حركة مستقلة - والله أعلم - لطبيعة المنهج نفسه الذي
تتبعه حماس والذي تربى عليه قادة وعناصر القسام، وإذا كانت احتمالات التنسيق
والوحدة تبدو متزايدة بقوة بين حماس والجهاد في الفترة الماضية رغم بعض
الاختلافات المنهجية، فإن احتمالات الانشقاق المنهجي بالنسبة للقسام بعد الانفصال
سوف تكون أبعد بقياس الأوْلى
... ولا داعي للتذكير بأن هذا الطرح هو طرح اجتهادي قد تثبته وتصقله أو
تلغيه وتؤجله المناقشة الموضوعية المخلصة.. وحسبنا أن يكون رضا الله عز وجل
هو غايتنا، ونصر دينه هو مبتغانا.