[الرئيس الأندونيسي الجديد والسياسة المستقبلية في أندونيسيا]
د. ريزا سيهبودي
في أول خطاب سياسي له ألقاه في اليوم التاسع من أكتوبر ٢٠٠٤م في تشيكياس Cikeas)) بوجور Bogor)) بيَّن الرئيس الإندونيسيّ الجديد سوسيلو بامبانج يودويونو Susilo Bambang Yudhoyono)) المعروف بـ (إسبيي/ (SBY أجندة أولويات أعماله في مائة يومٍ الأولى مِن تولِّيه رئاسة جمهوريَّة إندونيسيا مع نائبه (يوسف كلا) . ومما يُثير الدهشة أن الرئيس لم يتحدث في خُطبته عن سياسته الخارجيَّة، وهو الأمر الذي جعل بعض الفئات يرون أنَّ السياسة الخارجيَّة الإندونيسيَّة برئاسة (إسبيي) لا تزال غامضة، ويشوبها كثير من علامات الاستفهام.
كما يرى بعضهم أنَّ السياسة الخارجيَّة الإندونيسيَّة برئاسة (إسبيي) لا تختلف كثيراً عن السياسة الخارجيَّة في عهد (سوهارتو) في السبعينيات والثمانينيات؛ فهي تميل إلى الاقتراب من الدول الغربيَّة، وبشكل أخصّ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة.
وهذا الرأي يمكن أن يقبله العقل؛ وذلك بالنظر إلى ثلاثة عوامل:
١ ـ أنَّ (إسبيي) درس في الولايات المتحدة الأمريكية العلوم العسكرية مدة طويلة.
٢ ـ أنَّ بعض المؤسسات التبرُّعيَّة الأمريكيَّة واليابانيَّة كان لها دور كبير في الدعاية (لإسبيي) وشهرته، سواء عن طريق استطلاعات الرأي العامَّة أو الاستفتاءات التي أُجريت قبيل الانتخابات الرئاسيَّة. وليس بغريبٍ أن يكون السفيران: الأمريكيّ رولف إيل بويس Ralph L Boyce)) ، واليابانيّ يوتاكا إيمورا Yutaka Iimura)) مِن أوائل من جاؤوا إلى مقرِّ (إسبيي) لتهنئته بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسيَّة فور إعلان لجنة الانتخابات العامة والمحكمة الدستوريَّة رسمياَّ فوز (إسبيي) لرئاسة إندونيسيا في الفترة بين ٢٠٠٤ ـ ٢٠٠٩م.
٣ ـ إنّ الحكومة الأمريكيَّة من أكثر الحكومات في العالم تحمُّساً لقبول فوز (إسبيي) في الانتخابات الرئاسيَّة؛ فعندما جاء السفير الأمريكيّ (رولف إل بويس) إلى مقرِّ (إسبيي) في اليوم الثامن مِن أكتوبر الماضي أعرب عن أمله في التعاون الثنائيّ بين جمهوريَّة إندونيسيا والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في المجال العسكريّ، وأضاف قائلاً: إنَّ الرئيس جورج بوش الابن هنَّأ (إسبيي) مشافهة بالهاتف بفوزه في الانتخابات الرئاسيَّة في اليوم نفسه. وقالت حكومة بوش ـ كما نقلته وكالة Associated Press للأنباء ـ إنَّ نجاح الانتخابات العامَّة هنا في إندونيسيا أكبر دولة إسلاميَّة يدلُّ على أنَّ الإسلام والديمقراطيَّة مؤتلفان ومتلائمان.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما مدى صحة ما يُقال أنَّ جمهوريَّة إندونيسيا برئاسة (إسبيي) سوف تقوم بسياسة أكثر موالاة للغرب، وبالأخص الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة؟ وكيف ستكون العلاقة بين حكومة (إسبيي) والشعب الإندونيسي المسلم؟
وإذا نظرنا إلى التشكيل الوزاري الجديد الذي أعلنه الرئيس (إسبيي) فإنه يمكن التنبؤ بعلاقات طيبة بين الحكومة والشعب الإندونيسي؛ وذلك لما في هذا التشكيل الوزاري الجديد من شخصيات إسلاميَّة بارزة وأعيان لهم انتماء إسلامي، وقد تقلَّدوا مناصب وزارية مهمة في الحكومة الجديدة.
فعلى سبيل المثال اختير (أبو رزال بكري) ، أحد الأعضاء في رابطة المثقفين الإسلاميين الإندونيسيَّة وزير تنسيق للشؤون الاقتصاديَّة، وكذا (وسوغيهارتو) ، من حزب التنميَّة الاتحادي وزيراً للهيئات التجارية الحكوميَّة، ويمكن أن يكونا موضع أمل لكثير من التجار الأصليين، وأغلبهم مسلمون. وعلى جانب آخر فإنَّهما قادران على فتح مجالات للارتقاء بمستوى التعاون الاقتصادي مع الدول العربيَّة.
وفي الحقيقة نجد في مجال الاقتصاد بعض الشخصيات الذين يُظنُّ أنَّهم موالون لصندوق النقد الدوليّ أو موالون لأمريكا، ومنهم (سري مولياني) و (ماري بانجيستو) ، ولكنَّ أمرهما لا يدعو للقلق؛ فـ (أبورزال بكري) أعلى منهما درجة في هذا التشكيل الوزاري، وأضف إلى ذلك (يوسف كلا) ، نائب الرئيس، وقد عُرف بقربه من أوساط المسلمين.
وفي مجال السياسة الخارجيَّة من المؤكَّد عدم حدوث أيِّ تغير في سياسة حكومة إسبيي؛ فلا يزال (حسن ويرايودا) وزيراً للخارجيَّة، كما كان الحال في عهد (ميجاواتي) . وهذا يعني أن السياسة الخارجيَّة الإندونيسيَّة سوف تبقى حرَّة فعالة ونشيطة كما كان الحال من قبل، وقد أكَّد (إسبيي) ذلك في خطابه السياسي في اليوم العشرين من أكتوبر ٢٠٠٤م.
وقد صرَّح وزير الدفاع الإندونيسيّ (جوونو سودارسو) بأنَّ إندونيسيا وإن كانت لا تزال جادة في محاربة الإرهاب ولكنَّها لن تكون تبعاً للولايات المتحدة الأمريكيَّة، ولا يمكن أن تُملي عليها أمريكا رغباتها.
ونجد كذلك في هذا التشكيل الوزاري الجديد ثلاثة وزراء من حزب العدالة والرفاهية، ووزيرين من حزب الأمانة الوطنيَّة، ووزيرين من حزب نهضة الشعب، وثلاثة وزراء من حزب التنمية الاتحادي، وثلاثة من حزب الهلال والنجمة، وتلك الأحزاب لها شعبيتها الكثيرة في المجتمع الإندونيسي. كما أنَّ وجود هؤلاء الوزراء في التشكيل الوزاري الجديد سيضمن مسيرة الحكومة في الحفاظ على مصلحة الشعب.
وبالطبع، لا بدَّ من النظر إلى برنامج مائة يوم في بداية حكومة (إسبيي) ، ولكن على أقل تقدير لا تزال الآمال نيرة لمستقبل إندونيسيا، وبالأخص المسلمين فيها.
تقول إحدى النظريات في العلوم السياسية والعلاقات الدوليَّة: إنَّ السياسة الخارجيَّة لدولةٍ من الدول تقرِّرها أربعة عوامل على الأقل، وهي: عامل الرئاسة، وعامل الحالة السياسيَّة الداخليَّة، وعامل القدرة الاقتصاديَّة والعسكريَّة، وعامل المجتمع الدولي.
إنَّ طريقة رئاسته لهذه الجمهوريَّة يبدو أنها لا تبعد كثيراً عن خلفياته العسكريَّة؛ حيث إنَّه تلقَّى علومه العسكريَّة في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، ويعني ذلك: أنَّ تلك الخلفيَّات العسكريَّة لها تأثيرها القويّ في تنفيذ سياسته المستقبلية، وبخاصة في مجال السياسة الخارجيَّة.
ومن المعلوم في أي دولة يترأسها عسكري أنه يجعل القضايا الأمنيَّة من الأوليات التي يضعها نصب عينيه؛ وهذا الأمر يبدو شبه مؤكَّد بالنسبة (لإسبيي) ؛ ففي خطبته السياسيَّة في تشيكياس صرَّح بأنَّ إنهاء قضيَّة النزاعات في (أتشيه، وبابوا) من أولويات حكومته، وإن لم يصرح في تشيكياس ما هي الطريقة التي سوف يتبعها في مكافحة قضايا الإرهاب التي كثيراً ما يتحدَّث عنها، وبالأخصّ في أثناء حملاته الانتخابيَّة المنصرمة.
وهذا يعني بالتأكيد أنه سيضع في أولويات مهامه التي سيقوم بتنفيذها: معالجة المناطق التي فيها نزاعات، وكذا قضيَّة الإرهاب.
في القضيَّة الأولى ـ مع ملاحظة بقائه مراعياً أسس حقوق الإنسان ـ سوف يحصل (إسبيي) على تأييد من أغلبيَّة الشعب الإندونيسيّ، لا سيَّما أنَّه ـ مستقبلاً ـ قادر على كشف النقاب عن وجود تدخُّل خارجيّ من بعض الجهات الأجنبيَّة في تلك النزاعات المحليَّة في (أتشيه، وبابوا، وجزر مالوكو، وسولاويسي) .
أمَّا بالنسبة لقضيَّة مكافحة الإرهاب فإنَّه يخشى عليه أن يكون تابعاً مُطيعاً للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وأستراليا اللتين تميلان إلى القول بالربط بين الإرهاب والإسلام. وليس معنى ذلك أنَّ هذا التخوُّف لا أساس له ولا مسوغ؛ فعندما كان وزير تنسيق للشؤون السياسيَّة والأمنيَّة في حكومة ميجاواتي ـ على سبيل المثال ـ عقد (إسبيي) لقاءً مع وزير الأمن الداخليّ الأمريكيّ توم ريدج (Tom Ridge) في اليوم العاشر من مارس سنة ٢٠٠٤م. وتمَّت في هذا اللقاء مباحثات عن التعاون الثنائيّ في مكافحة الإرهاب. وقال ريدج في ذلك الوقت: إنَّ التهديدات الإرهابيَّة يمكن منعها عن طريق التعاون الدولي، وإندونيسيا هي الشريكة الرئيسة لحكومة أمريكا من بين جميع دول آسيا (المرجع: الإسلام أون لاين، الحادي عشر من مارس ٢٠٠٤م) .
وفي المقابل طلب (إسبيي) توقيع إتفاقية عسكرية بين جمهوريَّة إندونيسيا والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وأوضح أنَّ إندونيسيا في الخطوط الأماميَّة في محاربة الإرهاب، وأنَّها قد بذلت جهوداً كبيرة فعلاً في محاربة الإرهاب برغم مُشكلاتها المتعدِّدة في زمنٍ ليس بقصير. وهذا التصريح الذي أدلى به (إسبيي) متوافق مع ما أدلى به السفير الأمريكيّ (رولف إل بويس) لإسبيي في الثامن مِن أكتوبر الماضي؛ ولذلك بإمكان الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة أن توافق على ما طلبه (إسبيي) مِن إجراء علاقات عسكريَّة بين الدولتين شريطة أن توافق إندونيسيا على اتباع السياسة التي تتخذها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في محاربة الإرهاب.
أضف إلى ذلك أنَّ أحد المؤيِّدين المقرَّبين له، وأحد الوزراء في حكومته الجديدة يوسريل إهزا ماهيندرا (Yusril Ihza Mahendra) ، وهو الرئيس العام لحزب الهلال والنجمة، قد أعرب عن رغبته في تطبيق قانون الأمن الوطنيّ، وهو القانون الذي يشبه ISA (Internal Security Act) أي: وثيقة الأمن الداخليّ الذي تطبِّقه حكومة سنغافورة وماليزيا، وهذا القانون إذا طُبق فسيتمُّ بموجبه إلقاء القبض على كل من يُتَّهم بأنَّ له علاقةً بالإرهاب دون مُحاكمة، مما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.
وإذا حدث هذا الأمر فعلاً في حكومة (إسبيي) ؛ فمن المؤكَّد أن تحدث بينه وبين شعبه المسلم فجوة كبيرة؛ فالإرهاب في نظر حكومة بوش وحكومة جون هوارد الأسترالية هو الإسلام نفسه، والإسلام نفسه هو الإرهاب. والدليل على ذلك أنَّه قبل مرور يومٍ على حادثة تفجير في كوننجان (Kuningan) في التاسع مِن سبتمبر ٢٠٠٤م، قامت حكومة أستراليا بإلصاق التهمة والمسؤولية عن التفجير بالجماعة الإسلاميَّة؛ مع أنَّ موضوع الجماعة الإسلاميَّة لا يزال يُثير كثيراً من التساؤلات حول حقيقة وجودها في الوقت الحاضر؛ ففي إحدى المناسبات بعد حادثة تفجير كوننجان قال رئيس عام نهضة العلماء (كياهي الحاج هاشم مزادي) إنَّه يشكُّ في وجود تنظيم يُسمَّى «بالجماعة الإسلاميَّة» في إندونيسيا.
وكذلك عندما احتُجزت الخادمتان الإندونيسيتان في العراق، وكذا حادثة التفجير التي وقعت أمام السفارة الإندونيسيَّة في باريس في السابع مِن أكتوبر ٢٠٠٤م قيل إنَّ القائمين بهذين العملين هم «جماعة جند الإسلام» وقيل إنَّ هؤلاء لهم علاقة وطيدة بالأستاذ (أبي بكر باعشير) أمير مجلس المجاهدين الذي لا يزال رهن الاعتقال بدعوى أن له صلة بالأعمال الإرهابية، وقد عجزوا عن إثبات الأدلة في ذلك.
فإذا ثبت صحة ما قالوه بأنَّ هؤلاء من جماعة جند الله فما كانوا ليحتجزوا نساء وظيفتهنَّ خادمات منازل، ويستبعد أن يجعلوهنَّ هدفاً لهم، لا سيَّما أنَّ هؤلاء الخادمات مِن إندونيسيا، وهي الدولة التي ترفض علناً الغزو الأمريكيّ للعراق، أضف إلى ذلك أنَّ إندونيسيا لم يتغيَّر موقفها في تأييد جهاد الشعب الفلسطينيّ، ولا تزال تبدي تعاطفها مع القضيَّة الفلسطينيَّة بشكل متواصل، فعلى سبيل المثال أعلنت الرئيسة السابقة (ميجاواتي) في حديثها في قمة منظَّمة المؤتمر الإسلاميّ في بوتراراجا (Putraraja) ، في ماليزيا، أكتوبر ٢٠٠٣: أنَّ السبب الرئيس في انتشار الأعمال الإرهابية وبخاصة التي تقوم بها الجماعات الإسلامية تلك الأعمال الإجرامية التي تمارس ضد الشعب الفلسطينيّ من عشرات السنين، وبسبب التأييد المطلق مِن قِبل الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة لإسرائيل، وتغاضيها عن جرائمها في حق الشعب الفلسطيني، وقد بُذلت عدة مرات جهود مضنية للبحث عن حلٍّ سلميّ للقضية الفلسطينية، ولكنها باءت بالإخفاق؛ وذلك لعجز الولايات المتَّحدة أن تتصرَّف تصرُّفاً عادلاً في هذه القضيَّة.
وبالطبع يؤمل من (إسبيي) أن يقف موقف سابقيه ويصرّ عليه، وهذا الأمل له ما يسوغه؛ فقد أكد (إسبيي) في إحدى المناسبات على أنَّ التعاون الأمني مع جميع الجهات شيء لا يمكن تفاديه ولا بد من قبوله، بل هو شيء لا بدَّ من المحافظة عليه والدفاع عنه باحتياط وحذر.
وأضاف قائلاً: «ولكن بغض النظر عن الفرصة الاستراتيجيَّة التي أوجدها التعاون الأمني كان من الضروري أن تحرص جميع الجهات كلَّ الحرص في حربها على الإرهاب أن لا يؤدِّي ذلك إلى توتر استراتيجيَّ آخر، أو يؤدِّي إلى حالة أسوأ، وهو الأمر الذي يجعل الإرهاب المستفيد الأوَّل من هذه الحرب؛ لذلك فإنَّ المسألة التي لا بدّ من التفكير فيها بإمعان هي: كيف يمكن محاربة الإرهاب؟
فالطرق المثلى في محاربة الإرهاب تأتي عن طريق التوسُّع في التعاون الاستراتيجي مع الدول الأخرى مِن غير أن يؤدِّي هذا التعاون إلى خلق أوضاع متوترة أخرى.
ومعنى ذلك أنَّه في محاربة الإرهاب العالميّ توجد فرص سانحة لـ (إسبيي) لا يكون فيه تبعاً للدول الأخرى؛ وبالأخص الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وأستراليا اللتين كثيراً ما ترددان أنَّ الإرهاب هو الإسلام نفسه. وفي هذه الحالة يؤمل من حزب «العدالة والرفاهيَّة» ، الحزب الإسلاميّ الوحيد الذي يؤيِّد (إسبيي) أن يقوم بمهمته في مراقبة سياسة أسبيي في محاربة الإرهاب حتى لا تؤدي هذه السياسة إلى كثير من الضغوطات على الشعب.
فدور حزب «العدالة والرفاهية» مهمّ جدًا في مراقبة توازن سياسة (إسبيي) الخارجيَّة، حتى لا تكون هذه السياسة الخارجيَّة موالية موالاة تامَّة للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة؛ فضلاً عن أن يكون هناك تعاون خارجي مع إسرائيل، ومن الجدير بالذكر أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في أيام حكومة (سوهارتو) كانت تحاول إغراء إندونيسيا، وتطلب منها مراراً أن تعترف بسيادة دولة إسرائيل، وتعقد معها علاقات دبلوماسيَّة، ولكن لحسن الحظّ أنَّ (سوهارتو) في أيامه تلك لم يكن خاضعاً لإغراءات أمريكا ولا لضغوطها، وهو الأمر الذي جعل أمريكا تثير قضيَّة (تيمور الشرقيَّة) على الساحة الدولية.
إنَّ الأوضاع السياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة التي ستواجه حكومة (إسبيي) تبدو أنَّها لا تختلف كثيراً ـ وإن لم تكن أسوأ حالاً ـ عن تلك الأوضاع في السنوات الأولى في حكومة (سوهارتو) ، وهي عبارة عن الأوضاع الداخليَّة التي لا تزال تعاني منها الدولة من النزاعات المحلية المنتشرة في بعض المناطق، والاختلاسات وسرقة أموال الدولة، وأعمال الشغب والعنف التي تتسع دائرتها يوماً بعد يوم. وأمَّا ما يتعلَّق بالأوضاع الاقتصاديَّة فإنَّ اقتصاد الدولة لا يزال يعاني مِن أزمة متزامنة لم يفِق منها بعدُ (على أقل تقدير إذا قورن بالدول المجاورة مثل: ماليزيا، وتايلاند، وفيتنام، لا سيَّما سنغافورة) . كما أنَّ قدرات إندونيسيا في الناحية العسكريَّة لا تزال بعيدة عن الحالة المثاليَّة بالمقارنة بتلك الدول السابق ذكرها.
وفي مثل هذه الأوضاع السياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة التي لم تستقرَّ بعد والإضطرابات التي لا تزال تعاني منها الدولة لم يكن لإسبيي بدّ ـ كما كان الحال زمن سوهارتو ـ إلا الالتفات والميل إلى الغرب، وبالأخص الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة. أضف إلى ذلك أنَّ أمريكا قد أعطت إشارات واضحة بأنَّها على أتمِّ استعداد لتقديم مساعداتِها العسكريَّة التي سبق أن تمَّ إيقافها لإندونيسيا في الأيام الأخيرة مِن حكومة (سوهارتو) بسبب قضيَّة تيمور الشرقيَّة. ومع ذلك فلا بدَّ من تذكُّر المَثَلٍ الإنجليزيّ الذي يقول: لا غداءَ بالمجان، يعني: أنَّ تلك المساعدات الأمريكيَّة التي سوف تُمنح لإندونيسيا، سواء أكانت اقتصاديَّة أم عسكريَّة أنَّها مِن غير مقابل.
فالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بصفتها الدولة العظمى في أمسِّ الحاجة إلى كثير من الدول الحليفة لإنجاح مبدئها، وهي الحرب ضدّ الإرهاب؛ فأمريكا لا يمكن أن تقدم مساعداتها إلا لمن يقف معها من الدول التي تبدي استعدادِها للتعاون معها في محاربة الإرهاب، ولكنَّ الذي يدعو للأسف الشديد أنَّه في رأي حكومة بوش أنَّ الحرب على الإرهاب هي نفسها الحرب على الإسلام والمسلمين، وخصوصًا الأصوليين منهم على حسب زعمه، وبعبارة أخرى: إن أمريكا سوف تقدم مساعداتها لحكومة (إسبيي) إذا كانت الأخيرة تبدي استعدادها لمحاربة حركات الأصوليين أو القضاء عليها، مثل: مجلس المجاهدين، وجبهة الدفاع الإسلامية، وحزب التحرير الإندونيسيّ، وهؤلاء هم الذين يرفعون أصواتهم بشدة رافضين ومعارضين السياسات الأمريكيَّة في العالم الإسلاميّ، بالإضافة إلى تأكيدهم على أهمّية تطبيق الشريعة الإسلاميَّة في إندونيسيا. وفي كلمته أمام منسوبي الجامعة الإسلامية الحكومية في أمبون في السابع من يونيو ٢٠٠٤م قال (إسبيي) : إنّه سوف يعارض ويحارب كلَّ محاولة تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلاميَّة في إندونيسيا.
وعلى جانب آخر فإنَّ أمريكا سوف تغري (إسبيي) وتطلب بإلحاح بل قد تضغط عليه أن يقيم علاقات دبلوماسيَّة مع الدولة العبرية، كما فعلت ذلك مع سوهارتو، ولا يمكن بمكان إنكار تأثير اللوبي الإسرائيلي الذي قوي ساعداه في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في عهد حكومة (بوش الابن) متمشِّياً مع زيادة رسوخ أقدام المحافظين الجدد في دائرة بوش الابن، ومن ذلك ما قاده أوساط الطبقة الراقية في البنتاجون، مثل باول وولفويز Paul Wolfowitz)) ، ورتشارد برلي Richard Perle)) ، ودوجلاس فيث (Douglas Feith) ؛ فلذلك من المتوقَّع أن يكون إقامة علاقات دبلوماسيَّة مع (دولة العدو) من الشروط التي يجب أن تقبلها حكومة (إسبيي) للحصول على المساعدات الاقتصاديَّة والعسكريَّة الأمريكيَّة.
وإذا قام (إسبيي) بهذين الأمرين؛ يعني: محاربة المسلمين الأصوليين في جانب، وإقامة علاقات دبلوماسيَّة مع الصهاينة في جانب آخر، فلا يمكن بعد ذلك تفادي النزاعات التي ستحدث بين الحكومة والإسلاميين، كما حدث في حكومة سوهارتو في الثمانينيات من اشتباكات دامية بين الحكومة والمسلمين، مثل مأساة حادثة تانجونج بريوك Tanjung Priok)) عام ١٩٨٤م، وحادثة هاور كونينج Haur Koneng)) ، وحادثة تالانج ساري Talangsari)) عام ١٩٨٦م.
ومرَّة أخرى يكون دور حزب «العدالة والرفاهية» له تأثيره الفاعل، أضف إلى ذلك أنَّ منصب رئيس مجلس الشورى الشعبي للفترة بين ٢٠٠٤ ـ ٢٠٠٩م قد أنيط إلى (هدايت نور واحد) ، الرئيس العام السابق للحزب.
فعندما قرر (هدايت نور واحد) ، أن يؤيِّد حزبه (إسبيي) في السادس والعشرين من يوليو ٢٠٠٤م عقد اتفاقاً سياسياً مع (إسبيي) ، ومِن مفردات هذا الاتفاق: أن يبدي (إسبيي) استعداده لتأييد جهاد الشعب الفلسطينيّ، وألا يُقيم علاقات دبلوماسيَّة مع الدولة الصهيونية.
وفي قضيَّة التدخل الأجنبيّ وعد (إسبيي) أنَّه سوف يلتزم بمواجهته، كما أنَّه نفى ما يُشاع أنَّه حصل على تأييد أجنبيّ، وقال: إنَّه رفض هذا التأييد الأجنبيّ، وأقسم بالله أنّ ما قاله هو الصحيح، وهذا ما يُفترض تصديقه.
وفي حديثه مع «رئيس عام إخوان المبلغين في معهد نور الأنوار» باتانج Batang)) جاوا الوسطى في الخامس والعشرين ٢٠٠٤م أكَّد (إسبيي) أنَّه لم يضع مسألة إقامة علاقات دبلوماسيَّة مع الصهاينة في أجندته السياسيَّة فضلاً عن أن يكون من الأولويات التي يجب تنفيذها. وفي هذه المناسبة صرَّح (إسبيي) بأنَّه يؤيِّد تأييدًا كاملاً جهاد الشعب الفلسطينيّ، وأضاف قائلا إنَّه لا يمكن أن يقيم علاقات دبلوماسيَّة مع العدو الصهيوني ما دام النزاع قائماً في فلسطين التي تحاول استرداد سيادتها من الصهيونيَّة الإسرائيليَّة، ويدرك (إسبيي) جيداً النفسيَّة السياسيَّة للأمَّة الإسلاميَّة الإندونيسيَّة والعالميَّة.
وعلى جانب آخر فإنَّ رأيه تجاه تطبيق الشريعة الإسلاميَّة واضح وجليّ؛ فهو يرغب في أن يتمتَّع المواطنون بحرية كاملة في أداء شعائرهم الدينية، وهذا الأمر في رأيه يعطي طاقة روحانيَّة للشعب الإندونيسيّ في المستقبل الزاهر، كما أنَّه يرى أنَّ من أنيط إليه حكومة إندونيسيا لا يجوز أن ينكر تعدُّديَّة الشعب الدينيَّة، ولا يعادي مصالح المسلمين الذين يشكّلون الأغلبيَة العظمى في المجتمع، وعلى الرغم مِن ذلك فإنَّه يرفض رفضاً جازماً المصادقة على تطبيق التشريع الإسلاميّ في الدستور، كما كانت الحال في وثيقة جاكرتا (نور حياتي علي السقاف وياني واحد: «إسبيي» وشخصيته القياديَّة، مقال منشور في جريدة كومباس في العدد الرابع والعشرين من يونيو ٢٠٠٤م) .
ومع حصوله على تأييد من حزب «العدالة والرفاهية» ، حصل (إسبيي) كذلك على تأييد من منظمة هداية الله الإسلاميَّة الاجتماعيَّة التي لها أكثر من مائة معهد إسلامي منتشر في أنحاء إندونيسيا. قال الأمين العام المجلس الأعلى لهذه المنظمة (بيئيم ويبوو BM Wibowo) إنَّما أعطت هذه المنظَّمة الإسلامية الاجتماعيَّة تأييدها للثنائي (إسبيي، ويوسف كلا) ؛ لما لهما من اهتمام كبير في الارتقاء بمستوى برنامج التربية الدعويَّة الإسلاميَّة. وقد بيَّن الرئيس ونائبه لهذه المنظَّمة رؤيتهما المستقبليَّة ورسالتهما في حكومتهما، ووعدا بمنح مزيد من الحرية للمنظمات الإسلاميَّة والمسلمين في تطوير التربية الدعويَّة كالحرية التي تُمنح للإعلام.
إنَّ الانتخابات الرئاسيَّة عام ٢٠٠٤م أعطت درساً مفيداً للمسلمين أنَّ الأفكار والرؤية لم تجد رواجاً كاملاً لدى أغلب الشعب الإندونيسي، والبرهان على ذلك أنَّ الأستاذ الدكتور (أمين رئيس) ، وهو المرشَّح الذي قيل إنَّه يمثِّل الأغلبية المسلمة الإندونيسيَّة قد خسر الجولة الأولى. وقد حاول مؤخَّراً ألا يبدو ممثّلاً للأغلبيَّة المسلمة، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أنَّ (أمين رئيس) الذي سبق أن كان رئيساً عاماً للجمعيَّة الإسلاميَّة المحمَّديَّة هو الممثل الحقيقي للأغلبيَّة المسلمة.
وعلى خلاف ذلك ـ على سبيل ـ المثال (حمزة هاز) فهو وإن رشَّحه أحد الأحزاب الإسلاميّة وهو (حزب التنمية الاتِّحاديَّة) فإنَّ دخوله في بورصة الترشيح الرئاسيّ لا يتجاوز عن كونه (كومبارس) في هذه المناسبة الوطنيَّة، بل قد يكون الأمر أكثر مِن ذلك؛ حيث صرَّح الأستاذ الدكتور محفوظ إمدي (Mahfud MD) نائب رئيس عام حزب نهضة الشعب بأنَّ دخول (حمزة هاز) في هذه البورصة جزء من السيناريو الذي صاغته (ميجاواتي) وجماعتها، وذلك لتتفرق الأصوات الإسلاميَّة التي من المفروض أن تعطى لأمين رئيس. والدليل على ذلك أنَّ (حمزة هاز) في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسيَّة كان يؤيِّد ميجاواتي.
والذي يجري في الساحة أنَّ الشخصيَّة القياديَّة التي تُعرف بأنَّ لها خلفيات وطنيَّة وعلمانيَّة هي التي يختارها الشعب الإندونيسيّ الذين أغلبيّتهم مسلمون؛ فكانت الحسابات على الأوراق تبشِّر بإمكانيَّة فوز أمين رئيس في الانتخابات الرئاسيَّة، حيث إنَّه بمجرِّد حصوله على تأييد من المنظَّمات الاجتماعيَّة الإسلاميَّة مثل: الجمعيَّة المحمَّدية، وجمعيَّة الاتِّحاد الإسلاميّ، وكذا من الأحزاب الإسلامية، مثل حزب الأمانة الوطنيَّة، وحزب النجم الإصلاحي، وحزب العدالة والرفاهية، وأحزاب أخرى وطنيَّة، كان المفروض أن يحصل (أمين رئيس) على ثلاثين في المئة مِن أصوات الناخبين، ولكن الحاصل أنَّه في الواقع على خمسة عشر في المئة فقط من تلك الأصوات، وأخفق في الاشتراك في الجولة الثانية.
يبين استفتاء للرأي العام أنَّ (أمين رئيس) حصل على أربعة وخمسين في المئة فقط من أصوات أعضاء الجمعيَّة المحمَّديَّة الإسلاميَّة والمتعاطفين معها، كما أُشيع أنَّ كثيرًاٍ من الناخبين مِن حزب العدالة والرفاهية قد انتقلوا إلى (إسبيي) . يقول استفتاء للرأي العام: إنَّ أربعة وعشرين في المئة من أصوات الناخبين في حزب العدالة والرفاهية كانت لإسبيي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيَّة، مع أنَّ مجلس الشورى للحزب قد اختار أمين رئيس مرشحاً للرئاسة، أضف إلى ذلك تلك الإشاعات القائلة إنَّ كثيراً من الشخصيات المسلمة في البلد لا يحبون إسبيي؛ حيث قيل إنَّه لم يكن موالياً للإسلام (Eramuslim Online, ٢٠ Juli ٢٠٠٤) .
إنَّ قلَّة الأصوات المحمَديَّة لـ (أمين رئيس) سببها راجع إلى عامل اجتماعي وتقليد سياسيّ؛ فمن الناحية الاجتماعيَّة يعيش كثير من المحمديين في المدن، وكثيراً ما ينهلون الأفكار الليبرالية، وهو الأمر الذي جعل الطبقة العليا في هذه الجمعيَّة يشعرون بالعجز في توجيههم توجيهاً يتوافق مع المبادئ التي كانت تدرَّس لهم، ونجد مثل هذا الأمر في المنظمة الاجتماعيَّة الإسلاميَّة الأخرى، وهي جمعيَّة نهضة العلماء؛ حيث نجد بعض الشخصيات البارزة في هذه المنظمة يحاولون تطوير الأفكار الليبراليَّة في أوساط النهضيين، وهو الأمر الذي جعل كثيراً منهم ينبذون ارتباطهم بعلماء الجمعيَّة ومشايخها بل وبالشريعة الإسلاميَّة!! مع أنَّهم قبل ذلك كانوا يطيعون علماءهم وينصاعون لنصائحهم وفق ما تعلَّموه في الشريعة الإسلاميَّة، والذي يدعو للأسف الشديد في الوقت الحاضر أنّ الشريعة الإسلاميَّة يريدون انتشالها من هذه المنظَّمة لتحلَّ محلَّها الأفكار الإسلاميَّة الليبراليَّة.
واجتماعياً نجد كثيراً من النهضيين يهاجرون إلى المدن الكبيرة، وفي هذه المدن الكبيرة ينهلون تلك الأفكار الليبراليَّة بنهم شديد، وأصبحت قيادة العلماء في أوساطهم ليس لها السيطرة المطلقة كما كان الحال مِن قبل، وهذا الأمر يؤدِّي إلى إخفاق المرشَّحين لمنصب نائب الرئيس من هذه المنظَّمة: وهما هاشم مزادي، وصلاح الدين وحيد، وقد دخلا في بورصة الانتخابات العامة الرئاسيَّة عام ٢٠٠٤م، مع أنّ َهذه المنظَّمة كثيراً ما تدَّعي أنَّها أكبر منظَّمة إسلاميَّة في إندونيسيا.
ويظهر أنَّ المسلمين في إندونيسيا لا يبالون إن كان مرشَّحهم سوف يبذل جهوده فيما بعد لتطبيق الشريعة الإسلاميَّة في البلد أم لا، وهل يدافع عن المسلمين ومصالحهم أم لا؟ وهؤلاء في مثل موقفهم هذا لا يُلامون، ولا يمكن أن ينسب إليهم الخطأ؛ فالمسؤول عما آلوا إليه هم القياديون المسلمون والأحزاب الإسلاميَّة؛ فإنَّهم طوال هذه المدَّة لم يكونوا جادين في بناء الوعي السياسي في أوساط أولئك المسلمين؛ فالثمرات التي يجنيها القياديون الإسلاميون والأغلبيَّة الإسلاميَّة الإندونيسيَّة خلال هذه الفترة من الزمان هي الثمرات الليبراليَّة والعلمانيَّة التي طالما قام ويقوم بحملاتها القياديون السياسيون الإسلاميون أنفسهم؛ فهم يدعون المسلمين في أثناء الانتخابات العامَّة إلى جعل الإسلام أحد الخيارات في السياسة، ولكنَّهم لا يبيِّنون لهم أنَّ السياسة لا يمكن أن تنفصل عن الإسلام، بل نجد بعضَهم يدعون الأمَّة بالانشغال بالأمور التعبُّدية الشخصيَّة مثل الاستغاثة والذكر.
وعلى الرغم مما سبق فإنَّ خسارة الأحزاب السياسيَّة وخسارة المرشَّحين مِن أوساط المسلمين في الانتخابات العامة، سواء أكانت في الانتخابات التشريعيَّة بين الأحزاب أم الانتخابات التنفيذيَّة بين المرشَّحين لرئاسة الدولة، هي الحقيقة التي لا بدَّ أن يقبلها المسلمون الإندونيسيُّون، كما أنَّ ظهور (إسبيي) رئيساً جديداً لإندونيسيا لا بدَّ مِن قبوله بصدور رحبة؛ فهذه هي النتيجة الطبيعيَّة مِن الديمقراطيَّة؛ فهناك فائز كما أنَّ هناك خاسراً.
وفي المستقبل هناك وظيفتان: ذا أمد قصير، وذات أمد بعيد يمكن أن يقوم بهما المسلمون أو كبار السياسيين الإسلاميِّين؛ ففي الوظيفة ذات الأمد القصير، ومدَّتها خمس سنوات قادمة على المسلمين خصوصًا «حزب العدالة والرفاهية» والمنظَّمات الاجتماعيَّة الإسلاميَّة المؤيِّدة لـ (إسبيي) أن يقوموا بدور الحماية والحراسة لكيلا تكون السياسات التي تنفِّذها حكومة (إسبيي) تضرّ بالمسلمين وتمس كرامتهم بسوء كما سبق أن سردته سابقاً. وأمّا بالنسبة للمسلمين الذين هم خارج دائرة السلطة، وليسوا مؤيِّدين للرئيس الجديد المنتخب؛ فبإمكانِهم أن يقوموا بدور الرقابة، أو يكونوا معارضين بنَّائين؛ لكي يلتزم الرئيس (إسبيي) بما وعد قبل تولِّيه رئاسة حكومة إندونيسيا.
وأمَّا بالنسبة للوظيفة ذات الأمد البعيد فعلى المسلمين وكبار السياسيين الإسلاميين أن يقوموا باتخاذ خطوات ثوريَّة جريئة إذا رغبوا في الحصول على السلطة في الانتخابات العامة القادمة.
ومن تلك الخطوات: التوعية السياسية القاضية بأنَّ الإسلام لا يفصل الدين عن السياسة؛ فالدين والسياسة شيء واحد لا يتجزّأ، وعلى المشتغلين بالسياسة من المسلمين أن يُلقوا مصالحهم الشخصَّية وراء ظهورهم، ويقدِّموا المصالح المشتركة والأخوَّة الإسلاميَّة. وإنه من الممكن أن يكون للمسلمين في الانتخابات العامَّة القادمة حزب سياسي إسلاميّ واحد ومرشَّح واحد لرئاسة الجمهوريَّة القادمة من المسلمين. وفعلاً إنَّ مثل هذه الخطوات ليست سهلة بمكان، ولكن يبقى الدور المركزي للأحزاب الإسلامية هامشياً من غير اتخاذ مثل هذه الخطوات، وإن كانوا يمثلون السواد الأعظم في هذه الجمهورية.
(*) الباحث والمحلِّل السياسي في مركز الدراسات السياسيَّة التابع للمؤسسة الإندونيسيّة للبحوث والعلوم، والأستاذ المشارك في برنامج الدراسات الشرق أوسطيَّة والإسلاميَّة بجامعة إندونيسيا.