مراجعات في عالم الكتب
السيرة النبوية
كما جاءت في الأحاديث الصحيحة
- قراءة جديدة [*]-
تأليف: محمد الصوياني
عرض:د.مالك الأحمد
حقاً، إنها قراءة جديدة للسيرة النبوية، إنها ليست أحداثاً فحسب إنها قصة
ممتعة تجذبك من أولها إلى آخرها إنها [قصة طفل طهور كالبَرَد، ولد يتيماً،
واستمر اليتم يلاحقه ويلاحق طفولته في طرقات مكة ودروبها.. يذيقه المرارة..
يفجعه بأهله وأحبابه..] .
يصور لك الكتاب أحداث السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث النبوية
الصحيحة - بطريقة أدبية مشوقة، ويربط بين أحداثها بعباراته اللطيفة الحنونة.
فتعيش معها كأنك في ذلك العهد وكأنك من أفراد ذلك المجتمع. إنها [سيرة لم تكن
أبداً ماضياً أبداً بل شعلة توقد شموس الحياة ودماء تتدفق في عروق المستقبل
والأجيال] .
أما عن طريقته الجديدة فيقول: [أحاول في هذه القصة - السيرة - أن أبسط
ما أمكن.. أن أجعل هذه الأحداث سهلة في متناول الجميع خاصة من لا يبحثون
عن التعقيد أو التفريع، لذلك صغتها وربطت بين أحاديثها الصحيحة لتكون قصة لا
روايات أحداث متفرقة فقط] . وقد وفق الكاتب في طريقته المشوقة وسنمر سريعاً
على بعض فصول الكتاب.
بدأ الكاتب في أحداث السيرة من عبد المطلب جد الرسول - صلى الله عليه
وسلم - واستعرض سريعاً في تلك الفترة المبكرة قصة إبراهيم الخليل وولده
إسماعيل عند الحديث عن عبد المطلب وكشفه لزمزم، ثم يحدثنا عن ولد عبد
المطلب عبد الله [تربى عبد الله ذلك الطفل الوديع في قلب عبد المطلب وتربع فيه، وبلغ مبلغ الرجال دون أن يعرفه قومه بطيش أو سفه، كأني به هادئ كثير
الصمت والتأمل ملىء بالانتظار، ليس في حياته ما يثير، كأنه كالعالم من حوله
ينتظر وينتظر، ويبحث عن زوجة له في بيوتات مكة ويسأل، فكانت آمنة بنت
وهب بن عبد مناف هي الحبيبة وهي الإجابة] .
ثم يحدثنا الكاتب عن وفاة عبد الله بألم وحرقة وحزن آمنة المفجوعة بزوجها
الذي قبض بعيداً عنها وكانت تتحرق لعودته محملاً بالحب والهدايا وحكايات السفر.
وهكذا تمضي الأحداث ويولد سيد البشر محمد بن عبد الله - صلى الله عليه
وسلم - ويرد الكاتب على المغفلين والأغبياء الذين أنشأوا حول مولده الأساطير
والخرافات، ويشير بعجالة إلى هذه الأكاذيب ويحقق ما جاء من روايات صحيحة
في ذلك.
ثم يمضي الكاتب في رحلة السيرة من تسميته إلى رضاعته ونشأته، ونقف
عند وفاة أمه حيث لا يسعك إلا أن تذرف الدمع عند قراءة ذلك الحدث كما يصوره
الكاتب (ورجعت آمنة بصغيرها إلى مكة، وفي مكان يقال له الأبواء بين مكة
والمدينة توقفت المطايا، ونزلت آمنة عن ظهر الراحلة، ونزل صغيرها وقد
تعلقت بها عيناه وهي تتوجع وتئن أمامه، فلا يستطيع منحها ما يخفف ألمها سوى
نظرات حائرة خائفة، وتزيد آلامها ويزيد أنينها وتموت آمنة وتدفن أمام عينيه،
بعيداً عن مكة، بعيداً عن عبد المطلب، بعيداً عن أعمامه، تؤخذ آمنة منه وتوارى
تحت أكوام التراب، ويعود باكياً وحيداً حزيناً وقد تيتم مرة ثانية) . ويصور لك ...
الكاتب وقع الموت على قلب ذلك الصبي وذكراها في نفسه، ثم ينقلك سنوات بعد
ذلك: [لقد تعلق بها رغم أنه لم يحظ بقربها إلا سنوات قليلة، مر ذات يوم بقبرها
فرؤي له بكاء لم يبكه من قبل، يقول بريدة -رضي الله عنه-: (انتهى النبي -
صلى الله عليه وسلم - إلى رسم قبر فجلس وجلس الناس حوله فجعل يحرك رأسه
كالمخاطب ثم بكى، فاستقبله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول
الله ما يبكيك؟ فقال: هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها،
فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فأبى، وأدركتني رقتها فبكيت، فما رؤي
ساعة أكثر باكياً من تلك الساعة) ] .
ثم يعرج بالتفصيل على أحداث نشأة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
زواجه ومبعثه بأسلوب شجي يخاطب العقل والقلب ويثير المشاعر والأحاسيس
مورداً الروايات الصحيحة ضارباً صفحاً عبر الروايات الضعيفة فضلاً عن
الموضوعة. ثم يبين موقف قريش من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه
[ماذا تتوقعون من جيوش من الأصنام: أصنام العادات والتقاليد وشرف الآباء
والأجداد، والثارات، وأصنام الحجارة المرصوفة على الأرفف وفي مداخل البيوت، وحتى في خرج المسافر. وقبل ذلك فوق الكعبة ويحلف بها وتستشار ويصلى لها
ويذاد عنها بالمال والبنين وزينة الحياة كلها] .
ويفصل في تعذيب قريش للرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.
وتحت عنوان أول الشهداء يقول الكاتب [إنها امرأة: أول المسلمين كان امرأة،
أول اعتداء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بيد امرأة وكذلك أول
شهيد في الإسلام امرأة طاعنة في السن، اقتادها رجل شرس يقال له أبو جهل فاق
أبا لهب قسوة وغلظة، تبقى المسكينة ترسف في قيودها نحو بطحاء مكة، ثم
يطعنها برمحه أمام زوجها وابنها] و [وسمية الراحلة، لها رفاق صامدون
شامخون كأطواد مكة أرادتهم قريش عبيداً، فانتزعوا حريتهم بأيديهم، عذبوهم
لكنهم رفضوا الخنوع لسياط الشرك فعاشوا يتنفسون هواء الحرية الرحب حتى
ماتوا..] .
ثم يتابع الكاتب أخبار من أسلموا، وهجرتي الحبشة وما لاقاه المسلمون هناك، ومعاناة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع قريش. والكاتب دوماً يفصل بين كلامه والروايات المسندة كي لا يختلط كلامه بالروايات المخرجة في الحاشية والتي يحكم عليها الكاتب بما يراه من حسن أو صحة.
وتتوالى الأحداث سراعاً من المجاعة في مكة، إلى حصار الشعب، فعام
الحزن، فرحلة الطائف فالإسراء والمعراج، فبيعتي العقبة، ثم الهجرة إلى المدينة، مفصلاً أحداثها ساعة بساعة، واصفاً حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وصاحبه وما لاقاه في طريق الهجرة حتى وصولهما إلى المدينة.
رغم الجهد الكبير والطيب الذي بذله الكاتب في إخراج السيرة بهذه الصورة
الرائعة، فإن الكتاب لا يخلو من هفوات نشير إليها بعجالة.
بالنسبة لتخريج الروايات، فالكاتب - رغم أنه بذل الوسع في الحكم عليها -
فقد كان متساهلاً في كثير من المواضع في تحسين الروايات رغم ضعفها عند أهل
الاختصاص (انظر على سبيل المثال تفاصيل الطائف ولقاء عداس، وإسلام عمر،
وقصة أم معبد، ويمكن الرجوع في تفاصيل الروايات والحكم عليها إلى كتاب
(السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري) .
من جانب آخر حاول الكاتب أن يقحم نفسه - في مواضع قليلة - في نقد
أوضاع بعض الدعاة في زماننا، رغم أن المحل غير ملائم لمثل هذا الحديث،
فمثلاً عقب الحديث عن طلب قريش من النبي - صلى الله عليه وسلم - التنازل،
يقول: [فمن المتحمسين من يحمل بضعة أحاديث يغلفها بسوء ظن ويرصد من
حوله ليرميه بالكفر والمروق أو الفسق والانحلال] [ويصنف الناس إلى ملتزمين
وغير ملتزمين وينسى أثناء تصنيفه ما هو أهم، ينسى أخوة الإسلام..] .
والكاتب في ظني لم يوفق في إيحاءاته، وليس المجال ملائماً لبحث مثل هذه
الظواهر، وكان الأجدر به أن يستمر في حديثه في السيرة على منهجه الذي ارتآه،
وليس مقصودي أن سرد الدروس المستفاة من السيرة غير مهم - بل هو الأهم -
لكن هذا الأمر ليس مستهدفاً لدى الكاتب، ولم يتبين هذا النهج، بل منهجه كما
أسلفنا عرض السيرة النبوية في قالب قصصي.
(*) الكتاب صدر عام (١٤١٢) عن مكتبة الصفحات الذهبية، الرياض في ٢١٦ صفحة.